کتابخانه تفاسیر
تفسير القرآن العظيم، ج1، ص: 56
مرّيّ بن قطريّ عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عن قوله تعالى غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ قال: هم اليهود وَ لَا الضَّالِّينَ قال: النصارى هم الضالون. و هكذا رواه سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم به، و قد روي حديث عدي هذا من طرق و له ألفاظ كثيرة يطول ذكرها. و قال عبد الرزاق: و أخبرنا معمر عن بديل العقيلي أخبرني عبد اللّه بن شقيق أنه أخبره من سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و هو بوادي القرى و هو على فرسه و سأله رجل من بني القين فقال: يا رسول اللّه من هؤلاء؟ قال: المغضوب عليهم و أشار إلى اليهود و الضالون هم النصارى. و قد رواه الجريري و عروة و خالد الحذاء عن عبد اللّه بن شقيق فأرسلوه و لم يذكروا من سمع من النبي صلّى اللّه عليه و سلم و وقع في رواية عروة تسمية عبد اللّه بن عمر فاللّه أعلم. و قد روى ابن مردويه من حديث إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة عن عبد اللّه بن شقيق عن أبي ذر قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عن المغضوب عليهم قال: اليهود، قلت: الضالين قال: النصارى. و قال السدي عن أبي مالك و عن أبي صالح عن ابن عباس و عن مرة الهمداني عن ابن مسعود، و عن أناس من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و سلم: غير المغضوب عليهم هم اليهود و لا الضالين هم النصارى. و قال الضحاك و ابن جريج عن ابن عباس: غير المغضوب عليهم هم اليهود و لا الضالين النصارى، و كذلك قال الربيع بن أنس و عبد الرحمن بن زيد بن أسلم و غير واحد، و قال ابن أبي حاتم: و لا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافا.
و شاهد ما قاله هؤلاء الأئمة من أن اليهود مغضوب عليهم و النصارى ضالون، الحديث المتقدم، و قوله تعالى في خطابه مع بني إسرائيل في سورة البقرة بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ [البقرة: 90] و قال في المائدة قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ [المائدة: 60] و قال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة: 78- 79] و في السيرة «1» عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه لما خرج هو و جماعة من أصحابه إلى الشام يطلبون الدين الحنيف قالت له اليهود: إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من غضب اللّه، فقال: أنا من غضب اللّه أفر، و قالت له النصارى إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سخط اللّه، فقال: لا أستطيعه. فاستمر على فطرته و جانب عبادة الأوثان و دين المشركين و لم يدخل مع أحد من اليهود و لا النصارى، و أما أصحابه فتنصروا و دخلوا في دين النصرانية لأنهم وجدوه أقرب من دين اليهود إذ ذك، و كان منهم ورقة بن نوفل حتى هداه اللّه بنبيه لما بعثه آمن بما وجد من الوحي رضي اللّه عنه.
(1) السيرة النبوية لابن هشام، ج 1 ص 224- 232.
تفسير القرآن العظيم، ج1، ص: 57
[مسألة] و الصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد و الظاء لقرب مخرجيهما، و ذلك أن الضاد نخرجها من أول حافة اللسان و ما يليها من الأضراس، و مخرج الظاء من طرف اللسان و أطراف الثنايا العليا و لأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة و من الحروف الرخوة و من الحروف المطبقة فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك و اللّه أعلم، و أما حديث أنا أفصح من نطق بالضاد فلا أصل له و اللّه أعلم.
