کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 49
اجتمع ما قدّم اللّه و ما أخّر بدأ بما قدّم اللّه فأعطى حقّه كاملا، فإن بقي شيء كان لمن أخّر [اللّه] و إن لم يبق شيء فلا شيء له. فقال له زفر [بن اوس]: فما منعك أن تشير بهذا الرأي على عمر؟ فقال: هيبته «1» ، الحديث.
و منها: ما إذا قصرت السهام عن استيعاب التركة بالنقص، كالأب مع البنت، فهناك سدس و نصف، فتردّ الزيادة على من كان يرد عليه النقص بحسب سهامهم من غير تعقيب، و هو أن يعطى الزائد أولي عصبة الذكر و تحرّم الانثى منها و لو كانت أقرب نسبا منه. و البيان فيه نظير البيان في صورة النقص. على أنّ آيات المواريث تدفع ما سنّته أهل الجاهليّة من هذا التعصيب، فكيف تشرّع ما تدفعه.
قوله سبحانه: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ
في المجمع عن أمير المؤمنين: «إنّكم تقرأون في هذه الآية الوصيّة قبل الدين، و أنّ رسول اللّه قضى بالدين قبل الوصيّة» «2» .
أقول: و هو المنصوص في الروايات، و أمّا تقديم الوصيّة على الدين في الآية، فلأنّ الوصيّة أمر ندب اللّه إليه دون الدّين، قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ «3» ، و لعلّه النكتة في تقييد الوصيّة في الآيتين بالفعل كقوله: وَصِيَّةٍ يُوصى بِها ، و قوله: وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها ، و قوله: وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها .
(1). الكافي 7: 79- 80، الحديث: 3.
(2). مجمع البيان 3: 31.
(3). البقرة (2): 180.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 50
و قوله سبحانه: وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ
في الكافي عن الصادق- عليه السلام-: «من ليس بوالد و لا ولد» «1» .
أقول: فهو القريب من جهة العرض دون الطول، كالإخوة و الأخوات و أولادهم.
و في قوله: وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً ، إمّا كانَ ناقصة و اسمها رَجُلٌ و يُورَثُ وصفه، و كَلالَةً حال. أو هي تامّة، و يُورَثُ وصف الفاعل، و كَلالَةً حال. و المعنى على الجميع واحد.
و في الكافي عن الصادق- عليه السلام- في الآية: «إنّما عنى بذلك الإخوة و الأخوات من الامّ خاصّة» «2» .
أقول: و الروايات فيه كثيرة، و قرينة ذلك اختصاص ما في آخر السورة من حكم الكلالة بالإخوة و الأخوات من الأبوين أو الأب مع زيادة السهام هناك و نقصها ها هنا، فهذه من جهة الامّ؛ لأنّ تفاوت سهامهم بتفاوت من يتقرّبون به إلى الميّت.
قوله سبحانه: وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ
جيء بالنصف بالإضافة كقوله في الآية الاولى: فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ «3» و لم يتمّم ب «من» كما في قوله: فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ، وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ، فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ، و كالسدس و الثلث في الآية الاولى؛ لأنّ
(1). الكافي 7: 99، الحديث: 2 و 3، مع اختلاف.
(2). الكافي 7: 101- 102، الحديث: 3.
(3). النساء (4): 11.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 51
«من» هذه ابتدائيّة نشويّة، و انتشاء شيء من شيء يستلزم كون الناشي مستهلكا في المنشأ، و لازمه كون الباقي يربو على الناشي كالثلثين على الثلث و الثلاثة الأرباع على الربع، بخلاف النصف من النصف، و الثلث من الثلثين، و لذا قيل:
نصف ما ترك، و ثلثا ما ترك «1» .
هذا، و سكوت الآية عن العدد في الزوجات إذا ورثن يعطي عدم الفرق في أخذ الربع و الثمن بين أن تكون واحدة أو أكثر، فما أخذن من الميراث مشترك بينهنّ، و أمّا قصر ربعهنّ أو ثمنهنّ على الأعيان فقط فغير مستفاد من هذه الآية.
و في هذه المعاني روايات كثيرة «2» .
قوله سبحانه: خالِدِينَ فِيها
قيل: إفراد الضمير في قوله: يُدْخِلْهُ و جمعه في قوله: خالِدِينَ ، باعتبار لفظ «من» و معناه.
(1). غنية النزوع: 319؛ السرائر 3: 287؛ تذكرة الفقهاء 2: 608.
