کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 53
أقول: و روي هذا المعنى في الكافي عن الباقر- عليه السلام- «1» ، و سياق قوله: أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ ، يعطي أنّ الحكم ذو أمد، فلحنه لحن الانتظار.
قوله سبحانه: وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ
هذه الآية كسابقتها منسوخة بآية الجلد.
و في تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام- و هو ذيل الحديث الثاني السابق، قال: قوله: وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ ، قال: «يعني: البكر إذا أتت الفاحشة التي أتتها هذه الثيّب فَآذُوهُما قال: تحبس فَإِنْ تابا وَ أَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً » «2» .
(1). الكافي 2: 33، الحديث: 1.
(2). تفسير العيّاشي 1: 227- 228، الحديث: 61.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 54
[ [سورة النساء (4): الآيات 18 الى 17]
] قوله سبحانه: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ ...
قد عرفت معنى التوبة في سورة البقرة، و أنّها توبة واحدة من العبد محفوفة بتوبتين من اللّه سبحانه، و عرفت أنّ التوبة الثانية من اللّه تعالى إنّما تتحقّق بالتوبة الاولى منه تعالى. و ظاهر الآية أنّها الثانية.
و قوله: بِجَهالَةٍ
و هو سفه الرأي يحترز به عن الجهل كمن يقترف المعصية و هو لا يعلم أنّها معصية، فلا يكون العمل معه سيّئا، و قد مرّ استفادته من قوله.
و قوله: مِنْ قَرِيبٍ
مقابلته مع قوله في الآية الثانية: حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ، يفيد أنّ
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 55
معنى القرب أن لا ينقضي موعده و هو حلول الإنسان محلّا لا يؤثّر فيه التوبة و الرجوع إلى اللّه سبحانه كما عند معاينة النشأة الآخرة بالاحتضار و الموت، كما يفيده قوله تعالى: وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى «1» .
و في تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام- في الآية، قال: «يعني كلّ ذنب عمله العبد و إن كان به عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصيته ربّه [تبارك و تعالى]، و قد قال في ذلك يحكي قول يوسف لإخوته: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ «2» ، فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية اللّه» «3» .
و في الفقيه عن النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- في آخر خطبة خطبها قال: «من تاب قبل موته بسنة تاب اللّه عليه» ثمّ قال- صلّى اللّه عليه و آله-: «إنّ السنة لكثيرة، و من تاب قبل موته بشهر تاب اللّه عليه» ثمّ قال: «و إنّ الشهر لكثير و من تاب قبل موته بيوم تاب اللّه عليه» ثمّ قال: «و إنّ اليوم لكثير و من تاب قبل موته بساعة تاب اللّه عليه» ثمّ قال: «و إنّ الساعة لكثيرة و من تاب و قد بلغت روحه هذه- و أهوى بيده إلى حلقه- تاب اللّه عليه «4» »، الخطبة.
و قوله: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ ...
في الفقيه عن الصادق- عليه السلام-: «ذلك إذا عاين أحوال «5» الآخرة «6» ».
أقول: و الأخبار في هذه المعاني كثيرة.
(1). طه (20): 82.
(2). يوسف (12): 89.
(3). تفسير العيّاشي 1: 228، الحديث: 61.
(4). من لا يحضره الفقيه 1: 133، الحديث: 351.
(5). في المصدر: «أمر»
(6). من لا يحضره الفقيه 1: 133، الحديث: 352.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 56
[ [سورة النساء (4): الآيات 22 الى 19]
] قوله سبحانه: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ
في المجمع عن الباقر- عليه السلام-: «أنّها نزلت في الرجل يحبس المرأة عنده لا حاجة له إليها و ينتظر موتها حتّى يرثها» «1» .
و في تفسير القمّي عن الباقر- عليه السلام- قال: «كان في الجاهليّة في أوّل
(1). مجمع البيان 3: 47.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 57
ما أسلموا في «1» قبائل العرب إذا مات حميم الرجل و له امرأة ألقى الرجل ثوبه عليها فورث نكاحها بصداق حميمه الذي كان أصدقها [فكان] يرث نكاحها كما يرث ماله، فلمّا مات أبو قيس بن الأشلت «2» ألقى محصن بن أبي قيس ثوبه على امرأة أبيه و هي كبيشة ابنة معمّر بن معبد فورث نكاحها ثمّ تركها لا يدخل بها و لا ينفق عليها، فأتت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقالت: يا رسول اللّه! مات أبو قيس بن الأشلت «3» فورث ابنه محصن نكاحي فلا يدخل عليّ و لا ينفق عليّ و لا يخلّي سبيلي فألحق بأهلي، فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: ارجعي إلى بيتك، فإن يحدث اللّه في شأنك شيئا أعلمتك به. فنزل وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ مَقْتاً وَ ساءَ سَبِيلًا ، فلحقت بأهلها و كان نسوة «4» في المدينة قد ورث نكاحهنّ كما ورث نكاح كبيشة غير أنّه ورثهنّ غير «5» الأبناء فانزل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً » «6» .
أقول: معنى الروايتين واضح، و هناك غيرهما من الروايات.
قوله سبحانه: وَ لا تَعْضُلُوهُنَ
العضل: الحبس.
(1). في المصدر: «من»
(2). في المصدر: «الأسلب»
(3). في المصدر: «الأسلب»
(4). في المصدر: «كانت نساء»
(5). في المصدر: «عن»
(6). تفسير القمّي 1: 134.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 58
و في تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام- قال: «الرجل تكون له المرأة فيضربها حتّى تفتدي منه، فنهى اللّه عن ذلك» «1» .
أقول: و ظاهر أنّ الضرار و الذهاب عنوان العضل.
قوله سبحانه: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
في الكافي عن الصادق- عليه السلام-: «إذا قالت له: لا أغتسل لك من جنابة، و لا أبرّ لك قسما، و لاوطئنّ فراشك من تكره، [فإذا قالت له هذا] حلّ له أن يخلعها و حلّ له ما أخذ منها» «2» .
أقول: و هو من المصاديق، و الآية مطلقة.
و في المجمع عن الباقر- عليه السلام-: «كلّ معصية» «3» .
قوله سبحانه: أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً
في مقام التوبيخ، و يشعر بأنّه كان متداولا عندهم أنّهم كانوا إذا أرادوا الاستبدال رموها بسوء فأخذوا من صداقها و أخرجوها، فنهى عن ذلك، و كذا قيل.
قوله سبحانه: وَ قَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ
الإفضاء الجرّ، كنّى به عن المباشرة، و عدّى ب «إلى» بتضمينه معنى الميل،
(1). تفسير العيّاشي 1: 228- 229، الحديث: 65.
(2). لم نعثر بعينها في الكافي، و لكن روي في من لا يحضره الفقيه 3: 522، الحديث: 482 و في الكافي بتفاوة 1: 39، الحديث: 1- 4.
(3). مجمع البيان 3: 47.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 59
و الميثاق الغليظ: العهد الوثيق و هي عقد النكاح و ما له من الأحكام.
و في المجمع عن الباقر- عليه السلام-: «هو العهد المأخوذ على الزوج حالة العقد من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» «1» .