کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 161
قوله: الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ
تبديل الضمير أو إسم الربّ إلى إسم اللّه إشارة إلى مبدأ الحكم، و أنّه لا يجوز التعدّي عنه و الإهمال في حكمه، و قد مرّ نظائره، و نظيره قوله: وَ بِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا «1» .
قوله: لا نُكَلِّفُ نَفْساً
قيل: تذييل الوفاء بالكيل و الميزان بذلك لان مراعاة الحدّ من القسط الذي لا زيادة فيه و لا نقصان ممّا يجري فيه الحرج، فأمر ببلوغ الوسع، و أنّ ما وراءه معفوّ عنه.
قوله: وَ إِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى
العدل في القول حكاية الواقع على ما هو عليه، من غير إفراط و تفريط و من غير مساهلة و لا مبالغة، و يشمل الكذب في الحكايات، و الزور في الشهادات.
قوله: وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ
في تفسير العياشي: عن الباقر- عليه السلام- في الآية قال: «آل محمد الصراط الذي دلّ عليه» «2» .
و في الروضة: لابن [الفتّال] الفارسي في قوله: وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ، عن النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قال: «سألت اللّه أن يجعلها لعلي ففعل» «3» .
(1). الأنعام (6): 152.
(2). تفسير العياشي 1: 384، الحديث: 126.
(3). روضة الواعظين 1: 106.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 162
أقول: و الروايات في هذا المعنى كثيرة، و قد مرّ إشباع القول فيه في تفسير الفاتحة.
قوله: ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
ختم هذه الآية الثالثة بذلك، و ختم الثانية بقوله: ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، و ختم الأولى بقوله: ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ، و ذلك لأنّ الذي تشتمل عليه الآية الأولى من الأحكام و هي النهي عن الشرك و إحسان الوالدين، و حرمة قتل الأولاد و الفواحش، و قتل النفس ممّا يحكم به صريح العقل من غير استخدام مقدمة تحتاج إلى فكر، فالمخالفة لها خروج عن طور العقل و مادته الإنسانية، فلذلك ذيّل الحكم بقوله: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .
و الذي تشتمل عليه الآية الثانية من الأحكام و هي حرمة التصرّف في مال إليتيم و ما تتلوها ليست بتلك المثابة من الصراحة، لكنها مع ذلك نتيجة مقدّمات عقلية صحيحة حقّة تظهر للأنسان بالتأمل و التنبّه و هو التذكّر فإطاعتها توجب ارتقاء الإنسان إلى مرتبة التذكّر فذيّلها بقوله: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .
و الآية الثالثة تشتمل على ما لا يكفي فيه صريح العقل و لا مقدّماته النظرية، بل سلوك لما جعله اللّه من سبيله و صراطه تسليما محضا و تبعيّة خالصة، و نتيجته التقوى التي هي باب كرامة اللّه و رحمته و كلّ خير يرجى من قبله سبحانه، فذيلّها بقوله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . و جيء في الجميع بلفظ الوصية و هي الأمر بحفظ ما يهمّ حفظه و يكون نخبة من بين عدة إلى كثرة، و لمّا كانت المحرمات كثيرة و التي لا مناص عنه في كلّ حين و زمان و في جميع الشرائع هي هذه [المحرمات] المذكورة.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 163
قوله: ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ
عطف على وَصَّاكُمْ «1» كما قيل، أو على قوله: قُلْ تَعالَوْا ، و المعنى هذا جمل ما يجب عليهم اجتنابه، ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ ، فيه تفصيل الشرائع،
وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ ليتّبعوه.
(1). الأنعام (6): 153.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 164
[سورة الأنعام (6): الآيات 160 الى 158]
قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ - إلى آخره- قد مرّ الكلام في نظير الآية من سورة البقرة.
و قوله: قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ
يدلّ على وقوع ذلك.
و في الإحتجاج: عن أمير المؤمنين- عليه السلام- في معنى الآية: «إنّما خاطب نبيّنا- صلّى اللّه عليه و آله-: هل ينتظر المنافقون و المشركون إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ [فيعا ينونهم] أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ،
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 165
يعني بذلك أمر ربّك، و الآيات هي العذاب في دار الدنيا، كما عذّب الأمم السالفة و القرون الخالية» «1» .
أقول: و روى في التوحيد: ما يقرب منه عنه- صلّى اللّه عليه و آله- «2» .
و في الحديثين جميعا: «أنّ هذه الآية طلوع الشمس من مغربها».
أقول: و هذا ممّا اتفقت على روايته العامة «3» و الخاصة «4» .
و في الإكمال: عن الصادق- عليه السلام- في هذه الآية «يعني خروج القائم المنتظر منّا» «5» .
