کتابخانه تفاسیر
تفسير الكاشف
الجزء الأول
سورة البقرة
الجزء الثاني
سورة آل عمران
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس
الجزء السادس
الجزء السابع
تفسير الكاشف، ج1، ص: 29
الجزء الأوّل في سورة الحمد و سورة البقرة
تفسير الكاشف، ج1، ص: 31
الفاتحة
(بسم اللّه الرّحمن الرّحيم)
[سورة الفاتحة (1): الآيات 1 الى 7]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
النزول:
اختلفوا في مكان نزولها، فقيل: في مكة المكرمة. و قيل: بل في المدينة.
و قال ثالث: نزلت مرتين: في مكة أولا، و في المدينة ثانية تأكيدا لأهميتها، و مبالغة في تشريفها. و أكثر المفسرين على انها نزلت في مكة.
و هذا الخلاف عقيم لا فائدة له، لأن هذه السورة الكريمة لا تحتوي على آية يختلف معناها باختلاف النزول.
تفسير الكاشف، ج1، ص: 32
الأسماء:
ذكروا لها أسماء عديدة، أشهرها:
1- الفاتحة، لأنها أول سورة في كتابة المصاحف، و لوجوب قراءتها في أول الصلاة .. هذا الى ان التعليم على وجه العموم كان يفتتح أول ما يفتتح بها ايام زمان.
2- الحمد، لأنه أول لفظها.
3- أمّ الكتاب، و أمّ القرآن، لأنها متقدمة على غيرها من السور، و لو كتابة .. تقدم الأم على أبنائها، و لأنها اشتملت على أصلين: ذكر الربوبية و العبودية، و عليهما ترتكز تعاليم القرآن.
4- السبع المثاني، لأنها سبع آيات، و بقراءتها يثنى في الصلاة، أو لأنها جمعت بين ذكر الربوبية و العبودية.
و منهما يكن، فان التسمية تصح لأدنى شبه.
[سورة الفاتحة (1): آية 2]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ :
هذه الجملة إخبار بمعنى الإنشاء، لأن المتكلم قصد احداث الحمد للّه، لا الأخبار عن ثبوت الحمد للّه .. و هي تلقين و تعليم من اللّه لعباده: كيف يحمدونه أي قولوا يا عبادي: الحمد للّه.
و معنى الحمد للّه الثناء عليه سبحانه بقصد التعظيم و التبجيل على كل حال، حتى على الضراء، قال أمير المؤمنين (ع) في بعض خطب النهج: «نحمده على آلائه، كما نحمده على بلائه».
و محمد و أحمد و محمود و حامد و حميد و حمدان أسماء مأخوذة من الحمد .. و قد يأتي الحمد وصفا للشيء الذي ترضى عنه، قال تعالى: «عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً - الاسراء 79» .. و قالوا: حمد السوق من ربح .. و عند الصباح يحمد القوم السرى.
تفسير الكاشف، ج1، ص: 33
و لفظ الرب يطلق على السيد و المالك، و كل من المعنيين يصح ارادته هنا، و لكن معنى الخالق هو المتبادر من لفظ هذه الآية الكريمة.
و العالمين جمع عالم بفتح اللام، و العالم يطلق على نوع خاص من الكائنات، فيقال: عالم الجماد، و عالم النبات، و عالم الحيوان، و عالم الإنسان، و لا يطلق لفظ عالم على المفرد، لأنه اسم للجمع .. و المراد بالعالمين هنا كل ما عدا اللّه سبحانه، فيعم جميع الكائنات .. و قد يطلق على جميع أصناف الناس، كقوله:
«هُدىً لِلْعالَمِينَ - آل عمران 96» .. و إذا صح جمع العالمين بالياء نصبا و جرا فينبغي أن يصح جمعه بالواو رفعا، فيقال: العالمون .. و قال أبو حيان الأندلسي في تفسير البحر المحيط: انه شاذ.
و معنى رب العالمين خالق كل شيء و مدبره، و لفظ رب بدل كل من لفظ الجلالة، و يشعر بالعلية، أي اني أحمد اللّه، لأنه رب العالمين.
[سورة الفاتحة (1): آية 3]
مر الكلام عن لفظ الرحمن و الرحيم في فصل البسملة.
و من أقوال أمير المؤمنين (ع) في وصف اللّه جل و عز قوله: «لا يشغله غضب عن رحمة، و لا تلهيه رحمة عن عقاب» .. و الذي فهمته من هاتين الجملتين ان غضب اللّه على العاصين، و عقابهم غدا- لا يمنعه عن رحمتهم في هذه الحياة التي يتمتعون بنعيمها، و يتقلبون في ملذاتها، و ان رحمته غدا للمؤمنين لا تدفع عنهم البلاء و الأسواء في هذه الحياة.
[سورة الفاتحة (1): آية 4]
للفظ الدين معان شتى، منها المكافأة و الجزاء، مثل كما «تدين تدان».
و هذا المعنى يناسب المقام، حيث تجازى في ذاك اليوم كل نفس بما كسبت ..
و قرئ «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» بالألف، كما تقول: فلان مالك هذا البستان بمعنى الاختصاص .. و قرئ «ملك يوم الدين» بكسر اللام، كما تقول:
ملك اليونان بمعنى الحكم و السلطة، و القراءتان متواترتان، و الأولى أكثر استعمالا.
و المعنى المنساق إلى الذهن واحد على كلتا القراءتين، و هو ان كل شيء بيد اللّه وحده اليوم و غدا، فهو رب العالمين، و رب يوم الدين، و الغرض التخويف من المعصية، و الترغيب في الطاعة.
تفسير الكاشف، ج1، ص: 34
و على القراءة الأولى يكون «مالك» وصفا، و على القراءة الثانية يكون «ملك» بدلا.
و في نهج البلاغة: إنّا لا نملك مع اللّه شيئا، و لا نملك الا ما ملّكنا، فمتى ملّكنا ما هو أملك به منا كلّفنا، و متى أخذه منا وضع تكليفه عنا.
[سورة الفاتحة (1): آية 5]
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ :
إياك ضمير منفصل، و محله النصب مفعولا للفعل الذي بعده، و قدم للحصر و الاختصاص .. و المعنى نعبدك، و لا نعبد سواك، و نستعين بك، لا بغيرك، و خاطب العبد ربه بضمير المفرد إخلاصا في التوحيد، و تنزيها عن الشريك، و من أجل هذا لا يخاطب الواحد القهار بصيغة الجمع .. أما ضمير نحن في نعبد و نستعين فللمتكلم و من معه، لا للتعظيم.
و تتحقق العبادة بالصوم و الصلاة، و الحج و الزكاة لوجه اللّه تعالى، و أيضا تتحقق بكل عمل انساني يسد حاجة من حاجات الناس، فلقد جاء في الحديث:
«أهل المعروف بالدنيا أهل معروف في الآخرة .. خير الناس أنفع الناس للناس».
و ليس معنى «إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» ان اللّه أهل للعبادة و كفى، بل تدل الآية أيضا على ان الإنسان مخلوق كريم حرره اللّه من العبودية و الخضوع إطلاقا إلا للحق الذي يعلو على كل شيء، و لا يعلو عليه شيء .. و بديهة ان الحرية التي لا يحدها الحق تنعكس الى فوضى .. و مما قرأته في هذا الباب قول جان بول سارتر: «ان التحرر الحقيقي ان يلتزم الإنسان بوضع نفسه و حريته في خدمة الآخرين» «1» .