کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير الجلالين

1 سورة الفاتحة 2 سورة البقرة 3 سورة آل عمران 4 سورة النساء 5 سورة المائدة 6 سورة الأنعام 7 سورة الأعراف 8 سورة الأنفال 9 سورة التوبة 10 سورة يونس 11 سورة هود 12 سورة يوسف 13 سورة الرعد 14 سورة إبراهيم 15 سورة الحجر 16 سورة النحل 17 سورة الإسراء 18 سورة الكهف 19 سورة مريم 20 سورة طه 21 سورة الأنبياء 22 سورة الحج 23 سورة المؤمنون 24 سورة النور 25 سورة الفرقان 26 سورة الشعراء 27 سورة النمل 28 سورة القصص 29 سورة العنكبوت 30 سورة الروم 31 سورة لقمان 32 سورة السجدة 33 سورة الأحزاب 34 سورة مكية 53 سورة فاطر 36 سورة يس 37 سورة الصافات 38 سورة ص 39 سورة الزمر 40 سورة غافر أو المؤمن 41 سورة السجدة 42 سورة الشورى 43 سورة الزخرف 44 سورة الدخان 45 سورة الجاثية 46 سورة الأحقاف 47 سورة القتال أو محمد 48 سورة الفتح 49 سورة الحجرات 50 سورة ق 51 سورة الذاريات 52 سورة الطور 53 سورة النجم 54 سورة القمر 55 سورة الرحمن 56 سورة الواقعة 57 سورة الحديد 58 سورة المجادلة 59 سورة الحشر 60 سورة الممتحنة 61 سورة الصف 62 سورة الجمعة 63 سورة المنافقون 64 سورة التغابن 65 سورة الطلاق 66 سورة التحريم 67 سورة الملك 68 سورة القلم 69 سورة الحاقة 70 سورة المعارج 71 سورة نوح 72 سورة الجن 73 سورة المزمل 74 سورة المدثر 75 سورة القيامة 76 سورة الإنسان 77 سورة المرسلات 78 سورة النبأ 79 سورة النازعات 80 سورة عبس 81 سورة التكوير 82 سورة الانفطار 83 سورة المطففين 84 سورة الانشقاق 85 سورة البروج 86 سورة الطارق 87 سورة الأعلى 88 سورة الغاشية 89 سورة الفجر 90 سورة البلد 91 سورة الشمس 92 سورة الليل 93 سورة الضحى 94 سورة الشرح 95 سورة التين 96 سورة العلق 97 سورة القدر 98 سورة البينة 99 سورة الزلزلة 100 سورة العاديات 101 سورة القارعة 102 سورة التكاثر 103 سورة العصر 104 سورة الهمزة 105 سورة الفيل 106 سورة قريش 107 سورة الماعون 108 سورة الكوثر 109 سورة الكافرون 110 سورة النصر 111 سورة المسد 112 سورة الإخلاص 113 سورة الفلق 114 سورة الناس

تفسير الجلالين


صفحه قبل

تفسير الجلالين، ص: 128

وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى‏ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ‏ أي إلى حكمه من تحليل ما حرمتم‏ قالُوا حَسْبُنا كافينا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا من الدين و الشريعة قال تعالى‏ أَ حسبهم ذلك‏ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ‏ إلى الحق و الاستفهام للإنكار

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ‏ أي احفظوها و قوموا بصلاحها لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ‏ قيل المراد لا يضركم من ضل من أهل الكتاب و قيل المراد غيرهم لحديث أبي ثعلبة الخشني سألت عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ائتمروا بالمعروف و تناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا و هوى متبعا و دنيا مؤثرة و إعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك رواه الحاكم وغيره‏ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ فيجازيكم به‏

