کتابخانه تفاسیر
تبيين القرآن، ص: 376
[44] أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ أكثر هؤلاء الكفار يَسْمَعُونَ الحق سماع تفهم أَوْ يَعْقِلُونَ يستعملون عقولهم و يتدبرون أَنَ ما هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا إذ الأنعام إذا عرفت مصالحها اتبعته، و هؤلاء يعرفون الحق و يعاندونه.
[45] أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ أي إلى قدرته تعالى كَيْفَ مَدَّ بسط الظِّلَ فإن للأشياء ظلا عند ظهور الشمس في السماء و هو نعمة كبيرة وَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً لا يتحرك، لكنه يضرّ بمصالح الناس ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ على الظل دَلِيلًا إذ لو لا الشمس ما كان يعرف معنى للظل.
[46] ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا أزلنا الظلّ بإيقاع شعاع الشمس مكانه قَبْضاً يَسِيراً قليلا قليلا.
[47] وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً ساترا بظلامه كما يستر اللباس وَ النَّوْمَ سُباتاً قاطعا للعمل لأجل الراحة وَ جَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً بعثا للناس من النوم.
[48] وَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً مبشرات بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أي المطر، فإن الريح تبشر بالمطر وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً طاهرا مطهرا.
[49] لِنُحْيِيَ بالنبات بِهِ بالمطر بَلْدَةً أرضا مَيْتاً و التذكير باعتبار البلد إذ التاء في بلدة لإفراد الجنس لا التأنيث وَ نُسْقِيَهُ أي و لنسقي من ذلك الماء أنعاما و أناسا مِمَّا خَلَقْنا بعض خلقنا أَنْعاماً بدل (مما) وَ أَناسِيَ جمع إنسان كَثِيراً .
[50] وَ لَقَدْ صَرَّفْناهُ أي المطر، نقلناه من هنا إلى هناك بَيْنَهُمْ بين بلادهم لِيَذَّكَّرُوا ليتفكروا فيعرفوا كمال قدرة الله فَأَبى امتنع أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً جحودا لنعم الله.
[51] وَ لَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً نبيا ينذر أهلها، و خففنا عليك الدعوة، لكن المصلحة أن تكون- يا محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- نبيّا لكل البشر.
[52] فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ بعد أن علمت الحق وَ جاهِدْهُمْ بِهِ بالقرآن جِهاداً كَبِيراً بكل قواك و إمكاناتك.
[53] وَ هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ جعلهما متلاصقين، فإن المياه العذبة تحت الأرض و المياه المالحة في البحار متلاصقان و مع ذلك لا يختلط أحدهما بالآخر بسبب الحواجز الأرضية هذا أحد البحرين عَذْبٌ حلو فُراتٌ بالغ العذوبة وَ هذا مِلْحٌ مالح أُجاجٌ شديد الملوحة وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً حاجزا من قدرته تعالى وَ حِجْراً مَحْجُوراً أي حراما محرما أن يفسد المالح العذب.
[54] وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ النطفة بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً الأولاد الذكور للنسب وَ صِهْراً البنات للصهر وَ كانَ رَبُّكَ قَدِيراً حيث خلق من الماء الواحد رجالا و نساء.
[55] وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ غير الله ما أي الأصنام لا يَنْفَعُهُمْ وَ لا يَضُرُّهُمْ وَ كانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً يظاهر الشيطان و يعاونه على مخالفة أوامر الله.
تبيين القرآن، ص: 377
[56] وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً بالثواب وَ نَذِيراً مخوفا من العقاب.
[57] قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ على تبليغ الرسالة مِنْ أَجْرٍ إِلَّا فعل مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى ثواب رَبِّهِ و جزائه سَبِيلًا فإن فعل ذلك الإنسان هو الأجر الذي أبغيه و أطلبه.
[58] وَ تَوَكَّلْ فوّض أمرك عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ و هو الله، أمّا سائر الأحياء فيموتون وَ سَبِّحْ بِحَمْدِهِ نزهه تعالى حامدا له وَ كَفى بِهِ بالله بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً فيجازيهم على ذنوبهم و هذا إلفات لهم حتى لا يذنبوا.
