کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 170
في أهله، فقم من عنده و لا تقاعده» «1» .
و عن الصادق: «و فرض اللّه على السمع أن يتنزّه عن الاستماع إلى ما حرّم اللّه و أن يعرض عمّا لا يحلّ له ممّا نهى اللّه عنه و الإصغاء إلى ما أسخط اللّه، فقال في ذلك: وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ ، قال: ثمّ استثنى موضع النسيان فقال: وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ «2» «3» .
قوله سبحانه: وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا
في العيون عن الرضا- عليه السلام- في حديث قال: فأمّا قوله عزّ و جلّ:
وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا فإنّه يقول: لن يجعل اللّه لكافر على مؤمن حجّة، و لقد أخبر اللّه عن كفّار قتلوا نبيّين «4» بغير حقّ، و مع قتلهم إيّاهم لن يجعل اللّه لهم على أنبيائهم حجّة من طريق الحجّة «5» .
قوله سبحانه: وَ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
حيث يذكرونه في مقام يخافون فيه على أنفسهم من ظهور النفاق.
و في الكافي عن أمير المؤمنين- عليه السلام-: «من ذكر اللّه في السرّ فقد ذكر اللّه كثيرا، إنّ المنافقين كانوا يذكرون اللّه علانية و لا يذكرونه في السرّ، فقال اللّه تعالى: يُراؤُنَ النَّاسَ وَ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا «6» .
(1). الكافي 2: 377، الحديث: 8؛ تفسير العيّاشي 1: 281، الحديث: 290.
(2). الأنعام (6): 68.
(3). الكافي 2: 35، الحديث: 1.
(4). في المصدر: «النبيّين»
(5). عيون أخبار الرضا- عليه السلام- 2: 203، الحديث: 5.
(6). الكافي 2: 501، الحديث: 2.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 171
أقول: و فيه استفادة لطيفة.
و قوله: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ
أي مردّدين. و تفسيره قوله بعده: لا إِلى هؤُلاءِ وَ لا إِلى هؤُلاءِ .
قوله سبحانه: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ
قرئ الدرك بفتح الراء و سكونها، و هي من النار كالدرجة من الجنّة، سمّي به لتطابق الدرك على الدرك، و يستفاد منها أنّ النار ذات مراتب.
قوله سبحانه: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ
في المجمع عن الباقر- عليه السلام-: «لا يحبّ اللّه الشتم في الانتصار إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فلا بأس له أن ينتصر ممّن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين» «1» .
أقول: و روى قريبا منه القمّي في تفسيره «2» .
و قوله- عليه السلام-: «فلا بأس له»، إشارة إلى وجه تغيير الاسلوب في الآية و العدول عن الاستثناء المتّصل إلى المنقطع، فإنّ الظاهر كان مقتضاه أن يقال: إلّا ممّن ظلم، أو: إلّا أن يجهر به من ظلم، و ذلك للإشعار بأنّه منه لا بأس به، لا أنّه محبوب.
و قوله: «بما يجوز الانتصار»، يعني ذكره بما فيه، فهو الجائز في الدين فحسب.
و في تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام-: «الجهر بالسوء من القول أن
(1). مجمع البيان 3: 225.
(2). تفسير القمّي 1: 156- 157.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 172
يذكر الرجل بما فيه» «1» .
و في المجمع عن الصادق- عليه السلام-: «إنّه الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته، فلا جناح عليه أن يذكر سوء ما فعله» «2» .
أقول: و روى هذا المعنى العيّاشي في تفسيره «3» .
و في تفسير القمّي: و في حديث آخر في تفسيرها: «إن جاءك رجل و قال فيك ما ليس فيك من الخير و الثناء و العمل الصالح فلا تقبله منه و كذّبه، فإنّه «4» ظلمك» «5» .
أقول: الآية مطلقة، و الحديثان من قبيل عدّ المصاديق و التطبيق.
قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ
في تفسير القمّي قال- عليه السلام-: «هم الذين أقرّوا برسول اللّه و أنكروا أمير المؤمنين- عليه السلام-» «6» .
أقول: و هو من الجري.
(1). تفسير العيّاشي 1: 283، الحديث: 297.
(2). مجمع البيان 3: 225.
(3). تفسير العيّاشي 1: 283، الحديث: 296.
(4). في المصدر: «فقد»
(5). تفسير القمّي 1: 157.
(6). تفسير القمّي 1: 157.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 173
[سورة النساء (4): الآيات 171 الى 153]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 175
قوله سبحانه: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ
في المجمع: روي أنّ كعب بن الأشرف و جماعة من اليهود قالوا: يا محمّد، إن كنت نبيّا فأتنا بكتاب من السماء [جملة: أي] كما أتى موسى بالتوراة جملة، فنزلت «1» .
قوله سبحانه: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ قد مرّ الكلام في عمدة ما يتعلّق بهذه الآيات فيما مرّ، و سيأتي بعضه في نظائرها فيما سيأتي.
قوله سبحانه: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ
وقوع الآية بعد قوله: وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ، و قوله: وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً* بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ، يفيد كون الضمير في قوله: قَبْلَ مَوْتِهِ ، راجعا إلى عيسى- عليه السلام- كالضمير في قوله: بِهِ ، و قوله: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ، «إن» نافية، و حذف الاسم و هو «أحد» يفيد الاستغراق، و ظاهر المعنى ما من يهوديّ و لا نصرانيّ إلّا ليؤمننّ بعيسى قبل موت عيسى، فموت عيسى متأخّر عن كلّ يهوديّ و نصرانيّ، و قد قال تعالى لعيسى: وَ جاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ «2» ، و هذا ممّا يستفاد منه كون
(1). مجمع البيان 3: 228.
(2). آل عمران (3): 55.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 176
اليوم يوم القيامة، كما مرّ بيانه في سورة البقرة عند قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ «1» .
و قد سكت سبحانه في قوله: إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ، عن كونه إيمانا نافعا أو غير نافع، بل يستفاد من مثل قوله في اليهود: وَ لُعِنُوا بِما قالُوا «2» ، و قوله: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا : أنّ كثيرا منهم لا يؤمنون إيمانا نافعا، و قد قال أيضا: فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ «3» .
ثمّ إنّ هذا الإيمان ليس هو الإيمان الباطل الذي للنصارى اليوم بعيسى، فحاشا عيسى أن يظهر لهم فيؤمنوا به إيمانا ليس له بحقّ كما حكى اللّه تعالى عنه بقوله: قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ «4» ، و قال أيضا: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ «5» .
و حاشا ساحة الحقّ سبحانه أن يسمّي ما يعدّه كفرا إيمانا، و هو الإيمان بعيسى بعد بعثة محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- و بكلّ نبيّ بعد نسخ شريعته إلّا مع الإيمان بالنبيّ اللاحق و في ضمنه، فقوله: لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ، متضمّن للإيمان بمحمّد و خاصّة في زمانه، فالمعنى- و اللّه العالم-: ما من يهوديّ و لا نصرانيّ إلّا ليؤمننّ بعيسى، أي بمحمّد و عيسى- عليهما السلام- قبل أن يموت عيسى إمّا إيمانا لا ينفعه كما عند السكرات و ظهور آيات الآخرة، أو إيمانا ينفعه كما في غيره.
(1). البقرة (2): 210.
(2). المائدة (5): 64.
(3). النحل (16): 37.
(4). المائدة (5): 116.