کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير الجلالين

1 سورة الفاتحة 2 سورة البقرة 3 سورة آل عمران 4 سورة النساء 5 سورة المائدة 6 سورة الأنعام 7 سورة الأعراف 8 سورة الأنفال 9 سورة التوبة 10 سورة يونس 11 سورة هود 12 سورة يوسف 13 سورة الرعد 14 سورة إبراهيم 15 سورة الحجر 16 سورة النحل 17 سورة الإسراء 18 سورة الكهف 19 سورة مريم 20 سورة طه 21 سورة الأنبياء 22 سورة الحج 23 سورة المؤمنون 24 سورة النور 25 سورة الفرقان 26 سورة الشعراء 27 سورة النمل 28 سورة القصص 29 سورة العنكبوت 30 سورة الروم 31 سورة لقمان 32 سورة السجدة 33 سورة الأحزاب 34 سورة مكية 53 سورة فاطر 36 سورة يس 37 سورة الصافات 38 سورة ص 39 سورة الزمر 40 سورة غافر أو المؤمن 41 سورة السجدة 42 سورة الشورى 43 سورة الزخرف 44 سورة الدخان 45 سورة الجاثية 46 سورة الأحقاف 47 سورة القتال أو محمد 48 سورة الفتح 49 سورة الحجرات 50 سورة ق 51 سورة الذاريات 52 سورة الطور 53 سورة النجم 54 سورة القمر 55 سورة الرحمن 56 سورة الواقعة 57 سورة الحديد 58 سورة المجادلة 59 سورة الحشر 60 سورة الممتحنة 61 سورة الصف 62 سورة الجمعة 63 سورة المنافقون 64 سورة التغابن 65 سورة الطلاق 66 سورة التحريم 67 سورة الملك 68 سورة القلم 69 سورة الحاقة 70 سورة المعارج 71 سورة نوح 72 سورة الجن 73 سورة المزمل 74 سورة المدثر 75 سورة القيامة 76 سورة الإنسان 77 سورة المرسلات 78 سورة النبأ 79 سورة النازعات 80 سورة عبس 81 سورة التكوير 82 سورة الانفطار 83 سورة المطففين 84 سورة الانشقاق 85 سورة البروج 86 سورة الطارق 87 سورة الأعلى 88 سورة الغاشية 89 سورة الفجر 90 سورة البلد 91 سورة الشمس 92 سورة الليل 93 سورة الضحى 94 سورة الشرح 95 سورة التين 96 سورة العلق 97 سورة القدر 98 سورة البينة 99 سورة الزلزلة 100 سورة العاديات 101 سورة القارعة 102 سورة التكاثر 103 سورة العصر 104 سورة الهمزة 105 سورة الفيل 106 سورة قريش 107 سورة الماعون 108 سورة الكوثر 109 سورة الكافرون 110 سورة النصر 111 سورة المسد 112 سورة الإخلاص 113 سورة الفلق 114 سورة الناس

تفسير الجلالين


صفحه قبل

تفسير الجلالين، ص: 209

وَ تاب‏ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا عن التوبة عليهم بقرينة حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ‏ أي مع رحبها أي سعتها فلا يجدون مكانا يطمئنون إليه‏ وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ‏ قلوبهم للغم و الوحشة بتأخير توبتهم فلا يسعها سرور و لا أنس‏ وَ ظَنُّوا أيقنوا أَنْ‏ مخففة لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ‏ وفقهم للتوبة لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‏

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ‏ بترك معاصيه‏ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‏ في الإيمان و العهود بأن تلزموا الصدق‏

ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ‏ إذا غزا وَ لا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ‏ بأن يصونوها عما رضيه لنفسه من الشدائد و هو نهي بلفظ الخبر ذلِكَ‏ أي النهي عن التخلف‏ بِأَنَّهُمْ‏ بسبب أنهم‏ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ عطش‏ وَ لا نَصَبٌ‏ تعب‏ وَ لا مَخْمَصَةٌ جوع‏ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً مصدر بمعنى وطأ يَغِيظُ يغضب‏ الْكُفَّارَ وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ لله‏ نَيْلًا قتلا أو أسرا أو نهبا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ‏ ليجازوا عليه‏ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ‏ أي أجرهم بل يثيبهم‏