[59] الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ أي بقدر ستة أيام من أيام الدنيا ثُمَّ اسْتَوى توجه عَلَى الْعَرْشِ عرش الملك، أو الموضع المخلوق الخاص، و هذا من باب التشبيه كما أن الملك يصرف نظره بعد بناء المدينة إلى عرشه ثم يتوجه لإدارة شؤون البلاد الرَّحْمنُ مبتدأ فَسْئَلْ بِهِ بالرحمن خَبِيراً كأنك إذا سألته فقد سألت بسببه شخصا عالما، نحو: اشرب به عسلا يعني: إذا شربته فقد شربت بسببه عسلا، و هذا لإفادة علمه تعالى بكل شيء فهو الخالق و هو المدبر و هو العالم.
[60] وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ للكفار: اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَ مَا الرَّحْمنُ أي أيّ شيء الرحمن، فإنهم كانوا يكرهون هذا اللفظ، جهلا و سفها أَ نَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا بالسجود له، و الاستفهام للإنكار وَ زادَهُمْ كلامك نُفُوراً تنفرا و ابتعادا عن الحق.
[61] تَبارَكَ دام و ثبت الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً للكواكب وَ جَعَلَ فِيها في السماء سِراجاً مصباحا و هو الشمس وَ قَمَراً مُنِيراً ذا نور.
[62] وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً يخلف أحدهما الآخر و يقوم مقامه لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ يتذكر، فإن الكون مذكر بالله تعالى أَوْ أَرادَ شُكُوراً شكر الله على هذه النعم.
[63] وَ عِبادُ الرَّحْمنِ هم الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً مشيا هيّنا بدون تكبّر، بل بسكينة و تواضع وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ تكلموا معهم قالُوا للجاهلين سَلاماً أي كلاما سلميّا فلا يقابلونهم بالكلام السيئ.
[64] وَ الَّذِينَ عطف على (الذين) يَبِيتُونَ يقضون الليل، و التخصيص بالليل لأنه محل الفراغ للعبادة و هو أبعد من الرياء لِرَبِّهِمْ سُجَّداً ساجدين وَ قِياماً قائمين في الصلاة.
[65] وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ ادفع عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً غرامة، أو لازما للإنسان لا ينفك منه.
[66] إِنَّها جهنم ساءَتْ مُسْتَقَرًّا محل استقرار وَ مُقاماً محل بقاء و إقامة.
[67] وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا لم يتجاوزوا الحد في الإنفاق وَ لَمْ يَقْتُرُوا لم يضيقوا بأن لم يعطوا المقدار الكافي وَ كانَ إنفاقهم بَيْنَ ذلِكَ الإسراف و الإقتار قَواماً وسطا.
تبيين القرآن، ص: 378
[68] وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قتلها إِلَّا بِالْحَقِ كالقصاص و ما أشبه وَ لا يَزْنُونَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ الشرك أو القتل أو الزنا يَلْقَ يلاقي أَثاماً عصيانا كبيرا.
[69] يُضاعَفْ يشتد لَهُ الْعَذابُ لأنه أكثر جرما من سائر الجرائم الصغيرة يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ في العذاب حال كونه مُهاناً ذليلا.
[70] إِلَّا مَنْ تابَ عن تلك المعاصي وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ بأن يمحوا السيئات و يكتب مكانها الحسنات التي أتوا بها من الإيمان و العمل الصالح وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً .
[71] وَ مَنْ تابَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ يرجع إِلَى اللَّهِ مَتاباً مرجعا حسنا.
[72] وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ لا يقيمون شهادة باطلة وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ أي بالساقط من القول و الفعل مَرُّوا كِراماً متخذين موقف الإنسان الشريف من ذلك اللغو، فإن كان المقام مقام النهي نهوا و إن كان مقام الإعراض أعرضوا و هكذا.
[73] وَ الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ كالقرآن و العبر لَمْ يَخِرُّوا لم يقيموا عَلَيْها صُمًّا كالأصم الذي لا يسمع وَ عُمْياناً كالأعمى الذي لا يبصر، بل استفادوا من سماع المواعظ و من رؤية العبر.
[74] وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيَّاتِنا أولادنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ أي صلحاء تستقر بهم الأعين فرحا و حبورا، فإن الخائف و المحزون تتقلب عينه هنا و هناك ليجد ملجأ يزيل به همه بخلاف المطمئن الفرح وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً يقتدون بنا في أمر الدين.
[75] أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ غرف الجنة المشرفة عليها بِما صَبَرُوا أي بسبب صبرهم وَ يُلَقَّوْنَ فِيها تتلقاهم الملائكة في الغرفة تَحِيَّةً من (حيّاك الله) أي أحياك حياة طيبة «1» وَ سَلاماً سلامة من الآفات.