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ‏ أي أسبابه‏ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏ خبر بمعنى الأمر أي ليشهد و إضافة شهادة لبين على الاتساع و حين بدل من إذا أو ظرف لحضر أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏ أي غير ملتكم‏ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ‏ سافرتم‏ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما توقفونهما صفة آخران‏ مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ أي صلاة العصر فَيُقْسِمانِ‏ يحلفان‏ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ‏ شككتم فيها و يقولان‏ لا نَشْتَرِي بِهِ‏ بالله‏ ثَمَناً عوضا نأخذه بدله من الدنيا بأن نحلف به أو نشهد كذبا لأجله‏ وَ لَوْ كانَ‏ المقسم له أو المشهود له‏ ذا قُرْبى‏ قرابة منا وَ لا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ‏ التي أمرنا بها إِنَّا إِذاً إن كتمناها لَمِنَ الْآثِمِينَ‏

فَإِنْ عُثِرَ اطلع بعد حلفهما عَلى‏ أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً أي فعلا ما يوجبه من خيانة أو كذب في الشهادة بأن وجد عندهما مثلا ما اتهما به و ادعيا أنهما ابتاعاه من الميت أو وصى لهما به‏ فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما في توجه اليمين عليهما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ‏ الوصية وهم الورثة و يبدل من آخران‏ الْأَوْلَيانِ‏ بالميت أي الأقربان إليه وفي قراءة الأولين جمع أول صفة أو بدل من الذين‏ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ‏ على خيانة الشاهدين و يقولان‏ لَشَهادَتُنا يميننا أَحَقُ‏ أصدق‏ مِنْ شَهادَتِهِما يمينهما وَ مَا اعْتَدَيْنا تجاوزنا الحق في اليمين‏ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ‏ المعنى ليشهد المحتضر على وصيته اثنين أو يوصي إليهما من أهل دينه أو غيرهم إن فقدهم لسفر و نحوه فإن ارتاب الورثة فيهما فادعوا أنهما خانا بأخذ شي‏ء أو دفعه إلى شخص زعما ان الميت أوصى له به فليحلفا إلى آخره فإن اطلع على أمارة تكذيبهما فادعيا دافعا له حلف أقرب الورثة على كذبهما و صدق ما ادعوه و الحكم ثابت في الوصيين منسوخ في الشاهدين و كذا شهادة غير أهل الملة منسوخة و اعتبار صلاة العصر للتغليظ و تخصيص الحلف في الآية باثنين من أقرب الورثة لخصوص الواقعة التي نزلت لها وهي ما رواه البخاري أن رجلا من بني سهم خرج مع تميم الداري وعدي بن بداء أي وهما نصرانيان فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم فلما قدما بتركته فقدوا جاما من فضة مخوصا بالذهب فرفعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فنزلت فأحلفهما ثم وجد الجام بمكة فقالوا ابتعناه من تميم وعدي فنزلت الآية الثانية فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا وفي رواية الترمذي فقام عمرو بن العاص و رجل آخر منهم فحلفا وكان أقرب إليه وفي رواية فمرض فأوصى إليهما و أمرهما أن يبلغا ما ترك أهله فلما مات أخذا الجام و دفعا إلى أهله ما بقي‏

ذلِكَ‏ الحكم المذكور من رد اليمين على الورثة أَدْنى‏ أقرب إلى‏ أَنْ يَأْتُوا أي الشهود أو الأوصياء بِالشَّهادَةِ عَلى‏ وَجْهِها الذي تحملوها عليه من غير تحريف و لا خيانة أَوْ أقرب إلى أن‏ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ‏ على الورثة المدعين فيحلفون على خيانتهم و كذبهم فيفتضحون و يغرمون فلا يكذبوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ‏ بترك الخيانة و الكذب‏ وَ اسْمَعُوا ما تؤمرون به سماع قبول‏ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ‏ الخارجين عن طاعته إلى سبيل الخير

تفسير الجلالين، ص: 129

اذكر يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ‏ هو يوم القيامة فَيَقُولُ‏ لهم توبيخا لقومهم‏ ما ذا أي الذي‏ أُجِبْتُمْ‏ به حين دعوتم إلى التوحيد قالُوا لا عِلْمَ لَنا بذلك‏ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ‏ ما غاب عن العباد و ذهب عنهم علمه لشدة هول يوم القيامة و فزعهم ثم يشهدون على أممهم لما يسكنون‏

