کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 53
قوله سبحانه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ ...
في الكافي عن عليّ بن يقطين قال: «سأل المهدي أبا الحسن- عليه السلام- عن الخمر، هل هي محرّمة في كتاب اللّه عزّ و جلّ؛ فإنّ الناس إنّما يعرفون النهي عنها و لا يعرفون تحريمها، «1» فقال له أبو الحسن- عليه السلام-: بل هي محرّمة. «2»
فقال: في أيّ موضع هي محرّمة في كتاب اللّه عزّ و جلّ «3» يا أبا الحسن؟
فقال: «قول اللّه تعالى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ «4» - إلى أن قال:- فأمّا الإثم فإنّها الخمر بعينها، و قد قال اللّه تعالى في موضع آخر: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما فأمّا الإثم في كتاب اللّه فهي الخمر و الميسر وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما كما قال اللّه تعالى.
فقال المهدي: يا عليّ بن يقطين! هذه فتوى هاشميّة، «5» فقلت له: صدقت «6» يا أمير المؤمنين، الحمد للّه الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت، قال:
فو اللّه ما صبر المهدي إلى أن قال لي: صدقت يا رافضيّ». «7»
و في الكافي أيضا عن الوشّا عن أبي الحسن- عليه السلام- قال: «سمعته
(1). في المصدر: «تحريم لها».
(2). في المصدر:+ «في كتاب اللّه عزّ و جلّ يا أمير المؤمنين»
(3). في المصدر: «جلّ اسمه»
(4). الأعراف (7): 33.
(5). في المصدر:+ «قال»
(6). في المصدر:+ «و اللّه»
(7). الكافي 6: 406، الحديث: 1.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 54
يقول: «الميسر هو القمار». «1»
أقول: و الأخبار فيهما كثيرة لا غبار عليها.
قوله سبحانه: وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ ...
قيل: سائله أيضا عمرو بن الجموح، سأل أوّلا عن المنفق و المصرف، فاجيب بقوله تعالى: قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ «2» و سأل ثانيا عن القدر، فاجيب بالعفو.
و في الكافي و تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام-: «العفو الوسط». «3» و في تفسير العيّاشي عن الباقر و الصادق- عليهما السلام-: «الكفاف». «4»
و في رواية أبي بصير: «القصد». «5»
و عن الصادق- عليه السلام- في الآية: الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً «6» قال: «نزلت «7» هذه بعد هذه، هي الوسط». «8»
و في المجمع عن الباقر- عليه السلام-: «العفو: ما فضل عن قوت السنة». «9»
(1). الكافي 5: 124، الحديث: 9.
(2). البقرة (2): 215.
(3). الكافي 4: 52، الحديث: 3؛ تفسير العيّاشي 1: 106، الحديث: 314.
(4). تفسير العيّاشي 1: 106، الحديث: 316.
(5). تفسير العيّاشي 1: 106، الحديث: 317.
(6). الفرقان (25): 67.
(7). في المصدر:- «نزلت»
(8). تفسير العيّاشي 1: 106، الحديث: 315.
(9). مجمع البيان 2: 82.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 55
أقول: و الروايات متوافقة، و الأخيرة بيان مصداق.
قوله سبحانه: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى ...
في تفسير القمّي عن الصادق- عليه السلام-: «إنّه لمّا نزلت: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «1» أخرج كلّ من كان عنده يتيم، و سألوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- في إخراجهم، فأنزل اللّه: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ». «2»
أقول: و الأخبار فيه كثيرة و جميعها تحوم حول ما تفيده الآية: من الأمر بالإصلاح لهم و في مخالطتهم و النهي عن الإفساد.
و ذيل الآية: وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ - من العنت، و هي المشقّة- يدلّ على أنّه حكم تسهيليّ ثانيا.
(1). النساء (4): 10.
(2). تفسير القمّي 1: 72.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 56
[سورة البقرة (2): الآيات 221 الى 222]
قوله سبحانه: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ...
قيل: نزلت في مرثد بن أبي مرثد الغنوي، بعثه رسول اللّه إلى مكّة ليخرج منها ناسا من المسلمين، و كان قويّا شجاعا، فدعته امرأة- يقال لها: عناق- إلى نفسها، فأبى، فقالت: هل لك أن تتزوّج بي؟ فقال: حتّى أستأذن رسول اللّه، فلمّا رجع إلى المدينة استأذن في تزويجها، فنزلت. «1»
(1). راجع: تفسير كنز الدقائق 1: 524.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 57
أقول: و سيجيء الكلام على الآية في قوله تعالى: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ... «1» .
قوله سبحانه: فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ...
