کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 301
[سورة آلعمران (3): الآيات 149 الى 155]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 302
قوله سبحانه: وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ
حيث وعدهم بالنصر إن صبروا و اتّقوا، فإنّ دائرة القتال في احد كانت أوّلا على المشركين، حتّى إذا فشل أصحاب عبد اللّه بن جبير و انسلّوا عن موقفهم و مركزهم.
و قوله: إِذْ تَحُسُّونَهُمْ
أي تقتلونهم قتلا ذريعا.
و قوله: حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَ تَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَ عَصَيْتُمْ
يشير إلى الرماة، و هم أصحاب عبد اللّه بن جبير.
و قوله: مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ
و هو انهزام المشركين و الغنيمة.
و قوله: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا
و هم المتفرّقون المنسلّون من أصحاب ابن جبير.
و قوله: وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ
و هو عبد اللّه بن جبير و من ثبت معه في مركزه حتّى قتلوا.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 303
و قوله: ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ
أي: عن المشركين لِيَبْتَلِيَكُمْ .
قوله سبحانه: إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ
الإصعاد: الإبعاد في الأرض و الذهاب فيها، و اللّي: هو الميل.
و قوله: وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ
أي: ساقتكم و جماعتكم الاخرى.
و قوله: غَمًّا بِغَمٍ
في تفسير القمّي عن الباقر- عليه السلام-: فأمّا الغمّ الأوّل: فالهزيمة و القتل.
و الغمّ الآخر: فإشراف خالد بن الوليد عليهم. «1»
قوله سبحانه: يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ
روي أنّه: غشيهم النعاس في المصافّ، حتّى كان السيف يسقط عن يد أحدهم فيأخذه ثمّ يسقط فيأخذه. «2»
(1). تفسير القمي 1: 120؛ البرهان في تفسير القرآن 2: 513، الحديث: 4.
(2). أنوار التنزيل 1: 187؛ تفسير الصافي 2: 138.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 304
[سورة آلعمران (3): الآيات 156 الى 164]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 305
قوله سبحانه: وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ
بدأ بالقتل لكون مساق الكلام هو الجهاد و كون القتل أقرب إلى المغفرة من الموت، ثمّ لمّا أمكن توهّم اختصاص المغفرة بالقتل ألحق به الموت أيضا، على خلاف ما صنع في قوله: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ ، «1» و قوله: ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا ، و قوله: وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ، فبدأ فيها بالموت لكونه أسبق إلى الذهن و أعرف في الوقوع.
و في المعاني، عن الباقر- عليه السلام- قال: «سبيل اللّه: عليّ و ذرّيّته، من قتل في ولايته قتل في سبيل اللّه». «2»
أقول: و هو من الجري.
قوله سبحانه: وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
تأديب له في العزم و العمل.
و في النهج: «من استبدّ برأيه هلك، و من شاور الرجال شاركها في عقولها». «3»
و فيه أيضا: «الإستشارة عين الهداية، و قد خاطر من استبدّ برأيه». «4»
و عن النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: «لا وحدة أوحش من العجب، و لا مظاهرة
(1). آل عمران (3): 144.
(2). معاني الأخبار: 167، الحديث: 1؛ تفسير العيّاشي 1: 202، الحديث: 159 و 162؛ البرهان في تفسير القرآن 2: 516، الحديث: 1؛ تفسير الصافي 2: 141.
(3). نهج البلاغة: 500، الحكمة 161.
(4). نهج البلاغة: 506، الحكمة 211؛ و لقد راجعنا ما بأيدينا من نسخ نهج البلاغة و شروحها، كشرح ابن ميثم، ابن أبي الحديد، عبده، صبحي صالح، مغنيّه، فيض الاسلام، السيد الشيرازي؛ و في كلّها: «إستغنى» بدل: «استبدّ».
