کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير الكاشف

الجزء الأول

سورة البقرة

[سورة البقرة(2): آية 34]

الجزء الثاني

سورة آل عمران

[سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): آية 104]

سورة النساء

الجزء الثالث

سورة المائدة

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

[سورة الأنفال(8): آية 24]

الجزء الرابع

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

سورة يوسف

سورة الرعد

سورة النحل

الجزء الخامس

سورة الأسراء

سورة الكهف

سورة طه

سورة الأنبياء

سورة المؤمنون

سورة النور

الجزء السادس

سورة القصص

سورة الأحزاب

الجزء السابع

تفسير الكاشف


صفحه قبل

تفسير الكاشف، ج‏7، ص: 415

علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه و لا في سنّة النبي (ص) و الأئمة أثره فكل علمه الى اللّه سبحانه، فإن ذلك منتهى حق اللّه عليك، و اعلم ان الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السّدد المضروبة دون الغيوب- الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح اللّه اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما، و سمى تركهم التعمق فيما لم يكلفوا البحث عن كنهه رسوخا، فاقتصر على ذلك، و لا تقدّر عظمة اللّه سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين».

(فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَ نَراهُ قَرِيباً) . حذر النبي (ص) المشركين من يوم العذاب، فتعجلوه ساخرين .. فقال سبحانه لنبيه الكريم: إذا استخفوا بيوم العذاب و سخروا منه فاصبر أنت يا محمد على هزئهم و استخفافهم صبرا لا جزع فيه و لا شكوى، و لا تستبطئ النصر عليهم، و إذا تحيلوا يوم العذاب أباطيل و أساطير فهو عند اللّه آت لا ريب فيه، و كل آت قريب .. ثم وصف سبحانه اليوم الذي به يوعدون و منه يسخرون، وصفه بقوله: (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) . تذوب الأجرام السماوية، و تصبح تماما كالزيت العكر، و مثله قوله تعالى: «وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ» - 2 التكوير. (وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) يخالها الرائي صوفا قد فرّق و نفش، و مثله: «وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا» 5 الواقعة أي فتتت.

(وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) لأن كل انسان في شغل شاغل بنفسه عن غيره، و السعيد في ذلك اليوم من ادّخر له الصالحات‏ (يُبَصَّرُونَهُمْ) بتشديد الصاد و فتحها من بصرته الشي‏ء إذا أوضحته له، و واو الجماعة تعود الى «حميم» المرفوع بالنظر الى معناه و ان كان اللفظ مفردا، و «هم» تعود الى «حميما» المنصوب باعتبار ارادة الجمع منه أيضا، و المعنى لا أحد يسأل أحدا يوم القيامة حتى و لو كان من الأصدقاء و الأقارب مع ان بعضهم يعرف بعضا في ذلك، و لكنه يفر منه لما به من الكرب و البلاء.

(يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَ صاحِبَتِهِ وَ أَخِيهِ وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ) . و تومئ «ثم» الى البعد أي هيهات‏

تفسير الكاشف، ج‏7، ص: 416

هيهات أن ينجيه ذلك، و المراد بالصاحبة الزوجة، و بالفصيلة العشيرة، و المعنى واضح و يتلخص بأن أسير جهنم يود لو يفادى من الهول بجميع أهل الأرض حتى الزوجة و الأبناء الذين كان بالأمس يفتديهم بنفسه، و يرتكب من أجلهم المخاطر و الأهوال .. و هذا أبلغ تصوير لأسف المجرم على ما فات، و لهفته على الخلاص و النجاة.

(كلا) أيها المجرمون .. لا تمنيات في هذا اليوم، و لا شي‏ء لكم فيه إلا جهنم أنتم لها واردون‏ (إِنَّها لَظى‏) و ما أدراك ما لظى؟ (نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏) . تنتزع الأعضاء من أماكنها و تشويها، ثم تعاد كما كانت، و تنتزع مرة أخرى و تعاد.

و هكذا الى ما لا نهاية: «لا يُقْضى‏ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ» - 36 فاطر (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى) في الدنيا عن دعوة الهدى و الحق، و المراد بدعوة النار له ان هاربها لا مفر له منها و لا ملجأ (وَ جَمَعَ فَأَوْعى‏) من الوعاء لا من الوعي أي كنز المال في وعاء و نحوه، و الآية تهديد و وعيد لمن جمع المال و حرص عليه، و لم ينفقه في طاعة اللّه، و الجمع بين كانز المال و من كذّب دعوة الحق يشعر بأنهما سواء عند اللّه في يوم الحساب و الجزاء.

[سورة المعارج (70): الآيات 19 الى 35]

إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَ إِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23)

وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ (25) وَ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)

وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلاَّ عَلى‏ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى‏ وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَ الَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33)

وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)

تفسير الكاشف، ج‏7، ص: 417

اللغة:

الهلوع في اللغة الضجور الذي لا صبر له، و المراد به هنا من فسره سبحانه بقوله: «إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَ إِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً» . و المراد بالشر كل مكروه و بالخير كل محبوب. و السائل من يسأل الناس، و المحروم من يستنكف عن السؤال على حاجته و حرمانه. و مشفقون خائفون.

الإعراب:

هلوعا حال من الإنسان. و جزوعا خبر كان المحذوفة هي و اسمها المستتر أي كان جزوعا، و مثله «منوعا» و إذا الاولى متعلقة بجزوع و الثانية بمنوع، و يجوز أن يكون كل من جزوع و منوع حالا، و عليه يكون في الكلام تقديم و تأخير أي: خلق الإنسان هلوعا جزوعا حين يمسه الشر منوعا حين يمسه الخير. الا المصلين استثناء من الإنسان باعتباره اسم جنس. و الذين هم على صلاتهم صفة للمصلين.

المعنى:

(إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَ إِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) .

يشير سبحانه بهذا الى ان الإنسان ضعيف بطبعه كما قال في الآية 28 من سورة النساء: «وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً» و الآية 54 من سورة الروم: «اللَّهُ الَّذِي‏

تفسير الكاشف، ج‏7، ص: 418

خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ» . و يظهر هذا الضعف عند وجود أسبابه كالغنى و الفقر، فان استغنى ضنّ بماله خوفا من الفقر، و ان افتقر استولى عليه اليأس و القنوط ..

و لكن من آمن باللّه حقا، و وثق به و برحمته يتغلب على هذا الضعف، و يصبر عند الشدائد صبر الأحرار متطلعا الى اليسر و الفرج، و يجود بالعطية مؤمنا بأن ما عند اللّه خير و أبقى. و فيما يلي ذكر سبحانه طرفا من أوصاف المؤمنين.

1- (إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) . و يدل هذا الاستثناء من الإنسان الجزوع الهلوع، يدل دلالة واضحة و قاطعة على ان المصلين للّه حقا هم الذين يثقون به وحده، و لا يخضعون لأحد سواه‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» أما الذين يكبرون و يهللون تم يركعون و يسجدون لأهل الجاه و المال طمعا بما في أيديهم، أما هؤلاء فليسوا من المصلين في شي‏ء حتى و لو داوموا على الفرائض و النوافل، و لم يشغلهم عنها أي شاغل.

2- (وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ) . يبذلون في سبيل الطاعات و الخيرات لوجه اللّه تعالى لا يبتغون جزاء و لا شكورا. و تقدم مثله في الآية 19 من سورة الذاريات.

3- (وَ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) . يؤمنون باللّه و اليوم الآخر، و يعملون بموجب هذا الايمان، و إلا فإن الايمان النظري لا يجدي شيئا.

4- (وَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) .

المؤمن يرجو و يخاف، ينظر الى الجنة بعين، و الى النار بعين، يخاف من هذه، و لا ييأس من تلك. قال سبحانه: «فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ» 99 الأعراف. و قال: «إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ» 88 يوسف. و أحسن الناس ظنا باللّه أشدهم خوفا منه كما قال الإمام علي (ع) أي ان الخوف منه تعالى يأتي على قدر العلم بعظمته.

5- (وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى‏ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى‏ وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) . على المؤمن ان يصبر و يرضى بما قسّم اللّه له من بنات حواء، و على المؤمنة أن ترضى و تصبر على ما آتاها اللّه من أبناء آدم، و من صبر و شكر فأجره على اللّه، و إلا فعقابه‏

تفسير الكاشف، ج‏7، ص: 419

الحرمان من الحور و الجنان. و تقدم بالحرف الواحد في الآية 8 من سورة المؤمنون ج 5 ص 358.

6- (وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ) . المؤمن إذا عاهد و في، و إذا اؤتمن لم يخن، و من لا وفاء له لا دين له و لا ضمير. و أيضا تقدم بالحرف في الآية 8 من سورة المؤمنون ج 5 ص 359.

7- (وَ الَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) . الشهادة أمانة اللّه عند الشاهد، فمن كتمها أو حرفها فقد خان اللّه: «وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» - 140 البقرة.

