کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تبيين القرآن

الخطبة كلمة الناشر المقدمة 1: سورة الفاتحة 2: سورة البقرة 3: سورة آل عمران 4: سورة النساء 5: سورة المائدة 6: سورة الأنعام 7: سورة الأعراف 8: سورة الأنفال 9: سورة التوبة 10: سورة يونس 11: سورة هود 12: سورة يوسف 13: سورة الرعد 14: سورة إبراهيم 15: سورة الحجر 16: سورة النحل 17: سورة الإسراء 18: سورة الكهف 19: سورة مريم 20: سورة طه 21: سورة الأنبياء 22: سورة الحج 23: سورة(المؤمنون) 24: سورة النور 25: سورة الفرقان 26: سورة الشعراء 27: سورة النمل 28: سورة القصص 29: سورة العنكبوت 30: سورة الروم 31: سورة لقمان 32: سورة السجدة 33: سورة الأحزاب 34: سورة سبأ 35: سورة فاطر 36: سورة يس 37: سورة الصافات 38: سورة ص 39: سورة الزمر 40: سورة غافر 41: سورة فصلت 42: سورة الشورى 43: سورة الزخرف 44: سورة الدخان 45: سورة الجاثية 46: سورة الأحقاف 47: سورة محمد صلى الله عليه و آله و سلم 48: سورة الفتح 49: سورة الحجرات 50: سورة ق 51: سورة الذاريات 52: سورة الطور 53: سورة النجم 54: سورة القمر 55: سورة الرحمن 56: سورة الواقعة 57: سورة الحديد 58: سورة المجادلة 59: سورة الحشر 60: سورة الممتحنة 61: سورة الصف 62: سورة الجمعة 63: سورة(المنافقون) 64: سورة التغابن 65: سورة الطلاق 66: سورة التحريم 67: سورة الملك 68: سورة القلم 69: سورة الحاقة 70: سورة المعارج 71: سورة نوح 72: سورة الجن 73: سورة المزمل 74: سورة المدثر 75: سورة القيامة 76: سورة الإنسان(الدهر) 77: سورة المرسلات 78: سورة النبأ 79: سورة النازعات 80: سورة عبس 81: سورة التكوير 82: سورة الانفطار 83: سورة المطففين 84: سورة الانشقاق 85: سورة البروج 86: سورة الطارق 87: سورة الأعلى 88: سورة الغاشية 89: سورة الفجر 90: سورة البلد 91: سورة الشمس 92: سورة الليل 93: سورة الضحى 94: سورة الشرح 95: سورة التين 96: سورة العلق 97: سورة القدر 98: سورة البينة 99: سورة الزلزلة 100: سورة العاديات 101: سورة القارعة 102: سورة التكاثر 103: سورة العصر 104: سورة الهمزة 105: سورة الفيل 106: سورة قريش 107: سورة الماعون 108: سورة الكوثر 109: سورة الكافرون 110: سورة النصر 111: سورة المسد 112: سورة الإخلاص 113: سورة الفلق 114: سورة الناس دعا ختم القران الفهرس

تبيين القرآن


صفحه قبل

تبيين القرآن، ص: 420

[33] وَ إِذا مَسَ‏ أصاب‏ النَّاسَ ضُرٌّ شدة دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ‏ راجعين إليه وحده فلا يرجعون إلى الأصنام‏ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً بأن خلصهم الله من الشدة إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ‏ جماعة منهم و هم من اعتادوا عبادة الأصنام‏ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ‏ يجعلون له شريكا.

[34] لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ‏ فإن الشرك كفران لنعمة النجاة فَتَمَتَّعُوا تلذذوا بالحياة، و هذا أمر تهديدي‏ فَسَوْفَ‏ عند الموت‏ تَعْلَمُونَ‏ العاقبة السيئة لتمتعكم.

[35] أَمْ‏ أن شركهم ليس عن علم، بل لأنّا أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً حجة على الشرك‏ فَهُوَ فذلك السلطان‏ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ‏ بأن يقول بصحة شركهم.

[36] وَ إِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً كنعمة و خلاص من شدة فَرِحُوا بِها بسببها وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ شدة بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ‏ بسبب أعمالهم السيئة إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ‏ من الرحمة.