[76] خالِدِينَ فِيها دائمين في تلك الغرفة و النعمة حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً مقابل (ساءت مستقرا و مقاما).
[77] قُلْ ما يَعْبَؤُا لا يكترث بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ بأن تدعوه فَقَدْ كَذَّبْتُمْ رسوله و دينه، و لذا فلستم بموضع مبالاته و اكتراثه فَسَوْفَ يَكُونُ جزاء تكذيبكم لِزاماً ملازما لكم.
(1) التحية: التلقي بالكرامة في المخاطبة.
تبيين القرآن، ص: 379
26: سورة الشعراء
مكية آياتها مائتان و سبع و عشرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1] طسم رمز بين الله و الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
[2] تِلْكَ هذه الآيات المذكورة في هذه السورة آياتُ الْكِتابِ القرآن الْمُبِينِ الواضح.
[3] لَعَلَّكَ يا رسول الله باخِعٌ هالك نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ أي من أجل عدم إيمانهم، و المعنى: لا تغتم لعدم إيمانهم.
[4] إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً علامة تجبرهم على الإيمان فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ منقادين، و ذكر الأعناق لأنه موضع الخضوع.
[5] وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ موعظة و إرشاد مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ مجدد تنزيله إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ جددوا إعراضا.
[6] فَقَدْ كَذَّبُوا بالذكر فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا أخبار ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فيعلمون أنه كان حقا، حيث يأخذهم جزاء تكذيبهم.
[7] أَ وَ لَمْ يَرَوْا ألا ينظرون إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ صنف من أصناف النبات كَرِيمٍ ذي فوائد هي محل تكريم الإنسان له.
[8] إِنَّ فِي ذلِكَ الذي رأوه من إنبات النبات لَآيَةً على الله تعالى وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ .
[9] وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب الرَّحِيمُ و برحمته يمهلهم.
[10] وَ اذكر إِذْ زمان نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ اذهب إلى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .
[11] قَوْمَ فِرْعَوْنَ بدل أَ لا يَتَّقُونَ الكفر و العصيان، و الاستفهام للإنكار.
[12] قالَ موسى عليه السّلام: رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ يكذبوني.
[13] وَ يَضِيقُ صَدْرِي بتكذيبهم لي وَ لا يَنْطَلِقُ لِسانِي لست أفصح الكلام كما ينبغي فَأَرْسِلْ ملائكتك إِلى أخي هارُونَ ليكون معينا لي.
[14] وَ لَهُمْ لآل فرعون عَلَيَّ ذَنْبٌ في اعتقادهم حيث قتلت أحدهم فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ يقتلوني قصاصا.
[15] قالَ الله، بعد أن حلّ عقدة لسانه و جعل أخاه نبيا يعضده: كَلَّا لا يقتلونك فَاذْهَبا يا موسى و هارون بِآياتِنا حججنا و براهيننا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ أسمع كلامكما و كلامهم.
[16] فَأْتِيا اذهبا إلى فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ .
[17] أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ دعهم يذهبون معنا إلى الشام، فجاءا إليه و قالا له.
[18] قالَ فرعون: أَ لَمْ نُرَبِّكَ يا موسى تربية فِينا في منازلنا وَلِيداً طفلا وَ لَبِثْتَ بقيت فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ سنوات من عمرك حتى صرت شابا.
[19] وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ من قتل القبطي وَ أَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ بنعمتي التي أسبغتها عليك حيث قتلت أحد أتباعي.
تبيين القرآن، ص: 380
[20] قالَ موسى عليه السّلام: فَعَلْتُها فعلت الفعلة، أي القتل إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ عن طريقك، أي لم أكن اعترف بطريقتكم، و لست كافرا بنعمتك كما زعمت.
[21] فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ أن تقتلوني قصاصا للقبطي فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً سلطة و حكومة وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ نبيا.
[22] وَ تِلْكَ التربية نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ أي هذه ليست نعمة و إنما هي خلاف النعمة أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ اتخذتهم عبيدا تقتل أولادهم مما ألجأت أمي إلى أن تقذفني في النيل.
[23] قالَ فِرْعَوْنُ وَ ما رَبُّ الْعالَمِينَ ما هو حقيقته.
[24] قالَ موسى عليه السّلام: هو رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ بشيء، فهذا أولى الأشياء باليقين.
[25] قالَ فرعون لِمَنْ حَوْلَهُ أَ لا تَسْتَمِعُونَ جواب موسى عليه السّلام، أنا أسأله عن حقيقة إلهه، و هو يجيبني عن آثاره.
[26] قالَ رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فهو خالقكم أجمعين.
[27] قالَ فرعون غيظا و بهتا من جواب موسى عليه السّلام:
إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ لأنه يقول أشياء لا حقيقة لها حسب زعمه.
[28] قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ ما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ أي إن استعملتم عقلكم لعلمتم ذلك.
[29] قالَ فرعون، بعد أن عجز عن الجواب: لَئِنِ اتَّخَذْتَ يا موسى إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ أحبسك في السجن.
[30] قالَ موسى عليه السّلام: أَ تفعل ذلك وَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ بمعجزة مُبِينٍ واضح.
[31] قالَ فرعون: فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ في دعواك.
[32] فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ حية مُبِينٌ ظاهر.
[33] وَ نَزَعَ يَدَهُ أخرج يده من جيبه فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ بياضا منيرا لِلنَّاظِرِينَ لمن ينظر.
[34] قالَ فرعون لِلْمَلَإِ الأشراف حَوْلَهُ إِنَّ هذا موسى عليه السّلام لَساحِرٌ عَلِيمٌ خبير بفنون السحر.
[35] يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فإنه إذا تسلط اضطرت الهيئة الحاكمة إلى الفرار بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ في دفعه.
[36] قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ أي أخّر أمرهما وَ ابْعَثْ أرسل فِي الْمَدائِنِ في البلاد حاشِرِينَ أشخاصا جامعين للسحرة.
[37] يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ حاذق في السحر.
[38] فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ وقت يَوْمٍ مَعْلُومٍ معيّن.
[39] وَ قِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ حث للناس على الاجتماع ليشاهدوا مقابلة موسى عليه السّلام للسحرة.
تبيين القرآن، ص: 381
[40] لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ أي نبقى على ديننا القديم إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ على موسى و هارون عليهما السّلام.
[41] فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَ إِنَّ لَنا لَأَجْراً أي هل تعطينا جزاء إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ إن تغلبنا على موسى عليه السّلام.
[42] قالَ فرعون: نَعَمْ أعطيكم الأجر وَ إِنَّكُمْ إِذاً إذا غلبتم لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ أقرّبكم إلى بلاطي.
[43] قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ أيها السحرة مُلْقُونَ من أنواع السحر.
[44] فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ جمع حبل وَ عِصِيَّهُمْ جمع عصا، و هي التي أظهروها في أعين الناس كأنها حيّات وَ قالُوا أي السحرة: قسما بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ .
[45] فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ تبلع بسرعة ما يَأْفِكُونَ ما أظهروه في أعين الناس حيات، من الإفك بمعنى الكذب.
[46] فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ ألقاهم ما بهرهم من الحق حتى لم يتمالكوا أنفسهم أن أذعنوا و سجدوا لله.
[47- 49] قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَ هارُونَ. قالَ فرعون: هل آمَنْتُمْ لَهُ لرب موسى عليه السّلام قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ لأنه كان يزعم أنه لا يجوز لأحد الإيمان إلا بإذنه إِنَّهُ موسى عليه السّلام لَكَبِيرُكُمُ رئيسكم الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ وبال عملكم، و تآمركم مع موسى عليه السّلام، فإن فرعون أظهر أن موسى عليه السّلام و السحرة تآمروا على ذلك لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ اليد اليمنى و الرجل اليسرى وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ شنقا على المشانق.
[50] قالُوا لا ضَيْرَ لا ضرر علينا في ذلك إِنَّا إِلى رَبِّنا إلى ثوابه مُنْقَلِبُونَ راجعون.
[51- 52] إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا كفرنا و ذنوبنا أَنْ لأن، أي في قبال كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ المصدقين بإله موسى عليه السّلام. وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ أخرج ليلا بِعِبادِي بني إسرائيل إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ أي يتبعكم فرعون، و لذا أخرج بهم ليلا.
[53] فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ حين أخبر بأنهم خرجوا عن مصر فِي الْمَدائِنِ التي كانت تابعة له حاشِرِينَ جامعين للناس ليقولوا لهم عن لسان فرعون:
[54] إِنَّ هؤُلاءِ موسى عليه السّلام و بني إسرائيل لَشِرْذِمَةٌ جماعة قَلِيلُونَ .