[فصل في معاني هذه السورة]
اشتملت هذه السورة الكريمة و هي سبع آيات على حمد اللّه و تمجيده و الثناء عليه بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا و على ذكر المعاد و هو يوم الدين و على إرشاده عبيده إلى سؤاله و التضرع إليه و التبرؤ من حولهم و قوتهم إلى إخلاص العبادة له و توحيده بالألوهية تبارك و تعالى و تنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل، و إلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم و هو الدين القويم و تثبيتهم عليه حتى يفضي بهم بذلك إلى جواز الصراط الحسّي يوم القيامة المفضي بهم إلى جنات النعيم في جوار النبيين و الصديقين و الشهداء الصالحين، و اشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ليكونوا مع أهلها يوم القيامة، و التحذير من مسالك الباطل لئلا يحشروا مع سالكيها يوم القيامة، و هم المغضوب عليهم و الضالون. و ما أحسن ما جاء إسناد الإنعام إليه في قوله تعالى صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ و حذف الفاعل في الغضب في قوله تعالى غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ و إن كان هو الفاعل لذلك في الحقيقة كما قال تعالى أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [المجادلة: 14]. و كذلك إسناد الضلال إلى من قام به و إن كان هو الذي أضلهم بقدره كما قال تعالى مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً [الكهف: 17] و قال مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَ يَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأعراف: 186] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه سبحانه هو المنفرد بالهداية و الإضلال لا كما تقول الفرقة القدرية «1» و من حذا حذوهم من أن العباد هم الذين يختارون ذلك و يفعلون و يحتجون على بدعتهم بمتشابه من القرآن و يتركون ما يكون فيه صريحا في الرد عليهم: و هذا حال أهل الضلال و الغي و قد ورد في الحديث الصحيح «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى اللّه فاحذروهم» يعني في قوله تعالى
(1) القدرية: جماعة من التابعين قالوا بحرية الإرادة و قدرة الإنسان على أعماله. رددوا هذا في الشام و العراق، و كان على رأسهم معبد الجهني و غيلان الدمشقي، و هم ضد الجبرية. مهدوا للمعتزلة و تلاشوا فيهم. و يسمى المعتزلة أحيانا القدرية. أما الجبرية منهم طائفة ظهرت في القرن الأول الهجري و كان على رأسهم جهم بن صفوان، و يسمون أيضا الجهمية؛ يقولون إن الإنسان مجبر لا اختيار له و لا قدرة و أن الله قدر الأعمال أزلا و خلقها. عارضهم المعتزلة لأنهم يعطلون الجزاء و يلغون المسئولية. (انظر الموسوعة العربية الميسرة ص 612 و 1371)
تفسير القرآن العظيم، ج1، ص: 58
فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران: 7] فليس، بحمد اللّه، لمبتدع في القرآن حجة صحيحة لأن القرآن جاء ليفصل الحق من الباطل مفرقا بين الهدى و الضلال و ليس فيه تناقض و لا اختلاف لأنه من عند اللّه تنزيل من حكيم حميد.
[فصل في التأمين]
يستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها آمين، مثل يس، و يقال أمين بالقصر أيضا، و معناه:
اللهم استجب. و الدليل على استحباب التأمين ما رواه الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي عن وائل بن حجر قال: سمعت النبي صلّى اللّه عليه و سلم قرأ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ فقال آمين مد بها صوته «1» ، و لأبي داود: رفع بها صوته، و قال الترمذي هذا حديث حسن، و روي عن علي و ابن مسعود و غيرهم. و عن أبي هريرة قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إذا تلا غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ قال «آمين» حتى يسمع من يليه من الصف الأول، رواه أبو داود و ابن ماجة و زاد فيه: فيرتج بها المسجد. و الدارقطني و قال: هذا إسناد حسن. و عن بلال أنه قال: يا رسول اللّه لا تسبقني بآمين، رواه أبو داود، و نقل أبو نصر القشيري عن الحسن و جعفر الصادق أنهما شددا الميم من آمين مثل آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ [المائدة: 2] قال أصحابنا و غيرهم: و يستحب ذلك لمن هو خارج الصلاة، و يتأكد في حق المصلي، و سواء كان منفردا أو إماما أو مأموما، و في جميع الأحوال لما جاء في الصحيحين «2» عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال «إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» و لمسلم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: «إذا قال أحدكم في الصلاة آمين و الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه» «3» قيل بمعنى من وافق تأمينه تأمين الملائكة في الزمان، و قيل في الإجابة، و قيل في صفة الإخلاص. و في صحيح مسلم عن أبي موسى مرفوعا «إذا قال- يعني الإمام- و لا الضالين فقولوا آمين يجبكم اللّه» «4» و قال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال:
قلت: يا رسول اللّه ما معنى آمين؟ قال «رب افعل» و قال الجوهري: معنى آمين كذلك فليكن.
و قال الترمذي معناه: لا تخيب رجاءنا. و قال الأكثرون معناه: اللهم استجب لنا. و حكى القرطبي عن مجاهد و جعفر الصادق و هلال بن يساف أن آمين اسم من أسماء اللّه تعالى، و روي عن ابن عباس مرفوعا و لا يصح، قاله أبو بكر بن العربي المالكي. و قال أصحاب مالك:
لا يؤمن الإمام و يؤمن المأموم لما رواه مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال «و إذا قال- يعني الإمام- و لا الضالين فقولوا آمين» الحديث. و استأنسوا أيضا
(1) مسند أحمد، ج 6 ص 473. ك
(2) صحيح البخاري (أذان باب 111، و دعوات باب 4) و مسلم (صلاة حديث 73)
(3) صحيح مسلم (صلاة حديث 74- 76)
(4) صحيح مسلم (صلاة حديث 26، 87)
تفسير القرآن العظيم، ج1، ص: 59
بحديث أبي موسى عند مسلم: كان يؤمن إذا قرأ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ و قد قدمنا في المتفق عليه «إذا أمن الإمام فأمنوا» و أنه عليه الصلاة و السلام كان يؤمن إذا قرأ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ .
و قد اختلف أصحابنا في الجهر بالتأمين للمأموم في الجهرية، و حاصل الخلاف أن الإمام إن نسي التأمين جهر المأموم به قولا واحدا، و إن أمن الإمام جهرا فالجديد أن لا يجهر المأموم و هو مذهب أبي حنيفة، و رواية عن مالك: لأنه ذكر من الأذكار فلا يجهر به كسائر أذكار الصلاة، و القديم أنه يجهر به و هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل و الرواية الأخرى عن مالك لما تقدم «حتى يرتج المسجد» و لنا قول آخر ثالث أنه إن كان المسجد صغيرا لم يجهر المأموم لأنهم يسمعون قراءة الإمام و إن كان كبيرا جهر ليبلغ التأمين من في أرجاء المسجد و اللّه أعلم. و قد روى الإمام أحمد في مسنده عن عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ذكرت عنده اليهود فقال «إنهم لن يحسدونا على شيء كما يحسدونا على الجمعة التي هدانا اللّه لها و ضلوا عنها و على القبلة التي هدانا اللّه لها و ضلوا عنها و على قولنا خلف الإمام آمين» و رواه ابن ماجة و لفظه «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام و التأمين» «1» و له عن ابن عباس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول آمين فأكثروا من قول آمين» و في إسناده طلحة بن عمرو «2» و هو ضعيف، و روى ابن مردويه عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال «آمين خاتم رب العالمين على لسان عباده المؤمنين» «3» و عن أنس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم «أعطيت آمين في الصلاة و عند الدعاء لم يعط أحد قبلي إلا أن يكون موسى، كان موسى يدعو و هارون يؤمن فاختموا الدعاء بآمين فإن اللّه يستجيبه لكم» (قلت) و من هنا نزع بعضهم في الدلالة بهذه الآية الكريمة و هي قوله تعالى: وَ قالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِينَةً وَ أَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَ اشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ. قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [يونس:
88- 89] فذكر الدعاء عن موسى وحده و من سياق الكلام ما يدل على أن هارون أمّن فنزل منزلة من دعا لقوله تعالى قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فدل ذلك على أن من أمّن على دعاء فكأنما قاله، فلهذا قال من قال: إن المأموم لا يقرأ لأن تأمينه على قراءة الفاتحة بمنزلة قراءتها، و لهذا جاء في الحديث «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» رواه أحمد في مسنده «4» . و كان بلال يقول:
(1) ابن ماجة (إقامة باب 14)
(2) هو طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي المتوفى سنة 152. من الطبقة السابعة. متروك.
(موسوعة رجال الكتب التسعة 2/ 206)
(3) الدر المنثور (1/ 44). قال السيوطي: بسند ضعيف.
(4) المسند ج 5 ص 100. رواه من حديث جابر بن عبد اللّه مرفوعا.
تفسير القرآن العظيم، ج1، ص: 60
لا تسبقني بآمين يا رسول اللّه. فدل هذا المنزع على أن المأموم لا قراءة عليه في الجهرية و اللّه أعلم. و لهذا قال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن الحسن حدثنا عبد اللّه بن محمد بن سلام حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن ليث عن ابن أبي سليم عن كعب عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم «إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم و لا الضالين، فقال آمين، فوافق آمين أهل الأرض آمين أهل السماء غفر اللّه للعبد ما تقدم من ذنبه، و مثل من لا يقول آمين كمثل رجل غزا مع قوم فاقترعوا فخرجت سهامهم و لم يخرج سهمه فقال لم لم يخرج سهمي؟ فقيل إنك لم تقل آمين» «1» .
(1) رواه السيوطي في الدر المنثور (1/ 44) قال: و أخرجه أبو يعلى في مسنده و ابن مردويه بسند جيد عن أبي هريرة.
تفسير القرآن العظيم، ج1، ص: 61
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
تفسير سورة البقرة
[ذكر ما ورد في فضلها]
قال الإمام أحمد حدثنا عارم حدثنا معتمر عن أبيه عن رجل عن أبيه عن معقل بن يسار أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال «البقرة سنام القرآن و ذروته. نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا و استخرجت اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ من تحت العرش فوصلت بها أو فوصلت بسورة البقرة، و يس قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد اللّه و الدار الآخرة إلا غفر له و اقرءوها على موتاكم» «1» انفرد به أحمد. و قد رواه أحمد أيضا عن عارم عن عبد اللّه بن المبارك عن سليمان التيمي عن أبي عثمان- و ليس بالنهدي- عن أبيه عن معقل بن يسار قال، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم «اقرءوها على موتاكم» يعني يس- فقد تبين بهذا الإسناد معرفة المبهم في الرواية الأولى.
