کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 334
موسى- عليه السلام- بشّر بمحمد- صلّى اللّه عليه و آله- [إلى أن قال]: فلم تزل الأنبياء- عليهم السلام- تبشّر به حتى بعث اللّه المسيح، عيسى بن مريم- عليه السلام- فبشّر بمحمد- صلّى اللّه عليه و آله- و ذلك قوله: يَجِدُونَهُ ، يعني إليهود و النصارى مَكْتُوباً ، يعني صفة محمد- صلّى اللّه عليه و آله- عِنْدَهُمْ ، يعنى فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ ، و هو قول اللّه عزّ و جلّ يخبر عن عيسى- عليه السلام- وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ «1» «2» .
أقول: و في هذا المعنى بعض روايات أخر «3» .
قوله سبحانه: إِصْرَهُمْ
الإصر: الثقل، كنّى به عن التكاليف الشاقّة.
و قوله: وَ عَزَّرُوهُ
أي منعوا جانبه، كنّى به عن التعظيم له و الذبّ عنه.
قوله سبحانه: وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ
ظاهر السياق أنّه القرآن، و قد سمّي نورا.
و في تفسير العياشي: عن الباقر- عليه السلام-: «النور عليّ» «4» .
(1). الصف (61): 6.
(2). الكافي 8: 117، الحديث: 92.
(3). راجع: الاختصاص: 7؛ الأمالي للصدوق: 191، الحديث: 1؛ بصائر الدرجات 512، الحديث: 26؛ تفسير القمي 2: 365 و غيرهم.
(4). تفسير العياشي 2: 31، الحديث: 88.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 335
أقول: و كأنّه من الجري و الإنطباق، و لا يأباه إطلاق الإنزال و قد سمّي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- نورا إذ قال تعالى: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً* رَسُولًا «1» .
قوله سبحانه: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً
في المجالس: عن الحسن بن علي- عليه السلام- قال: «جاء نفر من إليهود إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقالوا: يا محمّد! أنت الذي تزعم أنك رسول اللّه و أنّك الذي يوحى إليه كما يوحى لموسى بن عمران- عليه السلام-؟ فسكت النبيّ ساعة، ثم قال: نعم، أنا سيد ولد آدم و لا فخر، و أنا خاتم النبيّين و إمام المتقين و رسول ربّ العالمين قالوا: إلى من إلى العرب أم إلى العجم أم إلينا؟
فأنزل اللّه هذه الآية» «2» .
أقول: و مقتضاه دلالة الآية على عموم البعث و هو كذلك بإطلاقها.
قوله سبحانه: وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ
في تفسير العياشي: عن الصادق- عليه السلام- في هذه الآية: وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى : «هم أهل الإسلام» «3» .
أقول: كأنّه مستفاد عن ظهور قوله: يَهْدُونَ في الحال أو في الإستمرار، و اليهود الباقون على التهوّد ضالّون بعد بعثة النبي، فهذه الأمّة المذكورة، إمّا
(1). الطلاق (65): 10- 11.
(2). الأمالي، الصدوق: 187، الحديث: 1.
(3). تفسير العياشي 2: 31، الحديث: 89.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 336
اليهود الذين أسلموا و حسن إسلامهم فكانوا مهتدين و هادين بالحق، و إما جميع أهل الإسلام لكون موسى من أولي العزم عامّا نبوته لجميع الناس غير منسوخ الأصل، و إن كان بعض أحكام شريعته منسوخا بعد بعثة النبيّ.
فإن قلت: قد ذكرت في ذيل قوله: قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً «1» ، من سورة البقرة، إنّ حقيقة الهداية شأن الإمام لا غير، و هذا ينافي ما هاهنا من جعل الهداية وصفا عامّا لغير الإمام.
قلت: الذي ذكرناه هناك إنّما هو الهداية إلى الحق بأمر اللّه تعالى لا الهداية بالحقّ مطلقا، و لا ضير في كون تابع الحق هاديا بالحق الذي تبعه من حيث إنه تبع، و أما الهداية بالأمر، فأمر مختص بالإمام على التفصيل السابق.
قوله: فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ
فضرب فانبجست، و حذفه للإشارة إلى المطاوعة و عدم التوقف في الحصول و الإمتثال نظير قوله تعالى: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ «2» ، و نظائره كثيرة في القرآن، و قد مرّ الكلام في هذه القصة في سورة البقرة.
(1). البقرة (2): 124.
