کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 89
و في الكافي و تفسير العيّاشي و البصائر و غيرها من كتب الحديث في روايات كثيرة عن أهل البيت- عليهم السلام-: «نحن النَّاسَ المحسودون» «1» .
أقول: و ربما يراد بالناس شخص أو أشخاص معيّنون، و ذلك إذا لم يكن للعنوان من الاسم و الوصف دخالة في الحكم، كقولك لمن يتعرّض بك من غير موجب: لا تتعرّض بالناس، و ما لك و للناس، تريد نفسك.
و في الكافي و تفسير العيّاشي عن الباقر- عليه السلام- في قوله: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ ، يعني جعل منهم الرسل و الأنبياء و الأئمّة، فكيف يقرّون في آل إبراهيم و ينكرونه في آل محمّد، و قال- عليه السلام-: «الملك العظيم أن جعل فيهم أئمّة، من أطاعهم فقد أطاع اللّه، و من عصاهم فقد عصى اللّه، فهو الملك العظيم» «2» .
و في الكافي و تفسير القمّي: عن الصادق- عليه السلام-: الْكِتابَ النبوّة وَ الْحِكْمَةَ : الفهم و القضاء، و مُلْكاً عَظِيماً : الطاعة المفروضة «3» .
قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ
الإصلاء: الاتباع.
(1). الكافي 1: 186، الحديث: 6؛ 1: 205، الحديث: 1، باب أنّ الأئمّة- عليهم السلام- ولاة الأمر و هم الناس المحسودون؛ 1: 204، الحديث: 4؛ 1: 205، الحديث: 1؛ 1: 206، الحديث: 2؛ تفسير العيّاشي 1: 246، الحديث: 153؛ 1: 247، الحديث: 155؛ البصائر:
35، باب في أئمّة آل محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- و أنّ اللّه تعالى أوجب طاعتهم و مودّتهم و هم المحسودون على ما آتاهم اللّه من فضله: 35- 36، الأحاديث 3- 5 و 9، و 202، الحديث: 1.
(2). الكافي 1: 206، الحديث: 5؛ تفسير العيّاشي 1: 246، الحديث: 152.
(3). الكافي 1: 206، الحديث: 3،- «المفروضة»؛ تفسير القمّي 1: 140.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 90
و في تفسير القمّي قال- عليه السلام-: «الآيات أمير المؤمنين و الأئمّة» «1» .
أقول: و هو من الجري، بل من ظاهر التنزيل؛ إذ الآيات- أعني قوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ ، إلى تمام عشرين آية- متعرّضة لحال اليهود و من يتبعهم في نفاقهم و خيانتهم في علمهم، و جورهم في حكمهم في حقّ آل إبراهيم، و الجميع منطبقة عليهم.
قوله سبحانه: بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا
في الاحتجاج عن الصادق- عليه السلام- أنّه سأله ابن أبي العوجاء فقال: ما ذنب الغير؟ قال: «ويحك هي هي و هي غيرها» «2» .
أقول: و روى قريبا منه القمّي في تفسيره «3» ، و سيجيء بيانه في الكلام على البعث.
قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
ظاهره الإطلاق لكلّ ما يصدق عليه الأمانة و احتاج إلى الحفظ، و يقوّيه مسبوقيّة الآية بخيانة اليهود بما عندهم من العلم و جورهم في الحكم على النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-.
و في المجمع عن الباقر و الصادق- عليهما السلام-: إنّها في كلّ من اؤتمن أمانة من الأمانات، و أمانات اللّه: أوامره و نواهيه، و أمانات عباده: فيما يأتمن
(1). تفسير القمّي 1: 140.
(2). الاحتجاج 2: 354.
(3). تفسير القمّي 1: 141.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 91
بعضهم بعضا من المال و غيره «1» .
و في تفسير العيّاشي عن الباقر- عليه السلام-: «إيّانا عنى أن يؤدّي الإمام الأوّل «2» إلى الذي بعده العلم و الكتب و السلاح» «3» .
أقول: و هو من المصاديق.
قوله سبحانه: أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ
في الكافي و تفسير العيّاشي عن الباقر- عليه السلام-: يعني العدل الذي في أيديكم «4» .
أقول: و روى مثله العيّاشي رواية اخرى «5» .
و في تفسيره أيضا عن الباقر- عليه السلام- في قوله: إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ، قال: «فينا نزلت و اللّه المستعان» «6» .
(1). مجمع البيان 3: 112.
(2). في المصدر: «الأوّل منّا إلى الإمام»
(3). تفسير العيّاشي 1: 246، الحديث: 153.
(4). الكافي 1: 276، الحديث: 1؛ تفسير العيّاشي 1: 246، الحديث: 153.
(5). تفسير العيّاشي 1: 246، الحديث: 154.
