کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 186
و في الإحتجاج: عن أمير المؤمنين- عليه السلام-: هي قلة الحساب و كثرته «1» .
أقول: و كأنّه مستفاد من قوله تعالى: وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ «2» ، فإنّه عللّ الاستقصاء بكون المحاسب هو اللّه، فالوزن هو الحساب و هو ظاهر، فعامّة الآيات الناطقة بالحساب حاكية عن الوزن دالة عليه، و على هذا فيكون ثقل الميزان و خفّته هو قلّة الحساب و كثرته، فإنّ العمل كلّما كثرت جهات النقص و الفساد فيه دقّت المحاسبة و كثرت المناقشة، و بتبع ذلك لا يزال يسقط عمل بعد عمل عن درجة الاعتبار فيخفّ الوزن، و كلّما قلّ الحساب بعكس ذلك ثقل الوزن هذا.
و في تفسير القمّي: في قوله: وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ ، قال- عليه السلام-:
«المجازات بالأعمال إن خيرا فخير، و إن شرا فشر» «3» .
أقول: و هو تفسير بحسب النتيجة.
و في المقام عدّة روايات عاميّة أو ضعيفة في وصف الميزان، فقد روي «أنّ للميزان عمودا طوله خمسون ألف سنة، و إحدى كفّتيه من نور، فيوضع فيها الحسنات و الأخرى من الظلمة و يوضع فيها السيئات» «4» .
و روي عن النبي- صلّى اللّه عليه و آله- أنّه سئل عمّا يوزن يوم القيامة فقال:
«الصحف» «5» .
(1). الاحتجاج 1: 363- 364.
(2). الأنبياء (21): 47.
(3). تفسير القمي 1: 224.
(4). زاد المسير 3: 115.
(5). بحار الأنوار 7: 244.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 187
و روي عنه- صلّى اللّه عليه و آله- أنّه قال: «يؤتى برجل يوم القيامة إلى الميزان، و يؤتي له بتسعة و تسعين سجلّا، كلّ سجلّ منها مدّ البصر فيها خطاياه و ذنوبه، فيوضع «1» في كفة الميزان، ثم يخرج له قرطاس كالأنملة فيه شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمّدا عبده و رسوله، فيوضع «2» في الأخرى فترجّح» «3» «4» .
و روي أنّه «يؤتى يوم القيامة بالرجل العظيم الطويل الأكول الشروب فيوزن «5» فلا يزن «6» جناح بعوضة» «7» .
أقول: و هذه إمّا في مقام التمثيل لتفهيم الناس، و إمّا مردودة إلى رواتها، و لاختلاف هذه الروايات اختلفت أقوالهم في حقيقة الميزان فقال بعضهم: بأنّه كناية عن العدل، و قال آخرون: بأنّه من نوع الموازين الحسيّة ذات العود و الكفّتين، ثم اختلف هؤلاء فمن قائل: إنّ الموزون هو الأعمال، و من قائل: إنّه صحف الأعمال و من قائل: إنّه نفس الأشخاص العاملين، و الذي يستظهر من كلامه سبحانه و يستظهر به هو الذي قدّمناه، و هو و إن وافق القول الأوّل من هذه الأقوال في أنّه العدل، لكنّه يخالفه في أن تسميته ميزانا، و نسبة الثقل و الخفة إلى الموازين ليست على ما قدمّنا من باب الكناية، بل الميزان و هو ما يوزن و يقدّر به الشيء يختلف باختلاف الأشياء، و هو في كلّ شيء بحسبه، و كذا الثقل و الخفة، فافهم ذلك.
(1). في المصدر: «فتوضع»
(2). في نسخة: «يوضع»
(3). في المصدر: «فيرجح»
(4). بحار الأنوار 7: 245.
(5). في المصدر:- «فيوزن»
(6). في المصدر:+ «عند اللّه»
(7). تفسير القرطبي 11: 66.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 188
قوله: بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ
في تفسير القمي: قال- عليه السلام-: «بالأئمة يجحدون» «1» .
أقول: و هو من قبيل عدّ المصداق.
و في الكافي: عن السجاد- عليه السلام- في كلام له في الزهد: و اعلموا عباد اللّه، إنّ أهل الشرك لا ينصب لهم الموازين و لا ينشر لهم الدواوين، و إنّما يحشرون إلى جهنم زمرا، و إنّما نصب الموازين و نشر الدواوين لأهل الإسلام، فاتقوا اللّه عباد اللّه» «2» .
أقول: و هو مستفاد من قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً «3» ، و من ذيل الآية في هذه السورة أعني قوله: بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ ، و قد بدّل في سورة المؤمنين بقوله:
فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ «4» .
