کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 164
السبعين من لطيف الاستفادة، ثمّ نزلت الآية الثانية: وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ.
و يظهر من جوابه- صلى اللّه عليه و آله- لعمر، أنّه- صلى اللّه عليه و آله- استفاد من قوله: وَ لا تُصَلِّ، النهي عن الدعاء، لا النهي عن صلاة الميّت، و لذا قال- صلى اللّه عليه و آله-: إنّما قلت: اللهمّ احش قبره نارا.
و في المجمع: إنّه كان إذا صلّى على ميّت يقف على قبره ساعة و يدعو له. «1»
و في الكافي عن الصادق- عليه السلام-: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- يكبّر على قوم خمسا، و على قوم آخرين أربعا و إذا كبّر على رجل أربعا اتّهم يعني بالنفاق. «2»
و في الكافي و تفسير العيّاشي عنه- عليه السلام-: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- إذا صلّى على ميّت كبّر و تشهّد، ثمّ كبّر و صلّى على الأنبياء، ثمّ كبّر و دعا للمؤمنين، ثمّ كبّر الرابعة و دعا للميّت، ثمّ كبّر و انصرف، فلمّا نهاه اللّه عن الصلاة على المنافقين كبّر و تشهّد، ثمّ كبّر و صلّى على النبيّين، ثمّ كبّر و دعا للمؤمنين، ثمّ كبّر «3» و انصرف و لم يدع للميّت. «4»
قوله سبحانه: أُولُوا الطَّوْلِ
أي الفضل و السعة.
(1). مجمع البيان 5: 87.
(2). الكافي 3: 181، الحديث: 2.
(3). في المصدر:+ «الرابعة»
(4). الكافي 3: 181، الحديث: 3؛ تفسير العيّاشي 2: 102، الحديث: 96؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 518، الحديث: 6.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 165
و قوله سبحانه: مَعَ الْخَوالِفِ
كأنّه جمع خالفة.
في تفسير العيّاشي عن الباقر- عليه السلام- قال: مع النساء. «1»
قوله سبحانه: وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ
التعذير: إيهام ما ليس بعذر عذرا، و الأعراب: أهل البدو.
قوله سبحانه: تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ
الفيضان: انبساط الماء المنصبّ دفعة في الأرض، فالفيضان للدمع و اسند إلى العين استعارة، و مِنَ كما قيل: بيانيّة، فهو من الكناية.
و في تفسير القمّي: و جاء البكّاءون إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- و هم سبعة نفر من بني عمرو بن عوف: سالم بن عمير، قد شهد بدرا لا خلاف فيه، و من بني واقف: هرمي بن عمير، و من بني حارثة: عليّة بن يزيد و هو الذي تصدّق بعرضه، و ذلك أنّ رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- أمر بالصدقة، فجعل الناس يأتون بها، فجاء عليّة، فقال: يا رسول اللّه، ما عندي ما أتصدّق به و قد جعلت عرضي حلّا، فقال له رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله-: قد قبل اللّه صدقتك، و من بني مازن بن النجّار: أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، و من بني سلمة: عمرو بن غنيمة، و من بني زريق: سلمة بن صخر، و من بني العزّ:
ناصرة بن السارية السلمي.
(1). تفسير العياشي 3: 103، الحديث: 97.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 166
هؤلاء جاءوا إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- يبكون فقالوا: يا رسول اللّه، ليس بنا قوّة أن نخرج معك، فأنزل اللّه تعالى فيهم: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى إلى قوله: أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ.
و في تفسير العيّاشي عنهما- عليهما السلام-: إنّ عبد اللّه بن يزيد بن الورقاء أحدهم. «1»
أقول: و روي في بعض التفاسير أنّهم ستّة.
(1). تفسير العيّاشي 2: 104، الحديث: 100.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 167
[سورة التوبة (9): الآيات 97 الى 106]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 168
قوله سبحانه: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً
لأنّ أهل البدو أبعد عن الحضارة و العلم، فاصول علوم الاجتماع و هي التي تنمو عليها الملكات المعتدلة الملائمة للاجتماع ليست في أيديهم و معرض تلقّيهم حتّى يعتدلوا.
قوله سبحانه: ما يُنْفِقُ مَغْرَماً
المغرم: مصدر ميمي و هو الغرامة و الخسران، و التربّص: الانتظار.
و الدوائر: دوائر الزمان، فمن دائر للإنسان و من دائر عليه، فتربّص الدوائر كناية عن انتظار فرصة الانتقام.
و قوله سبحانه: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ
دعاء عليهم بالمقابلة.
قوله سبحانه: قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَ صَلَواتِ
أي سبب قربات عند اللّه، و سبب صلوات الرسول، كذا قيل.
قوله سبحانه: وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ
يريد سبحانه: الذين تأسّس عليهم و على جدّهم و جهدهم هذا الدين،
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 169
و التابعين: الذين تبعوهم بإحسان فأقاموا الدين بحقيقة أعمالهم و ثبات أقدامهم.
و في تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام- قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ سبق بين المؤمنين كما سبق بين الخيل يوم الرهان.
قلت: أخبرني عمّا ندب اللّه المؤمن في الإسباق إلى الإيمان، قال: قول اللّه:
وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ فبدأ بالمهاجرين الأوّلين على درجة سبقهم، ثمّ ثنّى بالأنصار، ثمّ ثلّث بالتابعين لهم بإحسان، فوضع كلّ قوم على قدر درجاتهم و منازلهم عنده. «1»
و عن بعض طرق العامّة: أنّها في عليّ و هو أسبق الناس كلّهم بالإيمان، و صلّى على القبلتين، و بايع البيعتين، بيعة بدر و بيعة الرضوان، و هاجر الهجرتين مع جعفر من مكّة إلى حبشة و من الحبشة إلى المدينة. «2»
قوله سبحانه: وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ
في المجمع عن الباقر- عليه السلام-: نزلت في أبي لبابة، و قد مرّت قصّته. «3»
قوله سبحانه: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ
في تفسير العيّاشي عن الباقر- عليه السلام- قال: عسى من اللّه واجب، «4» الحديث.
أقول: ليس يعني- عليه السلام- أنّ عسى قد استعملت في القرآن بمعنى
(1). تفسير العيّاشي 2: 105، الحديث: 104.
(2). لسان الميزان لابن حجر 2: 227؛ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني 1: 336، الحديث: 346.
(3). مجمع البيان 5: 101؛ تفسير القمي 1: 303.
(4). تفسير العيّاشي 2: 105، الحديث: 105؛ تفسير الصافي 3: 457.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 170
التحقيق و الوجوب، بل يعنى به المصداق.
و بيانه أنّ الكلام إنّما يطابق فيما يطابق الواقع الثابت، و الثابت من حيث إنّه ثابت لا يقبل إلّا الثبات و التحقّق و اللزوم و التعيّن، فكلّ تغيّر و تردّد و تزلزل و رجاء و تمنّ و غير ذلك إنّما يتحقّق في ظرف الإدراك و الوهم، فالإبهام و التردّد و الشكّ و غيرها فينا إنّما هي في ظرف إدراكنا لا في الخارج بما هو خارج.
و ملاك الأمر إمكان المطابقة و اللّامطابقة بين علمنا و بين الواقع و هو ظاهر.
و أمّا اللّه سبحانه و تعالى فحيث كان علمه تعالى بالخارجيّات عين تلك الخارجيّات لكمال الإحاطة و تمام القيوميّة، فلا يتصوّر في حقّه سبحانه تردّد و شكّ و إبهام، و كذلك تمنّ ب «ليت»، و لا ترجّ ب «لعلّ»، غير أنّ مجرّد الترديد و ما يجري مجراها، و إن صحّ تعليق الكلام بذلك من حيث إنّه لفظ كاشف حاك عن معنى، لكن لا يصحّ من حيث استدعاء الكلام فائدة يعبأ بها و يعتنى بشأنها عند العقلاء، فلا يعلّق الكلام على أيّ قيد و لا يتمنّى أيّ محال، و لا يرجى أيّ ممكن، بل هذه المعاني إنّما يعلّق عليها أو يتقيّد بها الكلام إذا كان من طبع الكلام بحسب المقام أن يعتريه ذلك المعنى.
فإن كان المناسب حينئذ قيامه، أعني الترجّي و التمنّي و الاستفهام و التعجّب و غيرها بالمتكلّم، كان قائما به كما هو الغالب، و إن كان المناسب قيامه بالمخاطب قام به، و إن كان المناسب قيامه بطبع المقام قام به فقط، كخطابات القرآن على ما تشتمل عليه من المعاني الإنشائيّة، كقوله تعالى: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ، «1» و قوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً