کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 273
قوله سبحانه: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ
على تقدير المتعلّق- أي: معتصمين بحبل،- و هو العهد و الذمّة، و هو الجزية على ما فسّروه. «1»
و في تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام-: «الحبل من اللّه: كتاب اللّه، و الحبل من الناس: عليّ بن أبي طالب- عليه السلام-». «2»
أقول: و روى القمّي في تفسيره و ابن شهر آشوب، عن الباقر- عليه السلام- مثله «3» و هو و إن كان بعيدا في الظاهر عن السياق غير أنّ الآيات في مقام دعوة المسلمين إلى الوحدة و عدم التفرّق و أن لا يكونوا كأهل الكتاب في تفرّقهم و اختلافهم، فيبتلوا بما ابتلي به أهل الكتاب من العذاب العظيم و إسوداد الوجه يوم القيامة، و ضرب الذلّة و المسكنة بكفرهم بآيات اللّه و قتلهم الأنبياء، و عند ذلك يتمّ معنى الحديث: «فأوّل ما كفرت به الامّة كتاب اللّه، و أوّل ما اختلفت
(1). راجع: تفسير ابن كثير 1: 405؛ تفسير الجلالين: 81.
(2). تفسير العيّاشي 1: 196، الحديث: 131.
(3). لم نجده في تفسير القمي المطبوع و لكن رواه السيد البحراني في البرهان في تفسير القرآن 2: 476 عن تفسير القمي؛ تفسير الصافي 2: 102؛ تفسير العيّاشي 2: 196، الحديث:
131؛ المناقب 3: 75؛ تفسير فرات: 93؛ الحديث: 92- 76؛ تأويل الآيات: 127.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 274
فيه و تفرّقت هو الإمامة، فهم متقلّبون في ما تقلّبت فيه أهل الكتاب من بلايا الدنيا و الآخرة حتّى يرجعوا إلى ما رفضوه كأهل الكتاب»، و حينئذ فهو من الجري، و ليس بالتفسير و لا بالتأويل، و هو ظاهر.
قوله سبحانه: ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ
في تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام- في الآية: «و اللّه ما قتلوهم بأيديهم و لا ضربوهم بأسيافهم، و لكنّهم سمعوا أحاديثهم «1» فأذاعوها فاخذوا عليها فقتلوا، فصار قتلا و اعتداء و معصية». «2»
أقول: و روى مثله في الكافي و المحاسن، «3» فقوله ذلِكَ ، ثانيا تعليل و بيان لقوله: ذلِكَ ، أوّلا، فالمعنى أنّهم استوجبوا هذه السخطات بكفرهم و قتلهم الأنبياء، و إنّما لزمتهم الكفر و القتل بعصيانهم و إصرارهم في الاعتداء إذ لم يسمعوا من أنبيائهم فعصوا و أفشوا أسرارهم.
و من هنا يظهر الوجه في تكرّر التعليل، و يظهر أيضا وجه تقييد قتلهم الأنبياء بكونه بغير حقّ؛ إذ لو كان قتلا بالمباشرة- و لا يكون إلّا بغير حقّ- كان التقييد لغوا زائدا.
قوله سبحانه: فَلَنْ يُكْفَرُوهُ
في العلل، عن الصادق- عليه السلام-: إنّ المؤمن مكفّر و ذلك أنّ معروفه يصعد
(1). في المصدر: «ما ضربوهم بأيديهم و لا قتلوهم بأسيافهم و لكن سمعوا أحاديثهم و اسرارهم» و ما في المتن مطابق لرواية الكافي.
(2). تفسير العيّاشي 1: 196، الحديث: 132.
(3). الكافي 2: 371، الحديث: 6؛ المحاسن 1: 256، الحديث: 291.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 275
إلى اللّه فلا ينتشر في الناس، و الكافر مشكور و ذلك أنّ معروفه للناس ينتشر في الناس و لا يصعد إلى اللّه. «1»
قوله سبحانه: رِيحٍ فِيها صِرٌّ
الصرّ: هو البرد الشديد، و البطانة: باطن الثوب، شبّه به الوليجة لاطّلاعه على السرّ المستور.
و قوله: لا يَأْلُونَكُمْ
أي لا يقصّرون فيكم و الخبال: الفساد.
و قوله: ما عَنِتُّمْ
أي عنتكم، و هو شدّة الضرر.
(1). علل الشرائع 2: 560، الحديث: 1، و فيه: «إلى السماء»؛ تفسير الصافي 2: 104.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 276
[سورة آلعمران (3): الآيات 121 الى 129]
قوله سبحانه: وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ
نزلت الآيات في غزوة احد- كما روي عن الصادق عليه السلام «1» - و هي نيّف
(1). تفسير القمي 1: 110؛ جوامع الجامع 1: 322؛ كنز الدقائق 2: 218؛ جامع البيان 4: 92؛-
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 277
و ستّون آية، غير عدّة آيات معترضة فيها، و هي تبتدئ من قوله: وَ إِذْ غَدَوْتَ ، أو هي تبتدئ من قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا قبل ثلاث آيات، أو من قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ، قبل خمس آيات، و هذه الغزوة إحدى الغزوات الكبرى في الإسلام.
