کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 130
علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبهم، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية و أعتق نسمة و صام شهرين متتابعين و أطعم ستّين مسكينا توبة إلى اللّه عزّ و جلّ» «1» .
أقول: و المستفاد منها أنّه جعل قتل المؤمن لإيمانه من محقّقات الارتداد و مصاديقه.
و في الكافي و المعاني و تفسير العيّاشي عنه- عليه السلام-: من قتل مؤمنا على دينه فذلك المتعمّد الذي قال اللّه عزّ و جلّ في كتابه: وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً » قيل: و الرجل يقع بينه و بين الرجل شيء فيضربه بالسيف فيقتله؟
قال: «ليس ذلك المتعمّد الذي قال اللّه عزّ و جلّ» «2» .
أقول: و كأنّ الاستفادة من قوله: يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ، و مصبّ الرواية هو الجزاء، فلا ينافي اشتراك القسمين في القود و الحكم.
و في المعاني في قوله تعالى: فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ، قال- عليه السلام-: « [جزاؤه جهنّم] إن جازاه» «3» .
أقول: إشارة إلى ما يفيده قوله: وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ «4» .
قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا
عبّر عن الخروج للجهاد بالضرب في سبيل اللّه إشعارا بعلّة التبيّن، كما أنّ
(1). الكافي 7: 276- 277، الحديث: 2؛ تفسير العيّاشي 1: 267، الحديث: 239.
(2). الكافي 7: 275- 276، الحديث: 1؛ معاني الأخبار: 380، الحديث: 4؛ تفسير العيّاشي 1: 267، الحديث: 237.
(3). معاني الأخبار: 380، الحديث: 5.
(4). النساء (4): 48.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 131
التبيّن كالعلّة لما عطف عليه للتوضيح و البيان، أي إذا «1» كان خروجكم في سبيل اللّه فينبغي أن لا تساهلوا في جنب اللّه و تبيّنوا، فلا تقولوا لمن يظهر الإسلام: لست مؤمنا، و ليس ذلك إلّا لطلب الدنيا و حطامها. فالمراد بالتبيّن ليس هو تحقيق الحال؛ إذا المظهر للشهادتين كما في مورد الآية لا يحتاج إلى تحقيق الحال، بل التبيّن بما بيّنه اللّه تعالى حيث حقن دم المسلم بإظهار الشهادتين، و قد أكّد الأمر ثانيا بقوله: كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ، أي أنّكم كنتم مثلهم فما كنتم تحتمونه في أنفسكم من التبيّن فاعملوا في غيركم. و قد قرئ «فتثبّتوا» صيغة أمر من التثبّت، و هي أوجه و أوفق بالسياق من التبيّن.
و في تفسير القمّي: نزلت لمّا رجع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- من غزوة خيبر و بعث اسامة بن زيد في خيل إلى بعض «2» اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام، و كان رجل من اليهود اسمه مرداس بن نهيك الفدكي في بعض القرى، فلمّا أحسّ بخيل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- جمع أهله و ماله و صار في ناحية الجبل، فأقبل يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-، فمرّ به أسامة بن زيد فطعنه فقتله، فلمّا رجع إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أخبره بذلك، فقال له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- «3» : أفلا شققت الغطاء عن قلبه، لا ما قال بلسانه قبلت، و لا ما كان
(1). في الاصل: «إذ»
(2). في المصدر:+ «قرى»
(3). في المصدر:+ «قتلت رجلا شهد أن لا اله الّا اللّه و أنّى رسول اللّه فقال: يا رسول اللّه إنّما قال تعوذوا من القتل فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله و سلم-»
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 132
في قلبه «1» علمت، فحلف اسامة بعد ذلك أن لا يقتل أحدا، قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-، فتخلّف عن أمير المؤمنين- عليه السلام- في حروبه، و أنزل اللّه في ذلك: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ «2» .
أقول: و روت العامّة «3» ما يقرب من ذلك، و في الآية ما يستنبط به حال اسامة.
(1). في المصدر: «في نفسه»
(2). تفسير القمّي 1: 148.
(3). تفسير القرطبي 5: 237؛ الدرّ المنثور 2: 200؛ لباب النقول: 66؛ تاريخ المدينة 2:
451.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 133
[ [سورة النساء (4): الآيات 100 الى 95]
] قوله سبحانه: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ
في المجمع: نزلت في كعب بن مالك من بني سلمة، و مرارة بن ربيع من بني عمرو
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 134
بن عوف، و هلال بن اميّة من بني واقف، تخلّفوا عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يوم تبوك، و عذّر اللّه أولي الضرر و هو ابن أمّ مكتوم، قال: رواه أبو حمزة الثمالي في تفسيره «1» .
قوله سبحانه: وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى
تشريك للتسلّي و تطييب النفس.
