کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 273
[سورة يونس (10): الآيات 94 الى 103]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 274
قوله سبحانه: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍ
الخطاب للنبيّ- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و لم يكن شاكا في أمر الوحي، و إنّما هو أخذ بالنصفة و تأكيدا لصحة الحكاية، و هو شايع في اللّسان، و بهذا المضمون وردت روايات، و في المعاني عن أحدهما- عليهما السلام- في الآية قال:
قال: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- لا أشكّ «1» «2» .
قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ
بمنزلة النتيجة لقصّة فرعون أوّلها و لما قبلها، و هو مع ذلك عود بعد عود لإثبات صدق الكلمة.
قوله سبحانه: فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ.
لو لا للتحضيض دخلت على قوله: كانَتْ، و خبر كان أيضا فعل ماض فأفادت مثل معنى العتبى، و حاصله: ألم يوجد من بين هذه القرى على كثرتها قرية تؤمن إيمانا ينفعها، بل لم تؤمن و لا واحدة منها، لأنّ الكلمة الإلهية حقت عليهم، و قوله: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ، كأنّه استثناء عن مؤدّى التحضيض لاشتماله على معنى النفي كما عرفت.
قوله سبحانه: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا
(1). في علل الشرائع:+ «لا أسأل»
(2). لم نعثر عليه في معاني الأخبار و لكن ذكره في علل الشرائع: 130، باب 107، الحديث: 2.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 275
وقوع الاستثناء بعد جملة: آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها، يدلّ على أنّ قوم يونس آمنوا إيمانا نافعا، فقد كان إيمانهم قبل نزول العذاب و رؤية البأس، و لو لم يكن كذلك لم يكن ينفعهم، كما لم ينفع غيرهم بعد رؤية البأس كما تدلّ عليه الروايات أنّ القوم ندموا على بعد غيبة يونس على ما فعلوا، و اجتمعوا للتوبة و الالتجاء حينما رأوا مقدمات العذاب، فقبلت منهم و أعطوا الأمان، و ستأتي قصّتهم في سورتي الأنبياء و الصّافات.
قوله سبحانه: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ
كأنّه لدفع الدخل، فإنّما مرّ من البيان كان يعطي أنّ هؤلاء لم يؤمنوا فصدق قوله- سبحانه- أنّهم لا يؤمنون، فربّما سبق أنّ ذلك كان منه- سبحانه- على سبيل العلم السابق، مع استقلالهم فيما أرادوا من الشرك على سبيل ما نتغرس الحوادث قبل وقوعها، من غير أن نملك زمام الأمر فيها، فدفع الدخل بأن ذلك لم يكن لكونهم معجزين في الأرض، بل إيمان المؤمن يتوقّف و لا يحصل إلّا بإذن إلهي، فلو شاء اللّه لآمن من في الأرض، و إذا لم يشأ اللّه ذلك منهم فلا تطمع في هديهم، و تسلّ بما قدّره اللّه.
قوله سبحانه: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
الإذن كما مرّ بيانه مرارا هو رفع المانع، و إذا كان شيء من الأشياء لا يملك من نفسه و أفعاله شيئا فلا يترتّب فعل على فاعل، و لا أثر على مؤثر، و هذا مانع إلهي في جميع موارد ما يحكم به العقل، أو يدركه الإدراك أنّ سببا ما يفعل فعلا ما فإذا ترتب أثر على مؤثّره، أو فعل على فاعله فقد أذن اللّه- سبحانه- في أمره
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 276
و شاء أن يكون، و قد رفع بذلك المانع العامّ عن المورد، و بقي الباقي تحت المنع الإلهيّ العام، و حينئذ فكلّ إيمان فإنّما هو بإذن من اللّه- سبحانه- يرفع به المانع عن إيمان المؤمن، و أمّا المشرك فقد بقي تحت حكومة المنع الإلهيّ.
و من الآية يتبيّن أنّ الشرك أمر عدمي لا يتوقّف على إرادة من اللّه- سبحانه-، و إنّما يتوقّف على عدم إرادة الإيمان، و على عدم الإذن فقط، و بهذا المعني ينتسب إليه تعالى، و على هذا النحو الضلال و الكفر، و الفسوق و سائر ما يقابل السعادات العامّة و الخاصّة، و قد مرّت إشارات متفرّقة إليه فيما مرّ مرارا.
