کتابخانه تفاسیر
تفسير الكاشف
الجزء الأول
سورة البقرة
الجزء الثاني
سورة آل عمران
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس
الجزء السادس
الجزء السابع
تفسير الكاشف، ج7، ص: 415
علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه و لا في سنّة النبي (ص) و الأئمة أثره فكل علمه الى اللّه سبحانه، فإن ذلك منتهى حق اللّه عليك، و اعلم ان الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السّدد المضروبة دون الغيوب- الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح اللّه اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما، و سمى تركهم التعمق فيما لم يكلفوا البحث عن كنهه رسوخا، فاقتصر على ذلك، و لا تقدّر عظمة اللّه سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين».
(فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَ نَراهُ قَرِيباً) . حذر النبي (ص) المشركين من يوم العذاب، فتعجلوه ساخرين .. فقال سبحانه لنبيه الكريم: إذا استخفوا بيوم العذاب و سخروا منه فاصبر أنت يا محمد على هزئهم و استخفافهم صبرا لا جزع فيه و لا شكوى، و لا تستبطئ النصر عليهم، و إذا تحيلوا يوم العذاب أباطيل و أساطير فهو عند اللّه آت لا ريب فيه، و كل آت قريب .. ثم وصف سبحانه اليوم الذي به يوعدون و منه يسخرون، وصفه بقوله: (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) . تذوب الأجرام السماوية، و تصبح تماما كالزيت العكر، و مثله قوله تعالى: «وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ» - 2 التكوير. (وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) يخالها الرائي صوفا قد فرّق و نفش، و مثله: «وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا» 5 الواقعة أي فتتت.
(وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) لأن كل انسان في شغل شاغل بنفسه عن غيره، و السعيد في ذلك اليوم من ادّخر له الصالحات (يُبَصَّرُونَهُمْ) بتشديد الصاد و فتحها من بصرته الشيء إذا أوضحته له، و واو الجماعة تعود الى «حميم» المرفوع بالنظر الى معناه و ان كان اللفظ مفردا، و «هم» تعود الى «حميما» المنصوب باعتبار ارادة الجمع منه أيضا، و المعنى لا أحد يسأل أحدا يوم القيامة حتى و لو كان من الأصدقاء و الأقارب مع ان بعضهم يعرف بعضا في ذلك، و لكنه يفر منه لما به من الكرب و البلاء.
(يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَ صاحِبَتِهِ وَ أَخِيهِ وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ) . و تومئ «ثم» الى البعد أي هيهات
تفسير الكاشف، ج7، ص: 416
هيهات أن ينجيه ذلك، و المراد بالصاحبة الزوجة، و بالفصيلة العشيرة، و المعنى واضح و يتلخص بأن أسير جهنم يود لو يفادى من الهول بجميع أهل الأرض حتى الزوجة و الأبناء الذين كان بالأمس يفتديهم بنفسه، و يرتكب من أجلهم المخاطر و الأهوال .. و هذا أبلغ تصوير لأسف المجرم على ما فات، و لهفته على الخلاص و النجاة.
(كلا) أيها المجرمون .. لا تمنيات في هذا اليوم، و لا شيء لكم فيه إلا جهنم أنتم لها واردون (إِنَّها لَظى) و ما أدراك ما لظى؟ (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) . تنتزع الأعضاء من أماكنها و تشويها، ثم تعاد كما كانت، و تنتزع مرة أخرى و تعاد.
و هكذا الى ما لا نهاية: «لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ» - 36 فاطر (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى) في الدنيا عن دعوة الهدى و الحق، و المراد بدعوة النار له ان هاربها لا مفر له منها و لا ملجأ (وَ جَمَعَ فَأَوْعى) من الوعاء لا من الوعي أي كنز المال في وعاء و نحوه، و الآية تهديد و وعيد لمن جمع المال و حرص عليه، و لم ينفقه في طاعة اللّه، و الجمع بين كانز المال و من كذّب دعوة الحق يشعر بأنهما سواء عند اللّه في يوم الحساب و الجزاء.
[سورة المعارج (70): الآيات 19 الى 35]
وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)
تفسير الكاشف، ج7، ص: 417
اللغة:
الهلوع في اللغة الضجور الذي لا صبر له، و المراد به هنا من فسره سبحانه بقوله: «إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَ إِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً» . و المراد بالشر كل مكروه و بالخير كل محبوب. و السائل من يسأل الناس، و المحروم من يستنكف عن السؤال على حاجته و حرمانه. و مشفقون خائفون.
