کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 21
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مقدمة التحقيق
تعريف بالمؤلّف:
إنّ الشمس غنيّة عن التعريف و الصباح يزري بضوء المصباح، فإنّ صيت المؤلّف قد طار في أرجاء الدنيا، و هو فيلسوف الشرق بلا منازع، بل فيلسوف الشرق و الغرب في تأريخنا المعاصر.
هو العالم العارف المحقّق المدقّق و الجامع الكامل السيّد محمّد حسين بن السيّد محمّد، الذي يعود نسبه من طرف الأب إلى الإمام الحسن المجتبى- عليه السلام- و من طرف الأمّ إلى أخيه الإمام الحسين- عليه السلام- و من هنا نراه- قدّس سرّه- يكتب في بعض توقيعاته: «السيّد محمّد حسين الحسني الحسيني الطباطبائي».
ولد- رضوان اللّه تعالى عليه- سنة 1321 ه. ق وسط عائلة معروفة بالتقوى و الزهد و العلم، و في سنّ السادسة عشرة من عمره انصرف لدراسة العلوم الدينيّة، ثمّ بعد سبع سنوات من الدرس الدؤوب قصد موضع عشّاق العلم و مهوى قلوب الطلّاب أعني الحوزة العلميّة في النجف الأشرف للانتهال من عبيرها العذب الثرّ ليكمل هناك تحصيلاته العالية، و بقي هناك عشر سنوات حضر فيها دروس الفقه و الاصول عند فطاحل العلم و مفاخر الحوزة
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 22
أمثال الشيخ محمّد حسين الغروي الأصفهاني و السيّد أبي الحسن الأصفهاني و الشيخ النائيني و الحكيم بادكوبه، كما أنّه في الوقت نفسه بذل جهدا وافرا في دراسة الفلسفة و الكلام و الأخلاق و الرياضيّات و الرجال.
ثمّ عاد إلى مسقط رأسه «تبريز» لسوء الظروف المعيشيّة التي كان يمرّ بها، و بقي فيها ما يقارب العشر سنوات، ثمّ بعد ذلك غادرها إلى المدينة الثانية للعلم آنذاك أعني الحوزة العلميّة في مدينة قم المقدّسة، و لم يكن للفلسفة و ما أشبهها رواج في هذه الحوزة، و لذا نرى شيخنا العلّامة- أعلى اللّه مقامه- قد اهتمّ اهتماما بالغا و ركّز على التدريس و التأليف في هذا المجال و مجال التفسير.
ميزاته:
هناك ميزات عديدة اجتمعت في سيّدنا- المترجم- لا تجتمع إلّا في القلائل على مرّ العصور، ممّن حباهم اللّه و اختصّهم بعطائه و رحمته:
منها: تشعّب العلوم و الأبواب التي طرقها المؤلّف، رغم تفاوتها الشاسع؛ فبينما تراه يغوص في بحر العقليّات بكلّ ما فيه من العمق و التعقيد بمجالاته من المنطق و الفلسفة و الكلام و العرفان و الرياضيّات و الهيئة، تراه و بنفس القدرة و الجدارة و القوّة يلج باب النقليّات بمجالاته من الفقه و السيرة و التفسير و السّنن، و العلوم الأدبيّة من اللغة و النحو و الصرف و ما أشبه ممّا تحتاج إلى مهارة من نوع آخر، كما أنّه أبدع في علم الأصول الذي تبرز فيه جنبتا العلوم النقليّة و العقليّة معا.
و منها: انطباع كلّ مجال ورده بطابع الإتقان و الإحكام لكلّ جوانبه دون
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 23
أن يترك فيه ثغرة إلّا و يشبعها بحثا و تحقيقا.
و منها: اتّصافه بصفة التجديد، فتراه لا يمرّ بمطلب دونما إضافة و إبداع، يثري بها بحثه.