و قد أخرج هذا الحديث على هذه الصفة في الرواية الثانية أبو داود و النسائي و ابن ماجة، و قد روى الترمذي من حديث حكيم بن جبير و فيه ضعف عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم «لكل شيء سنام و إن سنام القرآن سورة البقرة و فيها آية هي سيدة آي القرآن آية الكرسي» «2» و في مسند أحمد و صحيح مسلم و الترمذي و النسائي من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال «لا تجعلوا بيوتكم قبورا فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان» «3» و قال الترمذي: حسن صحيح و قال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثني ابن أبي مريم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم «إن الشيطان يخرج من البيت إذا سمع سورة البقرة تقرأ فيه» «4» سنان بن سعد و يقال بالعكس، وثقه ابن معين، و استنكر حديثه أحمد بن حنبل و غيره. و قال أبو عبيد: حدّثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن عبد اللّه- يعني ابن مسعود- رضي اللّه عنه قال: إن الشيطان يفرّ من البيت يسمع فيه سورة البقرة. و رواه النسائي في «اليوم و الليلة» و أخرجه الحاكم في مستدركه من حديث شعبة ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد و لم يخرجاه. و قال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن كامل حدثنا أبو
(1) المسند ج 7 ص 286.
(2) الترمذي، ثواب القرآن باب 2.
(3) هذا لفظ الترمذي. و لفظ أحمد في المسند (ج 3 ص 128): «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفرّ من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة».
(4) الدر المنثور 1/ 49.
تفسير القرآن العظيم، ج1، ص: 62
إسماعيل الترمذي حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن محمد بن عجلان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم «لا ألفين أحدكم يضع إحدى رجليه على الأخرى يتغنى «1» و يدع سورة البقرة يقرؤها فإن الشيطان يفر من البيت تقرأ فيه سورة البقرة و إن أصفر «2» البيوت الجوف الصفر من كتاب اللّه» «3» و هكذا رواه النسائي في «اليوم و الليلة» عن محمد بن نصر عن أيوب بن سليمان به. و روى الدارمي في مسنده عن ابن مسعود قال: ما من بيت تقرأ فيه سورة البقرة إلا خرج منه الشيطان و له ضراط «4» . و قال إن لكل شيء سناما و إن سنام القرآن سورة البقرة و إن لكل شيء لبابا و إن لباب القرآن المفصل. و روى أيضا من طريق الشعبي قال: قال عبد اللّه بن مسعود: من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة، أربع من أولها و آية الكرسي، و آيتان بعدها، و ثلاث آيات من آخرها، و في رواية: لم يقربه و لا أهله يومئذ شيطان، و لا شيء يكرهه، و لا يقرأن على مجنون إلا أفاق. و عن سهل بن سعد قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم «إن لكل شيء سناما و إن سنام القرآن البقرة و إن من قرأها في بيته ليلة لم يدخله الشيطان ثلاث ليال و من قرأها في بيته نهارا لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام» رواه أبو القاسم الطبراني و أبو حاتم و ابن حبان في صحيحه و ابن مردويه من حديث الأزرق بن علي حدثنا حسان بن إبراهيم حدثنا خالد بن سعيد المدني عن أبي حازم عن سهل به. و قد روى الترمذي و النسائي و ابن ماجة من حديث عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن عطاء مولى أبي أحمد عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال «بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بعثا و هم ذوو عدد فاستقرأهم فاستقرأ كل واحد منهم ما معه من القرآن فأتى على رجل من أحدثهم سنا فقال: ما معك يا فلان؟ فقال: معي كذا و كذا و سورة البقرة. فقال: أ معك سورة البقرة؟ قال نعم قال: اذهب فأنت أميرهم» فقال رجل من أشرافهم: و اللّه ما منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا أني خشيت أن لا أقوم بها. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم «تعلموا القرآن فاقرأوه و أقرئوه فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه و قام به كمثل جراب محشو مسكا يفوح ريحه في كل مكان و مثل من تعلمه فيرقد و هو في جوفه كمثل جراب وكىء على مسك» هذا لفظ رواية الترمذي «5» ثم قال هذا حديث حسن ثم رواه من
(1) في الدر المنثور «يتعنّى» بالعين المهملة و هو الصواب.
(2) أصفر البيوت: أخلاها. و بيت صفر: خال. و صفر اليدين: خالي اليدين.
(3) و في الدر المنثور: أخرجه ابن الضريس و النسائي و ابن الأنباري في المصاحف و الطبراني في الأوسط و الصغير و ابن مردويه و البيهقي في شعب الإيمان بسند ضعيف عن ابن مسعود.
(4) و رواه السيوطي بأطول من هذا و باختلاف يسير، قال: و أخرجه الدارمي و محمد بن نصر و ابن الضريس و الطبراني و الحاكم و صححه و البيهقي في شعب الإيمان.