کتابخانه تفاسیر
تفسير الصافى، ج1، ص: 87
إيّاه فاز بدخول الجنّة و النجاة من النار و من لم يعرف الامام لم يدر ما صنع فزل قدمه و تردّى في النار.
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ : «1»
في المعاني و تفسير الإمام عن أمير المؤمنين عليه السلام:: أي قولوا اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك و طاعتك لا بالمال و الصحة فإنهم قد يكونون كفّاراً أو فساقاً. و قال: هم الذين قال اللَّه تعالى: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً .
: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ : قال هم اليهود الذين قال اللَّه فيهم مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ .
: وَ لَا الضَّالِّينَ : قال هم النصارى الذين قال اللَّه فيهم: قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً .
و زاد في تفسير الإمام عليه السلام: ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام كل من كفر باللَّه فهو مغضوب عليه و ضال عن سبيل اللَّه.
و في المعاني عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله: الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ شيعة عليّ عليه السلام يعني أنعمت عليهم بولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام لم تغضب عليهم و لم يضلوا.
و عن الصادق عليه السلام: يعني محمّداً و ذريته.
و القمّيّ عنه عليه السلام: أن الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ النصاب، و الضَّالِّينَ أهل الشكوك الذين لا يعرفون الامام.
أقول: و يدخل في صراط المنعم عليهم كل وسط و استقامة في اعتقاد أو عمل فهم الَّذِينَ قالُوا: رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا . و في صراط المغضوب عليهم كل
(1). و إذا عرفت الصراط فجزها في الدنيا و خذ هذا ممن يمر على الصراط متعلقاً قد أخذت منه النار نجاه اللَّه من النار و حشره مع الأبرار و الأخيار، منه قدّس سرّه.
تفسير الصافى، ج1، ص: 88
تفريط و تقصير و لا سيما إذا كان عن علم كما فعلت اليهود بموسى و عيسى و محمّد و في صراط الضالين كل افراط و غلو لا سيما إذا كان عن جهل كما فعلت النصارى بعيسى و ذلك لأن الغضب يلزمه البعد و الطرد و المقصّر هو المدبر المعرض فهو البعيد و الضّلال هو الغيبة عن المقصود و المفرط هو المقبل المجاوز فهو الذي غاب عنه المطلوب.
و العيّاشي عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله: أن أم الكتاب أفضل سورة أنزلها اللَّه في كتابه و هي شفاء من كل داء الا السّام يعني الموت.
و في الكافي عن الباقر عليه السلام: من لم يبرئه الحمد لم يبرئه شيء.
و عن الصادق عليه السلام: لو قرأت الحمد على ميت سبعين مرّة ثمّ ردت فيه الروح ما كان عجيباً.
و في رواية: أنّها من كنوز العرش.
و في العيون و تفسير الإمام عن الصادق عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: لقد سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يقول:
قال اللَّه عزّ و جلّ: قسمت فاتحة الكتاب بيني و بين عبدي فنصفها لي و نصفها لعبدي و لعبدي ما سأل إذا قال العبد: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال اللَّه جلّ جلاله: بدأ عبدي باسمي و حقّ علي أن أُتمم له أموره و أُبارك له في أحواله فإذا قال الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ قال جلّ جلاله: حمدني عبدي و علم أن النعم التي له من عندي و ان البلايا التي اندفعت عنه فبتطولي أشهدكم أني أضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة و ادفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، و إذا قال الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال اللَّه جلّ جلاله: شهد لي عبدي بأني الرحمن الرحيم أشهدكم لأوفرن من نعمتي حظه و لأجزلن من عطائي نصيبه فإذا قال مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال اللَّه تعالى: أشهدكم كما اعترف بأني أنا الملك يوم الدين لأسهلن يوم الحساب حسابه و لأقبلن حسناته و لأجاوزن عن سيئاته فإذا قال العبد: إِيَّاكَ نَعْبُدُ قال اللَّه عزّ و جلّ صدق عبدي إياي يعبد أشهدكم لأثيبنه على عبادته ثواباً يغبطه كل من خالفه في
تفسير الصافى، ج1، ص: 89
عبادته لي فإذا قال وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قال اللَّه تعالى: بي استعان و إليّ التجأ أشهدكم لأعيننه على أمره و لأغيثنه في شدائده و لآخذن بيده يوم نوائبه فإذا قال اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ إلى آخر السورة قال اللَّه جلّ جلاله هذا لعبدي و لعبدي ما سأل فقد استجبت لعبدي و أعطيته ما أمل و أمنته بما منه وَجَل.
