کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 21
سورة الأنفال
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 23
[سورة الأنفال (8): الآيات 1 الى 7]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله سبحانه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ
في الكافي عن الصادق- عليه السلام-: الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، و كلّ أرض خربة، و بطون
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 24
الأودية فهو لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و هو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء. «1»
أقول: و الروايات في تفسير الأنفال في نحو ما فسّرته به هذه الرواية كثيرة جدّا، و إن كان فيها اختلاف من حيث تعداد المصاديق، حتّى عدّ منها- في بعضها- مال من مات و لا وارث له، و القرى الخالية التي باد أهلها و غير ذلك. «2»
و في تفسير القمّي قال- عليه السلام-: نزلت يوم بدر لمّا انهزم الناس كان أصحاب رسول اللّه على ثلاث فرق، فصنف كانوا عند خيمة النبيّ، و صنف أغاروا على النهب، و فرقة طلبت العدوّ و أسروا و غنموا، فلمّا جمعوا الغنائم و الأسارى تكلّمت الأنصار في الأسارى، فأنزل اللّه تبارك و تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، «3» فلمّا أباح اللّه لهم الاسارى و الغنائم تكلّم سعد بن معاذ و كان ممّن أقام عند خيمة النبيّ، فقال: يا رسول اللّه!، ما منعنا أن نطلب العدوّ زهادة في الجهاد و لا جبنا من العدوّ، و لكنّا خفنا أن نعدو موضعك فتميل عليك خيل المشركين، و قد أقام عند الخيمة وجوه المهاجرين و الأنصار و لم يشك أحد منهم- و الناس كثير- يا رسول اللّه! و الغنائم قليلة، و متى تعطي هؤلاء لم يبق لأصحابك شيء، و خاف أن يقسّم رسول اللّه الغنائم و أسلاب القتلى بين من قاتل و لا يعطى من تخلّف عند خيمة رسول اللّه شيئا، فاختلفوا فيما بينهم حتّى سألوا رسول اللّه.
فقالوا: لمن هذه الغنائم؟ فأنزل اللّه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ
(1). الكافي 1: 539، الحديث: 3.
(2). جوامع الجامع 2: 2؛ تفسير الصافى 3: 294؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 262.
(3). الأنفال (8): 67.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 25
وَ الرَّسُولِ فرجع الناس و ليس لهم في الغنيمة شيء.
ثمّ أنزل اللّه بعد ذلك: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ «1» فقسّمه رسول اللّه بينهم فقال سعد بن أبي وقّاص: يا رسول اللّه أتعطي فارس القوم الذي يحميهم مثل ما تعطي الضعيف؟! فقال النبيّ: ثكلتك امّك و هل تنصرون إلّا بضعفائكم؟!!
قال: فلم يخمّس رسول اللّه ببدر و قسّم بين أصحابه، ثمّ استقبل يأخذ الخمس بعد بدر. «2»
أقول: و قد رواه بعضهم عن الصادق- عليه السلام-.
و الرواية لا تخلو عن تشويش في المتن و قوله: و قد أقام عند الخيمة، الى قوله: و الناس كثير كالمعترضة، و هو من كلام الإمام لا من كلام سعد.
و قوله: و لم يشك أحد منهم، من شاك يشاك شوكا، إذا ظهر سلاحه و حدّته. «3»
و قوله: و خاف أن يقسّم إلى آخره، أيضا من كلام الإمام تلخيص للقصّة.
و قوله: ثمّ أنزل اللّه الى آخره، كالمعترضة غير مرتبطة بما قبله.
و قوله: فقسّمه رسول اللّه بينهم الى آخره، متفرّع على قوله: فأنزل اللّه:
و الذي ينبغي أن يقال: إنّ الآيات النازلة في الغنيمة في هذه السورة ثلاثة أصناف و هي بترتيب السورة:
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ
(1). الأنفال (8): 41.
(2). تفسير القمّي 1: 254- 255.
(3). لسان العرب 7: 240.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 26
وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ؛
و سياق الآية الثانية يفيد أنّ نزولها بعد الآية الاولى و الآيات الأخيرة، لمكان قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَ ما أَنْزَلْنا فهي بعد الوقعة بزمان، ثمّ الآيات الأخيرة تدلّ على أنّهم كلّموا رسول اللّه في أمر الأسرى أن لا يقتلهم و يأخذ الفدية، ثمّ يعاتبهم على ذلك بأنّهم يريدون به الدنيا، ثمّ يجوّز لهم الأكل ممّا غنموا من الأسرى، فكأنّهم فهموا منه أنّ الغنيمة لهم بمعنى أنّها لهم يملكونها، و قد أخطأوا في فهمهم، و إنّما جوّز اللّه لهم الأكل منها و لم يملّكهم ذلك، ثمّ صار ذلك الاعتقاد منشأ لاختلافهم فيما بينهم في تشخيص المالكين لها و أنّهم المجاهدون أو القاعدون عند رسول اللّه، فنزلت أنّ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ.
و الأنفال: هي الزوائد، فإنّ المراد بالقتال الظفر على العدوّ، فما اخذ منه و غنم يكون زيادة عليه و نفلا، فالمراد بالأنفال الغنائم و الزوائد مطلقا.
و من هذا البيان يظهر أنّ الآيات الأخيرة نزلت أوّلا فأثبتت لهم جوازا في أكل الغنائم لا ملكا، ثمّ نزلت الآية الاولى فأثبتت الملك للّه و لرسوله فقسمه
(1). الأنفال (8): 41.