[37] أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ يوسع‏ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ يضيق على من يشاء إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ‏ دلالات، إذ لو لم يكن الإله يجب أن يكون الأكثر سعيا أحسن رزقا، و الحال أنه ليس كذلك دائما لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏ فإنهم المنتفعون بالآيات.

[38] فَآتِ‏ أعط ذَا الْقُرْبى‏ أقرباءك‏ حَقَّهُ‏ إذ تجب صلة الرحم‏ وَ الْمِسْكِينَ‏ الفقير وَ ابْنَ السَّبِيلِ‏ و هو المنقطع في سفره‏ ذلِكَ‏ إعطاء حقوق هؤلاء خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ‏ ذاته‏ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏ الفائزون.

[39] وَ ما آتَيْتُمْ‏ أعطيتم‏ مِنْ رِباً و هذا نهي عن إعطاء الربا لِيَرْبُوَا اللام للعاقبة فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ‏ إذ يمحقه و لا يزيد المال بالربا وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ‏ ذاته، بأن أعطيتم طلب رضاه‏ فَأُولئِكَ‏ المؤدون للزكاة هُمُ الْمُضْعِفُونَ‏ الذين يزيدون أموالهم.

[40] اللَّهُ‏ هو الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ‏ للحساب‏ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ‏ التي عبدتموها شركاء لله‏ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ‏ الذي ذكرنا من الخلق و الرزق و الإماتة و الإحياء مِنْ شَيْ‏ءٍ سُبْحانَهُ‏ أنزهه تنزيها عن الشريك‏ وَ تَعالى‏ ترفع‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏ يجعلونه شريكا لله.

[41] ظَهَرَ الْفَسادُ كالغرق و الحرق و القحط و الحروب و الزلازل‏ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ‏ أي بسبب الأعمال السيئة التي جاء بها الناس، و إنما أظهرها الله‏ لِيُذِيقَهُمْ‏ جزاء بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا من السيئات‏ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏ عن أعمالهم السيئة.

تبيين القرآن، ص: 421

[42] قُلْ‏ يا محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: سِيرُوا سافروا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ‏ كقوم عاد و ثمود و لوط، فإن آثارهم الخربة دالة على أخذ العذاب لهم‏ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ‏ و لذا أهلكهم الله، و هذا تهديد للمشركين بأنه سيصيبهم مثل ذلك العذاب، أما غير الأكثر فقد نجاهم الله تعالى.

[43] فَأَقِمْ‏ لا تعدل عنه‏ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ‏ المستقيم‏ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ‏ لا يقدر أن يرده أحد، و هو يوم القيامة مِنَ اللَّهِ‏ متعلق ب (يأتي) يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ‏ يتفرقون بعض إلى الجنة و بعض إلى النار.

[44] مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ‏ أي على نفسه، لا على غيره‏ كُفْرُهُ‏ وبال كفره‏ وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ‏ لا لغيرها يَمْهَدُونَ‏ يهيئون المحل الحسن.

[45] و إنما يهيئ الله لهم المنزل الحسن: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ‏ أي جزاء زائدا على استحقاقهم‏ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ‏ أي يكرههم فيجازيهم بالعقاب.

[46] وَ مِنْ آياتِهِ‏ الدالة على وجوده و علمه و قدرته‏ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ‏ بالمطر وَ لِيُذِيقَكُمْ‏ أي يبشركم و يذيقكم‏ مِنْ رَحْمَتِهِ‏ التي هي المطر وَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ‏ أي السفينة بِأَمْرِهِ‏ تعالى فإن الريح تسيرها وَ لِتَبْتَغُوا تطلبوا مِنْ فَضْلِهِ‏ بالتجارة في البحر وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏ نعمته تعالى حيث حملكم على السفينة.

[47] وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى‏ قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ‏ بالمعجزات‏ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا بالكفر و العصيان، بأن أهلكناهم‏ وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ‏ اسم كان، ننصرهم بالحجة و الغلبة.

[48] اللَّهُ‏ هو الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ تهيج‏ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ الله‏ وَ يَجْعَلُهُ كِسَفاً قطعا متفرقة فَتَرَى الْوَدْقَ‏ المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ‏ من وسط السحاب‏ فَإِذا أَصابَ بِهِ‏ بالمطر مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ‏ بأن أروى بلادهم و مزارعهم‏ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ‏ يفرحون.

