کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 176
اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ. «1»
أقول: و هذا المعنى مرويّ عنهم مستفيضا. «2»
و في الكافي عن الصادق- عليه السلام- في الآية قال- عليه السلام-:
هم الأئمّة. «3»
أقول: يريد- عليه السلام- تفسير المؤمنين، و الرواية بذلك مستفيضة أيضا.
و في البصائر عن الباقر- عليه السلام- قال: إنّ الأعمال تعرض على نبيّكم كلّ عشيّة الخميس، فليستحيي أحدكم أن يعرض على نبيّه العمل القبيح. «4»
و في البصائر أيضا عن حفص عن غير واحد، قال: تعرض أعمال العباد «5» يوم الخميس على رسول اللّه و على الأئمّة. «6»
و في أمالي الشيخ مسندا عن الباقر- عليه السلام- قال: قال رسول اللّه و هو في نفر من أصحابه: إنّ مقامي بين أظهركم خير لكم من مفارقتي، و إنّ مفارقتي إيّاكم خير لكم، فقام إليه جابر بن عبد اللّه الأنصارى، فقال: يا رسول اللّه، أمّا مقامك بين أظهرنا فهو خير لنا فكيف يكون مفارقتك إيّانا خيرا لنا؟
(1). تفسير العيّاشي 2: 109، الحديث: 123؛ تفسير الصافي 3: 460؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 540، الحديث: 1؛ معاني الاخبار: 392، الحديث: 37.
(2). تفسير العياشي 2: 108، الحديث: 11- 127.
(3). الكافي 1: 219، الحديث: 2؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 541، الحديث: 2؛ تفسير الصافي 3: 460؛ تفسير العياشي 1: 109، الحديث: 125.
(4). بصائر الدرجات: 426، الحديث: 14؛ تفسير الصافي 3: 461؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 543، الحديث: 12؛ تفسير القمي 1: 304.
(5). في المصدر:- «العباد»
(6). بصائر الدرجات: 426، الحديث: 16؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 543، الحديث: 14.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 177
فقال: أمّا مقامي بين أظهركم خير لكم، لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، «1» يعني يعذّبهم بالسيف.
فأمّا مفارقتي إيّاكم فهو خير لكم لأنّ أعمالكم تعرض عليّ كلّ اثنين و خميس، فما كان حسنا حمدت اللّه تعالى عليه، و ما كان من سيّء استغفرت لكم. «2»
و في الكافي مسندا عن جميل قال: روى لي غير واحد من أصحابنا، قال: لا تتكلّموا في الإمام، فإنّ الإمام يسمع الكلام و هو في بطن امّه، فإذا وضعته كتب الملك بين عينيه: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، «3» فإذا وقع بالأمر وضع «4» له في كلّ بلدة منار من نور «5» ينظر منه إلى أعمال العباد. «6»
و في الكافي أيضا عن محمّد بن عيسى بن عبيد قال: كنت أنا و ابن فضّال جلوسا، إذ أقبل يونس فقال: دخلت على أبي الحسن الرضا- عليه السلام- فقلت له: جعلت فداك، قد أكثر الناس في العمود، قال: فقال لي: يا يونس، ما تراه؟ «7» عمودا من حديد يرفع لصاحبك؟ قال: قلت: ما أدري، قال: لكنّه ملك موكّل بكلّ بلدة يرفع به أعمال تلك البلدة، قال: فقام ابن فضّال، فقبّل رأسه و قال: رحمك اللّه يا أبا محمّد لا تزال تجيء بالحديث الحقّ الذي يفرّج اللّه به عنّا. «8»
(1). الأنفال (8): 33.
(2). الأمالي، الطوسي: 408، الحديث: 65؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 546، الحديث: 25.
(3). الأنعام (6): 115.
(4). في المصدر: «رفع»
(5). في المصدر:- «من نور»
(6). الكافي 1: 388، الحديث: 6؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 542، الحديث: 8.
(7). في المصدر:+ «أتراه»
(8). الكافي 1: 388، الحديث: 7؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 542، الحديث: 9.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 178
قوله سبحانه: وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ
الإرجاء: التأخير.
في الكافي و تفسير العيّاشي عن الباقر- عليه السلام-، و في تفسير القمّي عن الصادق- عليه السلام- في هذه الآية: قوم كانوا مشركين فقتلوا مثل حمزة و جعفرا و أشباههما من المؤمنين، ثمّ إنّهم دخلوا في الإسلام فوحّدوا اللّه و تركوا الشرك و لم يعرفوا الإيمان بقلوبهم، فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنّة، و لم يكونوا على جحودهم فيكفروا فتجب لهم النار، فهم على تلك الحال إمّا يعذّبهم و إمّا يتوب عليهم. «1»
أقول: و يظهر من الرواية أنّ الملاك في وجوب الجنّة و النار الإيمان و الجحود، و هو كذلك كما عرفت في محلّه.
و في تفسير العيّاشي عن الباقر- عليه السلام- في قوله: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، «2» قوم اجترحوا ذنوبا مثل قتل حمزة و جعفر الطيّار ثمّ تابوا، ثمّ قال:
و من قتل مؤمنا لم يوفّق للتوبة إلّا أنّ اللّه لا يقطع طمع العباد فيه و رجائهم منه. «3»
أقول: و هذا لا ينافي ما مرّ أنّ عَسَى من اللّه سبحانه واجب، فإنّ شمول التوبة و المغفرة لبعض الجماعة واجب، و هو مصحّح للرجاء بالنسبة إلى كلّ واحد واحد، فافهم.
(1). الكافي 2: 407، الحديث: 1؛ تفسير العيّاشي 2: 111، الحديث: 132؛ تفسير القمّي 1: 304؛ تفسير الصافي 3: 462؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 549، الحديث: 1.
(2). التوبة (9): 102.
(3). تفسير العيّاشي 2: 105، الحديث: 106.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 179
[سورة التوبة (9): الآيات 107 الى 110]
قوله سبحانه: وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً
قرئ بالواو، فهو عطف لسائر قصص المنافقين المذكورة قبلها، و قرئ بإسقاط الواو لكونها قصّة مستقلّة كما قيل.
و المصادر الأربعة أعني قوله سبحانه: ضِراراً وَ كُفْراً وَ تَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِرْصاداً، مفعولات مطلقة تدلّ على نوع الفعل و هو الاتّخاذ،
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 180
فالمعنى: إنّهم أخذوا مسجدا ليضارّوا عدّة من المؤمنين اتّخذوا مسجدا، و قد كفروا بهذا الاتّخاذ لما نووا في ذلك و ليفرّقوا جماعة المؤمنين بنقض وحدتهم و اجتماع أنفسهم و أنفاسهم، و لينتظروا من حارب اللّه و رسوله من قبل.
و قد روى جمع من المفسّرين: أنّ قوما من الأنصار و هم بنو عمرو بن عوف بنوا مسجد قبا بالمدينة، و أتاه النبيّ- صلى اللّه عليه و آله- و صلّى فيه فحسدتهم إخوتهم بنو غنم بن عوف نفاقا و قالوا: نبني مسجدا و نرسل إلى رسول اللّه فيأتيه و يصلّي فيه، و يصلّي فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام، و كانوا يقصدونه خارج المدينة ليكون مكانا يجتمع فيه المنافقون لبعض شأنهم و إنفاذ مقاصدهم في إفساد الأمر على رسول اللّه و إلقاء الخلاف بين المسلمين.
و قد وعدهم أبو عامر الراهب أن سيقوّيهم و ينصرهم بمن يجلب إليه من جنود قيصر من بلاد الروم، فبنوا مسجدا بجنب مسجد قبا و قالوا للنبيّ: بنينا مسجدا لذي العلّة و الحاجة و الليلة الممطرة و الشاتية و نحن نحبّ أن تأتيه و تصلّي فيه و تدعو لنا بالبركة.
و كان- صلى اللّه عليه و آله- عازما للخروج إلى تبوك، فقال- صلى اللّه عليه و آله-:
إنّي على جناح سفر و حال شغل و إذا قدمنا إن شاء اللّه تعالى صلّينا فيه.
و لمّا قفل من غزوة تبوك سألوه إتيان المسجد فنزلت الآيات عليه، فدعا بمالك بن الدخشم و معن بن عديّ و نفر معهم، فقال لهم: انطلقوا إلى هذا المسجد فاهدموه و أحرقوه ففعل، و أمر أن يتّخذ مكانه كناسة تلقى فيها الجيف و القمامة. «1»
(1). جوامع الجامع 2: 84؛ جامع البيان 11: 18؛ الكشف و البيان 5: 92؛ تفسير ابن كثير 2:
353؛ الكشاف 2: 309؛ تفسير القرطبي 8: 253؛ الدر المنثور 3: 276؛ تفسير القمي 1: 305؛ مجمع البيان 5: 108؛ تفسير الصافي 3: 463؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 552.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 181
قوله: وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ
الإرصاد هو الانتظار و الإعداد.
و قوله: لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ
هو أبو عامر الراهب.
في الجوامع: إنّه كان قد ترهّب في الجاهليّة و لبس المسوح، و لمّا قدم النبيّ- صلى اللّه عليه و آله- المدينة حسده و حزّب عليه الأحزاب، ثمّ هرب بعد فتح مكّة و خرج إلى الروم و تنصّر، و كان هؤلاء يتوقّعون رجوعه إليهم، و أعدّوا هذا المسجد ليصلّي فيه و يظهر على رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله-، «1» و أنّه كان يقاتل رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- في غزواته إلى أن هرب إلى الشام ليأتي من قيصر بجنود يحارب بهم رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- و مات بقنسرين وجدا. «2»
و روى بعض المفسّرين من العامّة: أنّه الذي سمّاه رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- الفاسق، و قد تنصّر في الجاهليّة و ترهّب و طلب العلم، فلمّا هاجر رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- عاداه لأنّه زالت رئاسته، و قال: لا أجد قوما يقاتلونك إلّا قاتلتك معهم، و لم يزل يقاتله إلى يوم حنين، فلمّا انهزمت الهوازن خرج إلى الشام و أرسل إلى المنافقين أن استعدّوا بما استطعتم من قوّة و سلاح، و ابنوا لي مسجدا فإنّي ذاهب إلى قيصر و آت من عنده بجند، فأخرج محمّدا و أصحابه، فبنوا مسجد الضرار و كانوا ينتظرون قدومه، فمات بأرض الشام. «3»
(1). جوامع الجامع 2: 84.
(2). تفسير الصافي 3: 463.
(3). الكشف و البيان 5: 93؛ جامع البيان 11: 20.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 182
أقول: فالقصّة تشهد كظاهر سياق الآية أنّ قوله: مِنْ قَبْلُ متعلّق بقوله:
حارَبَ، لا بقوله: اتَّخَذُوا، كما ذكره بعضهم. «1»
قوله: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً
نهى عن الصلاة فيه بطريق آكد، و هذه الجملة يمكن أن تكون خبرا لقوله:
وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا لو كان مبتدءا، و يمكن أن يكون قوله: وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا، مبتدءا لخبر مقدّر، أي: و منهم وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا، و يمكن أن يكون منصوبا بالاختصاص.
قوله: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى
في الكافي و تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام-: يعني مسجد قبا. «2»
و في رواية العيّاشي: و أمّا قوله: أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ قال- عليه السلام-:
يعني من مسجد النفاق. «3»
قوله: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا
في تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام-: هو الاستنجاء بالماء. «4»
و في المجمع عن الباقر و الصادق- عليهما السلام-: يحبّون أن يتطهّروا بالماء عن الغائط و البول. «5»
(1). جوامع الجامع 2: 85.
(2). الكافي 3: 296، الحديث: 2؛ تفسير العيّاشي 2: 111، الحديث: 136.
(3). تفسير العيّاشي: نفس المصدر؛ تفسير الصافي 3: 467.
(4). تفسير العيّاشي 2: 112، الحديث: 137.