کتابخانه تفاسیر
تبيين القرآن، ص: 413
[39] وَ قارُونَ وَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ بالأدلة الواضحة فَاسْتَكْبَرُوا تكبروا عن قبول الحق و العمل الصالح فِي الْأَرْضِ وَ ما كانُوا سابِقِينَ لم يفوتونا بل أخذناهم.
[40] فَكُلًّا من المذكورين أَخَذْنا عاقبناه بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً أي ريحا فيها حصباء و هي الحجارة، و هم قوم لوط عليه السّلام وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ صيحة جبرئيل عليه السّلام فأهلكهم و هم ثمود و مدين وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ كقارون وَ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا كقوم نوح عليه السّلام و فرعون وَ ما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ حيث عذبهم وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بالكفر و العصيان حتى استحقوا العقاب.
[41] مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ غير الله أَوْلِياءَ آلهة كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ فالمشركون كالعنكبوت حال كونها اتَّخَذَتْ بَيْتاً صنعت بيتا ضعيفا موهونا وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ أضعفها لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ لعلموا أن بناءهم كبناء العنكبوت، فكما إن بيت العنكبوت إنما هو لأجل الرزق فقط و لا ينفعها في حر و لا برد و لا بقاء له، كذلك دين المشركين لا مستقبل له و لا ينفعهم.
[42] إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما الأصنام التي يَدْعُونَ أي المشركون إياها مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ بيان (ما) وَ هُوَ الْعَزِيزُ الذي لا يغالب الْحَكِيمُ و من حكمته لا يعاجلهم بالعقوبة.
[43] وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ هذه الأمثال و نظائرها نَضْرِبُها نذكرها لِلنَّاسِ تقريبا إلى أفهاههم وَ ما يَعْقِلُها لا يفهم فائدتها إِلَّا الْعالِمُونَ الذين يريدون التعلم.
[44] خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِ لم يقصد بهما عبثا و باطلا إِنَّ فِي ذلِكَ الخلق لَآيَةً دليلا على وجود الله و قدرته لِلْمُؤْمِنِينَ فإنهم المنتفعون بالآيات.
[45] اتْلُ اقرأ يا محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ القرآن وَ أَقِمِ الصَّلاةَ أدها إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى لأنها سبب للانتهاء عَنِ الْفَحْشاءِ الفعال القبيحة المتعدية في الفحش و الإثم وَ الْمُنْكَرِ سائر الآثام وَ لَذِكْرُ اللَّهِ بأن تكونوا في ذكره أَكْبَرُ من الصلاة، لأن الذكر يقود إلى كل خير وَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ ما تعملون فيجازيكم عليه.
تبيين القرآن، ص: 414
[46] وَ لا تُجادِلُوا لا تحاجّوا أيها المسلمون أَهْلَ الْكِتابِ اليهود و النصارى إِلَّا بِالَّتِي بالصفة التي هِيَ أَحْسَنُ كمقابلة الشدة باللين و الغضب بالحلم إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ بأن أكثروا في العناد فلا بأس بمقابلتهم بالمثل كبحا لجماحهم وَ قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ كالتوراة و الإنجيل وَ إِلهُنا وَ إِلهُكُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ لله تعالى مُسْلِمُونَ منقادون.
[47] وَ كَذلِكَ أي هكذا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ القرآن مصدقا للكتب السابقة فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ أعطيناهم الْكِتابَ جنس الكتاب السماوي، ممن ليس بمعاند يُؤْمِنُونَ بِهِ بما أنزل إليك وَ مِنْ هؤُلاءِ المشركين مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بكتابك أيضا وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا ينكرها مع وضوحها إِلَّا الْكافِرُونَ المعاندون في كفرهم.
[48] وَ ما كُنْتَ يا محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تَتْلُوا تقرأ مِنْ قَبْلِهِ قبل القرآن مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ أي لا تكتب شيئا بِيَمِينِكَ بيدك إِذاً أي لو كنت تقرأ و تكتب لَارْتابَ لشك في رسالتك الْمُبْطِلُونَ الذين شأنهم الإبطال لكل ما لا يريدونه، أما الذين يتبعون الحق فلا فرق عندهم إذا رأوا المعجزة أن يكون الآتي بها قارئا و كاتبا أم لا، فليس القرآن إذا مجموعا من الكتب السابقة أخذه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منها.
[49] بَلْ هُوَ القرآن آياتٌ بَيِّناتٌ أدلة واضحات فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ حفظها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الوحي وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا ينكرها إِلَّا الظَّالِمُونَ أنفسهم بترك النظر.