اذكر إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَ عَلى‏ والِدَتِكَ‏ بشكرها إِذْ أَيَّدْتُكَ‏ قويتك‏ بِرُوحِ الْقُدُسِ‏ جبريل‏ تُكَلِّمُ النَّاسَ‏ حال من الكاف في أيدتك‏ فِي الْمَهْدِ أي طفلا وَ كَهْلًا يفيد نزوله قبل الساعة لأنه رفع قبل الكهولة كما سبق في آل عمران‏ وَ إِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ كصورة الطَّيْرِ و الكاف اسم بمعنى مثل مفعول‏ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي‏ بإرادتي‏ وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى‏ من قبورهم أحياء بِإِذْنِي وَ إِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ‏ حين هموا بقتلك‏ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ‏ المعجزات‏ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ‏ ما هذا الذي جئت به‏ إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ‏ وفي قراءة ساحر أي عيسى‏

وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ‏ أمرتهم على لسانه‏ أَنْ‏ أي بأن‏ آمِنُوا بِي وَ بِرَسُولِي‏ عيسى‏ قالُوا آمَنَّا بهما وَ اشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ‏

اذكر إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ‏ أي يفعل‏ رَبُّكَ‏ وفي قراءة بالفوقانية و نصب ما بعده أي تقدر أن تسأله‏ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ‏ لهم عيسى‏ اتَّقُوا اللَّهَ‏ في اقتراح الآيات‏ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏

قالُوا نُرِيدُ سؤالها من أجل‏ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَ تَطْمَئِنَ‏ تسكن‏ قُلُوبُنا بزيادة اليقين‏ وَ نَعْلَمَ‏ نزداد علما أَنْ‏ مخففة أي أنك‏ قَدْ صَدَقْتَنا في ادعاء النبوة وَ نَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ‏

تفسير الجلالين، ص: 130

قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا أي يوم نزولها عِيداً نعظمه و نشرفه‏ لِأَوَّلِنا بدل من لنا بإعادة الجار وَ آخِرِنا ممن يأتي بعدنا وَ آيَةً مِنْكَ‏ على قدرتك و نبوتي‏ وَ ارْزُقْنا إياها وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ‏

قالَ اللَّهُ‏ مستجيبا له‏ إِنِّي مُنَزِّلُها بالتخفيف و التشديد عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ أي بعد نزولها مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ‏ فنزلت الملائكة بها من السماء عليها سبعة أرغفة و سبعة أحوات فأكلوا منها حتى شبعوا قاله بن عباس وفي حديث أنزلت المائدة من السماء خبزا و لحما فأمروا أن لا يخونوا و لا يدخروا لغد فخانوا و ادخروا فمسخوا قردة و خنازير

وَ اذكر إِذْ قالَ‏ أي يقول‏ اللَّهُ‏ لعيسى في القيامة توبيخا لقومه‏ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ‏ عيسى وقد أرعد سُبْحانَكَ‏ تنزيها لك عما لا يليق بك من شريك وغيره‏ ما يَكُونُ‏ ما ينبغي‏ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ‏ خبر ليس ولي للتبيين‏ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما أخفيه‏ فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ‏ أي ما تخفيه من معلوماتك‏ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ‏

ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ‏ و هو أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً رقيبا أمنعهم مما يقولون‏ ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي‏ قبضتني بالرفع إلى السماء كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ‏ الحفيظ لأعمالهم‏ وَ أَنْتَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ من قولي لهم و قولهم بعدي و غير ذلك‏ شَهِيدٌ مطلع عالم به‏

إِنْ تُعَذِّبْهُمْ‏ أي من أقام على الكفر منهم‏ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ‏ و أنت مالكهم تتصرف فيهم كيف شئت لا اعتراض عليك‏ وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ‏ أي لمن آمن منهم‏ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ على أمره‏ الْحَكِيمُ‏ في صنعه‏

