کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 181
قوله: وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ
الإرصاد هو الانتظار و الإعداد.
و قوله: لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ
هو أبو عامر الراهب.
في الجوامع: إنّه كان قد ترهّب في الجاهليّة و لبس المسوح، و لمّا قدم النبيّ- صلى اللّه عليه و آله- المدينة حسده و حزّب عليه الأحزاب، ثمّ هرب بعد فتح مكّة و خرج إلى الروم و تنصّر، و كان هؤلاء يتوقّعون رجوعه إليهم، و أعدّوا هذا المسجد ليصلّي فيه و يظهر على رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله-، «1» و أنّه كان يقاتل رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- في غزواته إلى أن هرب إلى الشام ليأتي من قيصر بجنود يحارب بهم رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- و مات بقنسرين وجدا. «2»
و روى بعض المفسّرين من العامّة: أنّه الذي سمّاه رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- الفاسق، و قد تنصّر في الجاهليّة و ترهّب و طلب العلم، فلمّا هاجر رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- عاداه لأنّه زالت رئاسته، و قال: لا أجد قوما يقاتلونك إلّا قاتلتك معهم، و لم يزل يقاتله إلى يوم حنين، فلمّا انهزمت الهوازن خرج إلى الشام و أرسل إلى المنافقين أن استعدّوا بما استطعتم من قوّة و سلاح، و ابنوا لي مسجدا فإنّي ذاهب إلى قيصر و آت من عنده بجند، فأخرج محمّدا و أصحابه، فبنوا مسجد الضرار و كانوا ينتظرون قدومه، فمات بأرض الشام. «3»
(1). جوامع الجامع 2: 84.
(2). تفسير الصافي 3: 463.
(3). الكشف و البيان 5: 93؛ جامع البيان 11: 20.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 182
أقول: فالقصّة تشهد كظاهر سياق الآية أنّ قوله: مِنْ قَبْلُ متعلّق بقوله:
حارَبَ، لا بقوله: اتَّخَذُوا، كما ذكره بعضهم. «1»
قوله: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً
نهى عن الصلاة فيه بطريق آكد، و هذه الجملة يمكن أن تكون خبرا لقوله:
وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا لو كان مبتدءا، و يمكن أن يكون قوله: وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا، مبتدءا لخبر مقدّر، أي: و منهم وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا، و يمكن أن يكون منصوبا بالاختصاص.
قوله: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى
في الكافي و تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام-: يعني مسجد قبا. «2»
و في رواية العيّاشي: و أمّا قوله: أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ قال- عليه السلام-:
يعني من مسجد النفاق. «3»
قوله: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا
في تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام-: هو الاستنجاء بالماء. «4»
و في المجمع عن الباقر و الصادق- عليهما السلام-: يحبّون أن يتطهّروا بالماء عن الغائط و البول. «5»
(1). جوامع الجامع 2: 85.
(2). الكافي 3: 296، الحديث: 2؛ تفسير العيّاشي 2: 111، الحديث: 136.
(3). تفسير العيّاشي: نفس المصدر؛ تفسير الصافي 3: 467.
(4). تفسير العيّاشي 2: 112، الحديث: 137.
(5). مجمع البيان 5: 111؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 555، الحديث: 11.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 183
و عن النبيّ- صلى اللّه عليه و آله- أنّه قال لأهل قبا: ماذا تفعلون في طهركم؟
فإنّ اللّه قد أحسن عليكم الثناء، قالوا: نغسل أثر الغائط، فقال: أنزل اللّه فيكم:
وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ. «1»
أقول: و في هذه المعاني روايات اخرى. «2»
قوله سبحانه: عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ
الشفا مقصورا: الشفير، و الجرف: ما تجرّفته السيول و أكلته من الأرض، أنهار الجرف أى: إنهدم. «3»
(1). تفسير الصافي 3: 468.
(2). الكشف و البيان 5: 94.