(6). تفسير العيّاشي 1: 249، الحديث: 166.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 92
[ [سورة النساء (4): الآيات 70 الى 59]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 93
] قوله سبحانه: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
صدر الآية كالمقدّمة لذيلها، بل توطئة له، أعني قوله: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ، على ما هو الظاهر من الآية التالية لها و ما بعدها، فالمقصود بالبيان هو الأمر بالردّ عند التنازع، و حيث لا يتأتّى إلّا بالإطاعة للّه و رسوله جعل الأمر بالطاعة مقدّمة، و فرّع عليه الردّ عند التنازع، و لذلك جيء بالفاء التفريعيّة.
و من الواضح أنّ الردّ إلى اللّه هو الردّ إلى كتاب اللّه، و الردّ إلى الرسول هو الردّ إلى سنّته، كما أنّ طاعة اللّه طاعته- صلّى اللّه عليه و آله- فيما يقول، و طاعة الرسول طاعته و الانقياد له فيما يقول، و من المعلوم أنّ اشتمال المقدّمة على ما لا يحتاج إليه في النتيجة فضل من الكلام زائد، فكون الردّ إلى اللّه و رسوله خاصّة يوجب كون ذكر أولي الأمر زائدا مستدركا، إلّا أن يكون الردّ إليهم عين الردّ إلى الرسول، كما أنّ طاعتهم طاعة الرسول، و ذلك كما يشعر به جعل إطاعة الرسول و أولي الأمر إطاعة واحدة و عدم إعادة ذكر أولي الأمر ثانيا عند قوله:
فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ فعلى المؤمنين لاولي الأمر طاعة مفترضة فيما يقولون، لكن ليس عندهم غير كتاب اللّه و سنّة رسوله حتّى يردّ إليهم شيء
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 94
متنازع فيه، فالإطاعة للّه و لرسوله و لأولي الأمر جميعا، و الردّ إلى اللّه و رسوله فحسب.
و من هنا يظهر أنّ فرض طاعتهم يوجب العصمة فيهم؛ إذ مع فرض عدمها لا معنى لفرض طاعتهم؛ لجواز خطأهم و أداء ذلك إلى التناقض سواء فيما علم المؤمنون بخطأهم أو لم يعلموا، فلو اريد باولي الأمر امراء السرايا المنصوبون من قبل رسول اللّه لم يكن للتفريع وجه، و لا لمورد الآيات مطابقة، و لو أريد امراء المسلمين من الولاة و الحكّام من غير عصمة، و من المعلوم أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- لم ينصب واحدا منهم بهذا الوصف بإجماع الامّة و شهادة التاريخ لم يكن للمفرّع عليه- أعني لذكر أولي الأمر- معنى بعد ما لا يتفرّع عليه حكم الردّ.
و أمّا أخذ الخطاب متوجّها إلى أولي الأمر و المأمورين جميعا- كما ربّما قيل فأسوأ حالا؛ إذ أمر أولي الأمر في صورة الاتّفاق- أعني إحراز المأمور موافقته للكتاب و السنّة- لا معنى لإيجاب إطاعته؛ لكونه لغوا، و في صورة الاختلاف لا معنى له أيضا؛ لاستلزامه التناقض أو رفع اليد من الأحكام المشرّعة في الكتاب و السنّة، فتأمّل.
و إلى ما مرّ يشير ما ورد في المقام من الروايات.
ففي النهج و هو من جملة عهده- عليه السلام- للأشتر، قال- عليه السلام-:
«واردد إلى اللّه و الرسول «1» ما يضلعك من الخطوب و يشتبه عليك من الامور، فقد قال اللّه سبحانه لقوم أحبّ إرشادهم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
(1). في المصدر: «رسوله»
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 95
وَ الرَّسُولِ ، فالرادّ «1» إلى اللّه الآخذ بمحكم كتابه، و الرادّ إلى الرسول الآخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة» «2» .
و فيه أيضا في خطبة له- عليه السلام- في التحكيم، قال- عليه السلام-:
«و قال اللّه سبحانه: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ فردّه إلى اللّه أن يحكم بكتابه، وردّه إلى الرسول أن يأخذ بسنّته» «3» .
أقول: و قد اتّضح معناه سابقا.
و في الكافي عن الصادق- عليه السلام- في الآية، قال: «نزلت في عليّ بن أبي طالب و الحسن و الحسين- عليهم السلام- إلى آخر الأئمّة» «4» .
أقول: و روى مثله العيّاشي في تفسيره «5» .
و في الكافي و تفسير العيّاشي أيضا في الآية، قال- عليه السلام-: «إيّانا عنى خاصّة، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا خاصّة» «6» .
أقول: و الروايات في هذا المعنى كثيرة متكثّرة، لا يبعد دعوى التواتر فيها.
قوله سبحانه: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ
في تفسير القمّي عن الصادق- عليه السلام-، قال: نزل (فإن تنازعتم في شيء
(1). في المصدر: «الردّ»
(2). نهج البلاغة: 433، و من كتاب له- عليه السلام- كتبه للأشتر النخعي (53).
(3). نهج البلاغة: 182، و من كلام له- عليه السلام- في التحكيم.
(4). الكافي 1: 286، الحديث: 1،- «إلى آخر الأئمّة».
(5). تفسير العيّاشي 1: 253، الحديث: 176.