کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 66
قوله سبحانه: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ
في الكافي عن محمّد بن مسلم عن أحدهما- عليهما السلام- قال: سألته عن قول اللّه تعالى: فَإِذا أُحْصِنَ ؟ قال: «إحصانهنّ أن يدخل بهنّ» قلت: فإن لم يدخل بهنّ، ما عليهنّ حدّ؟ قال: «بلى» «1» .
أقول: و رواه الشيخ في التهذيب «2» ، و العيّاشي في تفسيره «3» في عدّة روايات. و في الآية إشعار بذلك؛ حيث عقّب قوله: فَانْكِحُوهُنَ بقوله:
فَإِذا أُحْصِنَ ، و التفريع يفيد المغايرة.
و في الكافي عن الباقر- عليه السلام- قال: «قضى أمير المؤمنين- عليه السلام- في العبيد و الإماء إذا زنى أحدهم أن يجلد خمسين جلدة إن كان مسلما أو كافرا أو نصرانيّا، و لا يرجم و لا ينفى» «4» .
و عن الصادق- عليه السلام- في عبد مملوك قذف حرّا، قال: «يجلد ثمانين، هذا من حقوق الناس، فأمّا ما كان من حقوق اللّه عزّ و جلّ فإنّه يضرب نصف الحدّ» قلت: الذي من حقوق اللّه عزّ و جلّ ما هو؟ قال: «إذا زنى أو شرب الخمر، هذا من الحقوق التي يضرب عليها نصف الحدّ» «5» .
(1). الكافي 7: 235، الحديث: 6.
(2). تهذيب الأحكام 7: 348، الحديث: 55.
(3). تفسير العيّاشي 1: 234، الحديث: 91.
(4). الكافي 7: 238، الحديث: 23.
(5). الكافي 7: 237، الحديث: 19؛ تهذيب الأحكام 10: 72، الحديث: 40؛ 10: 73، الحديث: 42؛ 10: 92، الحديث: 14؛ الاستبصار 4: 228، الحديث: 6.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 67
[ [سورة النساء (4): الآيات 30 الى 29]
] قوله سبحانه: لا تَأْكُلُوا ...
الاستثناء يحتمل كونه متّصلا و منقطعا. و على كلّ من التقديرين يختلف محلّ قوله: بِالْباطِلِ و محلّه الفقه. و في موردها عدّة روايات.
قوله سبحانه: وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً
في الفقيه عن الصادق- عليه السلام-: «من قتل نفسه متعمّدا فهو في نار جهنّم خالدا، قال اللّه تعالى: وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً* وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَ ظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً » «1» .
(1). من لا يحضره الفقيه 3: 571، الحديث: 4953.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 68
و في المجمع روي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: «لا تخاطروا بنفوسكم في القتال فتقاتلوا من لا تطيقونه» «1» .
و في تفسير العيّاشي عن عليّ- عليه السلام- قال: «سألت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- عن الجبائر تكون على الكسير، كيف يتوضّأ صاحبها و كيف يغتسل [إذا أجنب]؟ قال: يجزيه المسح [بالماء] عليها [في الجنابة] و الوضوء. قلت: فإن كان في برد يخاف على نفسه إذا أفرغ الماء على جسده؟
فقرأ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً » «2» .
أقول: و في هذه المعاني روايات اخر، و الجميع ظاهرة الانطباق على الآية.
(1). مجمع البيان 3: 69.
(2). تفسير العيّاشي 1: 236، الحديث: 102.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 69
[ [سورة النساء (4): آية 31]
] قوله سبحانه: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ ...
المراد بالسيّئات: الصغار من الذنوب، بقرينة المقابلة.
و قوله: مُدْخَلًا
قرئ بضمّ الميم و فتحها، مصدر ميمي، أو اسم مكان. و لم يتقيّد بشيء من الدنيا و الآخرة. و يتحصّل من الآية أنّ الذنوب تختلف بالكبر و الصغر، فينطبق الكلام على ما يستفاد من الآيات النازلة في المناهي من الإصرار في بعضها و عدمه في بعض آخر، و التشديد بالإيعاد بالنار في بعض، و إرسال النهي في بعض. و على هذا ورد تفسيرها في الأخبار.
