کتابخانه تفاسیر
تفسير القرآن العظيم، ج4، ص: 27
شيء، ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم و يأسرونهم، و أنزل اللّه فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى «1» . و قال أبو معشر المدني عن محمد بن قيس و محمد بن كعب القرظي قالا: لما دنا القوم بعضهم من بعض أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم و قال: «شاهت الوجوه» فدخلت في أعينهم كلهم و أقبل أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقتلونهم و يأسرونهم و كانت هزيمتهم في رمية رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فأنزل اللّه: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى «2» .
و قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى قال هذا يوم بدر أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثلاث حصيات فرمى بحصاة ميمنة القوم، و حصاة في ميسرة القوم و حصاة بين أظهرهم و قال «شاهت الوجوه» فانهزموا، و قد روي في هذه القصة عن عروة عن مجاهد و عكرمة و قتادة و غير واحد من الأئمة أنه أنزلت في رمية النبي صلى اللّه عليه و سلم يوم بدر و إن كان قد فعل ذلك يوم حنين أيضا.
و قال أبو جعفر بن جرير «3» : حدثنا أحمد بن منصور حدثنا يعقوب بن محمد حدثنا عبد العزيز بن عمران حدثنا موسى بن يعقوب بن عبد اللّه بن زمعة عن يزيد بن عبد اللّه عن أبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة عن حكيم بن حزام قال: لما كان يوم بدر سمعنا صوتا وقع من السماء كأنه صوت حصاة وقعت في طست و رمى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تلك الرمية فانهزمنا، غريب من هذا الوجه، و هاهنا قولان آخران غريبان جدا.
[أحدهما] قال ابن جرير «4» : حدثني محمد بن عوف الطائي حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان بن عمرو حدثنا عبد الرحمن بن جبير أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم ابن أبي الحقيق بخيبر دعا بقوس فأتى بقوس طويلة و قال «جيئوني بقوس غيرها» فجاؤوه بقوس كبداء فرمى النبي صلى اللّه عليه و سلم الحصن فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق و هو في فراشه فأنزل اللّه عز و جل وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى و هذا غريب و إسناده جيد إلى عبد الرحمن بن جبير بن نفير و لعله اشتبه عليه أو أنه أراد أن الآية تعم هذا كله و إلا فسياق الآية في سورة الأنفال في قصة بدر لا محالة و هذا مما لا يخفى على أئمة العلم و اللّه أعلم.
[و الثاني] روى ابن جرير أيضا و الحاكم في مستدركه بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب و الزهري أنهما قالا: أنزلت في رمية النبي صلى اللّه عليه و سلم يوم أحد أبي بن خلف بالحربة و هو في لأمته فخدشه في ترقوته فجعل يتدأدأ عن فرسه مرارا حتى كانت وفاته بعد أيام قاسى فيها العذاب
(1) انظر تفسير الطبري 6/ 203.
(2) تفسير الطبري 6/ 203.
(3) تفسير الطبري 6/ 203.
(4) لم أجد هذا الأثر و الذي يليه في تفسير الطبري.
تفسير القرآن العظيم، ج4، ص: 28
الأليم موصولا بعذاب البرزخ المتصل بعذاب الآخرة، و هذا القول عن هذين الإمامين غريب أيضا جدا و لعلهما أرادا أن الآية تتناوله بعمومها لا أنها نزلت فيه خاصة كما تقدم و اللّه أعلم.
و قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير في قوله وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً أي ليعرف المؤمنين نعمته عليهم من إظهارهم على عدوهم مع كثرة عدوهم و قلة عددهم ليعرفوا بذلك حقه و يشكروا بذلك نعمته «1» و هكذا فسره ابن جرير أيضا، و في الحديث «و كل بلاء حسن أبلانا» و قوله إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أي سميع الدعاء عليم بمن يستحق النصر و الغلب، و قوله ذلِكُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ هذه بشارة أخرى مع ما حصل من النصر أنه أعلمهم تعالى بأنه مضعف كيد الكافرين فيما يستقبل مصغر أمرهم و أنهم و كل ما لهم في تبار و دمار، و للّه الحمد و المنة.
[سورة الأنفال (8): آية 19]
يقول تعالى للكفار: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا أي تستنصروا و تستقضوا اللّه و تستحكموه أن يفصل بينكم و بين أعدائكم المؤمنين فقد جاءكم ما سألتم كما قال محمد بن إسحاق و غيره عن الزهري عن عبد اللّه بن ثعلبة بن صعير أن أبا جهل قال يوم بدر: اللهم أينا كان أقطع للرحم و آتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة. و كان ذلك استفتاحا منه فنزلت إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ إلى آخر الآية.