و من هاهنا يظهر أيضا أنّ المراد بجعل الرجس في قوله: وَ يَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ، وضع الشرك في قلوبهم، و قد عرفت أنّ معنى وضع الشرك عدم وضع الإيمان الذي هو طهارة.
في العيون عن الرضا- عليه السلام-: إنّه سأله المأمون عن الآية فقال:
حدثني أبي عن آبائي، عن أمير المؤمنين- عليهم السلام- قال: إنّ المسلمين قالوا لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-: لو أكرهت يا رسول اللّه من قدرت عليه من الناس على الإسلام لكثر عددنا و قوتنا على عدوّنا، فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-: ما كنت لألقي اللّه [عزّ و جلّ] ببدعة لم يحدث إليّ فيها شيئا، و ما أنا من المتكلّفين، فأنزل اللّه تعالى عليه: يا محمّد: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً على سبيل الإلجاء و الإضطرار في الدنيا، كما يؤمن «1» عند المعاينة و رؤية البأس في الآخرة، و لو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا منّي ثوابا و لا مدحا، و لكنّي أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير
(1). في بعض نسخه: «يؤمنون» [منه- رحمه اللّه-].
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 277
مضطرّين، ليستحقوا منّي الزلفى و الكرامة، و دوام الخلود في جنّة الخلد:
أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، و أمّا قوله [تعالى]: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها، و لكن على معنى أنّها ما كانت لتؤمن إلّا بإذن اللّه، و إذنه أمره لها بالإيمان ما كانت متكلّفة «1» متعبّدة، و إلجاؤه «2» إياهّا إلى الإيمان عند زوال التكليف و التعبّد عنها، فقال المأمون: فرّجت عنّي [يا ابا الحسن] فرّج اللّه عنك «3» .
أقول: صدر الحديث يوجب أن تكون الآية ذات شأن في النزول مستقلّ، و إنّها ليست تتمّة للآيات السابقة و إن ارتبطت بها بعض الارتباط، و أمّا قوله في ذيله «فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها»، مراده- عليه السلام- ما ذكرناه أنّ أحدا من الناس لا يقدر على إيمان و على شيء آخر من أسباب السعادة من نفسه إلّا بإفاضة من اللّه- سبحانه-، فمن آمن فإنّما يؤمن بإذن اللّه- سبحانه-، و من لم يؤمن فإنّما ذلك لأنّ اللّه- سبحانه- لم يأذن في ذلك، فبقي الأمر على فقده و عدمه الأصلي.
و أمّا قوله- سبحانه-: بِإِذْنِ أمره لها بالإيمان، ليس المراد به أنّ الإذن مقصور على مرتبة الأمر التشريعي، و التكليف من غير تأثير منه تعالى في مرحلة الأفعال أصلا على ما يراه المعتزلة، فإنّ ظاهر قوله: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، إنّ الإذن يختصّ به المؤمن في إيمانه، و ليس للمشرك فيه حظّ، مع أنّ الإذن بمعنى التكليف لا يختصّ بالمؤمن، و كذا ظاهر قوله:
(1). في المصدر: «مكلّفة»
(2). في المصدر: «ألجأه»
(3). عيون أخبار الرضا (ع) 1: 135- 136، الحديث: 33.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 278
وَ يَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ بل المراد أنّ الإذن بمعنى الأمر بالإيمان كاشف عن إفاضة إلهيّة أراد سبحانه إيصالها إلى عباده، فأمر أمرا تكليفيّا عامّا في مرحلة ظاهر التشريع، و خاصّا بحسب خصوص الإفاضة الإلهيّة و الرحمة الخاصّة، و إنّما ذكر- عليه السلام- ما يوهم مسلك المعتزلة، لأنّ السائل من أركان الإعتزال.
قوله سبحانه: وَ ما تُغْنِي الْآياتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ
تعقيب لما جرت عليه آيات السورة أنّ الكلمة حقّت عليهم أنّهم لا يؤمنون، و أنّ العذاب و المؤاخذة واقع عليهم لا محالة، و على ذلك يجري أيضا قوله تعالى:
فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ يعني أيّام العذاب:
فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ «1»
ثمّ استدرك أنّ العذاب إنّما ينزل بساحة المشركين بقوله: ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ.
(1). الأعراف (7): 71.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج5، ص: 279
[سورة يونس (10): الآيات 104 الى 109]
وَ اتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ اصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109)
قوله سبحانه: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