[49] وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ‏ المطر مِنْ قَبْلِهِ‏ إرسال السحاب‏ لَمُبْلِسِينَ‏ يائسين.

[50] فَانْظُرْ إِلى‏ آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ‏ آثار المطر في الأرض‏ كَيْفَ يُحْيِ‏ الله‏ الْأَرْضَ‏ بالنبات‏ بَعْدَ مَوْتِها باليبس‏ إِنَّ ذلِكَ‏ الله الذي أحيى الأرض‏ لَمُحْيِ الْمَوْتى‏ للقيامة وَ هُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ .

تبيين القرآن، ص: 422

[51] وَ لَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً ضارة فَرَأَوْهُ‏ أي النبات في أثر الرياح‏ مُصْفَرًّا مقدمة ليبسه‏ لَظَلُّوا صاروا مِنْ بَعْدِهِ‏ إرسال الريح‏ يَكْفُرُونَ‏ فهم لا يشكرون عند الرخاء و لا يتضرعون عند البلاء.

[52] فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى‏ سماعا نافعا و هؤلاء الناس كالأموات‏ وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَ‏ من صم أذنه‏ الدُّعاءَ كلامك و نداءك‏ إِذا وَلَّوْا أعرضوا مُدْبِرِينَ‏ بأن كان قفاهم في طرفك، و هذا بيان لعدم قبولهم الحق، كأنهم لا يسمعون.

[53] وَ ما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ‏ لا تهدي من عمي، إلى الطريق، لأنه أعمى فلا يرى الطريق‏ عَنْ ضَلالَتِهِمْ‏ أي الأعمى قلبا عن ضلالة إِنْ‏ ما تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا لأنه هو الذي يسمع إليك سماعا ينفعه‏ فَهُمْ مُسْلِمُونَ‏ منقادون لك.

[54] اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ‏ حال كونكم ضعافا في حالة الجنينية و الطفلية، كأنهم خلقوا من قطعة من الضعف و العجز ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً في حالة الشباب‏ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً في حالة الهرم‏ وَ شَيْبَةً شيخوخة يَخْلُقُ ما يَشاءُ من ضعيف و قوي‏ وَ هُوَ الْعَلِيمُ‏ بمصالح عباده‏ الْقَدِيرُ لما يشاء.

[55] وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ القيامة يُقْسِمُ‏ يحلف‏ الْمُجْرِمُونَ‏ بالشرك و العصيان‏ ما لَبِثُوا ما بقوا في الدنيا غَيْرَ ساعَةٍ فقط حيث يستقلون بقاءهم في الدنيا كَذلِكَ‏ مثل هذا الصرف عن الصدق إلى الكذب‏ كانُوا في الدنيا يُؤْفَكُونَ‏ يصرفون عن الحق إلى الباطل.

[56] وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ‏ أي المؤمنون، قالوا لهم في الآخرة لَقَدْ لَبِثْتُمْ‏ بقيتم أيها الكفار فِي كِتابِ اللَّهِ‏ أي حسب ما هو موجود في ما كتبه الله من أعماركم‏ إِلى‏ يَوْمِ الْبَعْثِ‏ لا ساعة فقط فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ‏ الذي كنتم تكذبون به‏ وَ لكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ‏ تنكرون وجوده في الدنيا فتعاقبون اليوم على إنكاركم.

[57] فَيَوْمَئِذٍ يوم القيامة لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بالكفر و العصيان‏ مَعْذِرَتُهُمْ‏ عذرهم‏ وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ‏ أي لا يطلب رضاهم، بل يتركون في غضبهم و غيضهم، لأنهم لا أهمية لهم.

[58] وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ‏ لتقريب الأذهان إلى الحق‏ وَ لَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ مما اقترحوه‏ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ‏ أيها المؤمنون‏ إِلَّا مُبْطِلُونَ‏ لأنهم معاندون فلا تنفعهم حتى الآيات المقترحة.

[59] كَذلِكَ‏ هكذا يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ‏ فإن الطبع معناه تركهم و شأنهم حتى ينطبعوا بلون العباد، و ذلك حيث لم يقبلوا الحق من أول يوم.

