کتابخانه تفاسیر
تفسير القمي، ج1، ص: 25
« وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ «1» » فَقَالَ الصَّادِقُ ع كُلُّ قَرْيَةٍ أَهْلَكَ اللَّهُ أَهْلَهَا بِالْعَذَابِ- وَ مَحَضُوا «2» الْكُفْرَ مَحْضاً لَا يَرْجِعُونَ فِي الرَّجْعَةِ- وَ أَمَّا فِي الْقِيَامَةِ فَيَرْجِعُونَ- أَمَّا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَهْلِكُوا بِالْعَذَابِ (وَ مَحَضُوا الْإِيمَانَ مَحْضاً أَوْ) وَ مَحَضُوا الْكُفْرَ مَحْضاً يَرْجِعُونَ.
قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ- ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ «3» قَالَ مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى عِيسَى ع إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيَنْصُرَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وَ هُوَ قَوْلُهُ « لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ » يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
و مثله كثير- و ما وعد الله تبارك و تعالى الأئمة ع من الرجعة و النصرة- فقال « وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ (يا معشر الأئمة) وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ- كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ- وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ- وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً- يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً » فهذا مما يكون إذا رجعوا إلى الدنيا- و قوله « وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ- وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ » فهذا كله مما يكون في الرجعة
قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ شِمْرٍ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) جَابِرٌ فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ جَابِراً لَقَدْ بَلَغَ مِنْ عِلْمِهِ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَ هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ » يَعْنِي الرَّجْعَةَ.
و مثله كثير نذكره في مواضعه.
و أما الرد على من وصف الله عز و جل- فقوله « وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى «4» »
قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: إِذَا انْتَهَى
(1). الْأَنْبِيَاءُ 95.
(2). مَحَضَ فُلَانٌ الْوُدَّ: أَيْ أَخْلَصَهُ.
(3). آلُ عِمْرَانَ 81.
(4). النجم 42.
تفسير القمي، ج1، ص: 26
الْكَلَامُ إِلَى اللَّهِ فَأَمْسِكُوا- وَ تَكَلَّمُوا فِيمَا دُونَ الْعَرْشِ وَ لَا تَكَلَّمُوا فِيمَا فَوْقَ الْعَرْشِ، فَإِنَّ قَوْماً تَكَلَّمُوا فِيمَا فَوْقَ الْعَرْشِ فَتَاهَتْ عُقُولُهُمْ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُنَادَى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ- فَيُجِيبُ مِنْ خَلْفِهِ وَ يُنَادَى مِنْ خَلْفِهِ فَيُجِيبُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ.
وَ قَوْلُهُ (ع) إِنَّهُ مَنْ تَعَاطَى مَأْثَمَةً هَلَكَ- فَلَا يُوصَفُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ عَزَّ وَ جَلَّ.
و من قول أمير المؤمنين ع في خطبته و كلامه في نفي الصفة «1» ».
و أما الترغيب فمثل قوله « وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ- عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً » و قوله تعالى « هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ- ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ- يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ يُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ » و مثل قوله تعالى « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها و قوله مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » و قوله « مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ- فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ ».
و أما الترهيب فمثل قوله تعالى « يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ » و قوله « يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ- وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ- فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ » و مثله كثير في القرآن نذكره في مواضعه.
و أما القصص فهو ما أخبر الله تعالى نبيه ص من أخبار الأنبياء و قصصهم في قوله: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِ و قوله نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ
(1). كمال الإخلاص نفي الصفات عنه فمن وصفه فقد قرنه و من قرنه فقد ثناه و من ثناه فقد جزأه و من جزأه فقد جهله و من جهله فقد أشار إليه و من أشار إليه فقد حده و من حده فقد عده (نهج البلاغة). ج- ز.
