کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 389
من الكيد إلى صيغة المتكلم وحده.
قوله سبحانه: فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ
و قد مرّ و سيجيء معنى الملكوت.
و في الآية دلالة على أنّ مشاهدة الملكوت ممّا يمكن أن يناله الإنسان، و قد مرّ استيفاء القول في ذلك في قوله تعالى: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ «1» ، الآية من سورة المائدة، و قد روى الفريقان عن النبي- صلّى اللّه عليه و آله-: «لو لا أنّ الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لرأوا ملكوت السموات و الأرض» «2» .
قوله سبحانه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها
الإرساء: الإثبات، فالمرسي المستّقر، و التجلية: الإظهار، و علم الساعة ممّا استأثر اللّه به في علمه.
و قوله تعالى: ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ
يعنى به أنّ هذه الموجودات لا تطيق حمل علمه، و بذلك يظهر أنّ العلم بها من غير جنس هذه العلوم الذهنيّة، و إنّ العلم الحصولّى الذهني لا يتعلّق بها و هو
(1). المائدة (5): 105.
(2). تفسير نور الثقلين 1: 735، الحديث: 144؛ نور البراهين 1: 186؛ الرسائل، للشهيد الثاني: 138؛ عوالي اللثالي 4: 113، الحديث: 174؛ المحجة البيضاء 2: 125؛ مسند أحمد بن حنبل 2: 353؛ في مصادر العامة: «هذه الشياطين على أعين بني آدم، لا يتفكرون في ملكوت السموات و الأرض، و لو لا ذلك لرأوا العجائب».
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 390
كذلك، و به يشهد قوله ثانيا: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ، حيث إنّ ظاهره أنّ الناس لو علموا أنّ الساعة لا يعلم بها غير اللّه لم يلحّوا في السؤال عن وقتها و لكن أكثرهم لا يعلمون.
فالساعة و إن كان العلم بها مختصا به تعالى لكنّ العلم باختصاص علمه به غير مختص، بل يمكن أن يوجد عند القليل من الناس.
قوله سبحانه: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها
لمّا أجاب سبحانه بقوله: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي ، لم يقنعهم ذلك جوابا و كأنّهم تخيّلوا أنّه و إن كان العلم بها عند اللّه لكن يمكن أن يعلّمه رسوله لمكان القرب، و يكون حال العلم بها حال العلم بالغيب المختصّ به تعالى و قد قال سبحانه: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ «1» ، و لذلك عادوا للسؤال بعد السؤال فكرّر ثانيا و قيل: يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها ، و الحفيّ: العالم الذى يتعلم الشيء باستقصاء.
و قوله: عَنْها ، كأنّه متعلق بقوله: يَسْئَلُونَكَ ، و المعنى يسألونك عنها كأنك عالم بها مع أنّك أجبتهم بالأياس و الحرمان، و بيّنت لهم السبب في ذلك بأنّها ممّا لا يطيق علمه السموات و الأرض ثم أمر بالجواب ثانيا فقيل: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ، لوجه اختصاصه باللّه تعالى، يعني أن الجواب هو الجواب الأوّل و ليس أمر العلم بالساعة مما يختلف بالقرب و البعد من اللّه حتّى يمكن للمقربين تعلّمه، و لذلك بدّل اسم الربّ باسم الجلالة
(1). الجنّ (72): 26- 27.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 391
لما في اسم الرب من الدلالة على الرحمة و التربية و الشفقة، فسبيل البيان في الآية نظير ما إذا سأل المريض الطبيب عن مسألة غامضة رياضيّة، فيجيبه بأنّها خارجة عن صناعتي لأنّها غير مربوطة بمزاج الأبدان، ثم يعيد السؤال ثانيا لحسن ظنّه بحذاقة الطبيب فيقول الطبيب: إنّها خارجة عن صناعتي و غير مرتبط بحذاقتي لكنك لا تعلم.
قوله سبحانه: وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ
في المعاني و تفسير العياشي: عن الصادق- عليه السلام-: «يعني الفقر» «1» .
و في تفسير القمّي: قال- عليه السلام-: «كنت اختار لنفسي الصحّة و السلامة» «2» .
أقول: و هي مصاديق و الكلمة أعمّ.
(1). معاني الاخبار: 172، الحديث: 1؛ تفسير العيّاشي 2: 43، الحديث: 124.
(2). تفسير القمي 1: 249.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 392
[سورة الأعراف (7): الآيات 198 الى 189]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 393
قوله سبحانه: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ
القصّة قابلة الإنطباق لآدم و حواء و على هذا: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ ، خطاب للبشر من نفس واحدة و هو (آدم)، وَ جَعَلَ مِنْها ، أي من جنسها زوجها (حواء) لِيَسْكُنَ إِلَيْها ، و يتمّ أمر التقدير بما قدّر اللّه من الذريّة، فَلَمَّا تَغَشَّاها ، أي جامعها، حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً بالنطفة، فَلَمَّا أَثْقَلَتْ ، بالحمل لنموّ الجنين في بطنها دَعَوَا معا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً ، سليما قابلا للبقاء بريئا عن النقص و العاهة لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، لا نعتمد على سبب دونك، و لا نركن إلى شيء سواك، و لا نغفل من جهته عنك.
فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً ، أوجب الاهتمام في شأنه و العناية في تشبّثهما بالأسباب العاديّة في حفظه و تربيته أن غفلا عن اللّه بعض الغفلة، فاشتغل قلباهما بأشياء غير اللّه، و جعلا هذه الامور شركاء للّه فيما آتيهما من الولد الصالح فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، آدم و حواء و سائر بني آدم.
هذا و يشهد بما ذكرناه من المعنى ما مرّ في أوائل السورة: أنّ الشاكرين هم المخلصون الذين لا سبيل لإبليس عليهم.
و في تفسيرى العيّاشي و القمّي: عن الباقر- عليه السلام-: «إنّما كان شركهما شرك طاعة لا شرك عبادة» «1» .
أقول: قد تبيّن معناها بما مرّ من البيان، و أمّا ما روته العامّة من قصّة شركهما فممّا لا يليق بساحة الأنبياء، و قد نصّ القرآن على هداية آدم و لا يجتمع الشرك مع الهداية، قال تعالى: ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى «2» .
(1). تفسير العياشي 2: 43، الحديث: 125؛ تفسير القمّي 1: 253.
(2). طه (20): 122.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 394
و ربّما قيل: إن الخطاب في الآية لقريش و النفس الواحدة أبوهم قصيّ، و الشرك شركهم، و لا دليل عليه.
قوله سبحانه: وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ
لم يتقيّد بشيء فهو الصلاح المطلق، و هذا صريح في كون النبي- صلّى اللّه عليه و آله- من الصالحين.
*
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج4، ص: 395
[سورة الأعراف (7): الآيات 206 الى 199]
قوله سبحانه: خُذِ الْعَفْوَ
العفو: ضد الجهد، اي خذ ما يسهل أخذه من أفعالهم و أخلاقهم و غير ذلك.