کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 212
ففيه معنى الخفاء فقط، بخلاف اليمين و الشمال ففي الكلام تلميح إلى ذلك، و قد شاع ذلك حتى جعل (عن) بمنزلة الجزء من الكلمة، فاستعمل اسما و أدخل عليه (من) فقيل: من عن يمينه و من عن شماله و ذلك من التطوّر في اللغة.
قوله سبحانه: وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ
و هؤلاء الأكثرهم المتبعون له من الغاوين بدليل قوله: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ «1» ، و قد عبر عنه في موضع آخر بقوله:
لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً «2» ، و غير هؤلاء هم المخلصون قال:
وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ «3» .
و من هنا يستفاد أنّ الشاكرين مخلصون، بمعنى ثبوت الوصف لا حدوث الفعل، و الشكر إنّما يكون على نعمة أنعمها منعم، و معناه استعمال النعمة على وجه يحكي الإستعمال، كونها نعمة بدليل قوله: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ «4» ، و قوله: وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ «5» ، إلى غير ذلك من الآيات.
و أصل الكفر الستر، فالشكر كشف و حكاية، فيؤول المعنى إلى الذكر و النسيان فالشاكرون هم الذين لا ينسون اللّه في نعمة أنعمها عليهم، و كلّ شيء نعمة، فهم لا ينسون اللّه في شيء من أنفسهم و غير أنفسهم طرفة عين، فهم
(1). الحجر (15): 42.
(2). النساء (4): 118.
(3). ص (38): 82- 83.
(4). إبراهيم (14): 7.
(5). البقرة (2): 152.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 213
الذاكرون و هم المخلصون، و للكلام ذيل سيمرّ بك إن شاء اللّه.
و في المجمع: عن تفسير الثمالي، عن النبي- صلّى اللّه عليه و آله- في قوله:
لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً «1» ، قال- عليه السلام-: «من بنى آدم تسعة و تسعون في النار و واحد في الجنة» «2» .
و في رواية أخرى: «من كلّ ألف واحد للّه و سائرهم للنار و لإبليس» «3» .
أقول: و العدد للتكثير لا للتحديد.
قوله سبحانه: مَذْمُوماً مَدْحُوراً
ذأمه بالهمزه، أي ذمّه، و الدحر هو الطرد.
قوله: وَ يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ
عطفه على ما قبله من غير فصل يشعر بكون الجميع قصة واحدة مربوطة بجميع الإنسان لا مختصة بآدم- عليه السلام- وحده كما، و قد مرّ قد الكلام في قصة جنة آدم في سورة البقرة.
قوله: فَدَلَّاهُما - إلى قوله:- بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما
التدلية: الإنزال و التقريب.
و في تفسيري القمي و العياشي: عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن
(1). النساء (4): 118.
(2). مجمع البيان 3: 194.
(3). نفس المصدر.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 214
الصادق- عليه السلام-: «كانت سوآتهما لا تبدو لهما، فبدت «1» ، يعنى كانت داخلة» «2» «3» .
أقول: و روى قريبا منه العياشي في تفسيره عن عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام «4» .
و قوله: «يعني كانت داخلة» من كلام الراوي بقرينة قوله: «يعني» و قد أخطأ في معناه بدليل قوله تعالى: لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما ، و لو كان كما فسّر لم يكن لتقييد الكلام بقوله: عنهما معنى، و كان حق الكلام أن يقال: ما وري من سوآتهما، بل معنى كلامه عليه السلام: أنّ سوآتهما ما كانت ظاهرة لهما فظهرت بعد الأكل، و قد مرّ توضيحه في سورة البقرة.
و قوله: يَخْصِفانِ عَلَيْهِما
أي يلزقان بعض الورق ببعض لستر ما بدت من سوآتهما.
قوله سبحانه: وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ
و هو قوله تعالى في سورة (طه) في أول القصة: فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى «5» .
(1). في تفسير القمي:- «فبدت»
(2). في تفسير العياشي: «من داخل»
(3). تفسير القمي 1: 225.
(4). تفسير العياشي 2: 10- 11، الحديث: 11.
(5). طه (20): 117.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 215
[سورة الأعراف (7): الآيات 32 الى 26]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 216
[سورة الأعراف (7): الآيات 36 الى 33]
قوله سبحانه: يا بَنِي آدَمَ
في تفسير العياشي: عنهما عليهما السلام قالا: «هي عامة» «1» .
