کتابخانه تفاسیر
تفسير الصافى، ج4، ص: 136
وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ و لتشكروا نعمة اللَّه فيها.
وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا بالتَّدمير وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ فيه إشعار بأنّ الانتقام لهم و إظهار لكرامتهم حيث جعلهم مستحقّين على اللَّه ان ينصرهم.
في المجمع عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله: ما من امرئ مُسلم يردّ عن عرض أخيه الّا كان حقّاً على اللَّه ان يردّ عنه نار جهنّم يوم القيامة ثمّ قرأ وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ .
و في الفقيه عن الصادق عليه السلام قال: حسب المؤمن نصرة أن يرى عدوّه يعمل بمعاصي اللَّه.
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً القمّيّ أي ترفعه فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ سائراً و واقفاً مطبّقاً و غير مطبّق من جانب دون جانب إلى غير ذلك وَ يَجْعَلُهُ كِسَفاً قيل قطعاً اي يبسطه تارة و أخرى يَجْعَلُهُ قطعاً.
و القمّيّ قال بعضه على بعض فَتَرَى الْوَدْقَ المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ
و في المجمع عن عليّ عليه السلام: من خلله
فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ يعني بلادهم و أراضيهم إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ بمجيء الخصب.
وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ المطر مِنْ قَبْلِهِ تكرير للتأكيد لَمُبْلِسِينَ لابسين.
فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ أثر الغيث من النبات و الأشجار و أنواع الثمار و قرئ اثار كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ يعني الذي قدر على احياء الأرض بعد موتها لَمُحْيِ الْمَوْتى ليحييهم لا محالة وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
وَ لَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا قيل فرأوا الأثر و الزّرع فأنّه مدلول عليه بما تقدّم و قيل السحاب لأنّه إذا كان مصفرّاً لم يمطر لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ قيل هذه الآيات ناعية على الكفّار بقلّة تثبّتهم و عدم تدبّرهم و سرعة تزلزلهم لعدم تفكّرهم
تفسير الصافى، ج4، ص: 137
و سوء رأيهم فانّ النظر السوي يقتضي ان يتوكّلوا على اللَّه و يلتجئوا إليه بالاستغفار إذا احتبس القطر عنهم و لم ييئسوا من رحمته و ان يبادروا الى الشكر و الاستدامة بالطاعة إذا أصابهم برحمته و لم يفرطوا في الاستبشار و ان يصبروا على بلائه إذا ضرب زروعهم بالاصفرار و لم يكفروا نعمه.
فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى و هم مثلهم لمّا سدّوا عن الحقّ مشاعرهم وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ و قرئ بالياء مفتوحة و رفع الصمّ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ قيل قيّد الحكم ليكون أشدّ استحالة فانّ الأصمّ المقبل و ان لم يسمع الكلام تفطّن منه بواسطة الحركات شيئاً.
وَ ما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا لأنّه الذي يتلقّى اللّفظ و يتدبّر المعنى فَهُمْ مُسْلِمُونَ لما تأمرهم به.
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ابتدأكم ضعفاء أو خلقكم من أصل ضعيف و هو النّطفة ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً و هو بلوغكم الاشدّ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَ شَيْبَةً إذا أخد منكم السنّ يَخْلُقُ ما يَشاءُ من ضعف و قوّة و شيبة و قرئ بفتح الضاد في الجميع وَ هُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ .
وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ القيامة و هي من الأسماء الغالبة يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا في الدنيا أو في القبور غَيْرَ ساعَةٍ استقلّوا مدّة لبثهم كَذلِكَ مثل ذلك التصرّف عن الصدوق كانُوا يُؤْفَكُونَ يصرفون في الدّنيا.
وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ .
في الكافي و العيون عن الرضا عليه السلام في الحديث الذي يصف فيه الإمامة و الإمام قال: فقلّدها صلّى اللَّه عليه و آله عليّاً عليه السلام بأمر اللَّه عزّ و جلّ على رسم ما فرض اللَّه تعالى فصارت في ذرّيته الأصفياء الذين آتاهم اللَّه تعالى العلم و الإيمان بقوله وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ الآية
لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ في علمه و قضائه و ما أوجبه لكم و كتبه إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ الذي أنكرتموه فَهذا
تفسير الصافى، ج4، ص: 138
يَوْمُ الْبَعْثِ وَ لكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ انّه حقّ لتفريطكم في النظر فقد تبيّن لكم بطلان إنكاركم القمّيّ هذه الآية مقدّمة و مؤخّرة و انّما هو وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ .
فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ و قرئ بالياء وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ لا يدعون الى ما يقتضي اعتابهم اي إزالة عتبهم من التوبة و الطاعة كما دعوا إليه في الدنيا من قولهم استعتبني فلان فأعتبته اي استرضاني فأرضيته.
وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَ لَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا من فرط عنادهم و قسوة قلوبهم إِنْ أَنْتُمْ يعنون الرّسول و المؤمنين إِلَّا مُبْطِلُونَ مزوّرون.
كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ .
فَاصْبِرْ على أذاهم إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بنصرتك و إظهار دينك على الدّين كلّه حَقُّ لا بدّ من إنجازه وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ و لا يحملنّك على الخفّة و القلق بتكذيبهم و إيذائهم فانّهم شاكّون ضالّون لا يستبدع منهم ذلك و القمّيّ أي لا يغضبك و ثواب قراءة هذه السورة قد سبق ذكره اللّهمّ ارزقنا تلاوته بمحمّد و آله عليهم السلام.
تفسير الصافى، ج4، ص: 139
سُورَة لُقْمانَ
مكيّة عن ابن عبّاس ثلاث آياتٍ نزلن بالمدينة وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ إلى آخرهن و عدد آيها ثلاث و ثلاثون آية حجازيّ أربع في الباقين بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .
تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ذي الحكمة أو المحكم آياته.
هُدىً وَ رَحْمَةً و قرئ بالرَّفع لِلْمُحْسِنِينَ .
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ بيان لإحسانهم أو تخصيص لهذه الثلاثة من شعبه لفضل اعتداد بها.
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ لاستجماعهم العقيدة الحقّة و العمل الصالح.
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ما يلهي عمّا يعني كالاحاديث التي لا أصل لها و الأساطير التي لا اعتبار فيها و المضاحيك و فضول الكلام.
القمّيّ قال الغناء و شرب الخمر و جميع الملاهي و يأتي تمام القول فيه عن قريب لِيُضِلَ و قرئ بفتح الياء عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ القمّيّ قال يحيدهم عن طريقه بِغَيْرِ عِلْمٍ بحال ما يشتريه وَ يَتَّخِذَها و قرء بالنّصب هُزُواً و يتَّخذ السبيل سخريّة أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ لاهانتهم الحقّ بإيثار الباطل عليه.
وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً متكبّراً لا يعبأ بها كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً ثقلًا لا يقدر أن يسمع فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ أعلمه به و انّما ذكر البشارة
تفسير الصافى، ج4، ص: 140
على التهكّم.
القمّيّ عن الباقر عليه السلام: هو النّضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة من بني عبد الدّار بن قصيّ و كان النضر ذا رواية لأحاديث الناس و أشعارهم يقول اللَّه تعالى وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا الآية.
و في المجمع عن الصادق عليه السلام قال: هو الطعن في الحق و الاستهزاء به و ما كان أبو جهل و أصحابه يجيئون به إذ قال يا معاشر قريش أ لا أطعمكم من الزَّقّوم الذي يخوّفكم به صاحبكم ثمّ أرسل الى زبد و تمر فقال هو الزقوم الذي يخوّفكم به قال و منه الغناء.
و في المعاني و الكافي عنه عليه السلام قال: منه الغناء
و في الكافي عن الباقر عليه السلام: الغناء ممّا أوعد اللَّه عليه النّار و تلا هذه الآية.
و عنه عليه السلام: انّه سئل عن كسب المغنّيات فقال التي يدخل عليها الرجال حرام و التي تدعى الى الأعراس ليس به بأس و هو قول اللَّه عزّ و جلّ و من النّاس الآية.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ أي لهم نعيم جنّات فعكس للمبالغة.
خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَ هُوَ الْعَزِيزُ الذي لا يغلبه شيء فيمنعه عن إنجاز وعده و وعيده الْحَكِيمُ الذي لا يفعل الّا ما يستدعيه حكمته.
خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها صفة لعمد.
القمّيّ عن الرضا عليه السلام: ثمّ عَمَدٍ و لكن لا ترونها
وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ جبالًا شوامخ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ كراهة ان تميل بكم قيل إنّ بساطة اجزائها تقتضي تبدّل أحيازها و أوضاعها لامتناع اختصاص كلّ منها لذاته أو لشيء من لوازمه بحيّز و وضع معينين وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ من كلِّ صنف كثير المنفعة.
هذا خَلْقُ اللَّهِ مخلوقه فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ حتّى استحقّوا
تفسير الصافى، ج4، ص: 141
مشاركته في الألوهيّة بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ إضراب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالضلال.
وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ .
في الكافي عن الكاظم عليه السلام قال: الفهم و العقل.
و القمّيّ عن الصادق عليه السلام قال: أوتي معرفة إمام زمانه
أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ لأنّ نفعه عائد إليها و هو دوام النعمة و استحقاق مزيدها.
وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌ لا يحتاج إلى الشكر حَمِيدٌ حقيق بالحمد حُمِد أو لم يُحْمَد أو محمود ينطق بحمده جميع مخلوقاته.
