کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 312
إلى تشريح معنى الكتابة، و كذلك قوله: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ شرح لمعنى الكتابة و أنّها توجب لهم الفدية.
و عليه يتفرّع قوله: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً و هو أصل الفدية من الذين يطيقون الصيام فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ.
فقوله: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً و قوله: فَمَنْ تَطَوَّعَ تفريعان على قوله:
و بذلك يتّضح أنّ قوله: أَنْ تَصُومُوا عود إلى بدء الكلام من خطاب المؤمنين بالصيام المكتوب، و ليس خطابا لمن كان منهم مريضا أو على سفر، هذا.
و إذا نزّل المعنى هذه المنزلة، وقع الكلام موقعه اللائق به، و تبيّنت مزايا الجمل الواقعة في هذه الآيات الثلاث في أحوالها، و هي ثماني عشرة جملة، و ظهر الاستغناء عن التعسّفات الواقعة في بعض التفاسير، و اتّضحت صحّة مضامين الروايات الواردة فيها عنهم- عليهم السّلام-.
ففي تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام- في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ، قال: «هي للمؤمنين خاصّة». «1»
و عن جميل قال: «سألت الصادق- عليه السلام- عن قول اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ قال: فقال: هذه كلّها يجمع الضّلال و المنافقين و كلّ من أقرّ بالدعوة الظاهرة». «2»
أقول: و ستجيء الروايات في معنى قوله: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً.
(1). تفسير العياشي 1: 78، الحديث: 174.
(2). المصدر السابق: الحديث: 175.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 313
و ربّما استفيد تخيير المريض و المسافر- بين الصوم و القضاء بالإفطار- من قوله سبحانه: وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ عقيب قوله: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً.
و قد عرفت أنّ الكلام عود إلى بدو الخطاب، و أنّ الآيتين ليستا في مقام شرح الحكم. على أنّ لازم ذلك أفضليّة الصوم، و يأبى عن ذلك سياق قوله تعالى بعده: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «1» من غير تعرّض به، و هو ظاهر عند العارف بأساليب الكلام.
و في الفقيه عن حفص قال: «سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- يقول: إنّ شهر رمضان لم يفرض اللّه صيامه على أحد من الامم قبلنا، فقلت له: فقول اللّه- عزّ و جلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ؟ قال: إنّما فرض اللّه- عزّ و جلّ- صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الامم، ففضّل اللّه به هذه الامّة و جعل صيامه فرضا على رسول اللّه و على امّته». «2»
أقول: و ما يقال: إنّ الرواية مخالفة للكتاب؛ إذ ظاهر قوله: عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بظاهره يأبى أن يكون المراد به الأنبياء فقط.
ربّما يجاب عنه: بأنّ الآية تدلّ على اشتراك الذين من قبلنا معنا في أصل الصيام، و لم يصرّح بشهر رمضان بالخصوص، فمن الجائز أن يكون الصيام- المكتوب على من قبلنا من سائر الامم- صياما في غير شهر رمضان، و إن كان المكتوب على الأنبياء صيام شهر رمضان.
و في تفسير القمّي قال: قال- عليه السلام-: «أوّل ما فرض اللّه الصوم لم
(1). البقرة (2): 185.
(2). من لا يحضره الفقيه 2: 99، الحديث: 1844.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 314
يفرضه اللّه في شهر رمضان، قال: و قال العالم: فرض اللّه شهر رمضان على الأنبياء و لم يفرضه على الامم، فلمّا بعث اللّه نبيّه خصّه بفضل شهر رمضان هو و امّته، و كان الصوم قبل أن ينزل شهر رمضان يصوم الناس أيّاما». «1»
(1). تفسير القمّي 1: 65.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 315
[سورة البقرة (2): آية 185]
قوله سبحانه: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ...
في الكافي عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: «سألته عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ و إنّما انزل في عشرين سنة بين أوّله و آخره! فقال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: نزّل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثمّ نزّل في طول عشرين سنة، ثم قال: قال النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-: نزلت صحف إبراهيم- عليه السلام- في أوّل ليلة من شهر رمضان، و انزلت التوراة لستّ مضين من شهر رمضان، و انزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، و انزل الزبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان، و انزل القرآن في ثلاث و عشرين من شهر رمضان». «1»
(1). الكافي 2: 628، الحديث: 6.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 316
أقول: الروايات في هذين المعنيين كثيرة مع اختلاف يسير فيها «1» ؛ كليلة الثلاث بدل الاولى و أربع و عشرين بدل الثلاث و عشرين في الصحف و القرآن، و ذلك ممّا رواه الفريقان. و سيأتي معنى نزول القرآن دفعة واحدة و نجوما.