و قال الإمام أحمد «2» : حدثنا يزيد يعني ابن هارون أخبرنا محمد بن إسحاق حدثني الزهري عن عبد اللّه بن ثعلبة أن أبا جهل قال حين التقى القوم اللهم أقطعنا للرحم و آتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة. فكان المستفتح، و أخرجه النسائي في التفسير من حديث صالح بن كيسان عن الزهري به، و كذا رواه الحاكم في مستدركه من طريق الزهري به و قال صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه، و روي نحو هذا عن ابن عباس و مجاهد و الضحاك و قتادة و يزيد بن رومان و غير واحد، و قال السدي كان المشركون حين خرجوا من مكة إلى بدر أخذوا بأستار الكعبة فاستنصروا اللّه و قالوا اللهم انصر أعلى الجندين و أكرم الفئتين و خير القبيلتين فقال اللّه:
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ يقول قد نصرت ما قلتم و هو محمد صلى اللّه عليه و سلم.
و قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هو قوله تعالى إخبارا عنهم وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ الآية، و قوله وَ إِنْ تَنْتَهُوا أي عما أنتم فيه من الكفر باللّه و التكذيب لرسوله فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ أي في الدنيا و الآخرة، و قوله تعالى: وَ إِنْ تَعُودُوا نَعُدْ كقوله
(1) انظر سيرة ابن هشام 1/ 668، و تفسير الطبري 6/ 204.
(2) المسند 5/ 431.
تفسير القرآن العظيم، ج4، ص: 29
وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنا [الإسراء: 8] معناه و إن عدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر و الضلالة نعد لكم بمثل هذه الواقعة. و قال السدي وَ إِنْ تَعُودُوا أي إلى الاستفتاح نَعُدْ أي إلى الفتح لمحمد صلى اللّه عليه و سلم و النصر له و تظفيره على أعدائه و الأول أقوى وَ لَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَ لَوْ كَثُرَتْ أي و لو جمعتم من الجموع ما عسى أن تجمعوا، فإن من كان اللّه معه فلا غالب له وَ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ و هم الحزب النبوي و الجناب المصطفوي.
[سورة الأنفال (8): الآيات 20 الى 23]
يأمر تعالى عباده المؤمنين بطاعته و طاعة رسوله و يزجرهم عن مخالفته و التشبه بالكافرين به المعاندين له و لهذا قال وَ لا تَوَلَّوْا عَنْهُ أي تتركوا طاعته و امتثال أوامره و ترك زواجره وَ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ أي بعد ما علمتم ما دعاكم إليه وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَ هُمْ لا يَسْمَعُونَ قيل: المراد المشركون و اختاره ابن جرير، و قال ابن إسحاق هم المنافقون فإنهم يظهرون أنهم قد سمعوا و استجابوا و ليسوا كذلك «1» .
ثم أخبر تعالى أن هذا الضرب من بني آدم شر الخلق و الخليقة فقال إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُ أي عن سماع الحق الْبُكْمُ عن فهمه و لهذا قال الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ فهؤلاء شر البرية لأن كل دابة مما سواهم مطيعة للّه فيما خلقها له و هؤلاء خلقوا للعبادة فكفروا، و لهذا شبههم بالأنعام في قوله وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَ نِداءً [البقرة: 171] الآية، و قال في الآية الأخرى أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ [الأعراف: 179].
و قيل المراد بهؤلاء المذكورين نفر من بني عبد الدار من قريش روي عن ابن عباس و مجاهد و اختاره ابن جرير. و قال محمد بن إسحاق هم المنافقون، قلت: و لا منافاة بين المشركين و المنافقين في هذا لأن كلا منهم مسلوب الفهم الصحيح و القصد إلى العمل الصالح، ثم أخبر تعالى بأنهم لا فهم لهم صحيح و لا قصد لهم صحيح لو فرض أن لهم فهما فقال وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ أي لأفهمهم و تقدير الكلام و لكن لا خير فيهم فلم يفهمهم لأنه يعلم أنه وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ أي أفهمهم لَتَوَلَّوْا عن ذلك قصدا و عنادا بعد فهمهم ذلك وَ هُمْ مُعْرِضُونَ عنه.
(1) انظر تفسير الطبري 6/ 209.
تفسير القرآن العظيم، ج4، ص: 30
[سورة الأنفال (8): آية 24]
قال البخاري «1» : اسْتَجِيبُوا أجيبوا لِما يُحْيِيكُمْ لما يصلحكم. حدثني إسحاق حدثنا روح حدثنا شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن قال: سمعت حفص بن عاصم يحدث عن أبي سعيد بن المعلى رضي اللّه عنه قال كنت أصلي فمر بي النبي صلى اللّه عليه و سلم فدعاني فلم آته حتى صليت ثم أتيته فقال «ما منعك أن تأتيني؟ ألم يقل اللّه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ - ثم قال- لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج» فذهب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليخرج فذكرت له. و قال معاذ: حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن سمع حفص بن عاصم سمع أبا سعيد رجلا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم بهذا و قال الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هي السبع المثاني.
هذا لفظه بحروفه و قد تقدم الكلام على هذا الحديث بذكر طرقه في أول تفسير الفاتحة.
و قال مجاهد في قوله لِما يُحْيِيكُمْ قال للحق «2» ، و قال قتادة لِما يُحْيِيكُمْ قال هو هذا القرآن فيه النجاة و البقاء و الحياة و قال السدي لِما يُحْيِيكُمْ ففي الإسلام إحياؤهم بعد موتهم بالكفر «3» ، و قال محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ أي للحرب التي أعزكم اللّه تعالى بها بعد الذل، و قواكم بها بعد الضعف، و منعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم «4» .
و قوله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ ، قال ابن عباس يحول بين المؤمن و بين الكفر و بين الكافر و بين الإيمان «5» ، رواه الحاكم في مستدركه موقوفا، و قال صحيح و لم يخرجاه، و رواه ابن مردويه من وجه آخر مرفوعا، و لا يصح لضعف إسناده و الموقوف أصح، و كذا قال مجاهد و سعيد و عكرمة و الضحاك و أبو صالح و عطية و مقاتل بن حيان و السدي، و في رواية عن مجاهد في قوله يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ أي حتى يتركه لا يعقل «6» ، و قال السدي يحول بين الإنسان و قلبه فلا يستطيع أن يؤمن و لا يكفر إلا بإذنه «7» . و قال قتادة هو كقوله وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] «8» و قد وردت الأحاديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بما
(1) كتاب التفسير، تفسير سورة 8، باب 1.
(2) انظر تفسير الطبري 6/ 211، 212.
(3) تفسير الطبري 6/ 212.
(4) تفسير الطبري 6/ 212.
(5) تفسير الطبري 6/ 213.
(6) تفسير الطبري 6/ 215.
(7) تفسير الطبري 6/ 215.
(8) تفسير الطبري 6/ 215.
تفسير القرآن العظيم، ج4، ص: 31
يناسب هذه الآية.
و قال الإمام أحمد «1» : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه، قال: كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يكثر أن يقول «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».
قال: فقلنا يا رسول اللّه آمنا بك و بما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: «نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع اللّه تعالى يقلبها». و هكذا رواه الترمذي «2» في كتاب القدر من جامعه عن هناد بن السري عن أبي معاوية محمد بن حازم الضرير عن الأعمش، و اسمه سليمان بن مهران عن أبي سفيان و اسمه طلحة بن نافع عن أنس، ثم قال: حسن. و هكذا روي عن غير واحد عن الأعمش، و رواه بعضهم عنه عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و حديث أبي سفيان عن أنس أصح.
حديث آخر: و قال الإمام أحمد «3» في مسنده: حدثنا عبد بن حميد حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن بلال، رضي اللّه عنه، أن النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يدعو «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك». هذا حديث جيد الإسناد إلا أن فيه انقطاعا. و هو مع ذلك على شرط أهل السنن و لم يخرجوه.
حديث آخر: قال الإمام أحمد «4» : حدثنا الوليد بن مسلم قال: سمعت ابن جابر يقول:
حدثني بسر بن عبد اللّه الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول سمعت النواس بن سمعان الكلابي رضي اللّه عنه يقول سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول «ما من قلب إلا و هو بين إصبعين من أصابع الرحمن رب العالمين إذا شاء أن يقيمه أقامه و إذا شاء أن يزيغه أزاغه» و كان يقول «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» قال «و الميزان بيد الرحمن يخفضه و يرفعه» «5» و هكذا رواه النسائي و ابن ماجة من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فذكر مثله.
حديث آخر قال الإمام أحمد «6» : حدثنا يونس حدثنا حماد بن زيد عن المعلى بن زياد عن الحسن أن عائشة قالت: دعوات كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يدعو بها «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» قالت: فقلت يا رسول اللّه إنك تكثر أن تدعو بهذا الدعاء فقال «إن قلب الآدمي بين إصبعين من أصابع اللّه فإذا شاء أزاغه و إذا شاء أقامه».
(1) المسند 3/ 112.
(2) كتاب القدر باب 7.
(3) المسند 4/ 182.
(4) المسند 4/ 182، 418.
(5) أخرجه ابن ماجة في المقدمة باب 13، و أحمد في المسند 4/ 182.
(6) المسند 6/ 91.
تفسير القرآن العظيم، ج4، ص: 32
حديث آخر قال الإمام أحمد «1» : حدثنا هاشم حدثنا عبد الحميد حدثني شهر سمعت أم سلمة تحدث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يكثر في دعائه يقول «اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» قالت فقلت يا رسول اللّه أو إنّ القلوب لتقلب؟ قال «نعم ما خلق اللّه من بشر من بني آدم إلا أن قلبه بين إصبعين من أصابع اللّه عز و جل فإن شاء أقامه و إن شاء أزاغه فنسأل اللّه ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، و نسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب» قالت فقلت:
يا رسول اللّه ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟ قال «بلى قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي و أذهب غيظ قلبي و أجرني من مضلات الفتن ما أحييتني».