(1). تفسير القمي 1: 224.
(2). الكافي 8: 74، الحديث: 29.
(3). الكهف (18): 105.
(4). المؤمنون (23): 103.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 189
[سورة الأعراف (7): الآيات 21 الى 10]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 190
[سورة الأعراف (7): الآيات 25 الى 22]
قوله سبحانه: وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ .
استيناف و صورة قصّة فيه بيان علل الآية السابقة و تنتهي القصة عند قوله تعالى:
فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ ، فينطبق على الآية السابقة:
وَ لَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ ، و لذلك كلّه ابتدأ بلام القسم في قوله: وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ، و لذلك أيضا ضمّ فيها قصة جنّة آدم إلى قصة السجدة، قصة واحدة من غير فصل، و قوله: وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ خطاب لجميع بني آدم، و هو خطاب في مجرى الامتنان، أو مجرى العتبى و الشكوى بقرينة الآية السابقة، و على هذا فالإنتقال في الخطاب من العموم الى الخصوص في قوله: ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ، يفيد حقيقتين:
الحقيقة الأولى: إنّ السجدة كانت من الملائكة لجميع بني آدم، و إنّما كان آدم خصّ بذلك بالنيابة منابهم كالقبلة من بين الجهات و الأمكنة، كما إنّ دخوله الجنة أيضا كان كذلك استقلالا من نفسه و نيابة عن ولده، و يمكن استفادة ذلك:
أولا: من قصة الخلافة الواقعة في سورة البقرة، فإنّ المستفاد من الآيات
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 191
الواردة هناك أن الأمر بالسجود متفرّع على خلافة آدم، و الخلافة المذكورة فيها- كما استفدنا هناك- غير مختص بآدم؛ بل جار في جميع الإنسان، فالسجدة أيضا للجميع.
و ثانيا: إنّ ابليس تعرّض بهم ابتداءا من غير توسيط آدم و لا تخصيصه- عليه السلام- حين قال: فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ، من غير سبق ذكر لبني آدم، و قد ورد نظيره في سورة الحجر، قال تعالى: قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ «1» ، و في سورة (ص) قال تعالى: قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ «2» ، و لو لا أنّ الجميع مسجودون للملائكة لم يستقم هذه النقمة من إبليس إبتداءا، كما لا يخفى.
و ثالثا: إنّ الخطابات التي خاطب اللّه سبحانه بها آدم و زوجته عند الأمر بالهبوط في سائر موارد القصّة كسورة البقرة و سورة طه عمّمها بعينها في هذه السورة لجميع بنيه، قال تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً «3»
و الحقيقة الثانية: إنّ خلق آدم- عليه السلام- كان خلقا للجميع كما يدلّ عليه قوله سبحانه في سورة الم السجدة وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ «4» ، و قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ «5» .
(1). الحجر (15): 39.
(2). ص (38): 82.
(3). البقرة (2): 38.
(4). السجدة (32): 7- 8.
(5). غافر (40): 67.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 192
و يشعر به قول إبليس أيضا في ضمن القصة على ما نقله سبحانه في سورة الإسراء: لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا «1» .
و سيجيء بهذا إشعار في قوله تعالى: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ «2» .
و قوله سبحانه: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ
قال سبحانه في سورة الكهف: كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ «3» ، و هذا يدل على أنّه لم يكن من جنس الملائكة، و قد اعتلّ لعنه اللّه عن الإمتثال بقوله: قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ «4» . و قد قال تعالى في سورة الحجر:
وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ «5» ، و لذلك اختلفت الأقوال في كيفية هذا الإستثناء: أهو متصل بتغليب الملائكة لكونهم أكثر و أشرف، أو إنّه استثناء منفصل و لعلّ قوله تعالى: إِذْ أَمَرْتُكَ ينافي كلا الإحتمالين من التغليب و انفصال الإستثناء.
و الذي يمكن أن يستفاد من ظاهر كلامه سبحانه أنّه كان مع الملائكة من غير تميّز له منهم، و أنّ المقام الذي كان يجمعهم جميعا كان مقام القدس و الطهارة، و أنّ الأمر إنّما كان متوجّها إلى المقيم بذلك المقام و النازل بتلك المنزلة، كما يشعر به قوله سبحانه: قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها ، حيث قيّد الكلام بقوله: مِنْها و قوله: فِيها ، و لو كان الخطاب متوجّها إليهم من
(1). الإسراء (17): 62.
(2). الأعراف (7): 172.
(3). الكهف (18): 50.
(4). ص (38): 76.