[60] فَاصْبِرْ يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على كفرهم‏ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ‏ بنصرك عليهم‏ حَقٌ‏ لا بد و أن يأتي‏ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ‏ لا يحملنك على الخفة و الضجر الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ‏ بالبعث، بل كن صابرا حامدا.

تبيين القرآن، ص: 423

31: سورة لقمان‏

مكية آياتها أربع و ثلاثون‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] الم‏ رمز بين الله و الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

[2] تِلْكَ‏ هذه‏ آياتُ الْكِتابِ‏ القرآن‏ الْحَكِيمِ‏ الذي وضع الأشياء مواضعها في حال كونه:

[3] هُدىً‏ هداية وَ رَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ‏ لأنهم المنتفعون بهذا الكتاب.

[4] الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ‏ يعطون‏ الزَّكاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ‏ .

[5] أُولئِكَ عَلى‏ هُدىً‏ على هداية مِنْ رَبِّهِمْ‏ من جانبه تعالى‏ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏ الفائزون.

[6] وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ‏ أي ما يلهي به من القصص، يشتريه ببيع الحق، و هو كناية عن اتباع الباطل عوض الحق‏ لِيُضِلَ‏ الناس‏ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏ إذ يقصد بنشر الباطل أن يأخذ مكان الحق‏ بِغَيْرِ عِلْمٍ‏ فإن مشتري الباطل جاهل، و إلا لم يشتر ما يضره‏ وَ يَتَّخِذَها أي يتخذ سبيل الله‏ هُزُواً مهزوا بها «1» أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ‏ يذلهم و يهينهم.

[7] وَ إِذا تُتْلى‏ تقرأ عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى‏ أعرض‏ مُسْتَكْبِراً متكبرا عن قبول الآيات‏ كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها الآيات في عدم الاستفادة منها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً حملا ثقيلا فَبَشِّرْهُ‏ استهزاء به، و إلا فالبشارة في الخير بِعَذابٍ أَلِيمٍ‏ مؤلم.

[8] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ‏ البساتين ذات النعمة.

[9] خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ‏ وعد الله ذلك وعدا حَقًّا مطابقا للواقع‏ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الذي لا يغالب‏ الْحَكِيمُ‏ الذي يفعل كل الأشياء حسب الصلاح و الحكمة.

[10] خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ بدون أعمدة تَرَوْنَها ترون السماوات أنها لا عمد لها وَ أَلْقى‏ فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ‏ جبالا أَنْ‏ لئلا تَمِيدَ تضطرب‏ بِكُمْ‏ معكم‏ وَ بَثَ‏ نشر فِيها في الأرض‏ مِنْ كُلِّ دابَّةٍ من كل أقسام الحيوان‏ وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ‏ صنف من أصناف النبات‏ كَرِيمٍ‏ ذو كرامة و احترام لمنفعته.

[11] هذا الذي ذكر خَلْقُ‏ مخلوق‏ اللَّهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ‏ من الأصنام، إنها لا خلق لها فكيف تعبدونها بَلِ الظَّالِمُونَ‏ المشركون‏ فِي ضَلالٍ‏ عن الحق‏ مُبِينٍ‏ ظاهر.

(1) و الهزء: آلة الاستهزاء، أي ما يستهزئ به، فإنه جعل ذلك محورا للاستهزاء.

تبيين القرآن، ص: 424

[12] وَ لَقَدْ آتَيْنا أعطينا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ معرفة مواضع الأشياء و قلنا له‏ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ‏ لأن فائدة الشكر عائدة إلى ذاته‏ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌ‏ عن شكر الشاكرين‏ حَمِيدٌ محمود في أفعاله سواء شكره أحد أم لا.

[13] وَ اذكر إِذْ زمانا قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ‏ لأنه إعطاء العبادة لغير المستحق‏ عَظِيمٌ‏ .

[14] وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ‏ إحسانا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى‏ وَهْنٍ‏ فإن الحامل تضعف على ضعف إذ كلما كبر الحمل زاد الضعف‏ وَ فِصالُهُ‏ أي فطام الولد عن اللبن‏ فِي عامَيْنِ‏ سنتين و هذا أيضا صعوبة أخرى على الأم توجب شكر الولد لها، فقلنا للإنسان: أَنِ اشْكُرْ لِي‏ بالطاعة و العبادة وَ لِوالِدَيْكَ‏ بالبر و الصلة إِلَيَّ الْمَصِيرُ فأجازيكم بما عملتم.

