کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 142
الإلهية و استماع الحق فيها.
و الضلالة ظلمة توجب كون القلب ضيّقا حرجا كما لو ألزم بما لا يطاق، الصعود إلى السماء، و لازمه عدم الأمن و عدم التمييز أي: الشك و الإرتياب.
و في الكافي: عن الصادق- عليه السلام- قال- عليه السلام-: إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور و فتح مسامع قلبه و وكلّ به ملكا يسدّده، و إذا أراد بعبد سوءا نكت في قلبه نكتة سوداء و سدّ مسامع قلبه و وكّل به شيطانا يضلّه»، ثم تلا هذه الآية: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ «1» .
أقول: و رواه الصدوق في التوحيد و العيّاشي في تفسيره «2» .
و في الكافي: أيضا عنه- عليه السلام- قال: «إنّ القلب ليتجلجل «3» في الجوف يطلب الحق فإذا أصابه اطمأنّ و قرّ، ثمّ تلا: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ «4» الآية.
أقول: و روي هذا المعنى و ما يقرب منه عن الباقر و الصادق و الرضا- عليهم السلام- بطرق متعددة) «5» .
و في المعاني: عن الصادق- عليه السلام- في قوله تعالى: وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ فقال- عليه السلام-: «قد
(1). الكافي 1: 166، الحديث: 2.
(2). التوحيد: 415، الحديث: 14؛ تفسير العياشي 1: 321، الحديث: 110: 376، الحديث: 94.
(3). التجلجل: التحرك مع الصوت.
(4). الكافي 2: 421، الحديث: 5.
(5). روي هذا المعنى و ما يقرب منه عن الصادق آل محمّد- عليه السلام- في تفسير العيّاشي 1: 376، الحديث: 92؛ عن الرضا- عليه السلام- في عيون أخبار الرضا- عليه السلام- 1: 131، الحديث: 27؛ و عن محمد الباقر- عليه السلام- في المحاسن 1: 202، الحديث: 41.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 143
يكون ضيقا و له منفذ يسمع منه و يبصر، و الحرج [هو] الملتئم الذي لا منفذ له، يسمع به الصوت و لا يبصر منه «1» .
و في الاختصاص: عن آدم بن الحرّ قال: سأل موسى بن أشيم «2» أبا عبد اللّه- عليه السلام- و أنا حاضر عن آية في كتاب اللّه فخبّره بها، فلم يبرح حتى دخل رجل فسأله عن تلك الآية بعينها، فخبّره بخلاف ما خبّر به موسى بن أشيم، ثم قال ابن أشيم: فدخلني من ذلك ما شاء اللّه حتى كأنّ قلبي يشرّح بالسكاكين و قلت: تركنا أبا قتادة [بالشام] لا يخطىء في الحرف الواحد: الواو و شبهها و جئت [ثمّ] لمن يخطىء هذا الخطأ كلّه، فبينا أنا في ذلك إذ دخل عليه رجل آخر فسأله عن تلك الآية بعينها، فخبّره بخلاف ما خبّرني و خلاف الذي خبّر به الذي سأله بعدي فتجلّى عنّي و علمت أنّ ذلك تعمّد، فحدّثت نفسي بشي فالتفت إلى أبو عبد اللّه فقال: «يا بن أشيم لا تفعل كذا و كذا فبان حديثي عن الأمر الذي حدثت به نفسي، ثم قال: يا بن أشيم إنّ اللّه فوّض إلى سليمان بن داود فقال:
هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ «3» ، و فوّض إلى نبيه، [- صلى اللّه عليه و آله- فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «4» فما فوّض الى نبيّه] فقد فوّضه إلينا، يا بن أشيم فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ، أ تدري ما الحرج»؟
قلت: لا، فقال بيده و ضمّ أصابعه: «هو الشيء المصمت الذي لا يخرج منه شيء
(1). معاني الأخبار: 145، الحديث: 1.
(2). في نسخة: «أسمر»، [منه- رحمه اللّه-].
(3). ص (38): 39.
(4). الحشر (59): 7.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 144
و لا يدخل فيه شيء» «1» .
أقول: و منه الحرج للمكان الكثير الشجر الذي لا يمكن الرعاة أن يصلوا إليه.
و منها ما في تفسير القمّي: قال: قال- عليه السلام-: «مثل شجرة حولها اشجار كثيرة فلا يقدر أن يلقي أغصانها يمنة و يسرة فتمرّ في السماء فيستمرّ حرجه» «2» .
و في تفسير العيّاشي: عن الصادق- عليه السلام- في قوله: كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ قال- عليه السلام-: «هو الشك» «3» .
أقول: و يستفاد ممّا مرّ من الروايات:
أوّلا: إنّ الفارق بين الهداية و الضلالة هو إطمئنان القلب و قراره عند الهداية، و اضطرابه و قلقه و شكه عند الضلال.
و ثانيا: إنّ الفارق بين الخاطر الملكي و الشيطاني في خطرات القلب هو القرار و الإضطراب أيضا، و قد مرّ بعض ما يتعلق بالمقام في قوله تعالى: ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ «4» في قصة زكريا من سورة آل عمران.
قوله: وَ هذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً
أي مطّردا لا تخلّف فيه و لا اختلاف، و قد مرّ في سورة الفاتحة.
قوله: لَهُمْ دارُ السَّلامِ
سيجيء بيان معناه في سورة يونس إن شاء اللّه.
(1). الاختصاص: 330- 331.
(2). تفسير القمّي 1: 215.
(3). تفسير العياشي 1: 377، الحديث: 96.
(4). آل عمران (3): 175.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 145
[سورة الأنعام (6): الآيات 135 الى 128]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 146
قوله: قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ
استكثار الجند ضم الآحاد إليه بحيث يجعله كثيرا، أي قد صرتم كثيرا بانضمام كثير من الإنس إليكم.
قوله: وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً
في تفسير القمّي: قال: قال: نولّي كلّ من يولّي أوليائهم فيكونون معهم يوم القيامة «1» .
و في الكافي: عن الباقر- عليه السلام- قال: «ما انتصر اللّه من ظالم إلّا بظالم، و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً » «2» .
قوله: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
في العيون: في خبر الشامي سأل أمير المؤمنين- عليه السلام-: هل بعث اللّه نبيا إلى الجن؟ قال: «نعم، بعث إليهم نبيا يقال له: يوسف، فدعاهم إلى اللّه فقتلوه» «3» .
أقول: و ظاهر الآية تحقق البعث في كلّ من القبيلين و إن تأوّل بعضهم الآية ببعض الوجوه البعيدة.
قوله: اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ
المكانة: التمكّن و الإستطاعة و الحال التي أنت عليها، أي اعملوا و أنتم على
(1). تفسير القمّي 1: 215.
(2). الكافي 2: 334، الحديث: 19.
(3). عيون أخبار الرضا- عليه السلام- 1: 242، الحديث: 1.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 147
حالكم التي أنتم عليها من الكفر و الجحود و الظلم و قوله: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ
كان الظاهر أن يقال: لا يفلح الكافرون، لكنّه بدّل إلى ما يشعر بالعلّية، فإنّ الكافر إنّما لا يفلح لظلمه.
*
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 148