کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 73
المبين، و هو الكتاب الذي لا تغيّر فيه و لا تبدّل، قال تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ «1» ، و قال: وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ «2» .
و سيجيء الكلام فيه في آخر سورة الرعد إن شاء اللّه العزيز.
و يدلّ على ما مرّ من معنى خزائن الغيب ما في التوحيد و المعاني و المجالس:
عن الصادق- عليه السلام- قال: «لما صعد موسى إلى الطور فنادى ربه عزّ و جلّ، قال: يا ربّ! أرني خزائنك فقال: يا موسى! إنّما خزائني إذا أردت شيئا أن أقول له: كن فيكون» «3» .
أقول: سيجيء تفسيره في سورة الحجر.
و في الكافي و المعاني و تفسير العياشي: عن الصادق- عليه السلام- الورقة:
السقط، و الحبة: الولد، و ظلمات الأرض: الأرحام، و الرطب: ما يحيى [من الناس]، و اليابس: ما يغيض «4» ، و كلّ ذلك في كتاب مبين» «5» .
أقول: و رواه القمّي أيضا في تفسيره «6» .
و في تفسير العياشي: عن الكاظم- عليه السلام-: «الورقة: السقط، يسقط من بطن أمه من قبل أن يهلّ الولد «7» ، [قال: فقلت و قوله: وَ لا حَبَّةٍ قال:
(1). الرعد (13): 39.
(2). ق (50): 4.
(3). التوحيد: 123، الحديث: 17؛ معاني الأخبار: 402 الحديث: 65؛ أمالي الصدوق:
511، الحديث: 4.
(4). في الكافي: «يقبض»، في بقية المصادر: «يغيض» و في تفسير القمي: «ما تغيض الأرحام».
(5). الكافي 8: 248- 249، الحديث: 349؛ معاني الأخبار: 215، الحديث: 1؛ تفسير العياشي 1: 361، الحديث: 28.
(6). تفسير القمي 1: 203.
(7). أهلّ الولد: رفع صوته بالبكاء حين الولادة.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 74
يعني] الولد في بطن أمه إذا أهلّ و يسقط من قبل الولادة [قال: قلت: قوله وَ لا رَطْبٍ قال: يعني] المضغة إذا استكنّت في الرحم قبل أن يتمّ خلقها قبل أن تنتقل، [قال: قلت: قوله وَ لا يابِسٍ قال:] و اليابس الولد التام، و [قال: قلت:
في] كِتابٍ مُبِينٍ [قال: في] إمام مبين «1» .
أقول: الروايتان من باب التطبيق و الجري، سوى قوله في الثانية: و الكتاب المبين: الإمام المبين، فهو من البطن و سيجيء إن شاء اللّه.
و في المعاني: عن الصادق- عليه السلام- في قول اللّه: عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ ، فقال: «الغيب ما لم يكن، و الشهادة ما قد كان» «2» .
أقول: و هو بوجه راجع إلى ما مرّ، فما لم يكن و هو معلوم فإنّه ليس بمعدوم للّه، بل موجود و محفوظ في خزائن الغيب، و أمّا ما قد كان فقد خرج من الغيب إلى الشهادة، و إن صار من وجه آخر غيبا بعد انقضاء أجله.
(1). تفسير العياشي 1: 361- 362، الحديث: 29؛ البرهان في تفسير القرآن 3: 564؛ تفسير الصافي 3: 44.
(2). معاني الأخبار: 146، الحديث: 1.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 75
[سورة الأنعام (6): الآيات 69 الى 60]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 76
[سورة الأنعام (6): الآيات 73 الى 60]
قوله: وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ
التوفّي و الإستيفاء: أخذ الحقّ تماما و قوله تعالى: جَرَحْتُمْ ، الجرح الفعل و الإكتساب، و منه الجارحة بمعنى العضو، و كان الأصل فيه الجرح- بالفتح- بمعنى ايراد الجرح بالضم، و هذه الآية و اللّتان بعدها جميعا كأنها من تمام الآية السابقة، فإنّها تبين سعة العلم، و هذه تبيّن سعة التدبير و الحكم، و جميع الآيات الأربع بمنزلة التقرير و التوضيح للآية التي قبلها، أعني قوله: ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ «1» ، فنسبة هذه الأربع إلى تلك الآية كنسبة قوله
(1). الأنعام (6): 57.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 77
سبحانه: وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ «1» إلى قوله تعالى: وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً «2» بعينها فيما تقدم بيانه.