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 306
أوثق من المشاورة». «1»
قوله سبحانه: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ
في تفسير القمّي: نزلت في حرب بدر، و كان سبب نزولها أنّه كان في الغنيمة التي أصابوها [يوم بدر] قطيفة حمراء ففقدت، فقال رجل من أصحاب رسول اللّه:
ما لنا لا نرى القطيفة؟ ما أظنّ إلّا رسول اللّه أخذها، فأنزل اللّه في ذلك هذه الآية، فجاء رجل إلى رسول اللّه، فقال: إنّ فلانا غلّ قطيفة حمراء فاحفرها «2» هنالك، فأمر رسول اللّه بحفر ذلك الموضع، فأخرج القطيفة. «3»
و في المجالس، عن الصادق- عليه السلام-: «إنّ رضى الناس لا يملك، و ألسنتهم لا تضبط، و كيف تسلمون ممالم يسلم منه انبياء اللّه و رسله و حجج اللّه- عليهم السلام-؛ ألم ينسبوا يوسف- عليه السلام- إلى أنه همّ بالزنا؟ ألم ينسبوا أيوب عليه السلام، الى أنه ابتلى بذنوبه؟ ألم ينسبوا داود إلى أنه تبع الطير حتى نظر إلى امرأة أوريا فهواها و أنه قدم زوجها أمام التابوت حتى قتل تزوج بها؟ الم ينسبوا موسى إلى أنه عنّين و آذوه حتى برأه اللّه مما قالوا و كان عند اللّه وجيها؟ ألم ينسبوا جميع انبياء اللّه إلى أنهم سحرة طلبة الدنيا؟ ألم ينسبوا مريم بنت عمران- عليها السلام- الى أنّها حملت بعيسى من رجل نجّار اسمه يوسف؟ ألم ينسبوا نبينا- محمد صلّى اللّه عليه و آله- إلى أنّه شاعر مجنون؟ ألم ينسبوه إلى أنه هوى امرأة زيد بن حارثة فلم يزل بها حتى
(1). بحار الأنوار 77: 61، الحديث: 4.
(2). في المصدر: «فأخبأها»
(3). تفسير القمي 1: 126؛ تفسير الصافي 2: 144.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج2، ص: 307
استخلصها لنفسه؟ ألم ينسبوه يوم بدر أنّه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء حتّى أظهره اللّه على القطيفة و برّأ نبيّه من الخيانة و أنزل في كتابه: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ . «1»
أقول: و لحن الآية يشعر بوقوع ظنّ من المسلمين بذلك، فلسانها لسان التبرئة، و الغلّ: أخذ شيء من المغنم خفية.
قوله سبحانه: وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَ
في تفسير القمّي عن الباقر- عليه السلام-: «من غلّ شيئا رآه يوم القيامة في النار، ثمّ يكلّف أن يدخل إليه فيخرجه من النار» «2» .
أقول: و هي استفادة لطيفة من قوله: يَأْتِ .
قوله سبحانه: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ
العنديّة، ليست تشريفيّة بل عنديّة حكميّة، كما يقال: عندي أنّ كذا كذا، فيعمّ الفريقين جميعا، و شاهد ذلك قوله: وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ .
و في تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام-: الذين اتّبعوا رضوان اللّه هم الأئمّة، و هم و اللّه درجات عند اللّه للمؤمنين و بولايتهم و معرفتهم إيّانا يضاعف اللّه لهم أعمالهم و يرفع اللّه لهم الدرجات العلى، «3» و الذين باؤوا بسخط من اللّه هم الذين جحدوا حقّ عليّ و حقّ الأئمّة منّا أهل البيت، فباؤوا لذلك بسخط من اللّه». «4»
(1). الأمالي للصدوق: 102، المجلس الثاني و العشرون، الحديث: 3؛ سنن أبي داود 4: 31، الحديث: 3971؛ سنن الترمذي 5: 230، الحديث: 3009؛ تفسير الطبري 4: 102.
(2). تفسير القمي 1: 122؛ تفسير الصافي 2: 144.
(3). إلى هنا روي في الكافي 1: 430، الحديث: 48؛ و مناقب آل أبي طالب 4: 179.