[50] وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ على الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم آياتٌ مِنْ رَبِّهِ كعصا موسى عليه السّلام و ما أشبه من الخوارق قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ فإذا رأى المصلحة في إنزالها أنزلها وَ إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ منذر لكم عن عذاب الله مُبِينٌ ظاهر، و قد أتيت بما يثبت أني نبي و كفى.
[51] أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ آية دالة على صدقه أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إنزالنا الكتاب يُتْلى عَلَيْهِمْ دائما فهو آية لا تزول بخلاف سائر الآيات التي نزلت على الأنبياء السابقين إِنَّ فِي ذلِكَ الكتاب المعجز المستمر لَرَحْمَةً وَ ذِكْرى تذكيرا لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فإنهم المنتفعون بالقرآن.
[52] قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ شَهِيداً شاهدا لصدقي، إذ لو لا أني صادق لم يجر الله المعجزة على يدي يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فلا يخفى عليه حالي، فإذا كنت كاذبا لعلم بذلك وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ الأصنام وَ كَفَرُوا بِاللَّهِ لم يوحدوه أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ الذين خسروا أنفسهم و أهليهم.
تبيين القرآن، ص: 415
[53] وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ أي الكفار بِالْعَذابِ يقولون إن كنت نبيا فأنزل علينا العذاب وَ لَوْ لا أَجَلٌ وقت مُسَمًّى قد سمي لهلاكهم لَجاءَهُمُ الْعَذابُ عاجلا وَ لَيَأْتِيَنَّهُمْ العذاب بَغْتَةً فجأة وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ بإتيانه.
[54] يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ سيحيط بهم فلما ذا تعجيلهم.
[55] يَوْمَ ظرف لقوله (لمحيطة) يَغْشاهُمُ يحيط بهم الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ من جميع الجوانب وَ يَقُولُ الله لهم ذُوقُوا ما جزاء ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أعمالكم.
[56] يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فإذا لم تقدروا على إقامة الدين في وطنكم فسافروا فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ و لا تشركوا، و إذا لم تتمكنوا في بلدكم فهاجروا إلى بلد آخر.
[57] كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ تنال الموت لا محالة ثُمَّ إِلَيْنا إلى جزائنا تُرْجَعُونَ في الآخرة.
[58] وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ ننزلهم مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً عاليا تشرف على الجنة تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا تحت تلك الغرف الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها باقين أبدا نِعْمَ تلك الغرف أَجْرُ الْعامِلِينَ لأجل الله تعالى.
[59] الَّذِينَ صفة (العاملين) صَبَرُوا على ما أمرهم الله به وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ في أمورهم.
[60] وَ كَأَيِّنْ كم مِنْ دَابَّةٍ حيوان لا تَحْمِلُ لا تتمكن من إعداد رِزْقَهَا لضعفها اللَّهُ يَرْزُقُها بدون إعداد وَ إِيَّاكُمْ فالقوي و الضعيف سواء في إرزاق الله تعالى له وَ هُوَ السَّمِيعُ لأقوالكم الْعَلِيمُ بأحوالكم.
[61] وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ أي المشركين مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ سَخَّرَ ذلل الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فإنهم كانوا يعترفون بالله فَأَنَّى إلى أين يُؤْفَكُونَ يصرفون عن توحيده بعد أن اعترفوا بأن كل شيء منه تعالى.
[62] اللَّهُ يَبْسُطُ يوسع الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ يضيق لَهُ لمن يشاء إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فيرزقهم حسب المصلحة.
[63] وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً المطر فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بالنبات مِنْ بَعْدِ مَوْتِها باليباب لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فكيف يجعلون الأصنام شركاء له سبحانه قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ على أن اعترفوا بالحق بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ لا يستعملون عقولهم و لذا يشركون.
تبيين القرآن، ص: 416
[64] وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ كما يلهو و يلعب الصبيان بالدمى، و ينتهي بعد قليل وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ الحياة الحقيقية لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ لعلموا ذلك.
[65] فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ السفينة دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ وحده بلا شريك لَهُ الدِّينَ فهم كمن أخلص دينه و طريقته لله، في دعائه فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ يرجعون إلى شركهم.
[66] لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ أي يشركون ليكونوا كافرين بسبب شركهم نعمة النجاة وَ لِيَتَمَتَّعُوا بسبب عبادة الأصنام بدنياهم و رئاستهم فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ عاقبة شركهم.
[67] أَ وَ لَمْ يَرَوْا هؤلاء الكفار أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً و هو مكة المكرمة يؤمن أهلها من تعدي الناس عليهم، فهل أصنامهم فعلت ذلك وَ يُتَخَطَّفُ يؤخذ بسرعة النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ بالتغادر قتلا و نهبا أ فبعد هذه النعم بالباطل التي هي الأصنام يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ حيث إن شركهم كفران للنعمة، فإن الله أنعم عليهم فيشركون الأصنام معه.