[15] وَ إِنْ جاهَداكَ‏ أي الوالدان بأن أصرّا عليك‏ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي‏ معبودا آخر من‏ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏ لأنه لا شريك لله حتى يعلم به الإنسان‏ فَلا تُطِعْهُما في هذا الأمر وَ صاحِبْهُما كن مع الوالدين‏ فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً صحابا معروفا حسنا وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ‏ طريق‏ مَنْ أَنابَ‏ رجع‏ إِلَيَ‏ بأن وحّدني و أخلص في الطاعة ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ‏ رجوعكم إلى جزائي‏ فَأُنَبِّئُكُمْ‏ أخبركم لأجل الجزاء بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ .

[16] يا بُنَيَ‏ مصغر ابن‏ إِنَّها الحسنة أو السيئة إِنْ تَكُ مِثْقالَ‏ ثقل‏ حَبَّةٍ التي هي في غاية الصغر مِنْ خَرْدَلٍ‏ هو ما يعطي الترياق و له حبات صغار جدا فَتَكُنْ‏ تلك الحبة فِي‏ أخفى مكان كجوف‏ صَخْرَةٍ أَوْ فِي‏ أعلى مكان مثل‏ السَّماواتِ أَوْ أسفل الأماكن كما فِي‏ جوف‏ الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا يحضرها اللَّهُ‏ لأجل الجزاء إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ‏ يصل علمه إلى كل خفي‏ خَبِيرٌ عالم بكل شي‏ء.

[17] يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ اصْبِرْ عَلى‏ ما أَصابَكَ‏ من الشدائد إِنَّ ذلِكَ‏ الذي ذكرناه‏ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي الأمور التي تحتاج إلى العزم و القصد الأكيد.

[18] وَ لا تُصَعِّرْ لا تمل تكبرا خَدَّكَ‏ طرف وجهك‏ لِلنَّاسِ وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً مشيا فيه بطر «1» و كبر إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ‏ متكبر فَخُورٍ يفتخر على الناس.

[19] وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ‏ توسط فيه بين الإسراع و البطء وَ اغْضُضْ‏ اقصر مِنْ صَوْتِكَ‏ فلا ترفعه‏ إِنَّ أَنْكَرَ أقبح‏ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ و ذلك لأنه يرفع صوته فتأدب منه و لا ترفع صوتك.

(1) البطر: الطغيان بالنعمة.

تبيين القرآن، ص: 425

[20] أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ ذلّل‏ لَكُمْ‏ لمنافعكم‏ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ‏ أتم بسعته‏ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً محسوسة وَ باطِنَةً تعرف بآثارها وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ‏ في توحيده و صفاته‏ بِغَيْرِ عِلْمٍ‏ فلا علم له بما يقول‏ وَ لا هُدىً‏ دليل عقلي‏ وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ واضح ذي نور، أي دليل سمعي.

[21] وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ‏ من العقائد و الأحكام‏ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا يتبعون طريقة الآباء أَ وَ لَوْ كانَ‏ موجبا للفساد بأن كان‏ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى‏ عَذابِ السَّعِيرِ المستعر المشتعل.

[22] وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ‏ ذاته‏ إِلَى اللَّهِ‏ بأن انقاد لأوامره‏ وَ هُوَ مُحْسِنٌ‏ في أفعاله‏ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ‏ تمسك‏ بِالْعُرْوَةِ يد الكيزان‏ «1» ، شبه بها الإسلام الموجب للسعادة الْوُثْقى‏ مؤنث الأوثق، فلا تنفصم‏ وَ إِلَى اللَّهِ‏ إلى ثوابه و جزائه‏ عاقِبَةُ الْأُمُورِ .

[23] وَ مَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ‏ لأنه لا يضرك‏ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ‏ رجوع الكفار فَنُنَبِّئُهُمْ‏ نخبرهم لأجل أن نعاقبهم‏ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ بما في الصدور، و (ذات الصدور) أي بتلك الصدور.

[24] نُمَتِّعُهُمْ‏ نعطيهم أسباب التلذذ في الدنيا تمتيعا قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ‏ نلجئهم في الآخرة إِلى‏ عَذابٍ غَلِيظٍ شديد.