و بذلك يظهر وجه الإلتفات من الغيبة إلى الحضور في قوله: وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ، و الإلتفات من الغيبة إلى التكلّم في قوله: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا .
و بيانه أنّهم لمّا لم يعبأوا بالآيات التي أتى بها النبي- صلّى اللّه عليه و آله- و سألوا آية كان معناه استعجال العذاب، فلمّا قال لهم النبي- صلّى اللّه عليه و آله- كما أمر به: قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ كَذَّبْتُمْ بِهِ ثم قال: ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ، سقط الخطاب معهم عندئذ و انقطع الكلام، و لذلك تصدى هو سبحانه لخطابهم شفاها لكن مع حفظ الغيبة لنفسه، على ما يقتضيه التحرّز عن انهتاك مقام المتكلم على ما مرّ في أول السورة، فأبقى نفسه على الغيبة أولا و جعلهم مخاطبين فقال: وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ أي يأخذ نفوسكم بالليل، وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ أي ما اكتسبتم بالنهار، ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ أي في النهار، لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى أي الموت، لأنّ أجل هذه الحياة الموت دون القيامة، ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ أي في القيامة، و قيل: بالموت، ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، أي بالمجازاة بتوفيتكم أعمالكم.
وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ
و القهر هو الغلبة بإعمال الإقتدار، و لذا قيّد بما يدل على الإستعلاء، كما في قوله:
(1). الأنعام (6): 38.
(2). الأنعام (6): 37.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 78
وَ اللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ «1» ، مع كونه متعدّيا، وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً كأنّه عطف على مقدّر و هو مصاديق القهر، كأنّه قيل: و هو القاهر يفعل كذا و كذا، وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً كقوله تعالى: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقاتِ وَ أَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً «2» و قوله: وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا «3» .
و إذا بلغ الكلام هذا المبلغ استأنس الخطاب و قرب المتكلم من المخاطب، فناسب أن يعرّف نفسه و قد كان غير معروف فقال: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا ، فأخذ لنفسه مقام التكلّم ليعرف المخاطب أنّ المتكلم هو هو، وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ و لا يقصّرون.
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ ، بدل التكلم إلى الغيبة ثانيا، لأنّ المرجع إليه هو اللّه لألوهيته و ليأخذ الوصف، و هو قوله: مَوْلاهُمُ الْحَقِ ، و إذا كان سبحانه هو اللّه العالم بكل شيء القاهر فوق عباده فهو المولى الحق، فله كلّ حكم، و لذا عقّبه بقوله: أَلا لَهُ الْحُكْمُ ، و إذا كان له كلّ حكم و هو أسرع الحاسبين لا يشغله شأن عن شأن.
و عند هذا تمّ بيان قوله سبحانه: ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ، فالحكم فيما يستعجلون به من الآية: وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ يعلم متى يستحقون و كيف يستحقون نزول الآية و العذاب، فالآيات في الإلتفات من الغيبة إلى الخطاب في طريق، و أيضا من الغيبة إلى التكلم، ثم إلى الغيبة في طريق، نظير قوله سبحانه: وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ
(1). يوسف (12): 21.
(2). الحديد (57): 18.
(3). آل عمران (3): 140.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 79
أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ «1» بعينها.
ثم إنّ في قوله: يَتَوَفَّاكُمْ دليلا على أنّ النفوس غير الأبدان أولا، و أنّ النوم و الموت متّحدان من حيث الحقيقة، و هو توفّي النفس ثانيا، و قد مرّ بعض الكلام في [الآية 38 من هذه السورة و سيأتى بعض الكلام فى] قوله تعالى:
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها «2» الزّمر.
قوله: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ
المراد بالظلمة الشدّة استعارة.
و قوله: يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ
الضمير إلى هذه و هي الشدة الخاصة المدعوّ فيها ينجيكم منها و من كلّ كرب سواها.
قوله سبحانه: قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً
في التعبير بالبعث إيماء إلى أنّه مهيّأ لا يحتاج إلى أزيد من البعث كايقاظ النائم.
و قوله: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً
من اللبس بمعنى الخلط، و شِيَعاً ، حال أو مفعول به ليلبسكم بتضمين معنى الجعل و نحوه، أي يخلطكم فيصيروا شيعا مختلفة كلّ يتبع إماما و يأتمر آمرا
(1). الأنعام (6): 38.