کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 291
النبّاش، و كان ينبش القبور، فنبش قبر واحدة من بنات الأنصار فأخرجها و نزع أكفانها، و كانت بيضاء جميلة، فسوّل له الشيطان حتّى زنى بها ثمّ ندم، فجاء إلى النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فردّه- صلّى اللّه عليه و آله- ثمّ اعتزل الناس و تعبّد في بعض جبال المدينة حتّى قبل اللّه توبته و نزلت الآيات. «1»
أقول: و هو مفصّل قد لخّصناه.
قوله سبحانه: فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
الفاحشة من الذنب: ما فيه فحش و قبح كالزنا، فالظلم المذكور غيره، و الجميع ذنب، لقوله: فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ .
قوله سبحانه: وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا
في تفسير العيّاشي عن الباقر- عليه السلام- في الآية، قال: «الإصرار: أن يذنب المذنب «2» فلا يستغفر اللّه و لا يحدّث نفسه بتوبة، فذلك الإصرار». «3»
و روي عن النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: «ما أصرّ من استغفر، و إن عاد في اليوم سبعين مرّة». «4»
(1). الأمالي للصدوق: 42- 46، المجلس الحادي عشر، الحديث: 3؛ البرهان في تفسير القرآن 2: 497- 500؛ تفسير الصافي 2: 119- 122.
(2). في المصدر: «العبد»
(3). تفسير العيّاشي 1: 198، الحديث: 144.
(4). جامع الأخبار: 57؛ مستدرك الوسائل 12: 122، الحديث: 13685 نقلا عن تفسير أبي الفتوح 12: 138، الحديث: 13717؛ نقلا عن لبّ اللباب للقطب الراوندي؛ بحار الأنوار 90: 282؛ الكشف و البيان 3: 169.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 292
أقول: و هذا المعنى مستفاد من المقابلة في الآية، و قد مرّ ما يقرب عنهما في سورة البقرة عند قوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ . «1»
و في الكافي عن الصادق- عليه السلام-: «لا صغيرة مع الإصرار، و لا كبيرة مع الإستغفار». «2»
و في تفسير العيّاشي، عن الصادق- عليه السلام- في حديث قال: «و في كتاب اللّه نجاة من الردى، و بصيرة من العمى، [و دليل إلى الهدى] و شفاء لما في الصدور فيما أمركم اللّه به من الإستغفار و التوبة، قال اللّه: وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ ، و قال: وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً ، «3» فهذا ما أمر اللّه به من الاستغفار و اشترط معه التوبة و الإقلاع عمّا حرّم اللّه، فإنّه يقول: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ، «4» و بهذه الآية يستدلّ [على] «5» أنّ الإستغفار لا يرفعه إلى اللّه إلّا العمل الصالح و التوبة. «6»
أقول: و قد استفاد عدم العود و الإقلاع بعد التوبة من نفي الإصرار و أنّ قبول التوبة يحتاج إلى صالح العمل بعدها.
(1). البقرة (2): 222.
(2). الكافي 2: 288، الحديث: 1.
(3). النساء (4): 110.
(4). فاطر (35): 10.
(5). في المصدر: «و هذه الآية تدل على»
(6). تفسير العيّاشي 1: 198، الحديث: 143.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 293
قوله سبحانه: أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ
في المجالس عن الصادق- عليه السلام-: لمّا نزلت هذه الآية صعد إبليس جبلا [بمكة يقال له ثور] فصرخ بأعلى صوته بعفاريته، فاجتمعوا إليه فقالوا: يا سيّدنا، لماذا دعوتنا؟ قال: نزلت هذه الآية، فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين فقال: أنا لها بكذا و كذا، قال: لست لها، فقام آخر فقال مثل ذلك، فقال: لست لها، فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها، قال: بماذا؟ قال: أعدهم و امنّيهم حتّى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوها «1» أنسيتهم الإستغفار، فقال: أنت لها، فوكّله بها إلى يوم القيامة. «2»
(1). في المصدر: «واقعوا الخطيئة»
(2). الأمالي للصدوق: 465، المجلس الحادي و السبعون، الحديث: 5؛ تفسير الصافي 2:
119.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 294
[سورة آلعمران (3): الآيات 139 الى 148]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 295
قوله سبحانه: وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
هذا هو العلم الفعلي الذي هو عين الفعل، و قد مرّ. و أمّا العلم السابق على الإيجاد فليس مناطا لثواب أو عقاب، و ما قيل: إنّ المراد بالعلم الرؤية، فكلام خال عن التحصيل.
