کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 162
[سورة البقرة (2): الآيات 93 الى 101]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 163
قوله سبحانه: وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ...
معناه: أنّه وقع و نفذ في قلوبهم حبّ العجل، ففيه مجازان، أو أنّ قلوبهم صارت عجلا بالحبّ؛ بناءا على ما مرّ في أوّل السورة من تصوّر الباطن.
و في تفسير العيّاشي في قصّة العجل عن الباقر- عليه السلام- قال: «فعمد موسى فبرّد العجل من أنفه إلى طرف ذنبه، ثمّ أحرقه بالنار، فذرّه في اليمّ، فكان أحدهم ليقع في الماء، و ما بهم «1» إليه من حاجة، فيتعرّض لذلك الرماد فيشربه، و هو قول اللّه وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ». «2»
أقول: و هو غير مناف لما ذكرنا.
قوله سبحانه: وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ
البصير من أسمائه الحسنى، و معناه العالم بالمبصرات، و أمّا كون العلم بحاسّة البصر المادّية فمن لوازم المصاديق المادّية.
قوله سبحانه: فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ
سيجيء معناه في سورة الشعراء.
قوله سبحانه: وَ ما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ
ظاهر السياق كون اللام للعهد الذكري، فيكون إشارة و تذكيرا لما مرّ في أوائل
(1). في المصدر: «به»
(2). تفسير العياشي 1: 51، الحديث: 73.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 164
السورة: وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ «1» الآية، إذ هذه الخطابات و العتابات- كما مرّ- تفريعات لما في مفتتح السورة.
(1). البقرة (2): 26- 27.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 165
[سورة البقرة (2): الآيات 102 الى 105]
قوله سبحانه: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ
في تفسيري القمّي و العيّاشي عن الباقر- عليه السلام- في حديث: «فلمّا هلك
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 166
سليمان، وضع إبليس السّحر و كتبه في كتاب، ثمّ طواه و كتب على ظهره: (هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم، من أراد كذا و كذا فليعمل كذا و كذا)، ثمّ دفنه تحت سريره، ثمّ استتاره «1» لهم فقرأه، فقال الكافرون: ما كان سليمان يغلبنا إلّا بهذا، و قال المؤمنون: بل هو عبد اللّه و نبيّه، فقال اللّه جلّ ذكره: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ...» «2» «3» إلى آخر الآيات.
أقول: قوله سبحانه: تَتْلُوا الشَّياطِينُ يقتضي كتابا كانوا يتلونه أو يتلون منه، و قوله: وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا أي: ما سحر سليمان؛ بقرينة المقام، و هذا ردّ يقتضي قولا بأنّه ملك ما ملك بالسحر، فالرواية على طبق الآية.
قوله سبحانه: وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ ...
و قرئ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بكسر اللام.
في العيون في حديث الرضا- عليه السلام- مع المأمون: «و أمّا هاروت و ماروت فكانا ملكين، علّما الناس السّحر ليحترزوا به «4» عن سحر السحرة و يبطلوا «5» كيدهم، و ما علّما أحدا من ذلك شيئا إلّا قالا له: إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فكفر قوم باستعمالهم لما امروا بالاحتراز منه، و جعلوا يفرّقون بما
(1). في تفسير القمي: «استثاره» و في تفسير العياشي: «استشاره»
(2). في تفسير القمّي:- «أي السحر»
(3). تفسير القمي 1: 55؛ تفسير العياشي 1: 55، الحديث: 74.
(4). في المصدر:- «به»
(5). في المصدر:+ «به»
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 167
يعملونه «1» بين المرء و زوجه، قال اللّه تعالى: وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعني بعلمه». «2»
قوله سبحانه: لا تَقُولُوا راعِنا وَ قُولُوا انْظُرْنا
روي: انّ المسلمين كانوا يخاطبون بذلك النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-، إذا ألقى إليهم كلاما يقولون: راعنا يا رسول اللّه!- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- يريدون أمهلنا و انظرنا حتّى نفهم ما تقول، و كانت اللفظة تفيد في لغة اليهود معنى الشتم، فاغتنم اليهود ذلك، فكانوا يخاطبون النبي- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- بذلك، يظهرون التأدّب معه و هم يريدون الشتم، و معناه عندهم: اسمع لا اسمعت، فنزل: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَ يَقُولُونَ سَمِعْنا وَ عَصَيْنا وَ اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَ راعِنا .... «3» و نهى اللّه المؤمنين عن الكلمة، و أن يقولوا ما في معناه و هو انظرنا، فقال: لا تَقُولُوا راعِنا وَ قُولُوا انْظُرْنا. «4»
قوله: وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ
(1). في المصدر: «تعلّمونه»
(2). عيون أخبار الرضا- عليه السلام- 1: 271، الحديث: 2.
(3). النساء (4): 46.
(4). تفسير الإمام- عليه السلام- 478، الحديث: 3- 5؛ التبيان 1: 377؛ مجمع البيان 1:
336؛ تفسير الصافي 1: 178- 179؛ تفسير الآصفى 1: 59؛ البرهان في تفسير القرآن 1:
139، الحديث: 1؛ تفسير نور الثقلين 1: 115؛ تفسير كنز الدقائق 1: 311- 312؛ بحار الأنوار 9: 331، الحديث: 18؛ تفسير غريب القرآن، لفخر الدين الطريحي: 32؛ جامع البيان 1: 657- 659؛ أحكام القرآن للجصاص 1: 70؛ أسباب نزول الآيات للواحدي النيسابوري: 20؛ تفسير القرطبي 2: 57؛ تفسير ابن كثير 1: 153؛ الدرّ المنثور 1: 103- 104؛ تفسير الثعالبي 1: 303- 304.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 168
يريد المتمرّدين من هذا النهي، و هذا أحد الموارد التي اطلق فيها الكفر على ترك التكاليف الفرعيّة.
قوله سبحانه: وَ اللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ ...
في إرشاد الديلمي عن الرضا، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السلام- قال:
«المختصّون «1» بالرحمة: نبيّ اللّه و وصيّه و عترتهما، «2» إنّ اللّه خلق مائة رحمة، فتسع و تسعون رحمة عنده مذخورة «3» لمحمّد و عليّ و عترتهما، و رحمة واحدة مذخورة لسائر الموجودين». «4»
أقول: و مساقه بيان الفرد الكامل، و يشهد به آخر الرواية كما لا يخفى، و يمكن أن يفهم منها معنى الواسطة و ذي الواسطة.
(1). في المصدرين: «المختص»
(2). في المصدرين:- «عترتهما»
(3). في المصدرين: «مبسوطة على»