کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 132
أقول: و الأخبار في هذه المعاني كثيرة.
قوله: وَ ما يُشْعِرُكُمْ استفهام إنكار يعني أنّكم لا تدرون، و نحن نعلم أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ .
قوله: وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ
المراد بالفؤاد هو القلب، و هو الجوهر العاقل من الإنسان، و البصر حيثيّة إدراكه، و تقليبه جعل أعلاه أسفله و بالعكس، فيرى العالى سافلا و السافل عاليا و الحق باطلا و بالعكس.
و في تفسير القمّي: عن الباقر- عليه السلام-: وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ ، يقول:
[ننكّس] قلوبهم فيكون أسفل قلوبهم أعلاها و نعمى أبصارهم فلا يبصرون الهدى «1» .
أقول: و هذا عود بعد عود إلى ما يهيئه الكفر و الشرك و الجحود في سرائرهم من الآثار و سيعود إليه أيضا في قوله: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ «2» .
قوله: كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ
أي في أول البعثة و الدعوة، أو في عالم الذر قبل هذا العالم، و لكلّ من الوجهين وجه.
قوله: ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ
فليسوا مستقلين قادرين على ما شاءوا إلّا أن يشاء اللّه ذلك، فيملّكهم القدرة
(1). تفسير القمي 1: 213.
(2). الأنعام (6): 122.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 133
و المشيئة و لكنّ اللّه لا يفعل ذلك لفسقهم و طغيانهم السابق، و هو يضلّهم و يقلّب أفئدتهم و أبصارهم، قال تعالى: وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «1» .
و قال سبحانه: فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ «2» ، و قال: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ «3» .
و على هذا فالمشيئة في الآية مشيئة اختيار لا مشيئة إجبار و اضطرار كما ذكره بعض المفسرين، و يشعر بما ذكرنا قوله: وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ .
أي يجهلون أنّهم ليسوا مطلقي العنان، و أنّ الأمر بيد اللّه تعالى.
قوله: شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِ
الشيطان هو العاتي المارد الشرير من كلّ شيء، و لذا سمّيت به الحيّة، و غلب استعماله في إبليس، و الوحي هو التكليم بنحو الإيماء و زخرف القول: القول المزيّن المموّه، و زخرفه أي زيّنة.
و في الخصال: عن الصادق- عليه السلام-: «الأنس على ثلاثة أجزاء:
فجزء تحت ظلّ العرش يوم لا ظلّ إلّا ظلّه، و جزء عليهم الحساب و العذاب، و جزء وجوههم وجوه الآدمييّن و قلوبهم قلوب الشياطين» «4» .
أقول: يريد- عليه السلام- تقسيم الناس إلى ثلاثة أصناف: الكاملين في جانب الخير، و الكاملين في جانب الشر، و المتوسطين بين القبيلين، إلّا أنّ
(1). التكوير (81): 29.
(2). النحل (16): 37.
(3). المنافقون (63): 6.
(4). الخصال 1: 154، الحديث: 192.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 134
الاشقياء صورتهم في الباطن غير صورتهم في الظاهر، بل هي صورة شيطان، و المتوسطون أمرهم معلّق، فالصورة الإنسانية الدنيوية ليس لها حكم خاص معيّن، و إنّما الأمور بعواقبها.
و في الكافي: عن الصادق- عليه السلام- في حديث: «من لم يجعله اللّه من أهل صفة الحق فأولئك شياطين الأنس و الجن» «1» .
قوله: وَ لِتَصْغى إِلَيْهِ
الصّغوّ كدنوّ: الميل، و منه الاصغاء بمعنى الاستماع إذ حقيقته إمالة السمع نحو الكلام لإستماعه، و الاقتراف: الاكتساب.
(1). الكافي 8: 11، الحديث: 1.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 135
[سورة الأنعام (6): الآيات 121 الى 114]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 136
قوله: أَ فَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً
هو كقوله: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ «1» ، وارد على لسان النبيّ، ثم قوله: وَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ عود إلى السياق السابق.
قوله وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ
تمام الكلمة إنفاذها في الخارج و إخراجها إلى موطن الفعل بعد ما كان قولا و إذا ضمّت الآية إلى الآية السابقة و هو قوله: وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا «2» ظهر أنّ تمام الكلمة بإنزال القرآن مفصّلا، فكأنّ الكلمة كانت قد سبقت، و الذي سبق على ما يصرّح به القرآن الوعد ببعثة النبي- صلّى اللّه عليه و آله- كما في قوله: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ «3» ، و قوله: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ «4» و قوله: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا «5» .
فتمام الكلمة هو بعثة النبي- صلّى اللّه عليه و آله- فهو- صلّى اللّه عليه و آله- الكلمة التامّة و يؤيّد ما ذكرناه ما قد ورد في عدّة من الروايات كما في الكافي و غيره أنّ الإمام يكتب بعد ولادته بين عينيه: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ .. «6» ، و في بعضها: على عضده الأيمن «7» ، و في بعضها
(1). الأنعام (6): 104.
(2). الأنعام (6): 114.
(3). الأعراف (7): 157.
(4). الأنعام (6): 20.
(5). البقرة (2): 89.
(6). الكافي 1: 387، الحديث: 2؛ 1: 388، الحديث: 6.
(7). الكافي 1: 386، الحديث: 1؛ 1: 387، الحديث: 3.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 137
بين كتفيه «1» ، و هو كناية عن مقام الإمامة، ففي وجهه و بوجهه يطلع نور الإمامة، و بعضده يديرها و يدبّر أمرها، و بما بين كتفية يحمل أثقالها.
قوله: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ
الأخبار في ذيل هذه الآية و الآيتين التّالييتن على اختلافها كثيرة فليرجع إلى كتاب الذبائح من الفقه «2» .
قوله سبحانه: وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ
في تفسير القمّي: قال: قال: الظاهر من الإثم: المعاصي، و الباطن: الشرك، و الشك في القلب «3» .
(1). الكافي 1: 387، الحديث: 4.
(2). الكافي 6: 237؛ من لا يحضره الفقيه 3: 314؛ تهذيب الأحكام 9: 72؛ الإستبصار 4: 86.
(3). تفسير القمي 1: 215.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 138
[سورة الأنعام (6): الآيات 127 الى 122]
قوله سبحانه: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