الإعراب:
هلوعا حال من الإنسان. و جزوعا خبر كان المحذوفة هي و اسمها المستتر أي كان جزوعا، و مثله «منوعا» و إذا الاولى متعلقة بجزوع و الثانية بمنوع، و يجوز أن يكون كل من جزوع و منوع حالا، و عليه يكون في الكلام تقديم و تأخير أي: خلق الإنسان هلوعا جزوعا حين يمسه الشر منوعا حين يمسه الخير. الا المصلين استثناء من الإنسان باعتباره اسم جنس. و الذين هم على صلاتهم صفة للمصلين.
المعنى:
يشير سبحانه بهذا الى ان الإنسان ضعيف بطبعه كما قال في الآية 28 من سورة النساء: «وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً» و الآية 54 من سورة الروم: «اللَّهُ الَّذِي
تفسير الكاشف، ج7، ص: 418
خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ» . و يظهر هذا الضعف عند وجود أسبابه كالغنى و الفقر، فان استغنى ضنّ بماله خوفا من الفقر، و ان افتقر استولى عليه اليأس و القنوط ..
و لكن من آمن باللّه حقا، و وثق به و برحمته يتغلب على هذا الضعف، و يصبر عند الشدائد صبر الأحرار متطلعا الى اليسر و الفرج، و يجود بالعطية مؤمنا بأن ما عند اللّه خير و أبقى. و فيما يلي ذكر سبحانه طرفا من أوصاف المؤمنين.
1- (إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) . و يدل هذا الاستثناء من الإنسان الجزوع الهلوع، يدل دلالة واضحة و قاطعة على ان المصلين للّه حقا هم الذين يثقون به وحده، و لا يخضعون لأحد سواه «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» أما الذين يكبرون و يهللون تم يركعون و يسجدون لأهل الجاه و المال طمعا بما في أيديهم، أما هؤلاء فليسوا من المصلين في شيء حتى و لو داوموا على الفرائض و النوافل، و لم يشغلهم عنها أي شاغل.
2- (وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ) . يبذلون في سبيل الطاعات و الخيرات لوجه اللّه تعالى لا يبتغون جزاء و لا شكورا. و تقدم مثله في الآية 19 من سورة الذاريات.
3- (وَ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) . يؤمنون باللّه و اليوم الآخر، و يعملون بموجب هذا الايمان، و إلا فإن الايمان النظري لا يجدي شيئا.
4- (وَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) .
المؤمن يرجو و يخاف، ينظر الى الجنة بعين، و الى النار بعين، يخاف من هذه، و لا ييأس من تلك. قال سبحانه: «فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ» 99 الأعراف. و قال: «إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ» 88 يوسف. و أحسن الناس ظنا باللّه أشدهم خوفا منه كما قال الإمام علي (ع) أي ان الخوف منه تعالى يأتي على قدر العلم بعظمته.
5- (وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) . على المؤمن ان يصبر و يرضى بما قسّم اللّه له من بنات حواء، و على المؤمنة أن ترضى و تصبر على ما آتاها اللّه من أبناء آدم، و من صبر و شكر فأجره على اللّه، و إلا فعقابه
تفسير الكاشف، ج7، ص: 419
الحرمان من الحور و الجنان. و تقدم بالحرف الواحد في الآية 8 من سورة المؤمنون ج 5 ص 358.
6- (وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ) . المؤمن إذا عاهد و في، و إذا اؤتمن لم يخن، و من لا وفاء له لا دين له و لا ضمير. و أيضا تقدم بالحرف في الآية 8 من سورة المؤمنون ج 5 ص 359.
7- (وَ الَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) . الشهادة أمانة اللّه عند الشاهد، فمن كتمها أو حرفها فقد خان اللّه: «وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» - 140 البقرة.
8- (وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) . و تسأل: أ ليست هذه الآية تكرارا للآية السابقة، و هي قوله تعالى: «الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ» ؟
و أجاب بعض المفسرين بأن الدوام غير المحافظة، فمعنى دوام الصلاة تكرارها في أوقاتها و معنى المحافظة عليها الإتيان بها بشرطها و شروطها! اما نحن فلا نرى أي فرق بين الدوام و المحافظة لأن الصلاة لا تكون صلاة إلا مع المحافظة على جميع الأجزاء و الشرائط، فإذا فقدت واحدا منها بطلت، و لا يكون تكرارها تكرارا للصلاة .. و الأقرب الى الصواب ان اللّه سبحانه أعاد الآية لمجرد الاهتمام بالصلاة و التنبيه الى أنها عمود الإسلام.
(أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) . أولئك اشارة الى من اجتمعت فيهم الصفات المذكورة، و انهم عند اللّه سبحانه في منازل العز و الكرامة.
[سورة المعارج (70): الآيات 36 الى 44]
تفسير الكاشف، ج7، ص: 420
اللغة:
قبلك بكسر القاف جهتك و نحوك و عندك و حولك. و مهطعين مسرعين. و عزين جمع عزة بكسر العين كعدة، و هي العصبة و الجماعة، و أعربت بالياء و النون إلحاقا بجمع السلامة مثل سنين. و النصب كل ما نصب للعبادة من دون اللّه.
و يوفضون يسرعون و يستبقون. و الخشوع في البصر الغض و يكنى به عن الذل و الهوان، و في الصوت الإخفات، و في القلب الخشية و التواضع. و ترهقهم تلحقهم و تستولي عليهم.
الإعراب:
فما للاستفهام الانكاري مبتدأ، و للذين كفروا خبر. و قبلك ظرف متعلق بمحذوف حال من الذين كفروا أي ثابتين حولك. و مهطعين حال. و عن اليمين و عن الشمال متعلق بعزين لأنه بمعنى متفرقين. و عزين حال أيضا. ان يدخل جنة أي في أن يدخل. و كلّا حرف ردع و زجر. فلا اقسم مثل فلا اقسم 75 الواقعة و 38 الحاقة. و بمسبوقين الباء زائدة إعرابا و مسبوقون خبر نحن. و يخوضوا مجزوم بجواب الأمر. و يوم يخرجون بدل من يومهم. و سراعا حال. و خاشعة أيضا حال.
المعنى:
(فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) ؟ ما شأن هؤلاء الذين كذبوا برسالتك يا محمد، و كفروا بالبعث، ما شأنهم؟ يسرعون
تفسير الكاشف، ج7، ص: 421
الى مجلسك جماعات جماعات، و يأخذون عندك أماكنهم يمينا و شمالا، يسمعون ما تتلوه من آيات اللّه، ثم يرددونه فيما بينهم ساخرين من البعث و الحساب، و يقول بعضهم لبعض: ان صح هذا فنحن أولى الناس باللّه و جنته، لأنّا أكثر أموالا و أعز نفرا من محمد و صحابته .. فأجابهم سبحانه بقوله عز من قائل: (أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) ؟ لا نصيب لكم ايها المكذبون من جنة اللّه و ثوابه، و لا شيء لكم عنده إلا سوء المصير .. و كيف تطمعون في الجنة و أنتم تكفرون بها، و تسخرون من الرسول الذي دعاكم الى العمل لها؟. أ تحسبون ان الأموال و الأوثان تقربكم من اللّه زلفى؟.
(كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) . و هم يعلمون علم اليقين ان اللّه خلقهم من ماء مهين: «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ» - 6 الطارق و إذا كان أصل الإنسان، كل انسان، واحدا فكيف يكون بعضهم أعظم من بعض عند اللّه، و أولى به من غيره؟. كلا، لا فضل لأبيض على اسود، و لا لغني على فقير إلا بالتقوى و العمل الصالح .. و قوله تعالى: «مِمَّا يَعْلَمُونَ» يتضمن التعريض بالمكذبين بالبعث و الرد على قولهم بأن من يصير عظاما و ترابا لا تعيده أية قوة الى الحياة، و وجه الرد ان الذي خلق الإنسان من ماء مهين قادر على ان يحيي العظام و هي رميم.
(فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) . المراد بالمشارق و المغارب مشارق الكواكب و مغاربها، أو مشارق الشمس و مغاربها، و هي تظهر للأعين و تختفي عنها بسبب دوران الأرض أمامها، و ضمير منهم يعود الى الذين كفروا، و المعنى ان اللّه سبحانه يقسم- على القول ان «لا» زائدة- يقسم، جلت عظمته، انه قادر على ان يهلك المكذبين، و يستخلف مكانهم قوما آخرين لا يعصون اللّه ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون، و إذا أراد ذلك فلا راد لمشيئته. و تقدم مثله في الآية 38 من سورة محمد.