(2). راجع: الكافي 7: 74، 107، 103؛ من لا يحضره الفقيه 4: 274؛ تهذيب الأحكام 9:
165 و غيرها.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 52
[ [سورة النساء (4): الآيات 16 الى 15]
] قوله سبحانه: وَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ
في تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام-: «هي منسوخة، و السبيل هو الحدود» «1» .
و فيه: عنه- عليه السلام-: سئل عن هذه الآية فقال: «هي منسوخة» قيل:
كيف كانت؟ قال- عليه السلام-: «كانت المرأة إذا فجرت فقام عليها أربعة شهود ادخلت بيتا و لم تحدّث و لم تكلّم و لم تجالس و اوتيت [فيه] بطعامها و شرابها حتّى تموت. [قلت: فقوله:] أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ؟ قال: «جعل السبيل الجلد و الرجم» «2» .
(1). تفسير العيّاشي 1: 227، الحديث: 60.
(2). تفسير العيّاشي 1: 227، الحديث: 61.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 53
أقول: و روي هذا المعنى في الكافي عن الباقر- عليه السلام- «1» ، و سياق قوله: أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ ، يعطي أنّ الحكم ذو أمد، فلحنه لحن الانتظار.
قوله سبحانه: وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ
هذه الآية كسابقتها منسوخة بآية الجلد.
و في تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام- و هو ذيل الحديث الثاني السابق، قال: قوله: وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ ، قال: «يعني: البكر إذا أتت الفاحشة التي أتتها هذه الثيّب فَآذُوهُما قال: تحبس فَإِنْ تابا وَ أَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً » «2» .
(1). الكافي 2: 33، الحديث: 1.
(2). تفسير العيّاشي 1: 227- 228، الحديث: 61.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 54
[ [سورة النساء (4): الآيات 18 الى 17]
] قوله سبحانه: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ ...
قد عرفت معنى التوبة في سورة البقرة، و أنّها توبة واحدة من العبد محفوفة بتوبتين من اللّه سبحانه، و عرفت أنّ التوبة الثانية من اللّه تعالى إنّما تتحقّق بالتوبة الاولى منه تعالى. و ظاهر الآية أنّها الثانية.
و قوله: بِجَهالَةٍ
و هو سفه الرأي يحترز به عن الجهل كمن يقترف المعصية و هو لا يعلم أنّها معصية، فلا يكون العمل معه سيّئا، و قد مرّ استفادته من قوله.
و قوله: مِنْ قَرِيبٍ
مقابلته مع قوله في الآية الثانية: حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ، يفيد أنّ
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 55
معنى القرب أن لا ينقضي موعده و هو حلول الإنسان محلّا لا يؤثّر فيه التوبة و الرجوع إلى اللّه سبحانه كما عند معاينة النشأة الآخرة بالاحتضار و الموت، كما يفيده قوله تعالى: وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى «1» .
و في تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام- في الآية، قال: «يعني كلّ ذنب عمله العبد و إن كان به عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصيته ربّه [تبارك و تعالى]، و قد قال في ذلك يحكي قول يوسف لإخوته: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ «2» ، فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية اللّه» «3» .
و في الفقيه عن النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- في آخر خطبة خطبها قال: «من تاب قبل موته بسنة تاب اللّه عليه» ثمّ قال- صلّى اللّه عليه و آله-: «إنّ السنة لكثيرة، و من تاب قبل موته بشهر تاب اللّه عليه» ثمّ قال: «و إنّ الشهر لكثير و من تاب قبل موته بيوم تاب اللّه عليه» ثمّ قال: «و إنّ اليوم لكثير و من تاب قبل موته بساعة تاب اللّه عليه» ثمّ قال: «و إنّ الساعة لكثيرة و من تاب و قد بلغت روحه هذه- و أهوى بيده إلى حلقه- تاب اللّه عليه «4» »، الخطبة.
و قوله: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ ...
في الفقيه عن الصادق- عليه السلام-: «ذلك إذا عاين أحوال «5» الآخرة «6» ».
أقول: و الأخبار في هذه المعاني كثيرة.
(1). طه (20): 82.
(2). يوسف (12): 89.
(3). تفسير العيّاشي 1: 228، الحديث: 61.
(4). من لا يحضره الفقيه 1: 133، الحديث: 351.
(5). في المصدر: «أمر»