تفسير الصافى، ج1، ص: 90
سُورة البقرة
(مدنية كلها الّا آية واحدة منها، و هي (وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ) الآية و هي مائتان و ست و ثمانون آية) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مضى تفسيرها.
الم :
في المعاني عن الصادق عليه السلام: الم هو حرف من حروف اسم اللَّه الأعظم المقطّع في القرآن الذي يؤلفه النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أو الامام فإذا دعا به أُجيب.
أقول: فيه دلالة على أن الحروف المقطّعات أسرار بين اللَّه تعالى و رسوله و رموز لم يقصد بها إفهام غيره و غير الرّاسخين في العلم من ذرّيته و التخاطب بالحروف المفردة سنّة الأحباب في سنن (سنة خ ل) المحابّ فهو سرّ الحبيب مع الحبيب بحيث لا يطّلع عليه الرقيب:
بين المحبين سرّ ليس يفشيه
قول و لا قلم للخلق يحكيه
الدليل عليه أيضاً من القرآن قوله عزّ و جلّ: وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ، إلى قوله:
وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ .
و من الحديث ما رواه
العيّاشيّ عن أبي لبيد المخزومي قال: قال أبو جعفر عليه السلام:: يا أبا لبيد إنّه يملك من ولد العباس إثنا عشر يقتل بعد الثامن منهم أربعة تصيب أحدهم الذبحة فتذبحه فئة قصيرة أعمارهم خبيثة سيرتهم منهم الفويسق الملقب بالهادي و الناطق و الغاوي يا أبا لبيد إن لي في حروف القرآن المقطعة لعلماً جمّاً إن اللَّه تبارك و تعالى أنزل (الم) ذلِكَ الْكِتابُ فقام محمّد حتّى ظهر نوره و ثبتت كلمته و ولد يوم ولد و قد مضى من الألف
تفسير الصافى، ج1، ص: 91
السابع مائة سنة و ثلاث سنين ثمّ قال: و تبيانه في كتاب اللَّه في الحروف المقطعة إذا عددتها من غير تكرار و ليس من حروف مقطعة حرف تنقضي أيامه الا و قام من بني هاشم عند انقضائه ثمّ قال: الألف واحد و اللام ثلاثون و الميم أربعون و الصاد تسعون فذلك مائة و واحد و ستون ثمّ كان يدور خروج الحسين بن علي عليهما السلام الم اللَّه فلما بلغت مدته قام قائم من ولد العباس عند المص و يقوم قائمنا عند انقضائها بالمر فافهم ذلك وعد و اكتمه.
و في تفسير الإمام: أن معنى الم إن هذا الكتاب الذي أنزلته هو الحروف المقطعة التي منها الف لام ميم و هو بلغتكم و حروف هجائكم فأتوا بمثله إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ .
أقول: هذا أيضاً يدلّ على أنّها من جملة الرموز المفتقرة إلى هذا البيان فيرجع إلى الأول و كذا سائر ما ورد في تأويلها و هي كثيرة.
و في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: لكل كتاب صفوة و صفوة هذا الكتاب حروف التهجي.
أقول: و من الأسرار الغريبة في هذه المقطعات أنّها تصير بعد التركيب و حذف المكرّرات «عليّ صراط حقّ نمسكه أو صراط علي حقّ نمسكه».
ذلِكَ الْكِتابُ : في تفسير الإمام عليه السلام: يعني القرآن الذي افتتح ب الم هو ذلِكَ الْكِتابُ الذي أخبرت به موسى عليه السلام و من بعده من الأنبياء و هم أخبروا بني إسرائيل اني سأنزله عليك يا محمد لا رَيْبَ فِيهِ : لا شك فيه لظهوره عندهم.