و في الكافي عمّن سأل الصادق- عليه السلام- عن القرآن و الفرقان، هما شيئان أو شيء واحد؟ فقال: «القرآن جملة الكتاب، و الفرقان الحكم الواجب العمل به». «2»
و في الجوامع عنه- عليه السلام-: «الفرقان كلّ آية محكمة في الكتاب». «3»
و في تفسيري القمّي و العيّاشي عنه- عليه السلام-: «الفرقان هو كلّ أمر محكم، و الكتاب هو جملة القرآن الذي يصدّق فيه «4» من كان قبله من الأنبياء». «5»
أقول: و اللفظ يساعد ذلك.
و قد ورد في بعض الروايات أنّ «رمضان» اسم من أسماء اللّه، فلا يقال:
«جاء رمضان و ذهب رمضان» بل «شهر رمضان».
و هو خبر واحد غريب في بابه، و الأخبار الواردة في عدّ أسمائه تعالى خالية عنه، و ليس من قبيل ما ورد أنّ «أنين المريض من أسماء اللّه تعالى». على أنّ لفظ «رمضان»- من غير تصدير ب «شهر» و بصيغة التثنية- مستعمل كثيرا في الروايات؛ بحيث يبعد استناد التجريد إلى الراوي.
(1). تفسير العياشي 1: 80، الحديث: 184.
(2). الكافي 2: 630، الحديث: 11.
(3). جوامع الجامع 1: 264.
(4). في المصدر: «يصدقه»
(5). تفسير القمي 1: 96؛ تفسير العياشي 1: 162، الحديث: 1.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 317
قوله سبحانه: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ
نصب الشهر على الظرفيّة.
و في تفسير العيّاشي عن الصباح بن سيابة قال: «قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: إنّ ابن أبي يعفور أمرني أن أسألك عن مسائل، فقال: و ما هي؟ قال:
يقول لك: إذا دخل شهر رمضان و أنا في منزلي ألي أن اسافر؟ قال: إنّ اللّه يقول:
فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فمن دخل عليه شهر رمضان و هو في أهله فليس له أن يسافر؛ إلّا لحجّ، أو عمرة، أو في طلب مال يخاف تلفه». «1»
أقول: و هو استفادة لطيفة لحكم استحبابي بالأخذ بالإطلاق.
قوله سبحانه: وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ
في الكافي عن عليّ بن الحسين- عليه السلام- قال: «فأمّا صوم السفر و المرض فإنّ العامّة قد اختلفت في ذلك: فقال قوم: يصوم، و قال آخرون: لا يصوم، و قال قوم: إن شاء صام و إن شاء أفطر، و أمّا نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعا، فإن صام في السفر أو حال المرض فعليه القضاء؛ فإنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ». «2»
أقول: و رواه العيّاشي أيضا. «3»
و في تفسير العيّاشي عن الباقر- عليه السلام- في قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ قال- عليه السلام-: «ما أبينها لمن عقلها! قال: من شهد
(1). تفسير العيّاشي 1: 80، الحديث: 186.
(2). الكافي 4: 86، الحديث: 1.
(3). تفسير العياشي 1: 82، الحديث: 192.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 318
رمضان فليصمه، و من سافر فيه فليفطر «1» ».
أقول: و أخبار أهل البيت- في تعيّن الإفطار على المريض و المسافر- أكثر من أن تحصى، و مذهبهم ذلك.
و في تفسيره أيضا عن أبي بصير قال: «سألته عن قول اللّه: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ «2» قال- عليه السلام-: الشيخ الكبير الذي لا يستطيع، و المريض». «3»
و فيه عن الباقر- عليه السلام- في الآية، قال: «الشيخ الكبير و الذي يأخذه العطاش». «4»
و فيه عن الصادق- عليه السلام- في الآية، قال- عليه السلام-: «امرأة تخاف على ولدها، و الشيخ الكبير». «5»
أقول: و الروايات فيه كثيرة عنهم- عليهم السلام-. «6»
و العطاش مرض العطش، و قوله: يُطِيقُونَهُ يشهد أنّ المراد بهذا الموضوع غير المسافر من المعذورين.
قوله سبحانه: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ - إلى قوله-: تَشْكُرُونَ
ظاهر السياق أنّ قوله: يُرِيدُ اللَّهُ تعليل لإفطار المريض و غيره من
(1). تفسير العياشي 1: 81، الحديث: 187.
(2). البقرة (2): 184.
(3). تفسير العياشي 1: 78، الحديث: 177.
(4). تفسير العياشي 1: 78، الحديث: 176.
(5). تفسير العياشي 1: 79، الحديث: 180.