قالَ اللَّهُ هذا أي يوم القيامة يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ‏ في الدنيا كعيسى‏ صِدْقُهُمْ‏ لأنه يوم الجزاء لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ‏ بطاعته‏ وَ رَضُوا عَنْهُ‏ بثوابه‏ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏ و لا ينفع الكاذبين في الدنيا صدقهم فيه كالكفار لما يؤمنون عند رؤية العذاب‏

لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ خزائن المطر و النبات و الرزق و غيرها وَ ما فِيهِنَ‏ أتى بما تغليبا لغير العاقل‏ وَ هُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ و منه إثابة الصادق و تعذيب الكاذب و خص العقل ذاته فليس عليها بقادر

6 سورة الأنعام‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

تفسير الجلالين، ص: 131

الْحَمْدُ و هو الوصف بالجميل ثابت‏ لِلَّهِ‏ وهل المراد الإعلام بذلك للإيمان به أو الثناء به أو هما احتمالات أفيدها الثالث قاله الشيخ في سورة الكهف‏ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ‏ خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات للناظرين‏ وَ جَعَلَ‏ خلق‏ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ أي كل ظلمة و نور و جمعها دونه لكثرة أسبابها و هذا من دلائل وحدانيته‏ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مع قيام هذا الدليل‏ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ‏ يسوون غيره في العبادة

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ‏ بخلق أبيكم آدم منه‏ ثُمَّ قَضى‏ أَجَلًا لكم تموتون عند انتهائه‏ وَ أَجَلٌ مُسَمًّى‏ مضروب‏ عِنْدَهُ‏ لبعثكم‏ ثُمَّ أَنْتُمْ‏ أيها الكفار تَمْتَرُونَ‏ تشكون في البعث بعد علمكم أنه ابتدأ خلقكم و من قدر على الابتداء فهو على الإعادة أقدر

وَ هُوَ اللَّهُ‏ مستحق للعبادة فِي السَّماواتِ وَ فِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَ جَهْرَكُمْ‏ ما تسرون و ما تجهرون به بينكم‏ وَ يَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ‏ تعملون من خير و شر

وَ ما تَأْتِيهِمْ‏ أي أهل مكة مِنْ‏ صلة آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ‏ من القرآن‏ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ‏

فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ‏ بالقرآن‏ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ عواقب‏ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ‏

أَ لَمْ يَرَوْا في أسفارهم إلى الشام و غيرها كَمْ‏ خبرية بمعنى كثيرا أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ‏ أمة من الأمم الماضية مَكَّنَّاهُمْ‏ أعطيناهم مكانا فِي الْأَرْضِ‏ بالقوة و السعة ما لَمْ نُمَكِّنْ‏ نعط لَكُمْ‏ فيه التفات عن الغيبة وَ أَرْسَلْنَا السَّماءَ المطر عَلَيْهِمْ مِدْراراً متتابعا وَ جَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ‏ تحت مساكنهم‏ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ‏ بتكذيبهم الأنبياء وَ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ‏

وَ لَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً مكتوبا فِي قِرْطاسٍ‏ رق كما اقترحوه‏ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ‏ أبلغ من عاينوه لأنه أنفى للشك‏ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ‏ ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ‏ تعنتا و عنادا

وَ قالُوا لَوْ لا هلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ‏ على محمد صلى الله عليه و سلم‏ مَلَكٌ‏ يصدقه‏ وَ لَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً كما اقترحوا فلم يؤمنوا لَقُضِيَ الْأَمْرُ بهلاكهم‏ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ‏ يمهلون لتوبة أو معذرة كعادة الله فيمن قبلهم من إهلاكهم عند وجود مقترحهم إذا لم يؤمنوا

تفسير الجلالين، ص: 132

وَ لَوْ جَعَلْناهُ‏ أي المنزل إليهم‏ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ‏ أي الملك‏ رَجُلًا أي على صورته ليتمكنوا من رؤيته إذ لا قوة للبشر على رؤية الملك‏ وَ لو أنزلناه و جعلناه رجلا لَلَبَسْنا شبهنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ‏ على أنفسهم بأن يقولوا ما هذا إلا بشر مثلكم‏

وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ‏ فيه تسلية للنبي صلى الله عليه و سلم‏ فَحاقَ‏ نزل‏ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ‏ و هو العذاب فكذا يحيق بمن استهزأ بك‏

قُلْ‏ لهم‏ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ‏ الرسل من هلاكهم بالعذاب ليعتبروا

قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ‏ إن لم يقولوه لا جواب غيره‏ كَتَبَ عَلى‏ نَفْسِهِ‏ قضى على نفسه‏ الرَّحْمَةَ فضلا منه و فيه تلطف في دعائهم إلى الإيمان‏ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ ليجازيكم بأعمالكم‏ لا رَيْبَ‏ شك‏ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ‏ بتعريضها للعذاب مبتدأ خبره‏ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‏

وَ لَهُ‏ تعالى‏ ما سَكَنَ‏ حل‏ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهارِ أي كل شي‏ء فهو ربه و خالقه و مالكه‏ وَ هُوَ السَّمِيعُ‏ لما يقال‏ الْعَلِيمُ‏ بما يفعل‏

قُلْ‏ لهم‏ أَ غَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا أعبده‏ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ مبدعهما وَ هُوَ يُطْعِمُ‏ يرزق‏ وَ لا يُطْعَمُ‏ يرزق‏ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ‏ لله من هذه الأمة وَ قيل لي‏ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏ به‏

قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي‏ بعبادة غيره‏ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ‏ هو يوم القيامة

مَنْ يُصْرَفْ‏ بالبناء للمفعول أي العذاب و للفاعل أي الله و العائد محذوف‏ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ‏ تعالى أي أراد له الخير وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ‏ النجاة الظاهرة

وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ بلاء كمرض و فقر فَلا كاشِفَ‏ رافع‏ لَهُ إِلَّا هُوَ وَ إِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ كصحة و غنى‏ فَهُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ و منه مسك به و لا يقدر على رده عنك غيره‏

وَ هُوَ الْقاهِرُ القادر الذي لا يعجزه شي‏ء مستعليا فَوْقَ عِبادِهِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ‏ في خلقه‏ الْخَبِيرُ ببواطنهم كظواهرهم‏

تفسير الجلالين، ص: 133

و نزل لما قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم ائتنا بمن يشهد لك بالنبوة فإن أهل الكتاب أنكروك‏ قُلْ‏ لهم‏ أَيُّ شَيْ‏ءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً تمييز محول عن المبتدأ قُلِ اللَّهُ‏ إن لم يقولوه لا جواب غيره هو شَهِيدٌ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ‏ على صدقي‏ وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ‏ أخوفكم يا أهل مكة بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ‏ عطف على ضمير أنذركم أي بلغه القرآن من الإنس و الجن‏ أَ إِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى‏ استفهام إنكاري‏ قُلْ‏ لهم‏ لا أَشْهَدُ بذلك‏ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ إِنَّنِي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ‏ معه من الأصنام‏

الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ‏ أي محمدا بنعته في كتابهم‏ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ‏ منهم‏ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‏ به‏

وَ مَنْ‏ أي لا أحد أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً بنسبة الشريك له‏ أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ‏ القرآن‏ إِنَّهُ‏ أي الشأن‏ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ‏ بذلك‏

وَ اذكر يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا توبيخا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ‏ أنهم شركاء الله‏

ثُمَّ لَمْ تَكُنْ‏ بالتاء و الياء فِتْنَتُهُمْ‏ بالنصب و الرفع أي معذرتهم‏ إِلَّا أَنْ قالُوا أي قولهم‏ وَ اللَّهِ رَبِّنا بالجر نعت و النصب نداء ما كُنَّا مُشْرِكِينَ‏

قال تعالى‏ انْظُرْ يا محمد كَيْفَ كَذَبُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ‏ بنفي الشرك عنهم‏ وَ ضَلَ‏ غاب‏ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ‏ ه على الله من شركاء

