کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 127
بصدقة الفطر إلى مسجد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و فيه عذق يسمّى الجعرور، و عذق يسمّى معافارة؛ كانا عظيم نواهما، رقيق لحاهما، في طعمهما مرارة، فقال رسول اللّه للخارص: لا تخرص عليهم هذين اللونين، لعلّهم يستحيون لا يأتون بهما، فأنزل اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ». «1»
و فيه عن أبي الصباح عن الباقر- عليه السلام- قال: «سألته عن قول اللّه:
وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ قال- عليه السلام-: كان الناس حين أسلموا عندهم مكاسب من الربا و من أموال خبيثة، فكان الرجل يتعمّدها من بين ماله فيتصدّق بها، فنهاهم اللّه عن ذلك، و إنّ الصدقة لا تصلح إلّا من كسب طيّب». «2»
أقول: و في معنى الروايتين روايات اخر. «3»
قوله سبحانه: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ...
في تفسير القمّي قال- عليه السلام-: «إنّ الشيطان يقول: لا تنفقوا فإنّكم تفتقرون. «4»
قوله سبحانه: وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلًا
أي يغفر لكم إن أنفقتم للّه، و فضلا يخلف عليكم». «5»
(1). تفسير العيّاشي 1: 150، الحديث: 493.
(2). تفسير العيّاشي 1: 149، الحديث: 492.
(3). الكافي 4: 48، الحديث: 10؛ دعائم الإسلام 1: 244.
(4). في المصدر: «لا تنفق فإنّك تفتقر»
(5). تفسير القمّي 1: 92.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 128
أقول: إشارة إلى قوله تعالى: وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ . «1»
و روى الصدوق عن أبي عبد الرحمن قال: «قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-:
إنّي ربّما حزنت، فلا أعرف في أهل و لا مال و لا ولد، و ربّما فرحت، فلا أعرف في أهل و لا مال و لا ولد، فقال: إنّه ليس من أحد إلّا و معه ملك و شيطان، فإذا كان فرحه كان من دنوّ الملك منه، و إذا كان حزنه كان من دنوّ الشيطان منه؛ و ذلك قول اللّه تبارك و تعالى: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ إلى آخر الآية». «2»
أقول: و روى قريبا منه العيّاشي في تفسيره. «3»
قوله سبحانه: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ
في تفسير العيّاشي عن الباقر- عليه السلام- قال: «المعرفة». «4»
و فيه عن الصادق- عليه السلام-: «إنّ الحكمة: المعرفة و التفقّه في الدين». «5»
أقول: الحكمة هي المتقن من العلم، و إذ لا إتقان فيما فيه شوب الشكّ كانت المعارف الظنّيّة غير حكم، و لا جدوى فيما يزول و يفنى، فلا إتقان في العلوم الدنيويّة، فهي أيضا غير حكم، فانحصرت في العلوم الحقيقيّة المتعلّقة باصول معارف الدين و العلوم المتعلّقة بالفروع الدينيّة؛ كما فسّر في الرواية.
فما في الكافي عن الصادق- عليه السلام- في الآية- قال: «طاعة اللّه و معرفة
(1). سبأ (34): 39.
(2). علل الشرائع 1: 93، الحديث: 1.
(3). تفسير العيّاشي 1: 650، الحديث: 495.
(4). تفسير العيّاشي 1: 151، الحديث: 497.
(5). تفسير العيّاشي 1: 151، الحديث: 498.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 129
الإمام ...» «1» الحديث، و في مضمونه روايات اخر «2» - فمن قبيل عدّ المصداق.
قوله سبحانه: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ
ظاهر الآية: أنّ الصدقة إبداؤها و إخفاؤها خير، و الإخفاء أفضل؛ لقوله: فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فهو سياق الحصر المفيد لذلك، غير أنّ الأدلّة الدالّة على أفضليّة إذاعة الفرائض و إشاعتها- و خاصّة الصدقة الواجبة- أوجبت اختصاص أفضليّة الكتمان بالنافلة من الصدقات، و عليه وردت الروايات:
ففي الكافي عن الصادق- عليه السلام- في قوله: وَ إِنْ تُخْفُوها قال:
«هي سوى الزكاة؛ إنّ الزكاة علانية غير سرّ». «3»
أقول: و في مضمونه روايات اخر. «4»
و فيه عنه- عليه السلام- قال: «كلّ ما فرض اللّه عليك فإعلانه أفضل من إسراره، و «5» ما كان تطوّعا فإسراره أفضل من إعلانه ...» «6» الحديث.
(1). الكافي 1: 185، الحديث: 11.
(2). تفسير العيّاشي 1: 151، الحديث: 496؛ المحاسن 1: 148، الحديث: 60؛ تأويل الآيات: 103.
