کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 114
هذا إلّا لأنّه ابنه، فقال- صلى اللّه عليه و آله-: كيف صار عزيز ابن اللّه دون موسى و هو الذي جاءهم بالتوراة و رأوا منه من المعجزات ما قد علمتم، فإن كان عزيز ابن اللّه، لما ظهر من إكرامه من إحياء التوراة فلقد كان موسى بالنبوّة أحقّ و أولى، «1» الحديث.
أقول: و ظاهره أنّ مرادهم بالبنوّة بنوّة التشريف دون التوليد.
قوله: وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ
و هو قول بعضهم أيضا أرادوا به التشريف.
و في الإحتجاج أيضا عن رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله-: إنّه طالبهم بالحجّة، فقالوا: إنّ اللّه لمّا أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة، ما ظهر، فقد اتّخذه ولدا على جهة الكرامة فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه، ثمّ أعاد ذلك كلّه فسكتوا، الحديث. «2»
قوله سبحانه: ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ
إن كانت الباء للظرفيّة كان المعنى أنّ القول تعلّق بأفواههم، فلم ينزل قلوبهم، و إن كانت للسببيّة فالمعنى أنّ قلوبهم غير شاعرة لمعناه و لا قاصدة، و على كلا الوجهين هو كناية عن عدم إذعانهم أنفسهم بما يدّعونه، فإنّهم إن أرادوا بنوّة الولادة فقد جعلوا للّه سبحانه جسما محكوما بنظام المادّة، و هم يعلمون أنّه منزّه
(1). الإحتجاج للطبرسي 1: 23؛ تهذيب الاحكام 4: 114، الحديث: 1؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 429، الحديث: 1.
(2). الاحتجاج 1: 24.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 115
من ذلك، و إن أرادوا بنوّة التشريف فقد عظّموا أمرهما بزعمهم، لكن استصغروا أمر اللّه سبحانه، و فرّطوا في جنبه و هم يعلمون.
قوله سبحانه: يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا
المضاهاة: المشابهة، و كأنّ تقدير الكلام يضاهون قولا قَوْلَ الَّذِينَ ...، فحذف التمييز للدلالة عليه في الكلام، و قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا هو قولهم:
الملائكة بنات اللّه.
قوله سبحانه: قاتَلَهُمُ اللَّهُ
دعاء عليهم، كقوله: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ، «1» و كأنّ المراد به القتل بعد القتل.
و في الاحتجاج عن أمير المؤمنين- عليه السلام- في حديث: أي لعنهم اللّه، «2» فسمّى اللعنة قتلا. «3» «4»
و في المجالس و تفسير العيّاشي عن النبيّ- صلى اللّه عليه و آله- قال: اشتدّ غضب اللّه على اليهود حين قالوا: عزير ابن اللّه، و اشتدّ غضب اللّه على النصارى حين قالوا: المسيح ابن اللّه، و اشتدّ غضب اللّه على من أراق دمي و آذاني في عترتي. «5»
(1). عبس (80): 17.
(2). في المصدر:+ «أنّى تؤفكون»
(3). في المصدر: «قتالا»
(4). الاحتجاج 1: 250.
(5). في الأمالي للصدوق: 159، الحديث: 1- «و اشتدّ غضب اللّه على من أراق دمي و آذاني في عترتي»؛ تفسير العيّاشي 2: 86، الحديث: 43؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 438، الحديث: 3.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 116
قوله سبحانه: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً
تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام-: أما و اللّه «1» ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، و لو دعوهم إلى عبادة أنفسهم لما أجابوهم، و لكن أحلّوا لهم حراما و حرّموا عليهم حلالا فعبدوهم «2» من حيث لا يشعرون. «3»
أقول: و في هذا المعنى أخبار كثيرة يشتمل على أنّ من أطاع أحدا في دعوته فقد عبده، فإن دعى الداعي إلى اللّه فقد عبده، و إن دعى إلى غيره فأطاعه فقد عبد ما يدعوه إليه، و قد سمّى اللّه سبحانه الإطاعة عبادة في مواضع من كلامه، قال تعالى: أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَ أَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ، «4» و قال: يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ، «5» و قال: بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ. «6»
قوله سبحانه: وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ
فرق بين عبادتهم المسيح و بين عبادتهم الأحبار، لكون الاولى عبادة صريحة و الثانية عبادة طاعة.
(1). في المصدر:- «أما و اللّه»؛ و في الكافي 1: 53: «أما و اللّه ما دعوهم».
(2). في المصدر: «فكانوا يعبدونهم»؛ و في الكافي 1: 53: «فعبدوهم».
(3). تفسير العيّاشي 2: 87، الحديث: 48.
(4). يس (36): 60- 61.
(5). مريم (19): 44.
(6). سبأ (34): 41.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 117
[سورة التوبة (9): الآيات 32 الى 35]
قوله سبحانه: نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ
لمّا ذكر أنّ ما قالوا: قول بِأَفْواهِهِمْ استتبع ذلك أنّهم يريدون أن يتبع نور اللّه أفواههم فينطفئ نور اللّه بها، فقال: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللَّهُ، و معناه لا يريد اللّه إلّا أن يتمّ نوره، و العدول إلى يَأْبَى ليقابل به قوله: يُرِيدُونَ
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 118
قوله سبحانه: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ
في الإكمال عن الصادق- عليه السلام-: و اللّه ما نزل تأويلها بعد و لا ينزل تأويلها حتّى يخرج القائم، فإذا خرج القائم لم يبق كافر باللّه العظيم و لا مشرك بالإمام إلّا كره خروجه، الحديث. «1»
قوله سبحانه: جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ
و لعلّ وجه تخصيص هذه الأعضاء بالذكر أنّهم لإخلادهم إلى عرض الدنيا، خاضعون للذهب و الفضّة و معتمدون متّكئون عليها، و الخضوع بالسجود بالجبهة و الاعتماد و الاتّكاء بالجنب و الظهر، و قيل في ذلك وجوه اخر.