ففي الكافي: عن [الصادق عليه السلام]: «الكبائر التي أوجب اللّه عليها النار» «1» .
(1). الكافي 2: 276، الحديث: 1.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 70
و في الفقيه و تفسير العيّاشي عن الباقر- عليه السلام- في الكبائر، قال: «كلّ ما أوعد اللّه عليه النار» «1» .
أقول: و هو مرويّ عن الرضا- عليه السلام- «2» كذلك.
و في ثواب الأعمال عن الصادق- عليه السلام-: «من اجتنب ما أوعد اللّه عليه النار إذا كان مؤمنا كفّر اللّه عنه سيّئاته و يدخله مدخلا كريما، و الكبائر السبع الموجبات: قتل النفس الحرام، و عقوق الوالدين، و أكل الربا، و التعرّب بعد الهجرة، و قذف المحصنة، و أكل مال اليتيم، و الفرار من الزحف» «3» .
أقول: و روي كونها سبعا في عدّة روايات اخر «4» ، و روتها العامّة «5» ، غير أنّ فيها اختلافا مّا في المعدود. و القدر المشترك الواقع في الجميع: قتل النفس، و عقوق الوالدين، و أكل مال اليتيم، و الفرار من الزحف. و قد عدّت في رواية اخرى سبعين ذنبا، و سيجيء نقلها. و الذي يستفاد منها و من الآيات نفسها أنّ نفس الكبائر التي أوعد اللّه عليها النار مختلفة بالشدّة و الضعف. و قد قيل في تفسيرها و تعيينها أمور لا حاجة إلى إيرادها ها هنا.
(1). من لا يحضره الفقيه 3: 569، الحديث: 4944؛ تفسير العيّاشي 1: 239، الحديث: 114.
(2). راجع: من لا يحضره الفقيه 3: 563، الحديث: 4932 و 4933.
(3). ثواب الأعمال: 129.
(4). راجع: من لا يحضره الفقيه 3: 38، الحديث: 3280؛ تهذيب الأحكام 6: 241، الحديث: 1؛ الاستبصار 3: 12، الحديث: 1.
(5). سنن أبي داوود 1: 657، الحديث: 2874؛ سنن النسائي 6: 257؛ السنن الكبرى 9: 76.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 71
[ [سورة النساء (4): الآيات 35 الى 32]
] قوله سبحانه: وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ
التمنّي سؤال ما لا يكون لعدم مقدّماته؛ و إذ عقّبها بقوله: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ ، المفيد أنّ الفوز و الفلاح في حيازة كلّ شيء بالكسب و العمل، ثمّ قوله
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 72
وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ، أفاد أنّ المراد هو النهي عن الحسد، و هو تمنّي المرء أن يكون ما للغير له.
و في المجمع عن الصادق- عليه السلام-: «أي لا يقول أحدكم: ليت ما أعطي فلان من المال و النعمة و المرأة الحسناء كان لي، فإنّ ذلك يكون حسدا، و لكن يجوز أن يقال: اللهمّ أعطني مثله» «1» .
أقول: و الأخبار في الحسد و الغبطة كثيرة، غير أنّها تقيّد حرمة الحسد بترتيب الأثر على ما في القلب خارجا، و هو المستفاد من نحو قوله تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ «2» .
قوله سبحانه: وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ
في الفقيه عن النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: «إنّ اللّه عزّ و جلّ أحبّ شيئا لنفسه و أبغضه لخلقه، أبغض عزّ و جلّ لخلقه المسألة، و أحبّ لنفسه أن يسأل، و ليس شيء أحبّ إليه من أن يسأل، فلا يستحيي أحد أن يسأل اللّه من فضله و لو شسع نعل» «3» .
ول: و تسميته فضلا له لكونه يفضّل به بعضا على بعض. و الروايات في السؤال و الدعاء كثيرة، و قد مضت جملة منها مع بيانها في سورة البقرة عند قوله:
وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ «4» . و في الرزق خاصّة روايات اخر سيجيء التعرّض لها.
(1). مجمع البيان 3: 74.
(2). النجم (53): 32.
(3). من لا يحضره الفقيه 2: 70، الحديث: 1755.