(3). الكافي 3: 502، الحديث: 17.
(4). تهذيب الأحكام 4: 104، الحديث: 32؛ تفسير العيّاشي 1: 151، الحديث: 499؛ دعائم الإسلام 2: 329، الحديث: 1246.
(5). في المصدر:+ «كلّ»
(6). الكافي 3: 501، الحديث: 16.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 130
[سورة البقرة (2): الآيات 273 الى 274]
قوله سبحانه: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا ...
في المجمع قال: «قال أبو جعفر- عليه السلام-: نزلت الآية في أصحاب الصفّة» قال: و كذلك رواه الكلبي عن ابن عبّاس، و هم نحو من أربعمائة رجل، لم يكن لهم مساكن بالمدينة و لا عشائر يأوون إليهم، فجعلوا أنفسهم في المسجد، و قالوا: نخرج في كلّ سريّة يبعثها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- فحثّ اللّه النّاس عليهم؛ فكان الرجل إذا أكل و عندهم فضل أتاهم به إذا أمسى. «1»
(1). مجمع البيان 2: 202.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 131
قوله سبحانه: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ
في المجمع قال: سبب النزول: عن ابن عبّاس: نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب «1» - عليه السلام- كانت معه أربعة دراهم؛ فتصدّق بواحد ليلا، و بواحد نهارا، «2» و بواحد سرّا، و بواحد علانية، فنزل: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً . «3»
قال الطبرسي: و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه- عليهما السلام-.
أقول: و روى هذا المعنى العيّاشي و المفيد و رواه ابن شهر آشوب في المناقب عن ستّة عشر من رجال التفسير من العامّة. «4»
(1). في المصدر:- «بن أبي طالب»
(2). في المصدر: «بواحد نهارا و بواحد ليلا»
(3). مجمع البيان 2: 204.
(4). تفسير العيّاشي 1: 151، الحديث: 502؛ الاختصاص: 150؛ المناقب 2: 71.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 132
[سورة البقرة (2): آية 275]
قوله سبحانه: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا - إلى قوله-: وَ حَرَّمَ الرِّبا
للإنسان العاقل طريق مستقيم في حياته الاجتماعيّة، قوّتها بالالتزام بأحكام اعتباريّة في عشرته و معاملاته، و كلّ مواصلة له مع أبناء نوعه يتحفّظ بها و يحفظ بها استقامة طريقه- و بالجملة: كمال حياته الاجتماعيّة- و إن كان ربّما يسهو في بعض الموارد على خلاف العادة، لكنّ مستواه هو الطريق المستقيم العادي، و هاديه العقل المميّز بين الخير و الشرّ و النافع و الضارّ.
و أمّا الإنسان الممسوس- و هو الذي اختلّت قوّته المميّزة- فهو لا يفرّق بين الحسن و القبيح و الخير و الشرّ و النافع و الضارّ، فيجري حكم كلّ مورد فيما يقابله، لا من جهة جعله الغير العادي مثل العادي، بل لبطلان حكم العادة و غيرها عنده، و في نظره، و كون ما يتخيّله و يريده هو المتّبع عنده، كالناقة
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 133
العشواء تخبط و تمشي في غير استواء.
و الذي يأكل الربا مثله في معاملاته مثل هذا الممسوس؛ فهو لا يريد أصول أحكام المعاملات، و إنّما يريد استفادة شخصه بالمعاملة كيف كانت؛ و لذلك علّله سبحانه بقوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا و لم يقل: إنّما الربا مثل البيع، مع أنّ مقتضى الظاهر ذلك؛ و ذلك أنّ الممسوس المجنون يسلك في العاديّات سلوكا غير عادي لا بالعكس؛ فمن حاله كحاله يتلقّى البيع مثل الربا لا بالعكس، و لذلك أردفه بفرق الموردين، فقال تعالى: وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا .
و لكون خبطهم في المعاملة دون سائر جهات الحياة- بل فيما هو العمدة من بين أسباب انتظام العيش- أورد البيان بلفظ القيام دون المشي، كما في قوله:
وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ «1» و ذلك أنّ القيام و السقوط يكنّى بهما عن انتظام الحياة الاجتماعيّة و عدمه، و لكون المعاملات و المبادلات في لوازم الحياة هي الناظمة لشتات الحياة عبّر عنها بالقيام، فآكل الربا في قيامه كمن يتخبّطه الشيطان من المسّ لا يدري كيف يقوم؛ فيريد القيام على رأسه و جنبه و القيام إنّما يستوي على ساق، هذا.
و في تفسير القمّي عن الصادق- عليه السلام- قال: «قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-: لمّا اسري بي إلى السماء رأيت قوما يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر أن يقوم من عظم بطنه، فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون الربا، لا يقومون إلّا كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسّ،