کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 134
و إذا هم بسبيل آل فرعون؛ يعرضون على النار غدوّا و عشيّا، و يقولون: ربّنا متى تقوم الساعة؟!». «1»
أقول: و هو مثال برزخي و تصديق لقوله- عليه السلام-: «كما تعيشون تموتون، و كما تموتون تبعثون».
و في تفسير العيّاشي عن شهاب بن عبد ربّه قال: «سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- يقول: آكل الربا لا يخرج من الدنيا حتّى يتخبّطه الشيطان». «2»
أقول: القول فيها كسابقتها، و قد مرّ في أوّل السورة بعض الكلام في هذه التشبيهات و التمثيلات الواقعة في كلامه تعالى.
قوله سبحانه: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ...
يعني ما سلف من الربا وَ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ فلا يتعلّق به حقّ من غيره، و هذا الخصوص في نتيجة الجزاء مع ترائي العموم في الشرط؛ أعني قوله تعالى:
فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ و لم يجئ موعظة غير هذه الآية، و أيضا تقييد الانتهاء بمجيء الموعظة، يفيد أنّ المراد من الموعظة منه سبحانه العظة النفسانيّة بتوفيقه تعالى للتوبة، و هي التوبة من اللّه، و قد مرّ أنّ التوبة من العبد مسبوقة بتوبة من اللّه تعالى؛ و لهذا فسّرت الموعظة في الروايات بالتوبة:
ففي الكافي عن أحدهما- عليهما السلام- و في تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام- في الآية، قال: «الموعظة: التوبة». «3»
(1). تفسير القمّي 1: 93 و 2: 7؛ بحار الأنوار 100: 116، الحديث: 11.
(2). تفسير العيّاشي 1: 152، الحديث: 503.
(3). الكافي 2: 431، الحديث: 2؛ تفسير العيّاشي 1: 152، الحديث: 505.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 135
و في التهذيب عن محمّد بن مسلم قال: «دخل رجل على أبي عبد اللّه- عليه السلام- من أهل خراسان، قد عمل بالربا حتّى كثر ماله، ثمّ إنّه سأل الفقهاء فقالوا: ليس يقبل منك شيء حتّى تردّه إلى أصحابه، فجاء إلى أبي جعفر- عليه السلام- فقصّ عليه قصّته، فقال أبو جعفر- عليه السلام-: مخرجك من كتاب اللّه- عزّ و جلّ-: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ قال: الموعظة: التوبة». «1»
و في الكافي و الفقيه عن الصادق- عليه السلام-: «كلّ ربا أكله الناس بجهالة ثمّ تابوا، فإنّه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة» و قال- عليه السلام-: «لو أنّ رجلا ورث من أبيه مالا، و قد عرف أنّ في ذلك المال ربا، و لكن قد اختلط في التجارة بغيره، فإنّه له «2» حلال طيّب فليأكله، و إن عرف منه شيئا معروفا «3» فليأخذ رأس ماله و ليردّ الزيادة «4» ». «5»
قوله سبحانه: وَ مَنْ عادَ ...
في الفقيه و العيون عن الرضا- عليه السلام-: «هي كبيرة بعد البيان- قال:- و الاستخفاف بذلك دخول في الكفر». «6»
و في الكافي أنّه: «سئل عن الرجل يأكل الربا و هو يرى أنّه حلال، قال:
(1). تهذيب الأحكام 7: 15، الحديث: 68.
(2). في المصدر:- «فإنّه له»
(3). في المصدر: «إنّه ربا»
(4). في المصدر: «الربا»
(5). الكافي 5: 145، الحديث: 4؛ من لا يحضره الفقيه 3: 275، الحديث: 3997.
(6). من لا يحضره الفقيه 3: 565، الحديث: 4934؛ عيون أخبار الرضا- عليه السلام- 2: 94.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 136
لا يضرّه حتّى يصيبه متعمّدا، فإذا أصابه متعمّدا فهو بالمنزلة التي قال اللّه- عزّ و جلّ-». «1»
أقول: و الآية- كما ترى- توعد الخلود على الربا نظير القتل عمدا، قال سبحانه: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها «2» و سيجيء الكلام فيه.