وَ لا يُنْفِقُونَ‏ فيه‏ نَفَقَةً صَغِيرَةً و لو تمرة وَ لا كَبِيرَةً وَ لا يَقْطَعُونَ وادِياً بالسير إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ‏ به عمل صالح‏ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ أي جزاءهم‏

و لما وبخوا على التخلف و أرسل النبي صلى الله عليه و سلم سرية نفروا جميعا فنزل‏ وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا إلى الغزو كَافَّةً فَلَوْ لا فهلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ قبيلة مِنْهُمْ طائِفَةٌ جماعة و مكث الباقون‏ لِيَتَفَقَّهُوا أي الماكثون‏ فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ‏ من الغزو بتعليمهم ما تعلموه من الأحكام‏ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‏ عقاب الله بامتثال أمره و نهيه قال بن عباس فهذه مخصوصة بالسرايا و التي قبلها بالنهي عن تخلف واحد فيما إذا خرج النبي صلى الله عليه و سلم‏

تفسير الجلالين، ص: 210

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ أي الأقرب فالأقرب منهم‏ وَ لْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً شدة أي أغلظوا عليهم‏ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ‏ بالعون و النصر

وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ من القرآن‏ فَمِنْهُمْ‏ أي المنافقين‏ مَنْ يَقُولُ‏ لأصحابه استهزاء أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً تصديقا قال تعالى‏ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً لتصديقهم بها وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ‏ يفرحون بها

وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ‏ ضعف اعتقاد فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ‏ كفرا إلى كفرهم لكفرهم بها وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ‏

أَ وَ لا يَرَوْنَ‏ بالياء أي المنافقون و التاء أيها المؤمنون‏ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ‏ يبتلون‏ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ‏ بالقحط و الأمراض‏ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ‏ من نفاقهم‏ وَ لا هُمْ يَذَّكَّرُونَ‏ يتعظون‏

وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فيها ذكرهم و قرأها النبي صلى الله عليه و سلم‏ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ‏ يريدون الهرب يقولون‏ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ إذا قمتم فإن لم يرهم أحد قاموا و إلا ثبتوا ثُمَّ انْصَرَفُوا على كفرهم‏ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ‏ عن الهدى‏ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ‏ الحق لعدم تدبرهم‏

لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ‏ أي منكم محمد صلى الله عليه و سلم‏ عَزِيزٌ شديد عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ‏ أي عنتكم أي مشقتكم و لقاؤكم المكروه‏ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ‏ أن تهتدوا بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ‏ شديد الرحمة رَحِيمٌ‏ يريد لهم الخير

فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الإيمان بك‏ فَقُلْ حَسْبِيَ‏ كافي‏ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ‏ به وثقت لا بغيره‏ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ‏ الكرسي‏ الْعَظِيمِ‏ خصه بالذكر لأنه أعظم المخلوقات و روى الحاكم في المستدرك عن أبي بن كعب قال آخر آية نزلت‏ لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ‏ إلى آخر السورة

تفسير الجلالين، ص: 211

10 سورة يونس‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

الر الله اعلم بمراده بذلك‏ تِلْكَ‏ أي هذه الآيات‏ آياتُ الْكِتابِ‏ القرآن و الإضافة بمعنى من‏ الْحَكِيمِ‏ المحكم‏

أَ كانَ لِلنَّاسِ‏ أي أهل مكة استفهام إنكار و الجار و المجرور حال من قوله‏ عَجَباً بالنصب خبر كان و بالرفع اسمها و الخبر و هو اسمها على الأولى‏ أَنْ أَوْحَيْنا أي إيحاؤنا إِلى‏ رَجُلٍ مِنْهُمْ‏ محمد صلى الله عليه و سلم‏ أَنْ‏ مفسرة أَنْذِرِ خوف‏ النَّاسَ‏ الكافرين بالعذاب‏ وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَ‏ أي بأن‏ لَهُمْ قَدَمَ‏ سلف‏ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ أي أجرا حسنا بما قدموه من الأعمال‏ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا القرآن المشتمل على ذلك‏ لَساحِرٌ مُبِينٌ‏ بين وفي قراءة لساحر و المشار إليه النبي صلى الله عليه و سلم‏

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ‏ من أيام الدنيا أي في قدرها لأنه لم يكن ثم شمس و لا قمر و لو شاء لخلقهن في لمحة و العدول عنه لتعليم خلقه التثبت‏ ثُمَّ اسْتَوى‏ عَلَى الْعَرْشِ‏ استواء يليق به‏ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ بين الخلائق‏ ما مِنْ‏ صلة شَفِيعٍ‏ يشفع لأحد إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ‏ رد لقولهم إن الأصنام تشفع لهم‏ ذلِكُمُ‏ الخالق المدبر اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ‏ وحدوه‏ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ‏ بإدغام التاء في الأصل في الذال‏

إِلَيْهِ‏ تعالى‏ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا مصدران منصوبان بفعلهما المقدر إِنَّهُ‏ بالكسر استئنافا و الفتح على تقدير اللام‏ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ‏ أي بدأه بالإنشاء ثُمَّ يُعِيدُهُ‏ بالبعث‏ لِيَجْزِيَ‏ يثيب‏ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ‏ ماء بالغ نهاية الحرارة وَ عَذابٌ أَلِيمٌ‏ مؤلم‏ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ‏ أي بسبب كفرهم‏

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً ذات ضياء أي نور وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ‏ من حيث سيره‏ مَنازِلَ‏ ثمانية و عشرين منزلا في ثمان و عشرين ليلة من كل شهر و يستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوما أو ليلة إن كان تسعة و عشرين يوما لِتَعْلَمُوا بذلك‏ عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ‏ المذكور إِلَّا بِالْحَقِ‏ لا عبثا تعالى عن ذلك‏ يُفَصِّلُ‏ بالياء و النون يبين‏ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏ يتدبرون‏

إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ بالذهاب و المجي‏ء و الزيادة و النقصان‏ وَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ‏ من ملائكة و شمس و قمر و نجوم و غير ذلك‏ وَ في‏ الْأَرْضِ‏ من حيوان و جبال و بحار و أنهار و أشجار و غيرها لَآياتٍ‏ دلالات على قدرته تعالى‏ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ‏ ه فيؤمنون خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بها

تفسير الجلالين، ص: 212

إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا بالبعث‏ وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا بدل الآخرة لإنكارهم لها وَ اطْمَأَنُّوا بِها سكنوا إليها وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا دلائل وحدانيتنا غافِلُونَ‏ تاركون النظر فيها

أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ من الشرك و المعاصي‏

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ‏ يرشدهم‏ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ‏ به بأن يجعل لهم نورا يهتدون به يوم القيامة تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ‏

دَعْواهُمْ فِيها طلبهم يشتهونه في الجنة أن يقولوا سُبْحانَكَ اللَّهُمَ‏ أي يا الله فإذا ما طلبوه وجدوه بين أيديهم‏ وَ تَحِيَّتُهُمْ‏ فيما بينهم‏ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ‏ مفسرة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ و نزل لما استعجل المشركون العذاب‏

وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ‏ أي كاستعجالهم‏ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ‏ بالبناء للمفعول و للفاعل‏ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ‏ بالرفع و النصب بأن يهلكهم و لكن يمهلهم‏ فَنَذَرُ نترك‏ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ‏ يترددون متحيرين‏

وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ‏ الكافر الضُّرُّ المرض و الفقر دَعانا لِجَنْبِهِ‏ أي مضطجعا أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً أي في كل حال‏ فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ على كفره‏ كَأَنْ‏ مخففة و اسمها محذوف أي كأنه‏ لَمْ يَدْعُنا إِلى‏ ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ‏ كما زين له الدعاء عند الضرر و الإعراض عند الرخاء زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ‏ المشركين‏ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏

وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ‏ الأمم‏ مِنْ قَبْلِكُمْ‏ يا أهل مكة لَمَّا ظَلَمُوا بالشرك‏ وَ قد جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ‏ الدالات على صدقهم‏ وَ ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا عطف على ظلموا كَذلِكَ‏ كما أهلكنا أولئك‏ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ‏ الكافرين‏

ثُمَّ جَعَلْناكُمْ‏ يا أهل مكة خَلائِفَ‏ جمع خليفة فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ‏ فيها وهل تعتبرون بهم فتصدقوا رسلنا

تفسير الجلالين، ص: 213

وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا القرآن‏ بَيِّناتٍ‏ ظاهرات حال‏ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا لا يخافون البعث‏ ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا ليس فيه عيب آلهتنا أَوْ بَدِّلْهُ‏ من تلقاء نفسك‏ قُلْ‏ لهم‏ ما يَكُونُ‏ ينبغي‏ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ قبل‏ نَفْسِي إِنْ‏ ما أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى‏ إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي‏ بتبديله‏ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ‏ هو يوم القيامة

قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ‏ أعلمكم‏ بِهِ‏ و لا نافية عطف على ما قبله وفي قراءة بلام جواب لو أي لأعلمكم به على لسان غيري‏ فَقَدْ لَبِثْتُ‏ مكثت‏ فِيكُمْ عُمُراً سنينا أربعين‏ مِنْ قَبْلِهِ‏ لا أحدثكم بشي‏ء أَ فَلا تَعْقِلُونَ‏ أنه ليس من قبلي‏

فَمَنْ‏ أي لا أحد أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً بنسبة الشريك إليه‏ أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ‏ القرآن‏ إِنَّهُ‏ أي الشأن‏ لا يُفْلِحُ‏ يسعد الْمُجْرِمُونَ‏ المشركون‏

وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ أي غيره‏ ما لا يَضُرُّهُمْ‏ إن لم يعبدوه‏ وَ لا يَنْفَعُهُمْ‏ إن عبدوه و هو الأصنام‏ وَ يَقُولُونَ‏ عنها هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ‏ لهم‏ أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ‏ تخبرونه‏ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ‏ استفهام إنكار إذ لو كان له شريك لعلمه إذ لا يخفى عليه شي‏ء سُبْحانَهُ‏ تنزيها له‏ وَ تَعالى‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏ ه معه‏

وَ ما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً على دين واحد و هو الإسلام من لدن آدم إلى نوح و قيل من عهد إبراهيم إلى عمرو بن لحي‏ فَاخْتَلَفُوا بأن ثبت بعض و كفر بعض‏ وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ‏ بتأخير الجزاء إلى يوم القيامة لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ‏ أي الناس في الدنيا فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏ من الدين بتعذيب الكافرين‏

وَ يَقُولُونَ‏ أي أهل مكة لَوْ لا هلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ‏ على محمد صلى الله عليه و سلم‏ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ‏ كما كان للأنبياء من الناقة و العصا و اليد فَقُلْ‏ لهم‏ إِنَّمَا الْغَيْبُ‏ ما غاب عن العباد أي أمره‏ لِلَّهِ‏ و منه الآيات فلا يأتي بها إلا هو و إنما علي التبليغ‏ فَانْتَظِرُوا العذاب إن لم تؤمنوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ‏

تفسير الجلالين، ص: 214

وَ إِذا أَذَقْنَا النَّاسَ‏ أي كفار مكة رَحْمَةً مطرا و خصبا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ بؤس و جدب‏ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا بالاستهزاء و التكذيب‏ قُلِ‏ لهم‏ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً مجازاة إِنَّ رُسُلَنا الحفظة يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ‏ بالتاء و الياء

هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ‏ وفي قراءة ينشركم‏ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ‏ السفن‏ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ‏ فيه التفات عن الخطاب‏ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ لينة وَ فَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ‏ شديدة الهبوب تكسر كل شي‏ء وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ‏ أي أهلكوا دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ الدعاء لَئِنْ‏ لام قسم‏ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ‏ الأهوال‏ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ‏ الموحدين‏

فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ‏ بالشرك‏ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ‏ ظلمكم‏ عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ‏ لأن إثمه عليها هو مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا تمتعون فيها قليلا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ‏ بعد الموت‏ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ فنجازيكم عليه وفي قراءة بنصب متاع أي تتمتعون‏

إِنَّما مَثَلُ‏ صفة الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ مطر أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ‏ بسببه‏ نَباتُ الْأَرْضِ‏ و اشتبك بعضه ببعض‏ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ‏ من البر و الشعير و غيرهما وَ الْأَنْعامُ‏ من الكلإ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها بهجتها من النبات‏ وَ ازَّيَّنَتْ‏ بالزهر و أصله تزينت أبدلت التاء زايا و ادغمت في الزاي‏ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها متمكنون من تحصيل ثمارها أَتاها أَمْرُنا قضاؤنا أو عذابنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها أي زرعها حَصِيداً كالمحصود بالمناجل‏ كَأَنْ‏ مخففة أي كأنها لَمْ تَغْنَ‏ تكن‏ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ‏ نبين‏ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ‏

وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلى‏ دارِ السَّلامِ‏ أي السلامة وهي الجنة بالدعاء إلى الإيمان‏ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ هدايته‏ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ دين الإسلام‏

تفسير الجلالين، ص: 215

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا بالإيمان‏ الْحُسْنى‏ الجنة وَ زِيادَةٌ هي النظر إليه تعالى كما في حديث مسلم‏ وَ لا يَرْهَقُ‏ يغشى‏ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ سواد وَ لا ذِلَّةٌ كآبة أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ‏

وَ الَّذِينَ‏ عطف على للذين أحسنوا أي و للذين‏ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ‏ عملوا الشرك‏ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ‏ زائدة عاصِمٍ‏ مانع‏ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ‏ ألبست‏ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً بفتح الطاء جمع قطعة و إسكانها أي جزءا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ‏

وَ اذكر يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ‏ أي الخلق‏ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ‏ نصب بالزموا مقدرا أَنْتُمْ‏ تأكيد للضمير المستتر في الفعل المقدر ليعطف عليه‏ وَ شُرَكاؤُكُمْ‏ أي الأصنام‏ فَزَيَّلْنا ميزنا بَيْنَهُمْ‏ وبين المؤمنين كما في آية وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ‏ وَ قالَ‏ لهم‏ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ‏ ما نافية و قدم المفعول للمفاصلة

فَكَفى‏ بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ إِنْ‏ مخففة أي إنا كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ‏

هُنالِكَ‏ أي ذلك اليوم‏ تَبْلُوا من البلوى وفي قراءة بتاءين من التلاوة كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ‏ قدمت من العمل‏ وَ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ‏ الثابت الدائم‏ وَ ضَلَ‏ غاب‏ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ‏ عليه من الشركاء

قُلْ‏ لهم‏ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ بالمطر وَ الْأَرْضِ‏ بالنبات‏ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ‏ بمعنى الأسماع أي خلقها وَ الْأَبْصارَ وَ مَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ مَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ بين الخلائق‏ فَسَيَقُولُونَ‏ هو اللَّهُ فَقُلْ‏ لهم‏ أَ فَلا تَتَّقُونَ‏ ه فتؤمنون‏

فَذلِكُمُ‏ الفاعل لهذه الأشياء اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ‏ الثابت‏ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ‏ استفهام تقرير أي ليس بعده غيره فمن أخطأ الحق و هو عبادة الله وقع في الضلال‏ فَأَنَّى‏ كيف‏ تُصْرَفُونَ‏ عن الإيمان مع قيام البرهان‏

صفحه بعد