کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 249
جار في الناس كلهم «1» .
أقول: يعني- عليه السلام- في الناس كلّهم بعد بني إسرائيل لما مرّ.
و في الكافي عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن قول اللّه عزّ و جلّ: مَنْ قَتَلَ نَفْساً قال: «له في النار مقعد لو قتل الناس جميعا لم يرد إلّا [إلى] ذلك المقعد» «2» .
أقول: و روى هذا المعنى الصدوق في الفقيه و العيّاشي في تفسيره «3» .
و في الكافي أيضا، عن حمران، قال: قلت لأبي عبد اللّه «4» - عليه السلام-: ما معنى قول اللّه عزّ و جلّ: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ، قال: قلت:
فكيف فكأنّما قتل الناس جميعا، فإنّما قتل واحدا؟ قال: يوضع في موضع من جهنم إليه ينتهي شدّة عذاب أهل الدنيا «5» لو قتل الناس جميعا كان إنّما «6» يدخل ذلك المكان، قلت: فإن «7» قتل آخر، قال: يضاعف عليه «8» .
أقول: و رواه الصدوق في الفقيه و العيّاشي في تفسيره «9» عنه- عليه السلام-.
و في الروايتين شهادة على ما مرّ في سورة البقرة عند قوله: إِنَّ اللَّهَ
(1). تفسير القمّي 1: 167.
(2). الكافي 7: 272.
(3). من لا يحضره الفقيه 4: 94، تفسير العيّاشي 1: 312- 313.
(4). في المصدر: «لأبي جعفر»
(5). في المصدر: «أهلها»
(6). في المصدر: «إنّما كان» و في من لا يحضره الفقيه: «لكان إنّما»
(7). في المصدر: «فإنّه»
(8). الكافي 7: 271.
(9). من لا يحضره الفقيه 4: 94؛ تفسير العياشي 1: 313 [مع تفاوت].
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 250
لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا «1» ، إنّ لتشبيهات القرآن و استعاراتها فيما يعود إلى الجزاء و الوعد و الوعيد معنى آخر، فراجع، فقد استفاد- عليه السلام- من التمثيل و التشبيه مقاما أخرويّا حقيقيا، فإنّما المثال برزخ متوسط بين الدنيا و الآخرة.
و في أمالي الشيخ عن فضيل، قال: قلت لأبي جعفر- عليه السلام-: قال اللّه عزّ و جل في كتابه: وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ، قال: «من حرق أو غرق، قلت: من أخرجها من ضلال إلى هدى قال: ذلك «2» تأويلها الأعظم» «3» .
أقول: و روى هذا المعنى العيّاشي في تفسيره بعدّة طرق، و البرقي في المحاسن «4» .
و في تفسير العيّاشي عن سماعة، عن الصادق- عليه السلام- في الآية قال:
«من أخرجها من ضلال إلى هدى فقد أحياها، و من أخرجها من هدى إلى ضلالة فقد قتلها» «5» .
أقول: و روي هذا المعنى في الكافي و المحاسن «6» .
و قد مرّ بيان معنى الرواية عند قوله تعالى: وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ «7» .
(1). البقرة (2): 206.
(2). في المصدر: «ذاك»
(3). لم نعثره عليه في المصدر و لكن في: الكافي 2: 210- 211؛ وسائل الشيعة 16: 186.
(4). تفسير العيّاشي 1: 313؛ المحاسن 1: 232؛ مستدرك الوسائل 12: 239.
(5). تفسير العيّاشي 1: 313.
(6). الكافي 2: 210- 211؛ المحاسن 1: 231.
(7). المائدة (5): 27.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 251
و أمّا قوله- عليه السلام-: «ذلك تأويلها الأعظم» فقد عرفت في سورة آل عمران عند قوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ «1» ، أنّ معنى التأويل في عرف القرآن غير ما هو في عرف العلماء، و عليه فيتفاوت معنى الرواية مع ما يتلّقى من ظاهرها كل التفاوت، فراجع و تأمّل.
و في المجمع عن الباقر- عليه السلام-: «المسرفون هم الذين يستحلّون المحارم و يسفكون الدماء» «2» .
أقول: وجه استفادته من سياق الآيات ظاهر.
(1). آل عمران (3): 7.
(2). لا يوجد في مجمع البيان، لكن رواه في تفسير الصافي 2: 31.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 252
[ [سورة المائدة (5): الآيات 40 الى 33]
]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 253
قوله سبحانه: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا
معنى محاربتهم اللّه و رسوله هو سعيهم بالفساد فإنّه نقض غرض الخلقة و البعثة.
فإنّ غرض الخلقة هو حياة الإنسان و بقائهم في الأرض، قال تعالى: وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ «1» و قال: فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ «2» إلى غير ذلك و غرض البعثة صلاح النظام.
و قد مرّ اقتناص حدّ الدين في سورة البقرة من قوله: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً «3» ، أنّه نحو سلوك دنيويّ يتضمّن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي، فقوله: وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً بيان لما قبله.