أقول: و هذه أربعة خطابات و هي بعينها الخطابات التي أوردت في غير هذه السورة مختصة بآدم- عليه السلام- و عمّمت في هذه السورة لجميع بنى آدم، و الثلاثة الأول منها، هي الراجعة إلى الأكل و الشرب و اللباس تفهم من قوله تعالى: يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى. إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَ لا تَعْرى «2» و الرابعة: مفهومة من قوله تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً «3» .
و من عمومها يستفاد أنّ ما اشتملت عليه هذه الخطابات على الإجمال أمور مشرّعة في جميع الشرائع من غير استثناء.
قوله سبحانه: قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَ رِيشاً
اللباس: الثياب التي تستر سوأة البدن، و الريش: ما يتجمل به مأخوذ من ريش
(1). تفسير العياشي 2: 11، الحديث: 13.
(2). طه (20): 117- 118.
(3). طه (20): 123.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 217
الطائر استعارة لتزيّنه به، و وصفه سبحانه اللباس و الريش بأنّه أنزله نظير قوله:
وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ «1» ، و قوله: وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ «2» ، و قد قال تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ «3» ، و قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ «4» .
و من هنا يتبيّن معنى ما في الإحتجاج: عن علي- عليه السلام- في آيتي الأنعام و الحديد، قال عليه السلام: «إنزاله ذلك خلقه إيّاه» «5» ، الحديث.
و في الآية مع ذلك دلالة على شمول الخلقة لما عملته الأيدي، و إنّ الخلقة ليست على نسق واحد.
قوله: وَ لِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ
في تفسير القمّي: عن الباقر- عليه السلام- في الآية: «و أمّا «6» اللباس فالثياب التي يلبسون، و أما الرياش فالمتاع و المال، و أمّا لباس التقوى فالعفاف، إنّ «7» العفيف لا تبدو له عورة و إن كان عاريا من الثياب، و الفاجر بادي العورة و إن كان كاسيا من الثياب، ذلِكَ خَيْرٌ ، يقول: و العفاف «8» خير» «9» .
(1). الزمر (39): 6.
(2). الحديد (57): 25.
(3). الحجر (15): 21.
(4). القمر (54): 49.
(5). الإحتجاج 1: 372.
(6). في المصدر: «فأمّا»
(7). في المصدر: «لأن»
(8). في المصدر: «يقول: (و لباس التّقوى ذلك خير) يقول: العفاف خير»
(9). تفسير القمي 1: 226.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 218
أقول: و العفاف: التحفّظ من طغيان الشهوة و سقوطه و أخذ طريق الإعتدال فيها، و في الحديث تخصيص لباس التقوى بمورد الشهوة من غير تعميم بمورد الغضب أيضا و هو المؤيّد بخصوصية الإستنتاج الذي في الآية، فإنّ هذه الخطابات كالإستنتاج من قصّة الجنّة.
و في تفسير القمّي: أيضا قال عليه السلام: «لباس التقوى ثياب «1» البياض» «2» .
أقول: و لعلّه لكونها مصداقا للعفاف من حيث اللون في اللباس فإنّ البياض متوسط كالمعتدل بين الألوان المفرّحة المطربة كالحمرة و الخضرة، و الألوان الكاسرة المحزنة كالسواد و النيليّة.
قوله: ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
إنّه إذا وجب لهم أن يواروا سوءاتهم باللباس و يتزيّنوا بالريش حفظا لظاهرهم؛ وجب أن يتخذوا نظير ذلك حفظا لباطنهم و هو لباس التقوى، و في الكلام التفات من خطاب بني آدم إلى الغيبة، و نقل الخطاب إلى النبي- صلّى اللّه عليه و آله-، و أصل الإلتفات في قوله تعالى: وَ لِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ، حيث لم يقل: ذلكم خير، و صرف الخطاب عنهم إلى النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-.
و الوجه فيه أنّ الإخبار عن أنّه هو أنزل اللباس لمواراة سوءاتهم لا يصحّ اجتماعه مع بيان كونه آية، فإنّ كون شيء آية بالنسبة إلى مراد، و بيان المراد من ذلك الشيء كلّ منهما يغني عن الآخر؛ فلذلك غيّر الخطاب ليكون كأنّه قد بيّن
(1). في المصدر: «لباس»