کتابخانه تفاسیر
تفسير ابن ابى زمنين، ص: 133
بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يعنى: (النبى) و المؤمنين
وَ قالُوا لَوْ لا هلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ كانوا يسألون النبى أن يأتيهم بالآيات، قال اللّه: قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ إذا أراد اللّه أن ينزل آية أنزلها
أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ أى: تتلوه و أنت لا تقرأ و لا تكتب، فكفاهم ذلك لو عقلوا
قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ شَهِيداً أنى رسوله و أن هذا الكتاب من عنده؛ و أنكم على الكفر وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ و الباطل: إبليس.
29/ 60- 53
وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ كان النبى عليه السلام يخوفهم العذاب إن لم يؤمنوا؛ فكانوا يستعجلون به استهزاء و تكذيبا. قال اللّه: وَ لَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى النفخة [الأولى] «1» لَجاءَهُمُ الْعَذابُ إن اللّه أخر عذاب كفار آخر هذه الأمة بالاستئصال إلى النفخة الأولى؛ بها يكون هلاكهم
يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ كقوله: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ «2» .
وَ يَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55) أى: ثواب ما كنتم تعملون فى الدنيا
يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ أمرهم فى هذه الآية بالهجرة إلى المدينة فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) أى: فى تلك الأرض التى آمركم أن تهاجروا إليها؛ يعنى: المدينة.
قال محمد: (فإياى) منصوب بفعل مضمر الذى ظهر تفسيره؛ المعنى: فاعبدوا إياى:
فاعبدون «3» .
لَنُبَوِّئَنَّهُمْ أى: لنسكننهم مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً ... نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) نعم ثواب العاملين فى الدنيا؛ يعنى: الجنة
وَ كَأَيِّنْ أى: و كم مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ
(1) ما بين [] طمس فى الأصل.
(2) سورة الأعراف: آية (41).
(3) انظر: تفسير القرطبى (13/ 350)، و زاد المسير (6/ 274)، و الدر المصون (5/ 368).
تفسير ابن ابى زمنين، ص: 134
رِزْقَهَا يعنى: تأكل بأفواهها، و لا تحمل شيئا لغد.
29/ 63- 61
وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ ... إلى قوله: فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) يقول: فكيف يصرفون بعد إقرارهم بأن اللّه خلق هذه الأشياء
اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ أى: يقتر. إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62).
[ وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (63) أى: أنهم قد أقروا بأن اللّه خالق هذه الأشياء] «1» ، ثم عبدوا الأوثان من دونه؟.
29/ 66- 64
وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ أى: إن أهل الدنيا أهل لهو و لعب؛ يعنى:
المشركين هم أهل الدنيا لا يقرون بالآخرة وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ يعنى: الجنة لَهِيَ الْحَيَوانُ أى: يبقى فيها أهلها لا يموتون لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (64) يعنى:
المشركين لعلموا أن الآخرة خير من الدنيا
دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ إذا خافوا الغرق
لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ كقوله: بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً «2» .
وَ لِيَتَمَتَّعُوا فى الدنيا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) إذا صاروا إلى النار؛ و هذا وعيد.
29/ 69- 67
أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً أى: بلى قد رأوا ذلك وَ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ يعنى: أهل الحرم، يقول: إنهم آمنون، و العرب حولهم يقتل بعضهم بعضا
(1) ما بين [] غير واضح بحاشية الأصل و استدرك من البريطانية.
(2) سورة إبراهيم: آية (28).
تفسير ابن ابى زمنين، ص: 135
أَ فَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ أفبإبليس يصدقون؟ أى: بما وسوس إليهم من عبادة الأوثان، و هى عبادته وَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) يعنى: ما جاء به النبى عليه السلام من الهدى، و هذا على الاستفهام؛ أى: قد فعلوا.
وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فعبد الأوثان دونه أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِ بالقرآن لَمَّا جاءَهُ أى: لا أحد أظلم منه أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً أى: منزل لِلْكافِرِينَ (68) أى: بلى فيها مثوى لهم
وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا يعنى: عملوا لنا. لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا يعنى: سبل الهدى.
وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) يعنى: المؤمنين.
***
تفسير ابن ابى زمنين، ص: 136
سورة الرّوم
تفسير سورة الروم و هى مكية كلها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 30/ 7- 1
قوله: الم (1) قد مضى القول فيه
غُلِبَتِ الرُّومُ (2) غلبتهم فارس
فِي أَدْنَى الْأَرْضِ أرض الروم بأذرعات من الشام؛ بها كانت الوقعة، فلما بلغ ذلك مشركى العرب شمتوا، و كان يعجبهم أن يظهر المجوس على أهل الكتاب، و كان المسلمون يعجبهم أن يظهر الروم على فارس؛ لأن الروم أهل كتاب، قال اللّه: وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فارس
فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ من قبل أن تهزم الروم، و من بعد ما هزمت وَ يَوْمَئِذٍ يوم يغلب الروم فارس يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)
بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ ... إلى قوله: لا يَعْلَمُونَ (6) فقال أبو بكر للمشركين: لم تشمتون؟ فو اللّه لتظهرن الروم على فارس إلى ثلاث سنين. و قال أبى بن خلف: أنا أبايعك ألا تظهر الروم على فارس ثلاث سنين فتبايعا على خطر بسبع من الإبل. ثم رجع أبو بكر إلى رسول اللّه فأخبره، فقال رسول اللّه عليه السلام: اذهب فبايعه إلى سبع سنين، مد فى الأجل و زد فى الخطر [و لم يكن حرام ذلك يومئذ، و إنما حرم القمار- و هو الميسر- بعد] غزوة الأحزاب، فرجع أبو بكر إليهم قال: اجعلوا (الوعد) إلى سبع سنين و أزيدكم فى الخطر. ففعلوا
تفسير ابن ابى زمنين، ص: 137
فزادوا فيه ثلاثا فصارت عشرا من الإبل، و صارت السنون سبعا؛ فلما جاءت سبع سنين ظهرت الروم على فارس، و كان اللّه وعد المؤمنين إذا غلبت الروم فارس أظهرهم على المشركين، فظهرت الروم على فارس، و المؤمنون على المشركين فى يوم واحد يوم بدر، و فرح المسلمون بذلك؛ و بأن اللّه صدق قوله و صدق رسوله «1» .