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ‏ إذا قرأت‏ وَ جَعَلْنا عَلى‏ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أغطية ل‏ أَنْ‏ لا يَفْقَهُوهُ‏ يفهموا القرآن‏ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً صمما فلا يسمعونه سماع قبول‏ وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ‏ ما هذا القرآن‏ إِلَّا أَساطِيرُ أكاذيب‏ الْأَوَّلِينَ‏ كالأضاحيك و الأعاجيب جمع أسطورة بالضم‏

وَ هُمْ يَنْهَوْنَ‏ الناس‏ عَنْهُ‏ عن اتباع النبي صلى الله عليه و سلم‏ وَ يَنْأَوْنَ‏ يتباعدون‏ عَنْهُ‏ فلا يؤمنون به و قيل نزلت في أبي طالب كان ينهى عن أذاه و لا يؤمن به‏ وَ إِنْ‏ ما يُهْلِكُونَ‏ بالنأي عنه‏ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ‏ لأن ضرره عليهم‏ وَ ما يَشْعُرُونَ‏ بذلك‏

وَ لَوْ تَرى‏ يا محمد إِذْ وُقِفُوا عرضوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا للتنبيه‏ لَيْتَنا نُرَدُّ إلى الدنيا وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏ برفع الفعلين استئنافا و نصبهما في جواب التمني و رفع الأول و نصب الثاني و جواب لو رأيت أمرا عظيما

تفسير الجلالين، ص: 134

قال تعالى‏ بَلْ‏ للإضراب عن إرادة الإيمان المفهوم من التمني‏ بَدا ظهر لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ‏ يكتمون بقولهم‏ وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ‏ بشهادة جوارحهم فتمنوا ذلك‏ وَ لَوْ رُدُّوا إلى الدنيا فرضا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ‏ من الشرك‏ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ‏ في وعدهم بالإيمان‏

وَ قالُوا أي منكرو البعث‏ إِنْ‏ ما هِيَ‏ أي الحياة إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ‏

وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ وُقِفُوا عرضوا عَلى‏ رَبِّهِمْ‏ لرأيت أمرا عظيما قالَ‏ لهم على لسان الملائكة توبيخا أَ لَيْسَ هذا البعث و الحساب‏ بِالْحَقِّ قالُوا بَلى‏ وَ رَبِّنا إنه لحق‏ قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ‏ به في الدنيا

قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ‏ بالبعث‏ حَتَّى‏ غاية للتكذيب‏ إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ القيامة بَغْتَةً فجأة قالُوا يا حَسْرَتَنا هي شدة التألم و نداؤها مجاز أي هذا أوانك فاحضري‏ عَلى‏ ما فَرَّطْنا قصرنا فِيها أي الدنيا وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى‏ ظُهُورِهِمْ‏ بأن تأتيهم عند البعث في أقبح شي‏ء صورة و أنتنه ريحا فتركبهم‏ أَلا ساءَ بئس‏ ما يَزِرُونَ‏ يحملونه حملهم ذلك‏

وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا أي الاشتغال بها إِلَّا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ و أما الطاعة و ما يعين عليها فمن أمور الآخرة وَ لَلدَّارُ الْآخِرَةُ وفي قراءة و لدار الآخرة أي الجنة خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏ الشرك‏ أَ فَلا تَعْقِلُونَ‏ بالياء و التاء ذلك فيؤمنون‏

قَدْ للتحقيق‏ نَعْلَمُ إِنَّهُ‏ أي الشأن‏ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ‏ لك من التكذيب‏ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ‏ في السر لعلمهم أنك صادق وفي قراءة بالتخفيف أي لا ينسبونك إلى الكذب‏ وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ‏ وضعه موضع المضمر بِآياتِ اللَّهِ‏ القرآن‏ يَجْحَدُونَ‏ يكذبون‏

وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ‏ فيه تسلية للنبي صلى الله عليه و سلم‏ فَصَبَرُوا عَلى‏ ما كُذِّبُوا وَ أُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا بإهلاك قومهم فاصبر حتى يأتيك النصر بإهلاك قومك‏ وَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ‏ مواعيده‏ وَ لَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ‏ ما يسكن به قلبك‏

صفحه بعد