حديث آخر قال الإمام أحمد «2» : حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا حيوة أخبرني أبو هانئ أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي أنه سمع عبد اللّه بن عمرو أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول «إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفها كيف شاء» ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم «اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك» «3» انفرد بإخراجه مسلم عن البخاري فرواه مع النسائي من حديث حيوة بن شريح المصري به.
[سورة الأنفال (8): آية 25]
يحذر تعالى عباده المؤمنين فتنة أي اختبارا و محنة يعم بها المسيء و غيره لا يخص بها أهل المعاصي و لا من باشر الذنب بل يعمهما حيث لم تدفع و ترفع، كما قال الإمام أحمد «4» : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا شداد بن سعيد حدثنا غيلان بن جرير عن مطرف قال: قلنا للزبير: يا أبا عبد اللّه ما جاء بكم؟ ضيعتم الخليفة الذي قتل ثم جئتم تطلبون بدمه؟ فقال الزبير رضي اللّه عنه: إنا قرأنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أبي بكر و عمر و عثمان رضي اللّه عنهم وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت، و قد رواه البزار من حديث مطرف عن الزبير و قال: لا نعرف مطرفا روى عن الزبير غير هذا الحديث، و قد روى النسائي من حديث جرير بن حازم عن الحسن عن الزبير نحو هذا.
و قد روى ابن جرير «5» : حدثني الحارث حدثنا عبد العزيز حدثنا مبارك بن فضالة عن الحسن قال، قال الزبير لقد خوفنا بها يعني قوله تعالى: وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا
(1) المسند 6/ 301، 302.
(2) المسند 2/ 168، 173.
(3) أخرجه مسلم في القدر حديث 17.
(4) المسند 1/ 165.
(5) تفسير الطبري 6/ 217.
تفسير القرآن العظيم، ج4، ص: 33
مِنْكُمْ خَاصَّةً و نحن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ما ظننا أنا خصصنا بها خاصة و كذا رواه حميد عن الحسن عن الزبير رضي اللّه عنه و قال داود بن أبي هند عن الحسن في هذه الآية قال نزلت في علي و عثمان و طلحة و الزبير رضي اللّه عنهم، و قال سفيان الثوري عن الصلت بن دينار عن عقبة بن صهبان سمعت الزبير يقول: لقد قرأت هذه الآية زمانا و ما أرانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ .
و قد روي من غير وجه عن الزبير بن العوام، و قال السدي: نزلت في أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا، و قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً يعني أصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم خاصة. و قال في رواية له عن ابن عباس في تفسير هذه الآية أمر اللّه المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم اللّه بالعذاب، و هذا تفسير حسن جدا، و لهذا قال مجاهد في قوله تعالى: وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً هي أيضا لكم، و كذا قال الضحاك و يزيد بن أبي حبيب، و غير واحد.
و قال ابن مسعود ما منكم من أحد إلا و هو مشتمل على فتنة إن اللّه تعالى يقول أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن: 15] فأيكم استعاذ فليستعذ باللّه من مضلات الفتن رواه ابن جرير «1» ، و القول بأن هذا التحذير يعم الصحابة و غيرهم و إن كان الخطاب معهم هو الصحيح، و يدل عليه الأحاديث الواردة في التحذير من الفتن و لذلك كتاب مستقل يوضح فيه إن شاء اللّه تعالى كما فعله الأئمة و أفردوه بالتصنيف و من أخص ما يذكر هاهنا ما رواه الإمام أحمد «2» حيث قال: حدثنا أحمد بن الحجاج أخبرنا عبد اللّه يعني ابن المبارك، أنبأنا سيف بن أبي سليمان سمعت عدي بن عدي الكندي يقول، حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يعني عدي بن عميرة يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول «إن اللّه عز و جل لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم و هم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب اللّه الخاصة و العامة» فيه رجل متهم و لم يخرجوه في الكتب الستة و لا واحد منهم و اللّه أعلم.
حديث آخر قال الإمام أحمد «3» : حدثنا سليمان الهاشمي حدثنا إسماعيل يعني ابن جعفر أخبرني عمرو بن أبي عمر عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأشهل عن حذيفة بن اليماني أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال «و الذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف و لتنهن عن المنكر أو ليوشكن اللّه أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم» و رواه عن أبي سعيد عن إسماعيل بن جعفر و قال «أو ليبعثن اللّه عليكم قوما ثم تدعونه فلا يستجيب لكم».
(1) تفسير الطبري 6/ 217.
(2) المسند 4/ 192.