کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 234
المعجّل، على أنّ من هو دونه في الفضل، مكرم بالصلاح المعجّل، و هو- عليه السلام- مع ذلك يسأل الصلاح بمثل قوله: وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ* «1» الظاهر في أنّ هناك قوما من الصالحين سبقوه، و هو يسأل اللحوق بهم فيما سبقوه إليه، و اجيب بذلك في الآخرة، كما يحكيه تعالى في ثلاثة مواضع من كلامه:
قال تعالى: وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ
و قال: وَ آتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. «2» و قال:
وَ آتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. «3»
فإذا تأمّلت ذلك كلّه حقّ التأمّل، قضيت بأنّ الصلاح ذو مراتب و لم تستبعد- لو قرع سمعك-، أنه سأل اللحوق بمحمد و الطاهرين من آله فاجيب بذلك في الآخرة لا في الدنيا، و محمّد- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- يدّعيه لنفسه بقوله سبحانه: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ «4» «5» و الأخبار في ذلك كثيرة.
(1). يوسف (12): 101؛ الشعراء (26): 83.
(2). النحل (16): 122.
(3). النحل (16): 122.
(4). الأعراف (7): 196.
(5). و إنّما مورد الاستشهاد قوله: «الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ» [منه- رحمه اللّه-].
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 235
[سورة البقرة (2): الآيات 133 الى 134]
قوله سبحانه: قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ ...
روى العيّاشي عن الباقر- عليه السلام- «أنّها جرت في القائم- عليه السلام-». «1»
أقول: قال في الصافي: لعلّ مراده أنّها [جارية] في قائم آل محمد- صلى اللّه عليه و آله و سلم-، فكلّ قائم منهم يقول ذلك حين موته «2» لبنيه، و يجيبونه بما أجابوا به. «3»
قوله سبحانه: وَ إِلهَ آبائِكَ
في إطلاق لفظ الآباء على الجدّ و العمّ و الوالد- من غير مصحّح للتغليب- حجّة فيما سيجيء من خطاب إبراهيم لآزر بالأب.
(1). تفسير العيّاشي 1: 61 الحديث: 102.
(2). في المصدر: «الموت ذلك»
(3). الميزان في تفسير القرآن 1: 309؛ تفسير الصافي 1: 192.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 236
[سورة البقرة (2): آية 135]
قوله سبحانه: بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً
روى العيّاشي عن الصادق- عليه السلام- قال: «إنّ الحنيفيّة هي الإسلام». «1»
أقول: و تصديقه قوله تعالى: حَنِيفاً مُسْلِماً، «2» و قوله: دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً «3» و قوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ «4»
و عن الباقر- عليه السلام-: «ما أبقت الحنيفيّة شيئا حتى أنّ منها قصّ الشارب و قلم الأظفار «5» و الختان». «6»
و في تفسير القمّي: «أنزل اللّه على إبراهيم «7» الحنيفيّة، و هي الطهارة و هي
(1). تفسير العيّاشي 1: 61، الحديث: 103.
(2). آل عمران (3): 67.
(3). الانعام (6): 161.
(4). آل عمران (3): 19.
(5). في المصدر: «قص الأظفار و أخذ الشارب»
(6). تفسير العيّاشي 1: 388، الحديث: 143.
(7). في المصدر: «أنزل عليه»
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 237
عشرة أشياء خمسة في الرأس و خمسة في البدن؛ فأمّا التي في الرأس: فأخذ الشارب و إعفاء اللّحى و طمّ الشعر «1» و السواك و الخلال، و أمّا التي في البدن:
فأخذ «2» الشعر من البدن و الختان و قلم الأظفار و الغسل من الجنابة و الطهور بالماء، و هي «3» الحنيفيّة الطاهرة «4» التي جاء بها إبراهيم، فلم تنسخ و لا تنسخ «5» إلى يوم القيامة». «6»
أقول: و قد روته العامّة أيضا.
(1). طمّ الشعر: جزّه، [منه- رحمه اللّه-].
(2). في المصدر: «فحلق»
(3). في المصدر: «و هو»
(4). في المصدر: «الطهارة»
(5). في المصدر: «و لا تنسخ»
(6). تفسير القمي 1: 58؛ بحار الأنوار 73: 68، الحديث: 3، الباب: 2.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 238
[سورة البقرة (2): الآيات 136 الى 137]
قوله سبحانه: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ ...
في الكافي و تفسير العيّاشي عن الباقر- عليه السلام-: «إنّما عنى بذلك عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين، و جرت بعدهم في الأئمّة ...» «1» الحديث.
أقول: و رواه في المجمع «2» عن الصادق- عليه السلام-.
و يستفاد ذلك من وقوع الخطاب في ذيل دعوة إبراهيم- عليه السلام-:
وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ «3» و لا ينافي ذلك توجيه الخطاب لعامّة المسلمين
(1). الكافي 1: 415، الحديث: 19؛ تفسير العيّاشي 1: 62، الحديث: 107.
(2). راجع: مجمع البيان 1: 404.
(3). البقرة (2): 128.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 239
على ما مرّ من البيان، على أنّ في هذا الأمر تصديقا لقيامهم بالإسلام و الإيمان حقيقة، و من البيّن أنّ جميع المسلمين حوله- صلى اللّه عليه و آله و سلم- ما كانوا على هذا الوصف، بل بعضهم.
و بما مرّ يتّضح أيضا أنّه لا يرد عليه: أنّ الحسن و الحسين- عليهما السلام- حين نزول السورة و هي سورة البقرة، أوّل سورة نزلت بالمدينة- لم يكونا مولودين بعد و لا مكلّفين حتما.
قوله سبحانه: وَ الْأَسْباطِ
ظاهره: أنّهم حفدة يعقوب و أنّهم من الأنبياء، و هو صريح قوله في سورة النساء:
وَ أَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ عِيسى. «1»
و أمّا ما في الكافي و تفسير العيّاشي عن سدير عن الباقر- عليه السلام- قال:
«قلت كان ولد يعقوب أنبياء؟ قال: لا، و لكنّهم كانوا أسباطا أولاد أنبياء، و لم يكونوا فارقوا الدنيا إلّا سعداء تابوا و تذكّروا ما صنعوا ...» «2» الحديث؛ فليس فيه تعرّض بأنّهم هم المرادون بقوله: الْأَسْباطِ في الآية، بل هم إخوة يوسف على ما يلوح من الرواية.
(1). النساء (4): 163.
(2). تفسير العيّاشي 1: 62، الحديث: 106؛ الكافي 8: 248، الحديث: 343.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 240
[سورة البقرة (2): الآيات 138 الى 141]
قوله سبحانه: صِبْغَةَ اللَّهِ
في تفسير القمّي عن أحدهما- عليهما السلام- و في المعاني عن الصادق- عليه السلام-، قال: «الصبغة هي الإسلام». «1»
أقول: و هو الظاهر من سوق الآيات.
و في الكافي و المعاني، عن الصادق- عليه السلام- قال: صبغ المؤمنين بالولاية في الميثاق». «2»
(1). تفسير القمي 1: 62؛ معاني الأخبار: 188.