[68] وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً بأن زعم أن له شريكا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِ الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و القرآن لَمَّا جاءَهُ الحق أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً محل إقامة لِلْكافِرِينَ و هذا تهديد لهم بأن محلهم النار.
[69] وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لأجلنا جاهدوا الكفار و النفس لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا طرق الخير، فانه كلما تقدم الإنسان إلى ناحية انفتح الطريق أمامه أكثر فأكثر وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ بالنصر و العون.
30: سورة الروم
مكية آياتها ستون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1] الم رمز بين الله و الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
[2] غُلِبَتِ الرُّومُ النصارى، غلبهم المجوس الفرس في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاغتم المسلمون، لأن دين المسيح عليه السّلام كان أقرب إلى دين الإسلام، فسلاهم الله تعالى، بأن الروم سيغلبون على الفرس بعد سنوات.
[3] فِي أَدْنَى الْأَرْضِ أدنى أرض العرب قرب الشام وَ هُمْ أي الروم مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ مغلوبيتهم سَيَغْلِبُونَ الفرس.
[4] فِي بِضْعِ سِنِينَ هو ما بين الثلاث و العشر، و قد كان كما أخبر الله تعالى لِلَّهِ الْأَمْرُ فإن التقدير منه مِنْ قَبْلُ قبل أن يغلب الفرس وَ مِنْ بَعْدُ أن غلبوا فكل شيء بإذن الله وَ يَوْمَئِذٍ يوم أن يغلب الروم على الفرس يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ .
[5] بِنَصْرِ اللَّهِ لأنه نصر المسيحيين الذين هم أقرب إلى المسلمين يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ حسب مشيئته وَ هُوَ الْعَزِيزُ الذي لا يغلب الرَّحِيمُ بعباده، فينصرهم حسب المصلحة.
تبيين القرآن، ص: 417
[6] وَعْدَ اللَّهِ نصرة الروم لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ لامتناع القبيح عليه وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أن الله لا يخلف وعده.
[7] يَعْلَمُونَ ظاهِراً أي ما يشاهدونه مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ و لذا لا يعملون لها.
[8] أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ أ فلم يحدثوا الكفر في أنفسهم ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ إذ لو لم تكن آخرة كان خلق الحياة عبثا وَ أَجَلٍ أمد مُسَمًّى قد سمي فلا تبقى بعده حياة وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ بملاقاة جزائه لَكافِرُونَ .
[9] أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا يسافروا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كعاد و ثمود، حتى يروا آثارهم الخربة الدالة على عذابهم كانُوا أولئك أَشَدَّ مِنْهُمْ من هؤلاء الكفار قُوَّةً جسمية و مالية وَ أَثارُوا الْأَرْضَ قلبوها للزراعة و استخراج المعادن وَ عَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها هؤلاء وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ المعجزات، لكنهم كذبوا فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ حيث عذبهم وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بالكفر و المعاصي و لذا أخذهم الله بالعذاب.
[10] ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى كبشرى، أي عملوا العمل السيئ أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ كانُوا بِها بآيات الله يَسْتَهْزِؤُنَ فإن العصيان يجر إلى الكفر.
[11] اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ينشئهم ثُمَّ يُعِيدُهُ يبعثهم ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ إلى جزائه.
[12] وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ القيامة يُبْلِسُ أي يتحيرون، فلا يجدون جوابا الْمُجْرِمُونَ الذي أجرموا بالكفر و العصيان.
[13] وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ الأصنام التي أشركوها بالله شُفَعاءُ ليدفعوا عنهم العذاب وَ كانُوا بِشُرَكائِهِمْ الأصنام التي جعلوها شركاء لله كافِرِينَ يكفرون بها حين يشاهدون بطلانها.
[14] وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ المؤمنون و الكافرون.
[15] فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ جنة يُحْبَرُونَ يسرون سرورا يظهر على وجوههم.
تبيين القرآن، ص: 418
[16] وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ بأن أنكروا البعث فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ يحضرون هناك.
[17] فَسُبْحانَ اللَّهِ أنزهه تنزيها عن الشريك حِينَ تُمْسُونَ تدخلون المساء وَ حِينَ تُصْبِحُونَ تدخلون الصباح.
[18] وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لأنه المستحق الوحيد في المكانين وَ عَشِيًّا ليلا وَ حِينَ تُظْهِرُونَ تدخلون في وقت الظهر، أي في الأوقات كلها.