قال محمد: (وعد اللّه) منصوب على أنه مصدر مؤكد؛ المعنى: وعد اللّه وعدا.
وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يعنى: المشركين لا يَعْلَمُونَ (6)
يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا قال الحسن: يقول: يعلمون حين زرعهم، و حين حصادهم، و حين نتاجهم وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (7) لا يقرون بها.
30/ 10- 8
أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ أى: لو تفكروا فى خلق السماوات و الأرض لعلموا أن الذى خلقهما يبعث الخلق يوم القيامة وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يعنى: المشركين بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (8).
كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً أى: بطشا وَ أَثارُوا الْأَرْضَ أى: حرثوها وَ عَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها أكثر مما عمر هؤلاء فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ يعنى: كفار الأمم الخالية فيعذبهم على غير ذنب وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) بكفرهم و تكذيبهم؛ أى: قد ساروا فى الأرض و رأوا آثار الذين من قبلهم يخوفهم أن ينزل بهم ما نزل بهم إن لم يؤمنوا.
ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا أشركوا السُّواى يعنى: جهنم أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ يعنى: بأن كذبوا.
قال محمد: من قرأ: (عاقبة) بالرفع «2» جعل (السوأى) خبرا لكان، و أصل الكلمة
(1) رواه ابن جرير فى ( (تفسيره)) (21/ 20) عن ابن مسعود بنحوه.
(2) قرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو و يعقوب: ( (عاقبة الذين)) بالرفع، و قرأ الباقون بالنصب.
قال أبو منصور: من نصب (عاقبة الذين) جعل (السوأى) اسم (كان) و جعل (عاقبة) الخبر، و من رفع (عاقبة) جعل (السوأى) الخبر و (عاقبة) الاسم، المعنى: ثم كان عاقبة الكافرين النار. (معانى القراءات ص 273).
تفسير ابن ابى زمنين، ص: 138
الفعلى من السوء «1» قال الشاعر:
أم كيف يجزوننى السوأى من الحسن «2»
30/ 15- 11
قوله: اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ يعنى: البعث ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) يوم القيامة
وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) أى ييأس المشركون من الجنة
وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ يعنى: أوثانهم شُفَعاءُ
يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14):
فريق فى الجنة، و فريق فى السعير.
فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) يكرمون.
30/ 19- 16
فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ الصلوات الخمس كلها فى هذه الآية؛ فى تفسير الحسن. فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ المغرب و العشاء وَ حِينَ تُصْبِحُونَ (17) صلاة الفجر
وَ عَشِيًّا صلاة العصر وَ حِينَ تُظْهِرُونَ (18) صلاة الظهر. قال محمد: تقول: أظهرنا؛ أى: دخلنا فى الظهيرة؛ و هو وقت الزوال.
قال يحيى: «نزلت هذه الآية بعد ما أسرى بالنبى عليه السلام و فرضت عليه الصلوات الخمس، و كل صلاة ذكرت فى المكى من القرآن قبل أن تفترض الصلوات الخمس فهى ركعتان غدوة، و ركعتان عشية».
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ تفسير الحسن: يخرج المؤمن من الكافر، و يخرج الكافر من المؤمن وَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها يحييها بالنبات بعد إذ كانت يابسة.
(1) انظر: معانى الفراء (2/ 322)، و زاد المسير (6/ 291)، و القرطبى (14/ 10)، و الحجة لابن خالويه (ص 178).
(2) عجز البيت لأفنون التغلبى كما فى الخصائص لابن جنى (2/ 184).
تفسير ابن ابى زمنين، ص: 139
وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (19) يعنى: البعث؛ يرسل اللّه مطرا منيا كمنى الرجال، فتنبت به جسمانهم و لحمانهم؛ كما تنبت الأرض الثرى.
30/ 24- 20
وَ مِنْ آياتِهِ تفسير السدى: يعنى: و من علامات الرب أنه واحد أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ يعنى: الخلق الأول: خلق آدم ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) تنبسطون
وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً يعنى: المرأة هى من الرجل لِتَسْكُنُوا إِلَيْها أى: تستأنسوا بها وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً محبة وَ رَحْمَةً يعنى: الولد.
وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ تفسير الكلبى: اختلاف ألسنتكم للعرب كلام، و لفارس كلام، و للروم كلام و لسائرهم من الناس «1» كلام وَ أَلْوانِكُمْ أبيض و أحمر و أسود.
وَ مِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ ابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ كقوله: وَ مِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ «2» من رزقه بالنهار إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) و هم المؤمنون سمعوا عن اللّه ما أنزل عليهم
يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً خوفا للمسافر يخاف أذاه و معرته، و طمعا للمقيم فى المطر إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) و هم المؤمنون عقلوا عن اللّه ما أنزل عليهم.
30/ 27- 25
(1) فى الأصل (سائرهم)، و أثبتنا ما فى البريطانية.