و في الجوامع عن النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: «لقد خلفتم في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا و لا قطعتم واديا إلّا كانوا معكم و هم الذين صحّت نيّاتهم و نصحت جيوبهم و هوت أفئدتهم إلى الجهاد، و قد منعهم عن السير ضرر أو غيره» «2» .
أقول: و هذا التشريك لا يوجب التساوي من جميع الجهات؛ لجواز اشتراك موضوعين في وصف واحد مع التشكيك، كالسواد و البياض، و هو الذي يتعرّض له ثانيا لدفع الدخل بقوله: دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً .
قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ
في الاحتجاج عن أمير المؤمنين- عليه السلام- أنّه سئل عن قول اللّه تعالى:
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها «3» ، و قوله: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ «4» ، و قوله عزّ و جلّ: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا «5» ، و قوله: الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ، فمرّة
(1). مجمع البيان 3: 166.
(2). جوامع الجامع 1: 432.
(3). الزمر (39): 42.
(4). السجدة (32): 11.
(5). الأنعام (6): 61.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 135
يجعل الفعل لنفسه، و مرّة لملك الموت، و مرّة للرسل، و مرّة للملائكة؟ فقال: «إنّ اللّه تبارك و تعالى أجلّ و أعظم من أن يتولّى ذلك بنفسه، و فعل رسله و ملائكته فعله؛ لأنّهم بأمره يعملون، فاصطفى من الملائكة رسلا و سفرة بينه و بين خلقه، و هم الذين قال اللّه فيهم: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَ مِنَ النَّاسِ «1» ، فمن كان من أهل الطاعة تولّت قبض روحه ملائكة الرحمة، و من كان من أهل المعصية تولّت قبض روحه ملائكة النقمة، و لملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة و النقمة يصدرون عن أمره، و فعلهم فعله، و كلّ ما يأتونه منسوب إليه، فإذا كان فعلهم فعل ملك الموت ففعل ملك الموت فعل اللّه؛ لأنّه يتوفّى الأنفس على يد من يشاء، و يعطي و يمنع و يثيب و يعاقب على يد من يشاء، و إنّ فعل امنائه فعله، كما قال: وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ » «2» «3» .
أقول: سيأتي الكلام في حقيقة التوفّي و معنى توفّي اللّه و ملك الموت و أعوانه للإنسان في سورة الزمر عند قوله: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ «4» .
قوله سبحانه: ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ
في المجمع عن الباقر- عليه السلام-: هم قيس بن الفاكهة بن المغيرة و الحارث بن زمعة بن الأسود «5» و قيس بن الوليد بن المغيرة و أبو العبّاس «6» بن منبّه بن
(1). الحجّ (22): 75.
(2). الإنسان (76): 30.
(3). الاحتجاج 1: 247.
(4). الزمر (39): 42.
(5). في المصدر:- «ابن الأسود»
(6). في المصدر: «العاص»
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 136
الحجّاج و عليّ بن اميّة بن خلف «1» .
أقول: و يلحق بهم الذين ماتوا بمكّة بين الهجرة و الفتح من المشركين و كان عدّ ما عدّ منهم من قبيل عدّ المصاديق.
قوله سبحانه: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ
الاستثناء منقطع كما قيل و إن احتمل المتّصل و دخولهم في ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ بقرينة قوله فيما بعد: فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ .
و كيف كان، فاستثناء المستضعفين مع سبق الوصف في المستثنى منه و لو دعوى يفيد إرادة المتّصف بحقيقته، أي إلّا المستضعفين حقيقة، و يفيد أنّ الحكم عقليّ غير تعبّدي، و لذلك عرّف المستضعفين بقوله: لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ، و قرينتا الاستطاعة و الاهتداء تفيدان أنّ المراد بالسبيل السبيل إلى الحقّ، أي لا يستطيعون حيلة تدفع عنهم الظلم و لا يهتدون إلى الحقّ، و الكلام مطلق يشمل ما إذا كان الاستضعاف لعدم استطاعة الهجرة أو لعدم بلوغ الفهم أو مع بلوغه و عدم التنبّه لاتّفاق، كمن يستفرغ وسعه في طلب الحقّ ثمّ لا يناله مع غزارة العلم و نبوغ الفكر لجمود تمكّن في نفسه بالتقليد و نحوه.
فإن قلت: قوله تعالى: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ «2» ، ينفي دخول القسم الأخير في أصحاب العذر؛ لدلالته على أنّ الطالب للحقّ المستفرغ وسعه فيه يناله لا محالة إن كان محسنا من غير عناد و لجاج، فمن لم ينل و لم يصل فلعدم استفراغ الوسع أو لعناد، على أنّ أمر الحقّ ظاهر.
(1). مجمع البيان 4: 846.