و لهذا الذي ذكر جمع في الآية بين الحدّ و العذاب الأخروي، فقد ورد في كثير من الحدود أنّ اللّه تعالى أجلّ من أن يجمع له عذاب الدنيا و عذاب الآخرة، ففي الآية جهات من التشديد: عدّهم محاربين للّه و رسوله، و الجمع لهم بين العذابين و التشديد بقوله: يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ من باب التفعيل فمعناه الإبادة و الشيوع، لقولهم: ماتت الإبل و موّتت الآبال، أي شاع فيها الموت و أبادها.
و في الكافي عن الصادق- عليه السلام-: «قدم على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- قوم من بني ضبة مرضى، فقال لهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-:
أقيموا عندي فإذا برأتم بعثتكم في سريّة فقالوا: أخرجنا من المدينة فبعث بهم إلى إبل الصدقة يشربون من أبوالها و يأكلون من ألبانها، فلمّا برئوا و اشتدّوا قتلوا
(1). البقرة (2): 36.
(2). الأعراف (7): 25.
(3). البقرة (2): 213.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 254
ثلاثة ممّن كانوا في الإبل و ساقوا الإبل، فبلغ رسول اللّه، الخبر. فبعث إليهم عليّا و هم في واد قد تحيّروا ليس يقدرون أن يخرجوا منه قريب من أرض اليمن، فأسرهم و جاء بهم إلى رسول اللّه، فنزلت عليه هذه الآية، فاختار رسول اللّه القطع، فقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف» «1» .
و في الكافي أيضا، عن المدائني، عن الرضا- عليه السلام-، قال: سئل عن قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا فما الذي إذا فعله استوجب واحدة من هذه الأربع؟
فقال: «إذا حارب اللّه و رسوله و سعى في الأرض فسادا فقتل قتل به، و إن قتل و أخذ المال قتل و صلب، و إن أخذ المال و لم يقتل قطعت يده و رجله من خلاف، و إن شهر السيّف فحارب اللّه و رسوله و سعى في الأرض فسادا و لم يقتل و لم يأخذ المال نفي «2» من الأرض».
قلت: كيف ينفى من الأرض و ما حدّ نفيه؟ قال: «ينفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى مصر غيره، و يكتب إلى أهل ذلك المصر أنّه منفي، فلا تجالسوه و لا تبايعوه و لا تناكحوه و لا تؤاكلوه و لا تشاربوه، فيفعل ذلك به سنة، فإن خرج من ذلك المصر إلى غيره كتب إليهم بمثل ذلك حتى تتم السّنة».
قلت: فإن توجّه إلى أرض الشرك ليدخلها، قال: إن توجّه إلى أرض الشرك [ليدخلها] قوتل أهلها «3» .
(1). الكافي 7: 245؛ تهذيب الأحكام 10: 134؛ تفسير العيّاشي 1: 314؛ البرهان في تفسير القرآن 3: 377؛ تفسير الصافي 2: 411.
(2). في المصدر: «ينفي»
(3). الكافي 7: 246- 247.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 255
و فيه أيضا عن رجل من أصحابنا، عن الصادق- عليه السلام- قال: سألته عن المحارب، فقلت [له]: إنّ أصحابنا يقولون إنّ الإمام مخيّر فيه إن شاء قطع و إن شاء صلب و ان شاء قتل، فقال: لا، إنّ هذه أشياء محدّدة «1» في كتاب اللّه عزّ و جلّ فإذا [ما] هو قتل و أخذ، [قتل و] صلب، و إذا قتل و لم يأخذ، قتل، و إن «2» أخذ و لم يقتل، قطع، و إن «3» هو فرّ و لم يقدر عليه ثم أخذ، قطع، إلّا أن يتوب، فإن تاب لم يقطع» «4» .
و في تفسير العيّاشي عن الجواد- عليه السلام- في حديثه مع المعتصم:
«إن «5» كانوا أخافوا السبيل [فقط] و لم يقتلوا أحدا و لم يأخذوا مالا، أمر بإيداعهم الحبس، فإنّ ذلك معنى نفيهم من الأرض بإخافتهم السبيل «6» .
أقول: و الروايات في المعاني السابقة كثيرة مروية في كتب الحديث «7» ، و الآية إنّما تشتمل على الترديد معا، و أمّا خصوصيّة الترديد و غير ذلك فمستفادة من السنّة.
و في الكافي عن محمّد بن مسلم، عن الباقر- عليه السلام- في حديث قال:
فقال أبو جعفر- عليه السلام-: «إن عفوا عنه- يعني أولياء من قتله المحارب و أخذ ماله- فإنّ على الإمام أن يقتله؛ لأنّه قد حارب و قتل و سرق، قال: فقال
(1). في المصدر: «محدودة»
(2). في المصدر: «إذا»
(3). في المصدر: «إذا»
(4). الكافي 7: 248.
(5). في المصدر: «فإن»
(6). تفسير العيّاشي 1: 315.