کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج6، ص: 22
و في تفسير القمّي: عن الباقر- عليه السلام-: و كان يعقوب إسرائيل اللّه، أي خالصة اللّه، ابن إسحاق نبي اللّه، ابن إبراهيم خليل اللّه. «1»
قوله سبحانه: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ
كأنّ تكرار الرؤية، و هي من الرؤيا في النوم، للدلالة على انتقال نفسه في رؤياه إلى جهتين: جهة اجتماعهم، وجهة سجدتهم له.
و في تفسير القمّي: عن الباقر- عليه السلام- تأويل هذه الرؤيا: أنّه سيملك مصر و يدخل عليه أبواه و إخوته؛ أمّا الشمس فإنّها أمّ يوسف «راحيل» و القمر:
«يعقوب»، و أمّا الأحد عشر كوكبا فإخوته، فلمّا دخلوا عليه سجدوا شكرا للّه وحده حين نظروا إليه، و كان ذلك السجود للّه تعالى. «2»
أقول: و في بعض الروايات أنّ أمّ يوسف كانت قد ماتت، و أنّ الداخلة عليه مع يعقوب و بنيه كانت خالته دون أمّه، «3» و سيأتي الكلام في سجدتهم له في قوله- سبحانه-: وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً. «4»
و في الخصال: عن جابر بن عبد اللّه، قال: أتى النبيّ [- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-] رجل من اليهود يقال له: بستان اليهودي، فقال: يا محمّد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف [- عليه السلام-] أنّها ساجدة فما أسماءهن «5» فلم يجبه نبيّ اللّه [- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-] يومئذ في شيء، قال فنزل
(1). تفسير القمّي 1: 368.
(2). تفسير القمّي 1: 368.
(3). تفسير العيّاشي 2: 197، الحديث: 83.
(4). يوسف (12): 100.
(5). في المصدر: «ما أسماؤها»
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج6، ص: 23
جبرئيل [- عليه السلام-] فأخبر النبيّ بأسمائها، قال: فبعث رسول اللّه إلى بستان، فلمّا أن جاءه قال: النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- هل أنت تسلم إن أخبرتك بأسمائها؟ قال: نعم، فقال له النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-:
جربان، و الطارق، و الذيّال، و ذو الكتفين، «1» و قابس، و وثّاب، و عمودان، و الفيلق، و المصبح، و الضروح، و ذو القروع، و الضياء و النور، رآها في أفق السماء ساجدة له، فلما قصّها يوسف [- عليه السلام-] على يعقوب [- عليه السلام-] قال يعقوب: هذا أمر متشتّت يجمعه اللّه من بعد، فقال بستان: و اللّه! أنّ هذه لأسماؤه، «2» ثمّ أسلم.
أقول: و رواه القمّي و العيّاشي في تفسيريهما و فيه: أنّ الضياء و النور هما الشمس و القمر. «3»
و في تفسير القمّي: عن الباقر- عليه السلام-: كان له أحد عشر أخا، و كان له من أمّه أخ واحد يسمّى بنيامين، قال: فرأى يوسف هذه الرؤيا و له تسع سنين فقصّها على أبيه، فقال: يا بني لا تَقْصُصْ. «4»
قوله سبحانه: وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ
قد مرّ معنى الاجتباء و تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ هو تعبير الرؤيا بإرجاعه إلى الأصل؛ فإنّ النوم أحاديث النفس، إمّا ملكيّة و إمّا شيطانيّة، و يمكن أن يكون
(1). في المصدر: «ذو الكنفان».
(2). الخصال 2: 531، الحديث: 2.
(3). تفسير القمّي 1: 368؛ تفسير العيّاشي 2: 170، الحديث: 8.
(4). تفسير القمّي 1: 369.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج6، ص: 24
المراد بالأحاديث مطلق أحاديث النفس و خطوراتها أعمّ من النوم و اليقظة، و تأويلها هو الانتقال إلى ما يرتبط بها من الحوادث؛ فإنّ عامّة الحوادث مرتبطة بعضها ببعض.
و قوله سبحانه: وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ
النعمة هي الولاية، و قد مرّ بيانها، و إتمام النعمة على الجميع مع اختلافهم فيها لا ضير فيه؛ لكونها حقيقة مشكّكة مختلفة المراتب، و قوله [تعالى]: عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ في التفرقة بين يوسف و بين آل يعقوب، و هو منهم دلالة على اختلاف شأنهم، كما تفيده الرؤيا في الساجديّة و المسجوديّة، و المراد من آل يعقوب؛ هو يعقوب و زوجته و بنوه.
*
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج6، ص: 25
[سورة يوسف (12): الآيات 7 الى 21]
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج6، ص: 26
قوله سبحانه: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ
محلّ هذه الآية من قوله سبحانه: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ «1» إلى أن: إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ، «2» محلّ التخصيص بعد التعميم، و التفضيل بعد الإجمال، فإنّ شرح فعالهم أحد أركان هذه القصّة و فصولها المهمّة.