و في المجمع عن القمّي عن الصادق- عليه السلام- قال: «سبب غزوة احد أنّ قريشا لمّا رجعت من بدر إلى مكّة- و قد أصابهم ما أصابهم من القتل و الأسر؛ لأنّه قتل منهم سبعون، و اسر منهم سبعون- قال أبو سفيان: يا معشر قريش، لا تدعوا نساءكم يبكين على قتلاكم، فإنّ الدمع إذا خرجت أذهبت الحزن و العداوة لمحمّد».
فلمّا غزوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يوم احد أذنوا لنسائهم بالبكاء و النوح و خرجوا من مكّة في ثلاثة آلاف فارس و ألفي راجل و أخرجوا معهم النساء.
فلمّا بلغ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ذلك، جمع أصحابه و حثّهم على الجهاد، فقال عبد اللّه بن أبيّ «1» : يا رسول اللّه لا تخرج «2» من المدينة حتّى نقاتل في أزقّتها فيقاتل الرجل الضعيف و المرأة و العبد و الأمة على أفواه السكك و على السطوح، فما أرادنا قوم قطّ فظفروا بنا و نحن في حصوننا و دورنا، و ما خرجنا على عدوّ لنا قطّ إلّا كان لهم الظفر علينا.
فقام سعد بن معاذ و غيره من الأوس فقال «3» : يا رسول اللّه! ما طمع فينا أحد
- أسباب نزول الآيات: 79.
(1). في المصدر: «أبي سلول»
(2). في المصدر: «نخرج»
(3). في المصدر: «فقالوا»
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 278
من العرب و نحن مشركون نعبد الأصنام، فكيف يظفرون بنا و أنت فينا؟ لا، حتّى نخرج إليهم و نقاتلهم، فمن قتل منّا كان شهيدا، و من نجا منّا كان مجاهدا في سبيل اللّه.
فقبل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- رأيه و خرج مع نفر من أصحابه يتبوّءون موضع القتال- كما قال سبحانه: وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ - و قعد عنه عبد اللّه بن ابيّ «1» و جماعة من الخزرج اتّبعوا رأيه.
و وافت قريش إلى احد و كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- عبّأ أصحابه- و كانوا سبعمائة رجل- فوضع عبد اللّه بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب، و أشفق أن يأتيهم كمينهم من ذلك المكان، فقال- صلّى اللّه عليه و آله- لعبد اللّه بن جبير و أصحابه: «إن رأيتمونا قد هزمناهم حتّى أدخلناهم مكّة فلا تبرحوا من هذا المكان، و إن رأيتموهم قد هزمونا حتّى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا و الزموا مراكزكم».
و وضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا و قال له: إذا رأيتمونا قد اختلطنا فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتّى تكونوا وراءهم.
و عبّأ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أصحابه و دفع الراية إلى أمير المؤمنين- عليه السلام-، فحمل الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة، و وقع أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في سوادهم.
و انحطّ خالد بن الوليد في مائتي فارس على عبد اللّه بن جبير فاستقبلوهم بالسهام، فرجع.
(1). في المصدر: «أبي سلول»
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 279
و نظر أصحاب عبد اللّه بن جبير إلى أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ينتهبون سواد القوم، فقالوا لعبد اللّه بن جبير: قد غنم أصحابنا و نبقى نحن بلا غنيمة، فقال لهم عبد اللّه: اتّقوا اللّه، فإنّ رسول اللّه قد تقدّم إلينا أن لا نبرح، فلم يقبلوا منه، و أقبل ينسلّ رجل فرجل حتّى أخلوا مراكزهم. و بقي عبد اللّه بن جبير في اثني عشر رجلا.
و كانت رأية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدي «1» من بني عبد الدار، فقتله عليّ- عليه السلام-، فأخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله عليّ- عليه السلام-، فسقطت الراية، فأخذها مسافح «2» بن طلحة، فقتله، حتّى قتل تسعة [نفر] من بني عبد الدار حتّى صار لواءهم إلى عبد لهم أسود يقال له: صواب، فانتهى إليه عليّ- عليه السلام- فقطع يده [اليمنى]، فأخذ الراية «3» باليسرى، فضرب يسراه فقطعها، فاعتنقها بالجذماوين «4» إلى صدره، ثمّ التفت إلى أبي سفيان، فقال: هل أعذرت في بني عبد الدار الراية «5» ؟ فضربه عليّ- عليه السلام- على رأسه فقتله فسقط اللواء، فأخذتها عمرة بنت علقمة الكنانيّة فرفعتها.
و انحطّ خالد بن الوليد على عبد اللّه بن جبير و قد فرّ أصحابه و بقي في نفر قليل، فقتلهم على باب الشعب، ثمّ أتى المسلمين من أدبارهم.
(1). في الأصل: «العبدري»، و لكن في تفسير القمي: «العدوي»، و في المصدر و الميزان في تفسير القرآن و تفسير الصافي: «العبدي»، و الصحيح: «العبدري» كما صرّح به السمعاني في الأنساب 8: 348، حيث قال: «العبدري» بفتح العين و سكون الباء و فتح الدال، هذه النسبة الى «عبد الدار» و قد صرّح في الرواية أنّ طلحة هذا من بني عبد الدار.
(2). في الأصل و بعض النسخ تفسير القمي: «مسافح»، و في المصدر و تفسير الصافي: «مسافع»
(3). في المصدر: «اللواء»
(4). و هما اليدان المقطوعتان، [ «منه- رحمه اللّه-].