و منها: اتّخاذه للتخصّص شعارا في بحوثه رغم كثرتها و تفاوتها و عمقها، و التخصّص مرتبة أعلى من الاطّلاع الواسع كما لا يخفى.
و منها: الوضوح في كلّ مفردة من مفردات بحثه، بل إنّه ليتعجّب الناظر في كتاباته من قدرته الفائقة على اكتشاف الارتباط القائم بين المسائل المتشتّتة و من ثمّ الاستفادة من ذلك الارتباط في تنضيج العلم.
و بالجملة: كانت هذه الخصائص و الصفات ظواهر لا تنفكّ عن بحوثه و تأليفاته.
و منها: تميّزه- بالإضافة الى ما تقدّم- بتسلّطه على التنظير و إعطاء النظريّة مع نقد نظريّات الآخرين و تفنيدها.
و هذه الميزة هي الأصعب؛ إذ ليس كلّ من استطاع أن يحوي ما تقدّم قادرا على ذلك.
و منها: جمعه بين جوانب الغزارة في العلم، و الانهماك في التطبيق، و الإخلاص في العمل، و الشفّافيّة في الخلق، فهو الرجل الكامل الذي كلّما وضعت يدك على جانب و خصلة لم تر غير ما هو الأفضل و الأعلى و الأرقى في بابه.
و منها: صفة القدرة على عدم صبغ كتاباته في كلّ مجال يخوض فيه بصبغة مجال آخر، فرغم كونه الفيلسوف الأكبر لم يحاول أن يبدي على تأليفاته- غير المربوطة بالفلسفة- صبغة فلسفيّة، فهو- قدّس سرّه- في كلّ فنّ يلبس اللباس الذي يقتضيه ذلك الفنّ لا غير دونما تأثّر.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 24
آثاره:
1- هذا التفسير الذي بين يدك؛
2- الميزان في تفسير القرآن؛
3- بداية الحكمة؛
4- نهاية الحكمة؛
5- اصول الفلسفة و المنهج الواقعي؛
6- الشيعة في الإسلام؛
7- سنن النبيّ؛
8- القرآن في الإسلام، و الذي ترجم إلى عدّة لغات.
و عشرات الرسائل و الكتب الاخرى، لا يسع المجال لتفصيلها.
وفاته:
و في سنة 1402 ه ق فجعت الامّة و تيتّم العلم و أهله برحيل مفكّرها و عظيمها إلى الملكوت و جنان الخلد و الراحة الأبديّة، و ذلك في صباح يوم الأحد في الثامن عشر من شهر محرّم الحرام، و دفن في مدينة قم المقدسة بجوار السيّدة الجليلة فاطمة المعصومة- عليها السلام- فسلام عليه يوم ولد، و يوم أصبح مفخرة للعلم، و يوم انتقل إلى جوار ربّه، و يوم يبعث حيّا.
تعريف بالكتاب:
ليس من شكّ في أنّ من جملة المهمّات الصعبة أن يقوم الباحث بعمليّة التوفيق بين الآيات بظواهرها و حسب ما يعطيه مفادها، و بين الروايات
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 25
الواردة في تفسيرها على كثرتها و ما يتراءى من الاختلاف الشاسع في مضامينها.
و صعوبة هذه العمليّة تنشأ من الحاجة إلى الاضطلاع في محاور عديدة:
منها: الإحاطة الشاملة و العميقة في المعارف القرآنيّة.
و منها: المعرفة الكاملة باللسان المفسّر لتلك الآيات، أعني الروايات الواردة عن المعصومين- عليهم السلام-.
و منها: القدرة على تطبيق ما يوصل إليه أحدهما على ما يستفاد من الآخر.
و لذلك نرى الكثير من المفسّرين يتحاشى عن عمليّة الجمع و التوفيق بينهما، إمّا بإهمال هذا الجانب رأسا، أو محاولا سرد الروايات التفسيريّة دونما تعليق، أو مقتصرا على شيء يسير من التوضيح و التوفيق دونما دخول في العمق أو حلّ جذري للمسألة.