[19] يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ كالبيضة من الدجاجة و الفرخ من البيضة وَ يُحْيِ الْأَرْضَ بالنبات بَعْدَ مَوْتِها بيبس النبات وَ كَذلِكَ كما أحيى الأرض تُخْرَجُونَ أحياء من قبوركم.
[20] وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ منتشرين في الأرض.
[21] وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ من جنسكم أَزْواجاً زوجاتكم لِتَسْكُنُوا إِلَيْها لتألفوها وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً يحب بعضكم بعضا وَ رَحْمَةً يرحم بعضكم بعضا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ دالات على وجود الله و لطفه لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فإنهم المنتفعون بالآيات.
[22] وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ بأن كان لكل جماعة لغة، أو لهجة خاصة وَ أَلْوانِكُمْ من اللون الخاص بكل جماعة و بكل فرد إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ فان العالم هو المنتفع بالآيات.
[23] وَ مِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ نومكم بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ ابْتِغاؤُكُمْ طلبكم مِنْ فَضْلِهِ رزقه، ففي كل من الليل و النهار، ينام الإنسان و يكتسب إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ سماع تدبر و تعقل.
[24] وَ مِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً من الصاعقة و السيل و ما أشبه وَ طَمَعاً في المطر و تحسين الهواء وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بالنبات بَعْدَ مَوْتِها باليبات إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يستعملون عقولهم.
تبيين القرآن، ص: 419
[25] وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ أي قيامهما بأمر الله و إرادته ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً لإحيائكم و إخراجكم مِنْ بطن الْأَرْضُ أي قبوركم إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ فإحياؤكم بعد الموت آية من آياته.
[26] وَ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ خاضعون منقادون.
[27] وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ينشئه ثُمَّ يُعِيدُهُ بعد الموت إحياء وَ هُوَ أي البدء و الإعادة أَهْوَنُ عَلَيْهِ تعالى مما تتصورون وَ لَهُ الْمَثَلُ الوصف الْأَعْلى من كل وصف، لأنه لا مساوي له حتى يشاركه في علو المثل فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فلا في السماء و لا في الأرض من يشبهه في المثل وَ هُوَ الْعَزِيزُ الذي لا يغلب الْحَكِيمُ في أفعاله.
[28] ضَرَبَ الله لَكُمْ أيها المشركون مَثَلًا منتزعا مِنْ أَنْفُسِكُمْ لبطلان عبادتكم للأصنام هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ من عبيدكم الذين اشتريتموهم بما كسبت أيديكم من المال مِنْ شُرَكاءَ بأن يكون العبد شريكا لكم، و الحال أنه ملك لكم فِي ما رَزَقْناكُمْ من الأموال و السيادة فتكونوا هم و أنتم فيه في الرزق سَواءٌ متساوين تَخافُونَهُمْ أي تخافون تلك العبيد كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كما يخاف الأحرار بعضهم من بعض، و حيث يجيب المشركون على هذا السؤال بالنفي، فاللازم عليهم أن لا يجعلوا عبيد الله شركاء له، إذ العبد لا يساوي السيد كَذلِكَ هكذا نُفَصِّلُ الْآياتِ نشرحها لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يستعملون عقولهم.
[29] بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بالشرك أَهْواءَهُمْ بدون حجة و دليل في حال كونهم بِغَيْرِ عِلْمٍ جاهلين فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ أي لا هادي لهم بعد إضلال الله لهم، و ذلك حيث تركهم حتى ضلوا بعد أن عاندوا الحق وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ يدفعون العذاب عنهم.
[30] فَأَقِمْ قوّم وَجْهَكَ ذاتك لِلدِّينِ باتباعه، حال كونه حَنِيفاً مائلا عن الباطل إلى الحق، فاتبع فِطْرَتَ اللَّهِ خلقته الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها على تلك الكيفية، فان الإنسان يجد من أعماق نفسه الاعتقاد بوجود إله للكون عالم قدير لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ فإن كل إنسان يجد من نفسه ذلك بدون تبديل، حتى أن المشرك أيضا لا يقدر أن يبدل خلقته و فطرته ذلِكَ الذي قلنا بإقامة وجهك أمامه الدِّينُ الْقَيِّمُ الطريقة المستقيمة وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ استقامته لعدم تدبرهم في حال كونكم أيها المسلمون:
[31] مُنِيبِينَ راجعين إِلَيْهِ بالتوبة، كأن العاصي ذهب عن طريق الحق، فإذا تاب رجع إليه وَ اتَّقُوهُ خافوا منه فلا تفعلوا ما لا يرتضيه وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ الذين يجعلون لله شريكا.