[25] وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ‏ أي المشركين‏ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ‏ وحده‏ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ حيث اعترفوا بالحق، فلما ذا يعبدون الأصنام‏ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ‏ أن الخلق إذا كان لله يجب أن تكون العبادة أيضا له.

[26] لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُ‏ عن كل شي‏ء الْحَمِيدُ المحمود في أفعاله.

[27] وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ بيان (ما) أَقْلامٌ‏ خبر (أن) أي لو أن الأشجار الكائنة على الأرض كلها تتحول أقلاما وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ‏ أي يعنيه‏ مِنْ بَعْدِهِ‏ بالإضافة إليه‏ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ من أمثال بحار الدنيا لتكون الكل مدادا و كتبت بتلك الأقلام و المياه كلمات الله حتى تنكسر الأقلام و تنفد المياه‏ ما نَفِدَتْ‏ ما تمت‏ كَلِماتُ اللَّهِ‏ مخلوقاته، فإن كل مخلوق كلمة إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب في سلطانه‏ حَكِيمٌ‏ يضع الأشياء مواضعها.

[28] ما خَلْقُكُمْ‏ أيها الناس‏ وَ لا بَعْثُكُمْ‏ بعد الموت‏ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ كخلقها و بعثها، إذ تتساوى نسبة الأشياء كلها إلى قدرة الله تعالى، فلا فرق عند قدرته بين خلق بعوضة و بين خلق ملايين المجرات‏ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ‏ يسمع كل شي‏ء بَصِيرٌ يرى كل شي‏ء فلا يشغله شي‏ء عن شي‏ء حتى يتفاوت عنده خلق واحد عن خلق كثير.

(1) مفردة: كوز.

تبيين القرآن، ص: 426

[29] أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ‏ يدخل‏ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ و ذلك حين امتداد الليل‏ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ‏ و ذلك حين امتداد النهار وَ سَخَّرَ ذلل‏ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى‏ أَجَلٍ‏ وقت‏ مُسَمًّى‏ قد سمي فله وقت مضبوط وَ أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فيجازيكم عليه.

[30] ذلِكَ‏ العلم الواسع و القدرة الكاملة إنما يكون لله بسبب أن‏ اللَّهَ هُوَ الْحَقُ‏ و الإله الحق يقدر على كل شي‏ء و يعلم كل شي‏ء وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ‏ من الأصنام‏ الْباطِلُ‏ فليست آلهة و لذا لا تعلم و لا تقدر وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُ‏ المطلق‏ الْكَبِيرُ الأكبر من كل شي‏ء.

[31] أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ‏ السفينة تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ‏ بإحسانه إلى البشر لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ‏ فإن جريان الفلك آية من آيات قدرته‏ إِنَّ فِي ذلِكَ‏ الجريان‏ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ كثير الصبر يتعب نفسه في التفكر في الآيات، فالماء آية و بقاء السفينة خارج الماء آية، و الجريان آية، و الرياح المسيرة آية و هكذا شَكُورٍ كثير الشكر لنعم الله.

[32] وَ إِذا غَشِيَهُمْ‏ على أصحاب السفينة مَوْجٌ كَالظُّلَلِ‏ جمع ظلة و هي ما أظلك من جبال أو سحاب أو نحوها دَعَوُا اللَّهَ‏ أهل السفينة مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ يخلصون دينهم لله، بدون شرك‏ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ سالك قصد السبيل و هو التوحيد وَ ما يَجْحَدُ ينكر بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ خداع ناقض للعهد الذي أخذه الله على عباده بما أودع فيهم من الفطرة كَفُورٍ كثير الكفر.

[33] يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ‏ خافوا عقابه‏ وَ اخْشَوْا يَوْماً يوم القيامة لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ‏ لا يغني عنه شيئا في دفع العذاب عنه‏ وَ لا مَوْلُودٌ ولد هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ‏ بالثواب و العقاب‏ حَقٌ‏ لا بد و أن يأتي‏ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ‏ تخدعكم‏ الْحَياةُ الدُّنْيا بشهواتها وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ فاعل (يغرنكم) أي لا يخدعكم الشيطان بأن ترتكبوا الآثام و تخالفوا الله.

صفحه بعد