کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 277
الملائكة لمكان العطف بالواو.
قلت: اقتضاء العطف مغايرة ما بين المعطوف و المعطوف عليه، ممّا لا ينبغي الإرتياب فيه لقبح قولنا: جائني زيد و زيد، و جائني زيد و ابن عمر و إذا كان المعطوف و المعطوف عليه واحدا.
نعم، المغايرة أعمّ من المغايرة النوعيّة بحسب الماهيّة، و الذي يستدل بقوله:
أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ ، على مغايرة الخلق و الأمر لا يريد مغايرة أزيد ممّا يقتضيه اعتبار الكلام.
ثم يتمّ البيان بآيات أخر فإنّ قوله تعالى: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ «1» ، أفادت الآية أنّ أمره تعالى إذا أراد شيئا أن يقول له: كُنْ ، و من المعلوم أنّ هذا القول ليس بنحو التلفظ و إيجاد الصوت، بل هو وجود الشيء لا بأن ينفصل عنه تعالى وجود و ينتهي إلى الشيء المراد كحركة الشعاع من المنير إلى المستنير، بل إنّما هو وجود الشيء في نفسه، و قال سبحانه: وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ «2» ، فأفاد أنّ الأمر واحد كاللمح بالبصر، و هذه كلمة يراد بها نفي التدريج و التأنّي، فأفاد أنّ الأمر و هو وجود الشيء غير تدريجي فهو غير زماني و لا مكاني، فإنّ الزماني و المكاني لا ينفك عن التدريج، فهذا الوجود الذي هو أمره تعالى شيء خارج عن المكان و الزمان و هو وجود الشيء، فلوجود كلّ شيء مراد و جهان:
وجه الأمر: و هو بهذا الوجه خارج عن الزمان و المكان، تتساوى نسبته إلى كلّ زمان و مكان.
(1). يس (36): 82- 83.
(2). القمر (54): 50.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 278
وجه الخلق: و هو بهذا الوجه تدريجيّ الوجود تحت سيطرة الزمان و المكان و دون تأثير المادّة و القوّة و هذان الوجهان متحدّان بوجه مختلفان بوجه، غير أنّ الوجه الخلقي تابع للوجه الأمري.
ثم قوله سبحانه: فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ «1» ، بعد قوله: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ «2» ، يعطي أنّ الملكوت هو الأمر، فالعرش و هو مرحلة اجتماع أزمّة الأشياء هو الأمر و هو الملكوت، و الملك و الملكوت خاضعان للربوبيّة، و لذلك عقّب قوله: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ ، بقوله: تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ، فتبارك اللّه ربّ العالمين.
قوله سبحانه: تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً
نصب على الحال، أي ذوي تضرّع و خفية، و كذلك خوفا و طمعا كذا قيل، و الظاهر أنّهما من المفعول المطلق النوعي، و التقدير: ادعوا ربّكم دعاء تضرّع و خفية، و كذلك
قوله: خَوْفاً وَ طَمَعاً ، و التقدير: و ادعوه دعاء خوف و طمع، و التضرّع من الضراعة بمعنى التذلّل.
و في تفسير القمّي: قال: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً ، أي علانية و سرا «3» .
أقول: و كان وجه الإستفادة المقابلة بين التضرّع و الخفية، فالتضرّع هو العلانية، و في وضع التضرّع مكان العلانية ما لا يخفى من الإشعار بوجه حسن
(1). يس (36): 83.
(2). يس (36): 82.
(3). تفسير القمي 1: 236.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 279
الدعاء العلني و هو إظهار الذلّ و نشر الضراعة إليه سبحانه.
قوله سبحانه: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ
تذكير الخبر لكون الإسم مصدرا جائز الوجهين.
قوله سبحانه: يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً
بشرا جمع بشير، و قرء نشرا بالنون.
و قوله: أَقَلَّتْ
من الإقلال بمعنى الحمل، و كان أصله القلّة لأنّ حامل الشيء الثقيل يعدّه قليلا.
و قوله: ثِقالًا
وصف السحاب أورد جمعا لكون السحاب جنسا في معنى الجمع.
قوله: كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى
في التنظير دلالة على كون البعث ذا نظام تدريجي من التربية نظير إنبات الأرض، و سيجيء بعض ما يتعلّق بالمقام في سورة الحج.
*
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 280
[سورة الأعراف (7): الآيات 69 الى 59]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 281
[سورة الأعراف (7): الآيات 72 الى 70]
قوله: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ
ستأتي قصته- عليه السلام- في سورة هود- إن شاء اللّه-.
قوله: وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً
ستأتي قصته- عليه السلام- في سورة (هود) إن شاء اللّه.
قوله: قالَ يا قَوْمِ
فإن قلت: لم حذف العاطف من قوله: قالَ يا قَوْمِ ، و لم يقل (فقال) كما في قصة نوح؟
قلت: هو على تقدير سؤال سائل.
قال: فما قال هود؟
فقيل: قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ، و كذلك: قالَ الْمَلَأُ ، كذا قاله الزمخشري «1» ، و لا يجري الكلام في قصة نوح؛ لأنّها أوّل قصّة، و أمّا قصة هود فهي قصّة بعد قصة تهيّئ ذهن المخاطب لذلك السؤال.
(1). تفسير الكشاف 2: 116.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 282
قوله سبحانه: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا
لما كان في هذا الملأ من يؤمن باللّه و يستر إيمانه كما سيأتي في القصة، بخلاف الملأ من قوم نوح، قال هاهنا في قصة هود: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ، و قال في قصة نوح: قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ ، كذا ذكره الزمخشري «1» .
قوله: وَ قَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا
نّه كناية عن قطع الأصل، فإنّ الدابر هو الذي يأتي في آخر القوم و دبرهم، سمّى به الأصل لأنّه آخر ما ينتهي إليه الشجرة، شبّه إهلاكهم بقطع الشجرة، ثم شبّه اصل الشجرة بدابر القوم فهي كناية مركبة.
(1). تفسير الكشاف 2: 116.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 283