(2). النمل (27): 40.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 337
[سورة الأعراف (7): الآيات 168 الى 161]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 338
[سورة الأعراف (7): الآيات 171 الى 169]
قوله سبحانه: وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ - إلى قوله-: قِرَدَةً خاسِئِينَ
قوله: حاضِرَةَ الْبَحْرِ
أي: قريبة منه على الساحل.
قوله: يَعْدُونَ
أي يتجاوزون حدود اللّه.
و قوله: شُرَّعاً
جمع الشارع بمعنى المشرف الداني.
و قوله: خاسِئِينَ
أي مطرودين.
و في تفسيري القمي و العياشي: عن الباقر- عليه السلام- قال: «وجدنا في
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 339
كتاب علي- عليه السلام-: أن قوما من أهل ايلة من قوم ثمود و أن الحيتان كانت سبقت إليهم يوم السبت ليختبر اللّه طاعتهم في ذلك، فشرعت إليهم «1» يوم سبتهم في ناديهم و قدّام أبوابهم في أنهارهم و سواقيهم، فبادروا إليها فأخذوا يصطادونها «2» ، فلبثوا في ذلك ما شاء اللّه لا ينهاهم عنها الأحبار و لا يمنعهم «3» العلماء من صيدها، ثم إنّ الشيطان أوحى إلى طائفة منهم إنّما نهيتم عن أكلها يوم السبت و لم تنهوا عن صيدها، فاصطادوها يوم السبت و أكلوها فيما سوى ذلك من الأيام.
فقالت طائفة منهم: الآن نصطادها و انحازت طائفة أخرى منهم ذات إليمين.
فقالوا: ننهاكم «4» عن عقوبة اللّه أن تتعرضوا «5» بخلاف أمره، و اعتزلت طائفة منهم ذات الشمال «6» فسكتت و لم تعظهم «7» ، فقالت للطائفة التي و عظتهم «8» لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً .
فقالت الطائفة التي و عظتهم: مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ .
قال: فقال اللّه تعالى: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ ، يعنى لمّا تركوا ما وعظوا به مضوا على الخطيئة.
(1). في تفسير العياشي: «لهم»
(2). في تفسير العياشي: «يأكلونها»
(3). في تفسير العياشي: «و لا ينهاهم»
(4). في تفسير العياشي: «اللّه اللّه إنّا نهيناكم»
(5). في تفسير العياشي: «تعرضوا»
(6). في تفسير العياشي: «إليسار»
(7). في تفسير العياشي: «فلم يعظهم»
(8). في تفسير العياشي: «لم تعضهم»
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 340
فقالت الطائفة التي و عظتهم: لا و اللّه لا نبايتكم «1» الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم اللّه فيها مخافة أن ينزل بكم البلاء فيعمّنا معكم.
قال: فخرجوا عنهم من المدينة مخافة أن يصيبهم البلاء «2» ، فنزلوا قريبا من المدينة فباتوا تحت السماء، فلمّا أصبح أولياء اللّه المطيعون لأمر اللّه تعالى غدوا لينظروا ما حال أهل المعصية، فأتوا باب المدينة فإذا هو مصمت، فدقّوه فلم يجابوا و لم يسمعوا منها حسّ أحد، فوضعوا سلّما على سور المدينة ثم أصعدوا رجلا منهم، فأشرف على المدينة فنظر فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون.
فقال الرجل لأصحابه: يا قوم أرى و اللّه عجبا، قالوا: و ما ترى؟ قال: أرى القوم و قد صاروا قردة يتعاوون، لها أذناب، فكسروا الباب و دخلوا المدينة.
قال: فعرفت القردة أنسابها من الإنس و لم يعرف الإنس أنسابها من القردة.
فقال القوم للقردة: «ألم ننهكم» «3» ، الحديث.
و في المجمع: عن الصادق- عليه السلام-: «هلكت الفرقتان و نجت الفرقة الثالثة» «4» .
أقول: و روى [ما] في معناه في الكافي و تفسير العياشي «5» ، و ظاهر الآية يساعده، فإنّ اللّه سبحانه قسّم القوم قسمين فقال: أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَ أَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا ، و الأمة القائلة: لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ
(1). في تفسير العياشي:+ «لا نجا معكم»
(2). في تفسير العياشي:- «فيجمعنا معكم، قال فخرجوا عنهم من المدينة مخافة أن يصيبهم البلاء»
(3). تفسير القمي 1: 244؛ تفسير العياشي 2: 33- 34، الحديث: 92.
(4). مجمع البيان 4: 383.