تشديد أن لا يقصدن بالإتيان؛ و لذا بدّل ثانيا عند رفع الحظر بقوله: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ فلا يفيد ذلك النهي عن سائر التمتّعات غير الإتيان المعهود، و قد عبّر في مثله في آية الصيام بقوله: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها «2» و كذلك يضاهي قوله: فَأْتُوهُنَ في تقييده بقوله: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ما في آية الرفث من آيات الصيام من قوله: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ «3» و النكتة واحدة.
فقوله: فَأْتُوهُنَ - و إن كان أمرا بعد الحظر- لا يفيد أكثر من الإباحة و الإذن، لكن قيّد بما قيّد دفعا لما يتراءى من الأمر بأمر شهويّ معدود عند الناس من اللغو، فالمراد حينئذ من الأمر في قوله: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ الأمر التكويني؛ حيث وضعت العناية الإلهيّة عضو التناسل و قوّة التوليد في جهازين في مقدّم الذكر و الانثى من الإنسان، و احتالت إلى الغرض بإيداع قوّة الباه و شهوة النكاح فيهما، حتّى تبعثهما إلى المقاربة و التناسل، فهو الأمر بذلك.
و من هنا يظهر: أنّ الحال في قوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ «4» في تقييده
(1). المائدة (5): 5.
(2). البقرة (2): 187.
(3). البقرة (2): 187.
(4). البقرة (2): 223.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 58
بقوله: وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ «1» نظير الحال فيها، و أنّ المراد بقوله: وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ طلب الولد بإتيان الحرث، كما قيل.
و يستفاد ذلك ممّا روي عن الصادق- عليه السلام- في قوله: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ «أي فاطلبوا الولد من حيث أمركم اللّه ...» «2» الحديث.
و التسمية بالحرث أيضا لمثل هذا الغرض، على ما في هذه العبارات من الأدب البارع.
و في الكافي: سئل الصادق- عليه السلام-: «ما لصاحب المرأة الحائض منها؟ فقال: كلّ شيء ما عدا القبل بعينه». «3»
و فيه عنه- عليه السلام-: «في المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيّامها، قال: إذا أصاب زوجها شبق، فليأمر «4» فلتغسل فرجها، ثمّ يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل». «5»
و في رواية: «و الغسل أحبّ إليّ». «6»
أقول: و الروايات في هذه المعاني كثيرة جدّا، و هي تؤيّد قراءة يَطْهُرْنَ بالتخفيف، و هو انقطاع الدم. فالمراد ب تَطَهَّرْنَ إن كان هو الاغتسال أفاد استحباب الاغتسال عقيب الانقطاع، و هو قوله في الرواية: «و الغسل أحبّ إليّ»، و إن كان هو الغسل بفتح الغين أفاد الانقطاع؛ حيث إنّ غسل المحلّ عادة
(1). البقرة (2): 223.
(2). تهذيب الأحكام 7: 414، الحديث: 29.
(3). الكافي 5: 538، الحديث: 1.
(4). في المصدر: «فليأمرها».
(5). الكافي 5: 539، الحديث: 1.
(6). الكافي 3: 51، الحديث: 10.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 59
غالبا إنّما يتأتّى بعد انقطاع الدّم، فافهم.
قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ
في الكافي عن الصادق- عليه السلام-، قال: «كان الناس يستنجون بالكرسف و الأحجار، ثمّ احدث الوضوء، و هو خلق كريم، فأمر به رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و صنعه، فأنزل اللّه في كتابه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ». «1»
أقول: و الأخبار في هذا المعنى كثيرة، و في بعضها: «أنّ أوّل من استنجى بالماء براء بن عازب، فنزلت الآية و جرت به السنّة». «2»
و في الكافي عن سلام بن المستنير، قال: «كنت عند أبي جعفر- عليه السلام-، فدخل عليه حمران بن أعين و سأله عن أشياء، فلمّا همّ حمران بالقيام قال لأبي جعفر- عليه السلام-: اخبرك أطال اللّه بقاءك «3» و أمتعنا بك، إنّا نأتيك فما نخرج من عندك حتّى ترقّ قلوبنا، و تسلو أنفسنا عن الدنيا، و هوّن «4» علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال، ثمّ نخرج من عندك، فإذا صرنا مع الناس و التجّار أحببنا الدنيا، قال: فقال أبو جعفر- عليه السلام-: إنّما هي القلوب، مرّة تصعب و مرّة تسهل.
ثمّ قال أبو جعفر- عليه السلام-: أما إنّ أصحاب محمّد قالوا: يا رسول اللّه!
(1). الكافي 3: 18، الحديث: 13؛ تفسير العيّاشي 1: 109، الحديث: 326.
(2). وسائل الشيعة 1: 354، الحديث: 942.
(3). في المصدر:+ «لنا»