قوله سبحانه: وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ
ظاهره كون «من» تبعيضيّة، و يحتمل كونها نشويّة، و الشهداء هي الأيّام.
قوله سبحانه: وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ
وجه تذييل الآية به دون العلم و العزّة و الحكمة و نحو ذلك، لتأكيد الغايات المذكورة في قوله: وَ لِيَعْلَمَ ، و أنّ جعل اليوم للكافرين على المؤمنين ليس لحبّ منه لهم، بل لما ذكر من الغايات.
قوله سبحانه: وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ
التمحيص: الإمتحان و الإبتلاء من قولك: محّصت الذهب بالنار، إذا خلّصتها من ما يشوبه، و محق الشيء: فناؤه شيئا فشيئا، ففيه مقابلة حسنة و إشارة إلى أنّ الإمتحانات الإلهيّة تسوق المؤمن إلى الخلوص و الصفاء، و الكافر إلى البوار و الهلاك، قال اللّه تعالى: إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ . «1»
(1). الزمر (39): 15.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 296
قوله سبحانه: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ
في تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام- في الآية قال: «إنّ اللّه هو أعلم بما هو مكوّنه قبل أن يكوّنه و هم ذرّ، و علم من يجاهد ممّن لا يجاهد، كما علم أنّه يميت خلقه قبل أن يميتهم، و لم يرهم موتهم و هم أحياء». «1»
أقول: إشارة إلى ما مرّ، و أنّه فرق بين العلم قبل الإيجاد و العلم الفعلي الذي هو الفعل، و أنّ المراد ليس هو العلم قبل الإيجاد.
قوله سبحانه: وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ
في تفسير القمّي، عن الصادق- عليه السلام- في الآية: «إنّ المؤمنين لمّا أخبرهم اللّه تعالى بالذي فعل بشهدائهم يوم بدر في منازلهم في الجنّة، رغبوا في ذلك فقالوا: اللهمّ أرنا قتالا «2» نستشهد فيه، فأراهم اللّه يوم احد إيّاه، فلم يثبتوا إلّا من شاء اللّه منهم، فذلك قوله: وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ . «3»
قوله سبحانه: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ
إنكار لما وقع منهم من الإنهزام و لم يثبت له صلّى اللّه عليه و آله إلّا الرسالة ليتحقّقوا أن ليس له في أمر اللّه إلّا الوساطة المحضة، و قد قيّد ذلك بقوله: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ فهو رسول يجري عليه ما جرى على سائر رسل اللّه من الموت و القتل و غير ذلك، فلا يحقّ لمؤمن و هو يعلم هذا أن لا يدافع عن دين اللّه
(1). تفسير العيّاشي 1: 199، الحديث: 147؛ البرهان في تفسير القرآن 2: 504.
(2). في المصدر: «القتال»
(3). تفسير القمي 1: 119؛ البرهان في تفسير القرآن 2: 506.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 297
في حال و ينقلب على عقبيه، و فيه إشعار أنّ اللّه سبحانه لم يقبل و لم يرتض ما اعتذر به المنهزمون بعد ما تراجعوا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- حين رجوعه إلى المدينة أنّهم إنّما انهزموا لمّا سمعوا قتل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-، و أنّ ذلك كان منهم ارتدادا و انقلابا على أعقابهم؛ إذ كان قيام الدين على ساقه يومئذ يدور مدار ثباتهم، فسمّى ذلك منهم انقلابا على الأعقاب أوّلا، و إرادة لثواب الدنيا ثانيا، و زلّة باستزلال الشيطان ثالثا، و خبثا رابعا؛ إذ يقول:
ثمّ سمّى سبحانه الثبات ممّن ثبت منهم ك «عليّ»- عليه السلام- و أبي دجانة شكرا، إذ قال في آخر الآية: وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ، ثمّ في الآية التالية وَ سَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ و هو ظاهر بعد ما كان انهزام المنهزمين كفرانا لما أنعم اللّه عليهم من الدين، كما يقول في ذيل الآيات: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، «2» و لقد سمّاه شكرا إذ يقول: وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، «3» فهو الثبات.
في تفسير القمّي قال عليه السلام: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- خرج يوم احد و عهد العاهد به على تلك الحال، فجعل الرجل يقول لمن لقيه: إنّ رسول اللّه قد قتل النجاء، «4» فلمّا رجعوا إلى المدينة أنزل اللّه: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إلى قوله: انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ يقول:
(1). آل عمران (3): 179.
(2). آل عمران (3): 164.
(3). آل عمران (3): 123.