و الكتاب الماثل بين يديك- عزيزنا القارئ- يعبّر عن عمل جريء و نتاج فكري رائع صبّه مؤلّفه العلّامة الطباطبائي- قدّس سرّه- على هذا المحور- أعني عمليّة الجمع و التوفيق بين الآيات و المرويّات- بطريقة فريدة من نوعها؛ فكان يستنطق الآيات و يستخرج منها مفهوما متكاملا، ثمّ يغوص في الروايات و يستخرج منها مفادا رائعا، ثمّ يلاقح بينهما- في عمليّة معقّدة- للتوصّل إلى نظريّة موحّدة فذّة، يتلاشى فيها كلّ ما كان يتخيّل و يتراءى من الاختلاف و التهافت، و لا يرى هناك غير الانسجام و الالتئام.
و لم يستغرق مؤلّفنا- قدّس سرّه- في البحث عن أسانيد الروايات و أحوال رجالها و بيان قوّتهم أو ضعفهم، لأنّ غرضه- الذي أشرنا إليه آنفا-
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 26
لم يكن يقتضي ذلك.
كما أنّه لم يستغرق- و للسبب الذي أشرنا إليه نفسه- في الأبحاث الفلسفيّة و التأريخيّة و الأخلاقيّة، أو حتّى في بيان معنى كلّ آية آية، و بهذا اختلف منهجه هنا عمّا نهجه هو بنفسه في الميزان في تفسير القرآن.
إلّا أنّه- و للأسف الشديد- لم تشأ الظروف و المقادير أن يكمل المؤلّف هذا السّفر القيّم إلى آخره، فتوقّف فيه عند أواسط سورة يوسف، و لعلّ السبب في ذلك يعود- على ما ذكره بعض القريبين منه- إلى الاضطراب الذي حصل أثر هجوم الرّوس على مدينة تبريز.
تأريخ تأليف الكتاب:
و قد كان شروع المؤلّف في تأليف هذا الكتاب عند عودته من النجف الأشرف إلى موطنه تبريز، و كان ذلك قبل شروعه في تأليف سفره القيّم الآخر «الميزان في تفسير القرآن».
و قد كتبه في ثلاثة أجزاء: يحتوي الجزء الأوّل منه على (373) صفحة، و الثاني على (365) صفحة، و الثالث على (129) صفحة، و كلّ صفحة تشتمل على (22) سطرا، و الجزء الأوّل منها يشتمل على نسختين مبيضة و مسودة.
و قد أنهى تفسيره لسورة البقرة- كما ذكر ذلك هو في آخرها- ليلة الأضحى من سنة 1364 ه. ق.
كما أنهى تفسير سورة آل عمران- و بها يتمّ الجزء الأوّل من الأجزاء الثلاثة للمخطوطة- في الثاني عشر من شهر ربيع الثاني لسنة 1365 ه. ق.
كما أنّه في آخر سورة المائدة يقول:
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 27
«بلغ إلى هنا في المشهد المقدّس الرضوي على صاحبها أفضل السلام صبيحة يوم الثلاثاء الثاني و العشرين من شهر رمضان المبارك عام خمس و ستّين و ثلاث مائة و ألف هجريّة نبويّة قمريّة على هاجرها الصلاة».
و انتهى من تفسير سورة الأنعام في ليلة الثلاثاء السادس عشر من شهر محرّم من سنة 1369 ه. ق.
و من تفسير سورة الأعراف في ليلة الأربعاء في العاشر من شهر جمادي الثانية من نفس السنة.
كما أنّه في نفس السنة في يوم الأربعاء التاسع و العشرين من شهر رجب فرغ عن تفسير سورة الأنفال.
و استمرّ في السنة ذاتها إلى منتصف شهر رمضان- و كان مصادفا ليوم السبت- في تحريره لتفسير سورة التوبة.
منهج التحقيق: