کتابخانه تفاسیر
تفسير القرآن الكريم، ص: 442
«فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَ اسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ» كما كنتم تفعلون بهم أولا «وَ ما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ» ضياع و عدل إلى الظاهر للتعميم و التعليل.
«وَ قالَ فِرْعَوْنُ+ ذَرُونِي «1» أَقْتُلْ مُوسى+ وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ» قاله تجلدا و عدم مبالاة بدعائه «إِنِّي «2» أَخافُ» إن لم أقتله «أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ» «3» ما يفسد دنياكم و «قالَ مُوسى+» لقومه لما سمع كلامه «إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ» يعم فرعون+ و غيره و فيه رعاية لحقه إذ لم يسمه «وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ+» ابن خاله أو ابن عمه «يَكْتُمُ إِيمانَهُ» تقية منهم «أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ» لأن «يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَ قَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ» المعجزات الواضحات «مِنْ رَبِّكُمْ وَ إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ» لا يتعداه ضرره فلا حاجة إلى قتله «وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ» أي لا أقل أن يصيبكم بعضه و فيه هلاككم أو عذاب الدنيا فإنه بعض ما يعدهم «إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ 0» غالبين «فِي الْأَرْضِ» أرض مصر+ «فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ» من عذابه إن قتلتموه «إِنْ جاءَنا» أدرج نفسه معهم للقرابة و إظهار المشاركة للنصح «قالَ فِرْعَوْنُ+ ما أُرِيكُمْ» ما أشير عليكم «إِلَّا ما أَرى» بما أراه لنفسي من قتله «وَ ما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ» الصواب «وَ قالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ+» مثل أيامهم أي وقائعهم «مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ+ وَ عادٍ+ وَ ثَمُودَ+» مثل جزاء عادتهم في الكفر من إهلاكهم «وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ» كقوم لوط+ «وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ» فضلا أن يظلمهم «وَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ» يوم القيامة ينادي فيه بعضهم بعضا بالويل و الثبور أو يتنادى أهل الجنة و أهل النار أو ينادى كل أناس بإمامهم «يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ» منصرفين عن الموقف إلى النار أو فارين عنها «ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ» من عذابه «مِنْ عاصِمٍ» مانع «وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ» يخليه و ما اختار من الضلال «فَما لَهُ مِنْ هادٍ» عن ضلاله «وَ لَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ+» أي جاء آبائكم أو على أن فرعون موسى+ فرعونه أو يوسف بن أفرائيم ابن يوسف+ «مِنْ قَبْلُ» قبل موسى+ «بِالْبَيِّناتِ» المعجزات «فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ» من الرسالة «حَتَّى إِذا هَلَكَ» مات.
(1). ذروني
(2). إني
(3). و أن يظهر" بفتح الياء و الراء" في الأرض الفساد" بضم الدال"
تفسير القرآن الكريم، ص: 443
«قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا» فضممتم إلى تكذيب رسالته تكذيب رسالة من بعده «كَذلِكَ» الإضلال «يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ» بكفره «مُرْتابٌ» شاك فيما صدقته الآيات أي يخذله بسوء اختياره
«الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ» برهان «أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً» تمييز «عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا» قرنهم بنفسه تعظيما لشأنهم «كَذلِكَ» الطبع «يَطْبَعُ اللَّهُ» يختم «عَلى كُلِّ قَلْبِ «1» مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ» إسناده إليه تعالى كناية عن رسوخه في الكفر أو مجاز عن ترك قسره أو إسناده إلى السبب «وَ قالَ فِرْعَوْنُ+ يا هامانُ+ ابْنِ لِي صَرْحاً» بناء عليا ظاهرا «لَعَلِّي «2» أَبْلُغُ الْأَسْبابَ» الطرق «أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ «3» إِلى إِلهِ مُوسى+» قاله توهما أو إيهاما لقومه أنه لو وجد لكان في السماء فيصعد إليه «وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً» في ادعائه «وَ كَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ+ سُوءُ عَمَلِهِ وَ صُدَّ «4» عَنِ السَّبِيلِ» سبيل الهدى «وَ ما كَيْدُ فِرْعَوْنَ+ إِلَّا فِي تَبابٍ» خسار «وَ قالَ الَّذِي آمَنَ» أي مؤمن آل فرعون+ «يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ «5» أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ» و الهدى «يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ» يزول «وَ إِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ» لدوامها «مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ «6» الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ» رزقا لا يحصى لكثرته «وَ يا قَوْمِ ما لِي «7» أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِي «8» إِلَى النَّارِ» فتقابلون النصح بالغش «تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ» مستند إلى حجة إذ ما لا حجة له باطل «وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ» الغالب على كل شيء «الْغَفَّارِ» لمن تاب عن الشرك «لا جَرَمَ» لا رد لكلامهم، و جرم بمعنى وجب و فاعله «أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا» لأنها جمادات «وَ لا فِي الْآخِرَةِ» لأنها إذا أنطقها الله تبرأ من عبدتها أو ليس له استجابة دعوة «وَ أَنَّ مَرَدَّنا» مرجعنا «إِلَى اللَّهِ» فيجازي كلا بعمله «وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ» بالشرك و سفك الدماء «هُمْ أَصْحابُ النَّارِ» ملازموها «فَسَتَذْكُرُونَ» إذا عاينتم العذاب «ما أَقُولُ لَكُمْ» من النصح «وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ» ليقيني شركم «إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا»
(1). قلب
(2). لعلى: بفتح الياء
(3). فأطلع: بضم العين
(4). و صد: بفتح الصاد
(5). اتبعوني
(6). يدخلون: بضم أوله
(7). ما لي: بفتح الياء
(8). تدعونني: بفتح الياء
تفسير القرآن الكريم، ص: 444
من قصد قتله «وَ حاقَ» أحاط «بِآلِ فِرْعَوْنَ+» قومه معه «سُوءُ الْعَذابِ» الغرق أو النار «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا» أي دائما إلى القيامة أو في الوقتين و فيما بينهما بغيره أو فترة و يدل على عذاب القبر بشهادة «وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ» أي هذا قبل قيامها فإذا قامت يقال لهم «أَدْخِلُوا «1» آلَ» يا آل «فِرْعَوْنَ+ أَشَدَّ الْعَذابِ» جهنم «وَ إِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً» جمع تابع كخدم لخادم «فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ» دافعون أو حاملون عنا نصيبا منها «قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها» نحن و أنتم و لا نغني عن أنفسنا فكيف عنكم «إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ» فيجازي كلا بما يستحقه «وَ قالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ» وضع موضع لخزنتها تهويلا و بيانا لمكانهم منها «ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً» قدر يوم «مِنَ الْعَذابِ قالُوا 0» توبيخا و إلزاما «أَ وَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى» أتتنا فكذبناهم «قالُوا» تهكما بهم «فَادْعُوا» أنتم «وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ» ضياع «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا» بالحجة و الغلبة غالبا و إهلاك عدوهم «فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ» جمع شاهدوهم الملائكة و الأنبياء و المؤمنون يشهدون للرسل بالتبليغ و على الكفار بالتكذيب «يَوْمَ لا يَنْفَعُ «2» الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ» اعتذارهم و لو اعتذروا «وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ» البعد من الرحمة «وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ» جهنم «وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى+ الْهُدى» المعجزات و التوراة+ الهادية إلى الدين «وَ أَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ+» من بعده «الْكِتابَ» التوراة+ «هُدىً وَ ذِكْرى» هاديا و مذكرا أو للهدى و التذكير «لِأُولِي الْأَلْبابِ» العقول الواعية «فَاصْبِرْ» على أذى قومك «إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ» بالنصر «حَقٌّ» كائن فاعتبر بقصة موسى+ «وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ» و إن لم تكن مذنبا انقطاعا إلى الله و ليستن بك «وَ سَبِّحْ» متلبسا «بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ» أي على الدوام أوصل العصر و الصبح أو الصلاة الخمس «إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ» برهان «أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ» تكبر عليك و حب للرياسة «ما هُمْ بِبالِغِيهِ» ببالغي مرادهم «فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ» من شرهم «إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ» لأقوالكم «الْبَصِيرُ» بأحوالكم «لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» ابتداء من غير أصل «أَكْبَرُ» في النفوس.
(1). أدخلوا" بضم أوله و الخاء"
(2). تنفع
تفسير القرآن الكريم، ص: 445
«مِنْ خَلْقِ النَّاسِ» ثانيا من أصل و من قدر على الأشد قدر على الأهون «وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» ذلك لتركهم النظر
«وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى «1» وَ الْبَصِيرُ» من لم ينظر و من نظر «وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ» أي و لا يستوي المحسن «وَ لَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ» «2» أي تذكرا قليلا تتذكرون «إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها» في إتيانها «وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ» بها لتركهم النظر «وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي «3» أَسْتَجِبْ لَكُمْ» عاجلا و آجلا بما سألتم أو بما هو خير منه بحسب المصلحة إذا وقع الدعاء بشروطه «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي» دعائي «سَيَدْخُلُونَ «4» جَهَنَّمَ داخِرِينَ» صاغرين «اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ» لاستراحتكم «وَ النَّهارَ مُبْصِراً» يبصر فيه «إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ» عظيم «عَلَى النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ» الله على فضله و تكرير الناس لتأكيد الحكم «ذلِكُمُ» المتوحد بنعوت الكمال و الجلال «اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ» تصرفون عن توحيده مع وضوح دليله «كَذلِكَ يُؤْفَكُ» كما أفك هؤلاء أفك «الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ» بغير حجة «اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً» مستقرا «وَ السَّماءَ بِناءً» سقفا «وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» بانتصابكم و تناسب أعضائكم «وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ» الملاذ «ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ 0» لا مثل له و لا ضد و لا ند «فَادْعُوهُ» فاعبدوه «مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» من الشرك و الرياء قائلين «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي 0» من دلائل توحيده «وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ» أخلص له و انقاد لأمره «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا» أطفالا و أفرد بقصد الجنس أو كل واحد «ثُمَّ» يبقيكم «لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ» كمال قوتكم «ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً «5» وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ»
(1). الأعمى: بكسر الميم
(2). يتذكرون
(3). ادعوني: بضم أوله و فتح آخره
(4). سيدخلون: بضم الياء و فتح الخاء
(5). شيوخا" بكسر أوله"
تفسير القرآن الكريم، ص: 446
قبل الشيخوخة و الأشد «وَ لِتَبْلُغُوا» و فعل ذلك لتبلغوا «أَجَلًا مُسَمًّى» هو وقت الموت أو القيامة «وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» هذه العبر
«هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً» أراد تكوينه «فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» «1» بمجرد إرادته «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى» كيف «يُصْرَفُونَ» عن الحق إلى الباطل «الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ» بالقرآن+ أو الجنس «وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا» من الكتب و الشرائع «فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» وبال تكذيبهم «إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ» بها «فِي الْحَمِيمِ» الشديد الحر أو حر النار «ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ» يوقدون «ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ» توبيخا «أَيْنَ ما «2» كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا 0» غابوا «عَنَّا» أو ضاعوا أو لم نجد منهم نفعا «بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً» يعتد به أو أنكروا عبادتهم إياهم «كَذلِكَ» الضلال «يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ» في الآخرة عما ينفعهم بسبب كفرهم «ذلِكُمْ» العذاب «بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ» أي الشرك و نفي البعث «وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ» تبطرون «ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ» السبعة «خالِدِينَ» مقدرين الخلود «فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ» جهنم «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ» بالانتقام منهم «حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ» من القتل و الأسر و جواب الشرط محذوف أي فذاك «أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ» قبل ذلك «فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ» «3» فنجازيهم بأعمالهم «وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ» و عددهم على
ما روي عنهم ع* مائة ألف و أربعة و عشرون ألف نبي
«وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» و لا اختيار لهم في ذلك «فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ» بالعذاب عاجلا أو آجلا «قُضِيَ بِالْحَقِّ» بين المحق و المبطل «وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ» أهل الباطل «اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَ مِنْها تَأْكُلُونَ» فبعضها للأمرين كالإبل و البقر و بعضها للأكل كالغنم «وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ» كالدر و الجلد و ما عليه «وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ» بالنقلة إليها «وَ عَلَيْها» في البر «وَ عَلَى الْفُلْكِ» في البحر «تُحْمَلُونَ» و لم يقل في الفلك للازدواج.
(1). فيكون. بفتح آخره
(2). أين ما مقطوع بالاتفاق
(3). يرجعون. بفتح الياء و كسر الجيم
تفسير القرآن الكريم، ص: 447
«وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ» دلائل توحيده و قدرته و رحمته «فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ» و كلها جلية «أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ» عددا «وَ أَشَدَّ قُوَّةً وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ» من قصور و مصانع «فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ» نفي أو استفهام «فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ» بما زعموه علما من شبههم الباطلة في نفي البعث و إنكار الصانع، و تسميته علما تهكم بهم أو بعلمهم بظاهر المعاش أو فرحوا بعلم الرسل أي استهزءوا به لقوله «وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» أي جزاء استهزائهم «فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا» عذابنا «قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ» من الأصنام «فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا» إذ لا يقبل إيمان الملجأ «سُنَّتَ «1» اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ» أي سن الله ذلك سنة ماضية في الأمم «وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ» أي وقت رؤيتهم بأسنا.
(41)+ سورة فصلت+ ثلاث أو أربع و خمسون آية+ (53- 54)+ مكية
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»
«حم» إن كان مبتدأ فخبره «تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» و إن كان عدد حروف فتنزيل خبر محذوف أو مبتدأ خبره «كِتابٌ» هو على الأولين بدل منه أو خبر آخر أو المحذوف «فُصِّلَتْ آياتُهُ» ميزت أحكاما و قصصا و مواعظ «قُرْآناً+» مدح أو حال من كتاب باعتبار صفة «عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» العربية أو للعلماء «بَشِيراً وَ نَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ» عن تدبره «فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ» سماع قبول «وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ» أغطية «مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ» فلا تفقه «وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ» صمم فلا نسمعه «وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ» يصدنا عن اتباعك قالوا ذلك استهزاء «فَاعْمَلْ» على دينك أو في هلاكنا «إِنَّنا عامِلُونَ» على ديننا أو في هلاكك «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا» متوجهين «إِلَيْهِ» بالتوحيد و إخلاص الدين «وَ اسْتَغْفِرُوهُ» من الشرك ...
(1). سنت
تفسير القرآن الكريم، ص: 448
«وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ» تهديد لهم
«الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ» فالكفار مخاطبون بالفروع و قرن منعها بالشرك و بالكفر في الآخرة في «وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ» مقطوع أو لا أذى فيه «قُلْ» توبيخا لهم «أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ» مقدارهما «وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً» شركاء «ذلِكَ» الخالق «رَبُّ الْعالَمِينَ» مالكهم و خالقهم و مدبرهم «وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها» بادية لهم ليعتبر بها و يتوصل إلى منافعها «وَ بارَكَ فِيها» كثر خيرها بالمياه و الزرع و الضرع «وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها» الناشئة منها للناس و البهائم «فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ» أي مع اليومين الأولين «سَواءً» «1» استوت سواء و الجملة صفة أيام أو حال من ضمير" فيها" أو" أقواتها" «لِلسَّائِلِينَ» عنها «ثُمَّ اسْتَوى» قصد «إِلَى السَّماءِ» بعد خلق الأرض لا دحوها و قيل خلق السماء قبل الأرض فثم لتفاوت ما بين الخلقين «وَ هِيَ دُخانٌ» أجزاء دخانية «فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا» بما خلقت فيكما من النيرات و الكائنات أو حصلا في الوجود «طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ» بلسان المقال أو الحال «فَقَضاهُنَّ» الضمير للسماء باعتبار ما يؤول إليه أو مبهم يميزه «سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ» قيل هما الخميس و الجمعة و هما مع تلك الأربعة ستة كما في آيات آخر «وَ أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها» أمر أهلها من العبادة و الطاعة «وَ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ» نيرات تضيء كالمصابيح «وَ حِفْظاً» حفظناها عن المسترقة حفظا «ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ فَإِنْ أَعْرَضُوا» عن الإيمان بعد هذا البيان «فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً» نخوفهم عذابا يصعقهم أي يهلكهم «مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ+ وَ ثَمُودَ+» مثل عذابهم الذي أهلكهم «إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ» من كل جهاتهم بالإنذارات و الحجج أو حذروهم ما مضى من هلاك الكفرة و ما يأتي من عذاب الآخرة أو بالعكس «أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا» إرسال رسله «لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً» مرسلين «فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ» على زعمكم «كافِرُونَ» إذ لستم ملائكة «فَأَمَّا عادٌ+ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ» على الخلق «بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ قالُوا» لما خوفوا بالعذاب «مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً» اغترارا بقوتهم كان أحدهم يقلع الصخرة العظيمة من الجبل بيده «أَ وَ لَمْ يَرَوْا» يعلموا «أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ» و خلق قوتهم «هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً» قدرة «وَ كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ» عنادا «فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً» باردة مهلكة من الصر البرد أو شديدة الصوت من الصرير «فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ» «2» مشئومات عليهم «لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ» الذل
(1). سوآء. سواء. سوآء" بفتح آخرها و ضمها و كسرها مع التنوين"