العيّاشي عن الصادق عليه السلام قال: كتاب علي لا رَيْبَ فِيهِ .
أقول: ذلك تفسيره و هذا تأويله و إضافة الكتاب إلى علي بيانيّة يعني أن ذلِكَ إشارة إلى علي و الْكِتابُ عبارة عنه، و المعنى أن ذلِكَ الْكِتابُ الذي هو علي لا مرية فيه و ذلك لأن كمالاته مشاهدة من سيرته و فضائله منصوص عليها من اللَّه
تفسير الصافى، ج1، ص: 92
و رسوله و اطلاق الكتاب على الإنسان الكامل شائع في عرف أهل اللَّه و خواص أوليائه.
قال أمير المؤمنين عليه السلام:
دواؤك فيك و ما تشعر
و داؤك منك و ما تبصر
و أنت الكتاب المبين الذي
بأحرفه يظهر المُضْمَرُ
و تَزعُم أنّكَ جِرْمٌ صغير
و فيكَ انطَوَى العالَم الأكبرُ
. و قال الصادق عليه السلام: الصورة الانسانية هي أكبر حجّة للَّه على خلقه و هي الكتاب الذي كَتَبَه اللَّه بيده.
هُدىً : بيان من الضلالة.
لِلْمُتَّقِينَ : الذين يتّقون الموبقات و يتّقون تسليط السّفه على أنفسهم حتّى إذا علموا ما يجب عليهم علمه عملوا بما يوجب لهم رضاء ربّهم.
و في المعاني و العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام: المتّقون شيعتنا.
أقول: و إنّما خص المتّقين بالاهتداء به لأنّهم المنتفعون به و ذلك لأن التقوى شرط في تحصيل المعرفة الحقّة.
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ : بما غاب عن حواسهم من توحيد اللَّه و نبوة الأنبياء و قيام القائم و الرجعة و البعث و الحساب و الجنّة و النار و سائر الأمور التي يلزمهم الايمان بها ممّا لا يعرف بالمشاهدة و إنّما يعرف بدلائل نصبها اللَّه عزّ و جلّ عليه.
وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ : بإتمام ركوعها و سجودها و حفظ مواقيتها و حدودها و صيانتها ممّا يفسدها أو ينقصها.
وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ : من الأموال و القوى و الأبدان و الجاه و العلم.
يُنْفِقُونَ : يتصدقون يحتملون الكلّ و يؤدون الحقوق لأهاليها «1» و يقرضون
(1). اللام متعلق بالحقوق لا بيؤدون، منه قدّس سرّه.
تفسير الصافى، ج1، ص: 93
و يسعفون الحاجات و يأخذون بأيدي الضعفاء يقودون الضرائر و ينجونهم من المهالك و يحملون عنهم المتاع و يحملون الرّاجلين على دوابهم و يؤثرون على من هو أفضل منهم في الايمان على أنفسهم بالمال و النفس و يساوون من كان في درجتهم فيه بهما و يعلّمون العلم لأهله و يروون فضائل أهل البيت عليهم السلام لمحبّيهم و لمن يرجون هدايته.
و في المعاني و المجمع و العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام: و ممّا علّمناهم يبثون.
(4) وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ : من القرآن وَ الشّريعة.
وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ : من التوراة و الإنجيل و الزّبور و صحف إبراهيم و سائر كتب اللَّه المنزلة.
وَ بِالْآخِرَةِ أي الدار التي بعد هذه الدنيا التي فيها جزاء الأعمال الصالحة بأفضل ممّا عملوه و عقاب الأعمال السيئة بمثل ما كسبوه.
هُمْ يُوقِنُونَ : لا يشكونَ.
(5) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ : على بيان و صواب و علم بما أمرهم به.
وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : النّاجون ممّا منه يوجلون الفائزون بما يؤملون.
(6) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّه: و بما آمن به هؤلاء المؤمنون.
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ : خوّفتهم.
أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ : أخبر عن علمه فيهم.
(7)
: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ : وسمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته و أوليائه إذا نظر إليها بأنهم الذين لا يؤمنون،.