8- (وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) . و تسأل: أ ليست هذه الآية تكرارا للآية السابقة، و هي قوله تعالى: «الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ دائِمُونَ» ؟

و أجاب بعض المفسرين بأن الدوام غير المحافظة، فمعنى دوام الصلاة تكرارها في أوقاتها و معنى المحافظة عليها الإتيان بها بشرطها و شروطها! اما نحن فلا نرى أي فرق بين الدوام و المحافظة لأن الصلاة لا تكون صلاة إلا مع المحافظة على جميع الأجزاء و الشرائط، فإذا فقدت واحدا منها بطلت، و لا يكون تكرارها تكرارا للصلاة .. و الأقرب الى الصواب ان اللّه سبحانه أعاد الآية لمجرد الاهتمام بالصلاة و التنبيه الى أنها عمود الإسلام.

(أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) . أولئك اشارة الى من اجتمعت فيهم الصفات المذكورة، و انهم عند اللّه سبحانه في منازل العز و الكرامة.

[سورة المعارج (70): الآيات 36 الى 44]

فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (37) أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40)

عَلى‏ أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَ يَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى‏ نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (44)

تفسير الكاشف، ج‏7، ص: 420

اللغة:

قبلك بكسر القاف جهتك و نحوك و عندك و حولك. و مهطعين مسرعين. و عزين جمع عزة بكسر العين كعدة، و هي العصبة و الجماعة، و أعربت بالياء و النون إلحاقا بجمع السلامة مثل سنين. و النصب كل ما نصب للعبادة من دون اللّه.

و يوفضون يسرعون و يستبقون. و الخشوع في البصر الغض و يكنى به عن الذل و الهوان، و في الصوت الإخفات، و في القلب الخشية و التواضع. و ترهقهم تلحقهم و تستولي عليهم.

الإعراب:

فما للاستفهام الانكاري مبتدأ، و للذين كفروا خبر. و قبلك ظرف متعلق بمحذوف حال من الذين كفروا أي ثابتين حولك. و مهطعين حال. و عن اليمين و عن الشمال متعلق بعزين لأنه بمعنى متفرقين. و عزين حال أيضا. ان يدخل جنة أي في أن يدخل. و كلّا حرف ردع و زجر. فلا اقسم مثل فلا اقسم 75 الواقعة و 38 الحاقة. و بمسبوقين الباء زائدة إعرابا و مسبوقون خبر نحن. و يخوضوا مجزوم بجواب الأمر. و يوم يخرجون بدل من يومهم. و سراعا حال. و خاشعة أيضا حال.

المعنى:

(فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) ؟ ما شأن هؤلاء الذين كذبوا برسالتك يا محمد، و كفروا بالبعث، ما شأنهم؟ يسرعون‏

تفسير الكاشف، ج‏7، ص: 421

الى مجلسك جماعات جماعات، و يأخذون عندك أماكنهم يمينا و شمالا، يسمعون ما تتلوه من آيات اللّه، ثم يرددونه فيما بينهم ساخرين من البعث و الحساب، و يقول بعضهم لبعض: ان صح هذا فنحن أولى الناس باللّه و جنته، لأنّا أكثر أموالا و أعز نفرا من محمد و صحابته .. فأجابهم سبحانه بقوله عز من قائل: (أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) ؟ لا نصيب لكم ايها المكذبون من جنة اللّه و ثوابه، و لا شي‏ء لكم عنده إلا سوء المصير .. و كيف تطمعون في الجنة و أنتم تكفرون بها، و تسخرون من الرسول الذي دعاكم الى العمل لها؟. أ تحسبون ان الأموال و الأوثان تقربكم من اللّه زلفى؟.

(كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) . و هم يعلمون علم اليقين ان اللّه خلقهم من ماء مهين: «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ» - 6 الطارق و إذا كان أصل الإنسان، كل انسان، واحدا فكيف يكون بعضهم أعظم من بعض عند اللّه، و أولى به من غيره؟. كلا، لا فضل لأبيض على اسود، و لا لغني على فقير إلا بالتقوى و العمل الصالح .. و قوله تعالى: «مِمَّا يَعْلَمُونَ» يتضمن التعريض بالمكذبين بالبعث و الرد على قولهم بأن من يصير عظاما و ترابا لا تعيده أية قوة الى الحياة، و وجه الرد ان الذي خلق الإنسان من ماء مهين قادر على ان يحيي العظام و هي رميم.

(فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى‏ أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) . المراد بالمشارق و المغارب مشارق الكواكب و مغاربها، أو مشارق الشمس و مغاربها، و هي تظهر للأعين و تختفي عنها بسبب دوران الأرض أمامها، و ضمير منهم يعود الى الذين كفروا، و المعنى ان اللّه سبحانه يقسم- على القول ان «لا» زائدة- يقسم، جلت عظمته، انه قادر على ان يهلك المكذبين، و يستخلف مكانهم قوما آخرين لا يعصون اللّه ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون، و إذا أراد ذلك فلا راد لمشيئته. و تقدم مثله في الآية 38 من سورة محمد.

صفحه بعد