في الكافي عن الصادق عليه السلام: شكر كلّ نعمة و ان عظمت أن يحمد اللَّه عزّ و جلّ عليها
و في رواية: و إن كان فيما أنعم عليه حقّ أدّاه.
و في أخرى عنه عليه السلام: من أنعم اللَّه عليه بنعمة فعرفها بقلبه فقد أدّى شكرها.
و عنه عليه السلام: أوحى اللَّه عزّ و جلّ الى موسى (ع) يا موسى اشكرني حقّ شكري فقال يا ربّ و كيف أشكرك حقّ شكرك و ليس من شكر أشكرك به الّا و أنت أنعمت به عليّ قال يا موسى الآن شكرتني حين علمت انّ ذلك منّي.
و في المجمع عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله انّه قال: حقّاً أقول لم يكن لقمان نبيّاً و لكن كان عبداً كثير التفكّر حسن اليقين أحبّ اللَّه فأحبّه و منَّ عليه بالحكمة كان نائماً نصف النهار إذ جاءه نداء يا لقمان هل لك ان يجعلك اللَّه خليفة في الأرض تحكم بين الناس بالحقّ فأجاب الصوت إن خيّرني ربّي قبلت العافية و لم أقبل البلا و إن هو عزم عليَّ فسمعاً و طاعة فانّي اعلم انّه ان فعل بي ذلك اعانني و عصمني فقالت الملائكة بصوت لا يراهم لم يا لقمان؟ قال لأنّ الحكم أشدّ المنازل و آكدها يغشاه الظُّلم من كلّ مكان إن وفى فبالحريّ أن ينجو و إن أخطأ أخطأ طريق الجنّة و من يكن في الدنيا ذليلًا و في الآخرة شريفاً خير من أن يكون في الدنيا شريفاً و في الآخرة ذليلًا
تفسير الصافى، ج4، ص: 142
و من تخيّر الدنيا على الآخرة تفته الدنيا و لا يصيب الآخرة فعجبت الملائكة من حُسن منطقه فنام نومة فأعطي الحكمة فانتبه يتكلّم بها ثمّ كان يوازر داود (ع) بحكمته فقال له داود طوبى لك يا لقمان أعطيت الحكمة و صرفت عنك البلوى.
و القمّيّ عن الصادق عليه السلام: انّه سئل عن لقمان و حكمته التي ذكرها اللَّه عزّ و جلّ فقال اما و اللَّه ما أوتي لقمان الحكمة بحسب و لا مال و لا أهل و لا بسط في جسم و لا جمال و لكنّه كان رجلًا قويّاً في أمر اللَّه متورّعاً في اللَّه ساكتاً سكّيتاً عميق النظر طويل الفكر حديد النظر مستغن بالعبر لم ينم نهاراً قطّ و لم يتّك في مجلس قطّ و لم يتفل في مجلس قطّ و لم يعبث بشيء قطّ و لم يره أحد من الناس على بول و لا غائط و لا اغتسال لشدّة تستّره و عموق نظره و تحفّظه في أمره و لم يضحك من شيء قطّ مخافة الإثم في دينه و لم يغضب قطّ و لم يمازح إنساناً قطّ و لم يفرح بشيء بما أوتيه من الدنيا إن أتاه من أمر الدنيا و لا حزن منها على شيء قطّ و قد نكح من النساء و ولد له الأولاد الكثيرة و قدّم أكثرهم أفراطاً فما بكى على موت أحد منهم و لم يمرّ برجلين يختصمان أو يقتتلان الّا أصلح بينهما و لم يمض عنهما حتّى تحابّا و لم يسمع قولًا قطّ من أحد استحسنه الّا سأله عن تفسيره و عمّن أخذه فكان يكثر مجالسة الفقهاء و الحكماء و كان يغشى القضاة و الملوك و السلاطين فيرثي للقضاة ممّا ابتلوا به و يرحم الملوك و السلاطين لعزّتهم باللَّه و طمأنينتهم في ذلك و يعتبر و يتعلّم ما يغلب به نفسه و يجاهد به هواه و يحترز به من الشيطان و كان يداوي قلبه بالتفكّر و يداوي نفسه بالعبر و كان لا يظعن الّا فيما ينفعه و لا ينظر الّا فيما يعنيه فبذلك أوتي الحكمة و منح العصمة و انّ اللَّه تبارك و تعالى امر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار و هدأت العيون بالقائلة فنادوا لقمان حيث يسمع و لا يراهم فقالوا يا لقمان هل لك ان يجعلك اللَّه خليفة في الأرض تحكم بين الناس فقال لقمان ان أمرني ربّي بذلك فالسمع و الطاعة لأنّه إن فعل بي ذلك أعانني عليه و علّمني و عصمني و إن هو خيّرني قبلت العافية.