و اعلم أنّ اللّه- سبحانه- بيّن هذه القصّة في أربعة فصول:
فالأوّل: يبيّن فيه ظلم إخوته و إلقائه في الجبّ، و شرائهم إيّاه من السيّارة، إلى أن حلّ في بيت عزيز مصر، و ختمه بقوله: وَ كَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ.
و الفصل الثاني: يبيّن فيه حاله في بيت العزيز، و ما جرى له مع إمرأته حتّى وقع في السجن، و مكثه فيه، حتّى خرج منه، و ختمه بقوله: وَ كَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ. «3»
و الفصل الثالث: يبيّن فيه جعله على خزائن الأرض، و ما جرى له مع إخوته
(1). يوسف (12): 3.
(2). يوسف (12): 3.
(3). يوسف (12): 4.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج6، ص: 27
حتّى أظهره عليهم، و ختمه بقوله: قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا. «1»
و الفصل الرابع: يبيّن فيه لحوق أبويه و إخوته به و ختمه بقوله: قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ - إلى قوله-: وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ. «2»
قوله سبحانه: إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ
إضافته إلى يوسف- مع كون إخيه أخا الجميع- يؤيّد ما ورد من الروايات: أنّ يوسف و بنيامين كانا من أم واحدة.
و قوله تعالى: وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ
أي جماعة أقوياء، أحقّ بأن يحبّنا أبونا و يقدّمنا عليهما، إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ لعدوله عن الصواب و تفضيله إيّاهما علينا، و هذا ليس كفرا منهم؛ لأنّهم إنّما نسبوا أباهم إلى الضلال في السيرة و الفعال دون القول و الاعتقاد، كما يدلّ عليه قولهم: وَ تَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ، و هذا القول الذي أسرّوه بينهم، و ما قالوه لأبيهم؛ ليختلسوا بذلك يوسف من يده بمنزلة الشورى منهم، ثمّ القطع و الإقدام بما قطعوا به، و الذي تدلّ عليه الآيات على خصوصيّات:
منها: أنّ بني يعقوب ما خلا يوسف و أخيه بنيامين كانوا أشدّاء أقوياء أولي بأس و قوّة، قوّاما على بيت يعقوب و غنمه، و كان يوسف و أخوه صغيرين لا يقومان بشيء، غير أنّ يعقوب كان شديد الحبّ لهما و خاصّة ليوسف، فكان لازما لنفسه يقوم بأمره وحده، لا يأمن عليه أحدا منهم في شأنه، و لا يكله إليهم
(1). يوسف (12): 91.
(2). يوسف (12): 100- 101.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج6، ص: 28
في شيء، معتزلا به دونهم، حتّى أودع ذلك حقدا في قلوبهم، و حسدا في نفوسهم، و لا يعبأ بذلك يعقوب، و لا يلوي في حبّه على شيء، كما يدلّ عليه قولهم: يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَ إِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ* أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً فلم يجبهم يعقوب في أوّل قولهم، و لم يكذّبهم في قولهم: لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ، و لم يصدّقهم في قولهم: وَ إِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ، و لا تكلم في ذلك حتّى بتورية و تعمية، و إنّما قال لهم: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ.
و بالجملة؛ حتّى أدّى ذلك إلى أن اشتدّ غيظهم و ... «1» إلى أن غضّوا عن الأخوّة، و نسوا ناموس الفطرة، من الشفقة و الرأفة و الرحمة، و همّوا بإفنائه و إعفاء أثره، و إنسائه عن قلب أبيهم، فأسرّوا في أمره بينهم، و شاوروا لتحصيل الرأي في أمره، و بادىء رأيهم أن يقتلوه، حتّى أشار بعضهم إلى أن يلقوه في غيابت الجبّ حتّى يلتقطه بعض السيّارة، و يذهب به إلى أقاصي الأرض، و يموت بذلك ذكره، و يذهب نسيّا منسيّا.
ثمّ احتالوا أن يأخذوه من أبيهم يوما، ليرتاح يوما بالتنزّه و اللعب و المرح، فكلّموا أباهم فيه، و لم يزالوا به حتّى أرضوه، و ذهبوا به و ألقوه في غيابت الجبّ، لأحد أمرين: فإمّا أن يموت فيستريحوا منه، و إمّا أن يلتقطه بعض السيّارة، و لو كانوا يبالون موته و أرادوا أن يأخذه بعض السيّارة و يذهب به لشروه أو سلّموه لهم من غير أن يلقوه في الجبّ، ثمّ إنّهم جاءوا إلى أبيهم و أخبروه أنّ الذئب أكله، و أروه قميصه ملطّخا بالدم، و انقضى اليوم و هم