[55] وَ إِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ فاعلون ما أغضبنا.
[56] وَ إِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ في حذر من هؤلاء حتى لا يفسدوا، و كان هذا الكلام من فرعون لأجل توقي البلاد من موسى عليه السّلام و قد أعلنه قبل أن يخرج لتعقيب موسى عليه السّلام.
[57] فَأَخْرَجْناهُمْ فرعون و ملأه مِنْ جَنَّاتٍ بساتين مصر وَ عُيُونٍ عيون مياهها جارية.
[58] وَ كُنُوزٍ أموالهم المكنوزة وَ مَقامٍ كَرِيمٍ منازل حسنة كانت لهم.
[59] كَذلِكَ هكذا وَ أَوْرَثْناها تلك النعم بَنِي إِسْرائِيلَ حيث إن موسى عليه السّلام بعد أن غرق فرعون أرسل جماعة من بني إسرائيل لحكومة مصر.
[60] فَأَتْبَعُوهُمْ أتبع فرعون و جنوده موسى عليه السلام و من معه مُشْرِقِينَ وقت دخولهم في شروق الشمس.
تبيين القرآن، ص: 382
[61] فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ رأى جمع موسى عليه السّلام و جمع فرعون أحدهما الآخر قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ يدركنا فرعون الآن، قالوا ذلك خائفين.
[62] قالَ موسى عليه السّلام: كَلَّا لا يدركوننا إِنَّ مَعِي رَبِّي بالنصرة و الخلاص سَيَهْدِينِ يهديني إلى طريق الخلاص.
[63] فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ البحر الأحمر الذي كان أمامهم، فضربه فَانْفَلَقَ أي انشق اثني عشر مسلكا فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كل قطعة من ماء البحر كَالطَّوْدِ الجبل الْعَظِيمِ فدخلوا في البحر يسلكون الطرق.
[64] وَ أَزْلَفْنا قربنا إلى البحر ثَمَ هناك الْآخَرِينَ فرعون و جنوده حتى دخلوا البحر.
[65] وَ أَنْجَيْنا مُوسى وَ مَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ بأن خرجوا من البحر، و فرعون و جنوده و صلوا إلى وسطه.
[66] ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ بإطباق ماء البحر عليهم.
[67] إِنَّ فِي ذلِكَ نجاة موسى عليه السّلام و هلاك فرعون لَآيَةً لمعجزة كبيرة وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ أكثر بني إسرائيل مُؤْمِنِينَ مع رؤية هذه الآية.
[68] وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ في سلطانه الرَّحِيمُ بعباده، و لذا لا يعاجلهم بالعقوبة.
[69] وَ اتْلُ اقرأ عَلَيْهِمْ على الناس نَبَأَ خبر إِبْراهِيمَ عليه السّلام.
[70] إِذْ قالَ لِأَبِيهِ عمه آزر وَ قَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ استفهام إنكار.
[71] قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُ ندوم لَها عاكِفِينَ مقيمين على عبادتها.
[72] قالَ إبراهيم عليه السّلام: هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ أي يسمعون كلامكم إِذْ تَدْعُونَ حين تدعون الأصنام.
[73- 74] أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قالُوا أي الكفّار: بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ يعبدون الأصنام، و نحن تبع لهم.
[75] قالَ إبراهيم عليه السّلام: أَ فَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ .
[76] أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فإن الباطل لا ينقلب حقا بتقادم عهده.
[77] فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي أي عدو للإنسان حيث يسبب هلاكه و عقابه إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ فإنه المعبود الحق الذي لا يضر الإنسان إذا عبده، بل ينفعه.
[78] الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ يهديني، يرشدني إلى مصالحي.
[79] وَ الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِ يسقيني، فإنه خلق الماء و الغذاء.
[80] وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ يشفيني، الشفاء بيده و إنما الطبيب وسيلة.
[81] وَ الَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ يحييني في الآخرة للحساب.
[82] وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي ترك الأولى، فإن أعمال الأنبياء عليهم السّلام الضرورية كالأكل و الشرب و ما أشبه يعدونها خطايا لمعرفتهم بالله معرفة تامة فيرون قصور أنفسهم أمام جلاله، كما إذا اضطر الإنسان لمد رجله أمام الملك فإنه يعده خطأ و إن كانت الضرورة ساقته إلى ذلك يَوْمَ الدِّينِ يوم الجزاء.