(1). الكافي 5: 144، الحديث: 3.
(2). النساء (4): 93.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 137
[سورة البقرة (2): الآيات 276 الى 281]
قوله سبحانه: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ
في الكافي و الفقيه عن الصادق- عليه السلام- و قد سئل عن الآية، و قيل: قد أرى من يأكل الربا يربو ماله- قال: «فأيّ محق أمحق من درهم الربا؟! يمحق الدين، و إن تاب منه ذهب ماله و افتقر». «1»
(1). من لا يحضره الفقيه 3: 279، الحديث: 4005.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 138
أقول: و هذا- كما ترى- تفسير للمحق بالمحق التشريعي؛ أي بعدم اعتبار الملكيّة و التحريم، و تقابله الصدقات، أو المحق الباطني في مقابل التربية الباطنيّة، كما قال سبحانه: مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ* تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها إلى أن قال: وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ . «1»
و يروم إلى هذا المعنى ما في تفسير العيّاشي عن عليّ بن الحسين- عليهما السلام- عن النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- قال: «إنّ اللّه ليربّي لأحدكم الصدقة كما يربّي أحدكم ولده؛ حتّى يلقاه يوم القيامة و هو مثل احد». «2»
و فيه عن الباقر- عليه السلام- قال: «قال اللّه تعالى: أنا خالق كلّ شيء، و كلّت بالأشياء غيري إلّا الصدقة فإنّي أقبضها بيدي؛ حتّى أنّ الرجل و المرأة يتصدّق بشقّ التمرة، فاربّيها له كما يربّي الرجل منكم فصيله و فلوه، «3» حتّى أتركه يوم القيامة أعظم من احد». «4»
أقول: قوله: «أقبضها بيدي» سيجيء بيانه في قوله تعالى: وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ «5» و أمّا التربية بالتعظيم فهو المحصّل من قوله تعالى: وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ و آيات تضعيف الحسنات و أخذه بنفسه.
قوله سبحانه: وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا
(1). إبراهيم (14): 24- 26.
(2). تفسير العيّاشي 1: 153، الحديث: 508.
(3). الفلو و الفلوّ: الجحش أو المهر يفطم أو يبلغ السنة.
(4). تفسير العيّاشي 1: 153، الحديث: 509.
(5). التوبة (9): 104.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 139
في تفسير القمّي أنّه لمّا أنزل اللّه: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا «1» قام خالد بن الوليد إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و قال: يا رسول اللّه ربا أبي في ثقيف، و قد أوصاني عند موته بأخذه، فأنزل اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا ». «2»
و روى قريبا منه الطبرسي عن الباقر- عليه السلام-. «3»
قوله سبحانه: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ
«كان» تامّة، أي: و إن وجد ذو إعسار من غرمائكم.
و قوله تعالى: وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «4» كقوله: وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «5» ظاهر معناه: إن كنتم تعلمون ما فيه من الفضل علمتم أنّ التصدّق خير لكم.
و في الكافي عن الصادق- عليه السلام- قال: «صعد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- المنبر ذات يوم، فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على أنبيائه، ثمّ قال: أيّها الناس ليبلّغ الشاهد منكم الغائب: ألا و من أنظر معسرا كان له على اللّه في كلّ يوم صدقة بمثل ماله، حتّى يستوفيه، ثمّ قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-:
(1). البقرة (2): 275.
(2). تفسير القمّي 1: 93.
(3). راجع: الميزان في تفسير القرآن 2: 426.
(4). البقرة (2): 280.
(5). البقرة (2): 184.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 140
أنّه معسر، فتصدّقوا عليه بمالكم فهو خير لكم». «1»
أقول: قوله: «إن كنتم تعلمون أنّه معسر» معنى غريب، و له أثر مترتّب في أحكامه ليس هاهنا موضع ذكره.
قوله سبحانه: وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ ...
في المجمع عن ابن عبّاس: أنّها آخر آية نزل بها جبرئيل. «2»
(1). الكافي 4: 35، الحديث: 4.