(3). جوامع الجامع 2: 86؛ الكشاف 2: 312.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 184
[سورة التوبة (9): الآيات 111 الى 123]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 185
قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى
تمثيل يمثّل به جهاد المؤمنين بأنفسهم في سبيل اللّه و إعطائه إيّاهم الجنّة بذلك.
و في تفسير العيّاشي عن الباقر- عليه السلام-: أنّه سئل عن هذه الآية، فقال:
يعني في الميثاق، الحديث. «1»
(1). تفسير العيّاشي 2: 112، الحديث: 140؛ تفسير الصافي 3: 472.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 186
قوله سبحانه: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ
في الكافي عن أبي بصير عن الباقر- عليه السلام- قال: قرأت عنده- عليه السلام- التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ فقال: لا، إقرأ: «التائبين العابدين، إلى آخرها، فسئل عن العلّة في ذلك فقال: اشترى من المؤمنين التائبين العابدين». «1»
و في المجمع عنهما- عليهما السلام-: إنّهما جرّا على الصفة للمؤمنين. «2»
و في الكافي: لقى عباد البصري عليّ بن الحسين- عليه السلام- في طريق مكّة، فقال له: يا عليّ بن الحسين تركت الجهاد و صعوبته و أقبلت على الحجّ و لينته؟! إنّ اللّه يقول: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، فقال له عليّ بن الحسين: أتمّ الآية، فقال: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ، فقال له عليّ بن الحسين- عليه السلام-: إذ رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم، فالجهاد معهم أفضل من الحجّ. «3»
و في الكافي أيضا عن الصادق- عليه السلام-: لمّا نزلت هذه الآية إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قام رجل إلى النبيّ- صلى اللّه عليه و آله- فقال: يا نبيّ اللّه! أرأيتك الرجل يأخذ سيفه فيقاتل حتّى يقتل إلّا أنّه يقترف من هذه المحارم، أشهيد هو؟ فأنزل اللّه عزّ و جلّ على رسوله: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ، ففسّر النبيّ- صلى اللّه عليه و آله- المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم و حليتهم بالشهادة و الجنّة.
(1). الكافي 8: 377، الحديث: 569؛ تفسير الصافي 3: 471.
(2). مجمع البيان 5: 112.
(3). الكافي 5: 22، الحديث: 1؛ تفسير الصافي 3: 471؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 577، الحديث: 1.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 187
فقال: التائبون من الذنوب العابدون الذين لا يعبدون إلّا اللّه و لا يشركون به شيئا، الحامدون الذين يحمدون اللّه على كلّ حال في الشدّة و الرخاء، السائحون الصائمون، الراكعون الساجدون، الذين يواظبون على الصلوات الخمس، الحافظون لها، و المحافظون عليها بركوعها و سجودها و الخشوع فيها و في أوقاتها، الآمرون بالمعروف بعد ذلك و العاملون به، و الناهون عن المنكر و المنتهون عنه.
قال: فبشّر من قتل و هو قائم بهذه الشروط بالشهادة و الجنّة، الحديث. «1»
أقول: و قد فسّر السياحة بالصوم لقوله- صلى اللّه عليه و آله-: سياحة امّتي الصيام، كذا قيل. «2»
و في تفسير العيّاشي قال- عليه السلام-: هم الأئمّة. «3»
أقول: معناه أنّ حقائق هذه الصفات و كمالها فيهم، كما في رواية القمّي. «4»
قوله سبحانه: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا
ما مرّ من النهي عن الاستغفار كان متعلّقا بالمنافقين و هذا راجع إلى المشركين.
و قوله سبحانه: مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ
كالتعليل للنهي و إرشاد إلى ملاكه، إذ الاستغفار طلب لشمول المغفرة، و من
(1). الكافي 5: 15، الحديث: 1؛ تفسير الصافي 3: 471؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 560، الحديث: 2.
(2). أنوار التنزيل 1: 434؛ تفسير الصافي 3: 471؛ النهاية لابن الأثير 2: 433؛ تفسير ابن كثير 2: 357.
(3). تفسير العيّاشي 2: 113، الحديث: 142؛ تفسير الصافي 3: 472.