کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 155
من قبل أن يسألهم ذلك.
قال: و يخرج عليه الحور العين من الجنان فيمكثون بذلك ما شاء اللّه، ثمّ إنّ الجبّار يشرف عليهم، فيقول لهم: أوليائي و أهل طاعتي و سكّان جنّتي في جواري، ألا هل انبّئكم بخير ممّا أنتم فيه؟ فيقولون: ربّنا و أيّ شيء خير ممّا نحن فيه ممّا اشتهت أنفسنا و لذّت أعيننا من النعم في جوار الكريم؟ قال: فيعود عليهم القول فيقولون: ربّنا نعم، فأتنا بخير ممّا نحن فيه، فيقول لهم تبارك و تعالى: رضائي عنكم و محبّتي لكم خير و أعظم ممّا أنتم فيه فيقولون: نعم، يا ربّنا رضاك عنّا و محبّتك لنا خير و أطيب لأنفسنا.
ثمّ قرأ عليّ بن الحسين- عليه السلام- هذه الآية: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ. «1»
و في ربيع الأبرار للزمخشري عن جابر عن النبيّ- صلى اللّه عليه و آله-: إذا دخل أهل الجنّة الجنّة، قال اللّه تعالى: تشتهون شيئا فأزيدكم، قالوا: ربّنا و ما خير مما أعطيتنا؟ قال: رضواني أكبر. «2»
(1). تفسير العيّاشي 2: 96، الحديث: 88؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 506.
(2). ربيع الأبرار 1: 247؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 508، الحديث: 4.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 156
[سورة التوبة (9): الآيات 73 الى 74]
قوله سبحانه: جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ
في تفسير القمّي عن الباقر- عليه السلام- قال: جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ بإلزام الفرائض. «1»
أقول: و قوله: وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ موضوع كالقرينة على أنّ المراد بالجهاد ليس هو القتال بالسيف.
قوله سبحانه: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا
في المجمع نزلت الآيات في اثني عشر رجلا، وقفوا على العقبة ليفتكوا
(1). تفسير القمّي 1: 301؛ تفسير الصافي 3: 436؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 508، الحديث: 2.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 157
برسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- عند رجوعه من تبوك، فأخبر جبرئيل رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- بذلك و أمره أن يرسل إليهم و يضرب وجوه رواحلهم و عمّار كان يقود دابّة رسول اللّه و حذيفة يسوقها.
فقال لحذيفة: اضرب وجوه رواحلهم، فضربها حتّى نحّاهم، فلمّا نزل قال لحذيفة: من عرفت من القوم؟ قال: لم أعرف منهم أحدا، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله-: إنّه «1» فلان و فلان حتّى عدّهم كلّهم، فقال حذيفة: ألا تبعث إليهم فتقتلهم؟ فقال: أكره أن يقول العرب لمّا ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم.
عن ابن كيسان قال: و روي عن أبي جعفر- عليه السلام- مثله، إلّا أنّه قال:
ائتمروا بينهم و قال بعضهم لبعض: إن فطن نقل إنّما كنّا نخوض و نلعب، و إن لم يفطن نقتله. «2»
أقول: و قد سبقت القصّة في ضمن قصّة غزوة تبوك.
و اعلم أنّ إشباع النظر في هذه الآيات من قوله: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ إلى قوله: وَ ما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ عشر آيات، يكشف عن تحزّب سرّي و اتّحاد باطنيّ بين جماعة من أصحاب رسول اللّه و أهل الاختصاص به كانوا قصدوا فيه هدم ما بناه و تخريب ما أسّسه حتّى انجرّ ذلك إلى التوطئة عليه و سوء القصد به- صلى اللّه عليه و آله-، فكشف اللّه عن سوء سرّهم و فاسد سريرتهم.
(1). في نسخة: إنّهم، [منه- رحمه اللّه-].
(2). مجمع البيان 5: 70؛ جوامع الجامع 2: 71؛ و نقل مضمونه الثعلبي في الكشف و البيان 5: 70؛ و الفيض في تفسير الصافي 3: 438؛ و البحراني في البرهان في تفسير القرآن 4: 52.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 158
[سورة التوبة (9): الآيات 75 الى 94]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 160
قوله سبحانه: وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ
في الجوامع هو ثعلبة بن حاطب قال: يا رسول اللّه ادع اللّه أن يرزقني مالا، فقال: يا ثعلبة، قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه، فقال: و الذي بعثك بالحقّ لئن رزقني مالا لأعطينّ كلّ ذي حقّ حقّه، فدعا له فاتّخذ غنما فنمت كما ينمو الدود، حتّى ضاقت بها المدينة، فنزل واديا و انقطع عن الجماعة و الجمعة، و بعث رسول اللّه ليأخذ الصدقة فأبى و بخل و قال: ما هذه إلّا اخت الجزية. «1»
أقول: و رواه القمّي في تفسيره عن الباقر- عليه السلام- إجمالا، «2» و في المجمع مرفوعا. «3»
قوله سبحانه: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ
في تفسير القمّي: جاء سالم بن عمير الأنصاري بصاع من تمر، فقال: يا رسول اللّه كنت ليلتي أجيرا لجرير «4» حتّى عملت «5» بصاعين من تمر، فأمّا
(1). جوامع الجامع 2: 72.
(2). تفسير القمّي 1: 301؛ تفسير الصافي 3: 440؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 515؛ الكشف و البيان 5: 72.
(3). مجمع البيان 5: 80.
(4). الجرير: اسم رجل، لكن في تفسير الصافي: «أجرّ الجرير» اي كنت أجرّ الحبل الذي يجرّ به البعير، يريد أنّه استقى الناس على أجرة صاعين؛ و في سائر المصادر: «أجرّ بالجرير».
(5). في المصدر: «نلت»
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 161
أحدهما فأمسكته لعيالي، «1» و أمّا الآخر فأقرضته ربّي، فأمره رسول اللّه أن ينثره في الصدقات، فسخر منه المنافقون، فقالوا: و اللّه، إن كان «2» اللّه لغنيّا «3» عن هذا الصاع ما يصنع اللّه بصاع شيئا، و لكنّ أبا عقيل أراد أن يذكّر نفسه ليعطى من الصدقات فنزلت. «4»
أقول: و روي نظيره عن طريق العامّة. «5»
قوله سبحانه: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ
«أو» الترديديّة تدلّ على التسوية بين طرفيها، فإذا تخلّل بين الأمر و النهي كان دالّا على أنّ الفعل و الترك متساويان لا يترتّب على شيء منهما أثر، فقوله سبحانه: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ يدلّ على أنّ الاستغفار و عدم الاستغفار سيّان في حقّ المنافقين لا يترتّب عليه أثر، و لذا أكّده ثانيا بقوله:
إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، فبيّن أنّه كما أنّ الاستغفار لا ينفع، كذلك الإلحاح فيه و الإصرار أيضا لا ينفع، فالواحد و الكثير منه سواء، و لفظ سبعين يؤتى به في هذه الموارد للتكثير.
و قوله سبحانه: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ تعليل للحكم بأنّ ذلك لا لبخل من ناحيته سبحانه و تعالى، بل لبطلان استعدادهم
(1). في المصدر:- «لعيالي»
(2). في المصدر:- «كان»
(3). في المصدر: «يغني»، و في تفسير الصافي: «لغنيّ»
(4). تفسير القمّي 1: 302؛ تفسير الصافي 3: 441؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 515.