أقول: و الروايات فيه كثيرة من طرقنا «6» .
و في الكافي و تفسير العياشي: عن أحدهما- عليه السلام- في قوله: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً «7» قال: «المؤمن العاصي حالت بينه و بين إيمانه كثرة ذنوبه و قلة حسناته فلم يكسب في إيمانه خيرا «8» .
أقول: و يظهر من الآية أنّ الإيمان الخالى عن العمل لا ينفع، كما يظهر ذلك
(1). الاحتجاج 1: 372.
(2). التوحيد: 266.
(3). الفتن، لإبن حماد: 183؛ المصنّف، لإبن أبي شيبة 15: 6665؛ تفسير الطبري 8: 74؛ مستدرك الصحيحين 4: 545؛ الدر المنثور 3: 59.
(4). تفسير القمي 2: 320؛ الكافي 5: 10؛ الخصال 1: 274؛ تحف العقول: 288؛ تهذيب الاحكام 4: 114؛ وسائل الشيعة 11: 16.
(5). كمال الدين 2: 357.
(6). تفسير الصافي 3: 130؛ البرهان في تفسير القرآن 2: 500، اثبات الهداة 3: 475؛ بحار الانوار 52: 149.
(7). الأنعام (6): 158.
(8). تفسير العياشي 1: 385، الحديث: 130؛ البرهان في تفسير القرآن 2: 502، الحديث: 10.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 166
من قوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ «1» .
قوله: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كانُوا شِيَعاً
في تفسير العياشي: عن الصادق- عليه السلام- قال: كان علي يقرأها فارقوا دينهم ثمّ قال: «فارق و اللّه القوم دينهم» «2» .
أقول: و نسب هذه القراءة في المجمع أيضا إلى علي- عليه السلام- «3» .
و قوله: وَ كانُوا يدل على كونهم أتباعا، فلكل منهم إمام يتبعه و يقتدي به، فإمام ضلال و إمام حقّ، و إذ كان إمام الحق و شيعته من النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- منهم كان الأنسب عليه قراءة فارقوا. حتى لا يشملهم قوله: لست منهم، و أمّا قراءته: فَرَّقُوا دِينَهُمْ ، فكأنه اعتبر فيها أنّ اختلاف الأمة لا يكون إلّا بأن يكون كلّ حزب يأخذ شيئا و يترك ما عند الآخر، فكأنهم فرّقوا الدين إلى أجزاء؛ أخذ كلّ شيئا منها.
و في المجمع: عن الباقر- عليه السلام-: «إنّهم أهل الضلال و أصحاب البدع و الشبهات من هذه الأمّة» «4» .
و في الحديث النبويّ: و افترقت اليهود على إحدى و سبعين فرقة كلّها في الهاوية إلّا واحدة و هي الناجية، و افترقت النصارى [على] اثنتين و سبعين فرقة كلها في الهاوية إلّا واحدة [و هى الناجية]، و تفترق أمتي على ثلاث و سبعين
(1). فاطر (35): 10.
(2). تفسير العياشي 1: 385، 131.
(3). مجمع البيان 4: 203.
(4). مجمع البيان 4: 203.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 167
فرقة كلّها في الهاوية إلّا واحدة» «1» .
أقول: و قد اتفق على نقل مضمون الحديث عنه- صلّى اللّه عليه و آله- العامة و الخاصّة.
قوله سبحانه: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها
في المجمع: عن الصادق- عليه السلام-: لما نزلت هذه الآية: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها «2» ، قال رسول اللّه: «ربّ زدني، فأنزل اللّه سبحانه:
مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » «3» .
و في الكافي: عن الباقر- عليه السلام-: أنّه سئل هل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل و الأحكام و الحدود و غير ذلك، فقال: «لا، هما يجريان في ذلك مجرى واحدا، و لكن للمؤمن فضل على المسلم في أعمالهما و ما يتقربان به إلى اللّه- عزّ و جل-»، قلت «4» : أليس اللّه عز و جل يقول: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها و زعمت أنهم مجتمعون على الصلاة و الزكاة و الصوم و الحجّ مع المؤمن، قال- عليه السلام-: «أليس قد قال اللّه: فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً ، فالمؤمنون هم الذين يضاعف اللّه لهم حسناتهم لكلّ حسنة سبعون ضعفا، فهذا فضل المؤمن و يزيده اللّه في حسناته على قدر صحّة إيمانه أضعافا كثيرة، و يفعل اللّه بالمؤمنين ما يشاء من الخير» «5» .
(1). تفسير جوامع الجامع 1: 634.
(2). النمل (27): 89.
(3). مجمع البيان 2: 137.
(4). البقره (2): 245.