و قوله تعالى: يُحْمى عَلَيْها
أي يوقد عليها محمّاة مسخنة.
و قوله: فَتُكْوى
من الكيّ، و هو معروف.
قوله سبحانه: هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا
هذا التقريع و التوجيه بأنّه الكنز الذي اختصصتم به أنفسكم كقوله في الآية
(1). إكمال الدين 2: 670، الحديث: 58؛ تفسير الفرات: 184؛ تفسير العياشي 2: 87؛ اثبات الهداة 3: 550، الحديث: 561؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 441، الحديث: 1؛ تفسير الصافي 3: 401؛ ينابيع المودة 3: 239 الحديث: 14؛ منتخب الاثر: 294.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 119
السابقة: وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يدلّ على أنّ هذا التشديد و العذاب، إنّما هو لكون الكنز قطعا لسبيل اللّه و إبطالا لمصلحة التمليك، فيدور أمره في الشدّة مدار السبيل في أهمّيّته كالزكاة و الإنفاق مع حاجة المسلمين و الصالحين من عباد اللّه مع فاقتهم الشديدة بسنة أو جدب أو غير ذلك.
و من هنا يظهر أنّ مقدار الكنز و كذا صدق الكنز بحسب الأحوال و الأزمان يختلف اختلافا شديدا، فربما كانت الألف كنزا و ربما لم تكن، و ربما كان مع حاجة أوسط الناس كنزا، و ربما لم يكن لعدم حاجتهم، و إلى هذا ربما يرجع معاني الأخبار الواردة:
ففي المجمع عن أمير المؤمنين- عليه السلام-: ما زاد على أربعة آلاف فهو كنز أدّى زكاته أو لم يؤدّ، و ما دونها فهي «1» نفقة. «2»
و في تفسير العيّاشي عن الباقر- عليه السلام- في الآية قال- عليه السلام-:
إنّما عنى بها ما جاوز ألفي درهم. «3»
أقول: و لعلّ الاختلاف بين الروايتين راجع إلى اختلاف الأحوال.
و في الخصال عن النبيّ- صلى اللّه عليه و آله-: الدينار و الدرهم أهلكا من كان قبلكم و هما مهلكاكم. «4»
و في المجمع عن النبيّ- صلى اللّه عليه و آله-: لمّا نزلت هذه الآية، قال: تبّا للذهب و الفضّة «5» يكرّرها ثلاثا فشقّ ذلك على أصحابه، فسأله عمر: «6» أيّ المال
(1). في المصدر: «فهو»
(2). مجمع البيان 5: 40؛ الكشف و البيان 5: 37.
(3). تفسير العيّاشي 2: 87، الحديث: 53.
(4). الخصال 1: 43، الحديث: 27.
(5). في المصدر: «تبّا للذهب تبّا للفضّة»
(6). في المصدر:+ «فقال يا رسول اللّه»
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 120
نتّخذ؟ فقال: «1» لسانا ذاكرا و قلبا شاكرا و زوجة مؤمنة تعين أحدكم على دينه. «2»
و في تفسير القمّي عن الباقر- عليه السلام- قال: كان أبو ذر الغفاري يغدو كلّ يوم و هو بالشام فينادي بأعلى صوته: بشّر أهل الكنوز بكيّ في الجباه، و كيّ بالجنوب، و كيّ بالظهور «3» أبدا حتّى يتردّد الحرّ في أجوافهم. «4»
و في الأمالي و غيره عن النبيّ- صلى اللّه عليه و آله-: كلّ مال تؤدّى زكاته فليس بكنز و إن كان تحت سبع أرضين، و كلّ مال لا تؤدّى زكاته فهو كنز، و إن كان فوق الأرض. «5»
و في التهذيب عن الصادق- عليه السلام-: ما أعطى اللّه عبدا ثلاثين ألفا و هو يريد به خيرا. «6»
و عنه- عليه السلام-: ما جمع رجل قطّ عشرة آلاف درهم من حلّ و قد يجمعها لأقوام إذا اعطي القوت و رزق العمل فقد جمع اللّه له الدنيا و الآخرة. «7»
و في تفسير القمّي أيضا في حديث قال: نظر عثمان بن عفّان إلى كعب الأحبار فقال له: يا أبا إسحاق! ما تقول في رجل أدّى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك شيء؟ فقال: لا، و لو اتّخذ لبنة من ذهب و لبنة من
(1). في المصدر: «فقال»
(2). مجمع البيان 5: 40؛ تفسير الصافي 3: 405؛ مسند احمد 5: 366؛ الكشف و البيان 5: 38.
(3). في المصدر: «بكيّ في الجباه كيّ في الجنوب و كيّ في الظهور»
(4). تفسير القمّي 1: 289؛ تفسير الصافي 3: 405.
(5). الامالي، الطوسي: 518، الحديث: 18؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 443، الحديث: 2؛ الكشف و البيان 5: 37.
(6). تهذيب الأحكام 6: 328، الحديث: 28.