تفسير القمي، ج1، ص: 27
و قوله لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ- مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ، و مثله كثير و نحن نذكر ذلك كله في مواضعه- إن شاء الله تعالى و إنما ذكرنا من الأبواب التي اختصرناها من الكتاب- آية واحدة ليستدل بها على غيرها- و يعرف معنى ما ذكرناه مما في الكتاب من العلم- و في ذلك الذي ذكرناه كفاية لمن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ و قلبه لِلْإِسْلامِ و من عليه بدينه الذي ارتضاه لملائكته و أنبيائه و رسله- و بالله نستعين و عليه نتوكل و نسأله العصمة و التوفيق- و العون على ما يقربنا منه و يزلفنا لديه- و استفتح الله الفتاح العليم الذي من استمسك بحبله و لجأ إلى سلطانه و عمل بطاعته و انتهى عن معصيته- و لزم دين أوليائه و خلفائه نجا بحوله و قوته- و أسأله عز و جل أن يصلي على خيرته من خلقه محمد و آله الأخيار و الأبرار. أقول تفسير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حَدَّثَنِي «1» أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَمَّادٍ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ وَ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ وَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نُصَيْرٍ «2» عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِيِّ وَ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَ عَنْ كُلْثُومِ بْنِ العدم [الْهِدْمِ] «3» » عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ وَ عَنْ
(1). حَدَّثَنَا ط.
(2). نَصْرٍ ط.
(3). الهرم ج- ز.
تفسير القمي، ج1، ص: 28
صَفْوَانَ وَ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ وَ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ وَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنْدَبٍ وَ الْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (ع) قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَنَانٍ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ وَ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ وَ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) تَفْسِيرُ ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَمْرِو بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّاشِدِيِّ وَ صَالِحِ بْنِ سَعِيدٍ وَ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ عِمْرَانَ الْحَلَبِيِّ وَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ فرار [مَرَّارٍ] وَ أَبِي طَالِبٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ الْبَاءُ بَهَاءُ اللَّهِ وَ السِّينُ سَنَاءُ اللَّهِ- وَ الْمِيمُ مُلْكُ اللَّهِ وَ اللَّهُ إِلَهُ كُلِّ شَيْءٍ وَ الرَّحْمَنُ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ وَ الرَّحِيمُ بِالْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً.
وَ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع « بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » أَحَقُّ مَا أُجْهِرَ بِهِ- وَ هِيَ الْآيَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً .
1 سورة الفاتحة مكية و هي سبع آيات 7 «1»
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ الشُّكْرُ لِلَّهِ- فِي قَوْلِهِ رَبِّ الْعالَمِينَ قَالَ خَلَقَ الْمَخْلُوقِينَ الرَّحْمنِ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ الرَّحِيمِ بِالْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ يَوْمِ الْحِسَابِ وَ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ وَ قالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ يَعْنِي يَوْمَ الْحِسَابِ ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) مُخَاطَبَةُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ( وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) مِثْلُهُ ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قَالَ الطَّرِيقَ وَ مَعْرِفَةَ الْإِمَامِ.
قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ قَالَ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ مَعْرِفَتُهُ- وَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
(1). و في ط مدنية و كلاهما صحيح لأنها نزلت مرتين. ج- ز.
تفسير القمي، ج1، ص: 29
قَوْلُهُ وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ «1» وَ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي أُمِّ الْكِتَابِ.
وَ فِي قَوْلِهِ الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ
قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْقَاسِمِ [الْقَسْمِ] بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ جَعْفَرِ [حَفْصِ] بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: وَصَفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع الصِّرَاطَ فَقَالَ أَلْفُ سَنَةٍ صُعُودٌ وَ أَلْفُ سَنَةٍ هُبُوطٌ وَ أَلْفُ سَنَةٍ حُدَالٌ «2» .
وَ عَنْهُ عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الصِّرَاطِ فَقَالَ هُوَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ وَ أَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِثْلَ الْبَرْقِ- وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِثْلَ عَدْوِ الْفَرَسِ- وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مَاشِياً وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ حَبْواً «3» وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقاً- فَتَأْخُذُ النَّارُ مِنْهُ شَيْئاً وَ تَتْرُكُ مِنْهُ شَيْئاً.
قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَرَأَ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ «4» قَالَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ النُّصَّابُ وَ الضَّالِّينَ الْيَهُودُ وَ النَّصَارَى.
وَ عَنْهُ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ غَيْرِ الضَّالِّينَ قَالَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ النُّصَّابُ وَ الضَّالِّينَ الشُّكَّاكُ وَ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ الْإِمَامَ.
قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْحُسَيْنِ [الْحَسَنِ] بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: إِنَّ إِبْلِيسَ أَنَّ أَنِيناً لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ص عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ وَ حِينَ أُنْزِلَتْ أُمُّ الْكِتَابِ.
(1). الزُّخْرُفُ 4.
(2). الْحُدَالُ بِضَمِّ الْحَاءِ كُلُّ شَيْءٍ أَمْلَسَ.
(3). حَبَى الصَّبِيُّ حَبْواً زَحَفَ عَلَى يَدَيْهِ وَ بَطْنِهِ.
(4). وَ فِي ط «غَيْرِ الضَّالِّينَ» ج- ز.
تفسير القمي، ج1، ص: 30
2 سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية 286
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ يُونُسَ عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: الْكِتابُ عَلِيٌّ (ع) لَا شَكَّ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ قَالَ بَيَانٌ لِشِيعَتِنَا قَوْلُهُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ قَالَ مِمَّا عَلَّمْنَاهُمْ يُنْبِئُونَ- وَ مِمَّا عَلَّمْنَاهُمْ مِنَ الْقُرْآنِ يَتْلُونَ- وَ قَالَ الم هُوَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ- الْمُتَقَطِّعِ فِي الْقُرْآنِ الَّذِي خُوطِبَ بِهِ النَّبِيُّ ص وَ الْإِمَامُ- فَإِذَا دَعَا بِهِ أُجِيبَ.
و الهداية في كتاب الله على وجوه أربعة- فمنها ما هو للبيان للذين يؤمنون بالغيب- قال يصدقون بالبعث و النشور و الوعد و الوعيد- و الإيمان في كتاب الله على أربعة أوجه- فمنه إقرار باللسان قد سماه الله إيمانا- و منه تصديق بالقلب و منه الأداء و منه التأييد.
(الأول) الإيمان الذي هو إقرار باللسان- و قد سماه الله تبارك و تعالى إيمانا و نادى أهله به- لقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ- فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ- فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ- قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً- وَ لَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ- لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ- يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً «1»
قَالَ الصَّادِقُ ع لَوْ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ قَالَهَا أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَ أَهْلُ الْمَغْرِبِ- لَكَانُوا بِهَا خَارِجِينِ مِنَ الْإِيمَانِ- وَ لَكِنْ قَدْ سَمَّاهُمُ اللَّهُ مُؤْمِنِينَ
(1). النساء 70.
تفسير القمي، ج1، ص: 31
بِإِقْرَارِهِمْ- وَ قَوْلُهُ « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ » فَقَدْ سَمَّاهُمُ اللَّهُ مُؤْمِنِينَ بِإِقْرَارِهِمْ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ صَدِّقُوا.
(الثاني) الإيمان الذي هو التصديق بالقلب- فقوله « الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ- لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ «1» » يعني صدقوا- و قوله «و قالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً » أي لا نصدقك- و قوله « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا » أي يا أيها الذين أقروا صدقوا- فالإيمان الحق هو التصديق و للتصديق شروط لا يتم التصديق إلا بها- و قوله « لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ- وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ- وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ- وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ السَّائِلِينَ وَ فِي الرِّقابِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ- وَ آتَى الزَّكاةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا- وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ- أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ «2» » فمن أقام بهذه الشروط فهو مؤمن مصدق.
(الثالث) الإيمان الذي هو الأداء- فهو
قَوْلُهُ لَمَّا حَوَّلَ اللَّهُ قِبْلَةَ رَسُولِهِ إِلَى الْكَعْبَةِ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَوَاتُنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَطَلَتْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى « وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ ».
فسمى الصلاة إيمانا.
(الرابع) من الإيمان و هو التأييد- الذي جعله الله في قلوب المؤمنين من روح الإيمان- فقال « لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ- يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ- أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ «3» » و الدليل على ذلك
قَوْلُهُ ص «لَا يَزْنِي الزَّانِي وَ هُوَ مُؤْمِنٌ- وَ لَا يَسْرِقُ السَّارِقُ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ- يُفَارِقُهُ رُوحُ الْإِيمَانِ مَا دَامَ عَلَى بَطْنِهَا- فَإِذَا
(1). يونس 64.
(2). البقرة 177.