کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير المراغى

الجزء الأول

مراجع التفسير

سورة البقرة

فهرس أهم المباحث العامة التي في هذا الجزء

الجزء الثاني

تتمة سورة البقرة

فهرس أهم المباحث العامة العامة التي في هذا الجزء

الجزء الثالث

تتمة سورة البقرة

سورة آل عمران

فهرس أهم المباحث العامة التي في هذا الجزء

الجزء الرابع

تتمة سورة آل عمران

فهرس أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء الخامس

تتمة سورة النساء

فهرس أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء السادس

سورة المائدة

فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء السابع

سورة الأنعام

مناسبة هذه السورة لما قبلها
فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء الثامن

تتمة سورة الانعام

خلاصة ما اشتملت عليه السورة من العقائد و الأحكام

سورة الأعراف

فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء التاسع

تتمة سورة الأعراف

خلاصة ما اشتملت عليه السورة من الأغراض و المقاصد
فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء العاشر

سورة التوبة - سورة براءة

فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء الحادي عشر

تتمة سورة البراءة

سورة يونس

فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء الثاني عشر

تتمة سورة هود

بيان بإجمال للمقاصد الدينية التي حوتها هذه السورة

سورة يوسف عليه السلام

فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء الثالث عشر

تتمة سورة يوسف

إجمال ما جاء فى سورة يوسف
فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء الرابع عشر

سورة النحل

مجمل ما حوته السورة الكريمة من الآداب و الأحكام
فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء الخامس عشر

سورة الاسراء - سورة بنى إسرائيل

مجمل ما حوته السورة من الأغراض

سورة الكهف

فهرس أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء السادس عشر

سورة مريم

خلاصة لما حوته السورة الكريمة من المقاصد

سورة طه

خلاصة لما تضمنتة السورة الكريمة
فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء السابع عشر

سورة الأنبياء

خلاصة ما تتضمنه هذه السورة

سورة الحج

خلاصة ما تضمنته السورة من الحكم و الأحكام
فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء الثامن عشر

سورة المؤمنون

خلاصة ما تضمنته السورة من الحكم و الأحكام و الآداب

سورة النور

مجمل ما حوته السورة الكريمة من الأغراض و المقاصد
فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء التاسع عشر

سورة الشعراء

خلاصة ما حوته هذه السورة الكريمة
فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء العشرون

سورة القصص

خلاصة ما تحويه السورة الكريمة من الأغراض

سورة العنكبوت

فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء الحادي و العشرون

سورة الروم

خلاصة ما احتوت عليه السورة الكريمة من الموضوعات
فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء الثاني و العشرون

تتمة سورة الأحزاب

ما حوته السورة الكريمة من أغراض و مقاصد

سورة سبأ

ما اشتملت عليه السورة الكريمة من حكم و أحكام

سورة فاطر - سورة الملائكة

مجمل ما اشتملت عليه السورة الكريمة من حكم و أحكام
فهرست أهم المباحث العامة التي في هذا الجزء

الجزء الثالث و العشرون

سورة الصافات

مجمل ماحوته السورة من موضوعات

سورة ص

ما تضمنته هذه السورة من العبر و المواعظ
فهرست أهم المباحث العامة التي في هذا الجزء

الجزء الرابع و العشرون

سورة غافر

مجمل ما حوته السورة الكريمة
فهرست أهم المباحث العامة التي في هذا الجزء

الجزء الخامس و العشرون

سورة الشورى

خلاصة ما تضمنته السورة الكريمة من الموضوعات
فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء السادس و العشرون

فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء السابع و العشرون

فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء الثامن و العشرون

فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء التاسع و العشرون

فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الجزء الثلاثون

خاتمة التفسير خاتمة الطبع فهرس أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

تفسير المراغى


صفحه قبل

تفسير المراغى، ج‏1، ص: 25

التي دعت إلى نزوله، و قد نزل بعضه بمكة قبل الهجرة و بعضه بالمدينة بعدها، و لكل من المكي و المدني ميزات يعرف بها.

ميزات المكي:

فمن ميزات المكي أنه نزل لبيان أسس الدين من الإيمان باللّه و اليوم الآخر، و الملائكة و الكتاب و النبيين، و فعل الخيرات و ترك المنكرات، مع إيجاز فى التعبير، و اختصار فى الأسلوب، و يتضح ذلك جليا فى قصار المفصّل كالحاقة و الواقعة و المرسلات.

ميزات المدني:

و من ميزات المدني أنه جاء بأحكام العبادات و المعاملات الشخصية و المدنية فى السلم و الحرب، و أصول التشريع للحكومات الإسلامية، إلى إسهاب فى الأسلوب و بسطة فى القول، و لا سيما عند محاجة أهل الكتاب، و النعي عليهم بتحريف ما أنزل إليهم و دعوتهم إلى التوحيد الخالص، و بيان أن الإسلام الذي جاء به القرآن هو دين الأنبياء صلوات اللّه عليهم جميعا.

تفسير المراغى، ج‏1، ص: 26

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

تمهيد

يرى بعض الصحابة كأبى هريرة و علىّ و ابن عباس و ابن عمر، و بعض التابعين كسعيد بن جبير و عطاء و الزهري و ابن المبارك و بعض فقهاء مكة و قرائها و منهم ابن كثير، و بعض قراء الكوفة و فقهائها و منهم عاصم و الكسائي و الشافعي و أحمد، أن البسملة آية من كل سورة من سورة القرآن الكريم.

و من أدلتهم على ذلك:

(1) إجماع الصحابة و من بعدهم على إثباتها فى المصحف أول كل سورة عدا سورة براءة، مع الأمر بتجريد القرآن من كل ما ليس منه، و من ثم لم يكتبوا (آمين) فى آخر الفاتحة.

(2) ما ورد في ذلك من الأحاديث،

فقد أخرج مسلم فى صحيحه عن أنس رضى اللّه عنه أنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «أنزلت علىّ آنفا سورة فقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم»،

و

روى أبو داود عن ابن عباس‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان لا يعرف انقضاء السورة، حتى ينزل عليه‏ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

و

روى الدار قطنى عن أبى هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال‏ «إذا قرأتم الحمد للّه فاقرءوا بسم اللّه الرّحمن الرحيم فإنها أم القرآن و السبع المثاني، و بسم اللّه الرّحمن الرحيم إحدى آياتها».

(3) أجمع المسلمون على أن ما بين الدفتين كلام اللّه تعالى، و البسملة بينهما فوجب جعلها منه.

و يرى مالك و غيره من علماء المدينة، و الأوزاعى و جماعة من علماء الشام، و أبو عمرو

تفسير المراغى، ج‏1، ص: 27

يعقوب من قراء البصرة و هو الصحيح من مذهب أبى حنيفة- أنها آية مفردة من القرآن أنزلت لبيان رءوس السور و الفصل بينها.

و يرى عبد اللّه بن مسعود أنها ليست من القرآن أصلا و هو رأى بعض الحنفية.

و من أدلتهم على ذلك‏

حديث أنس قال: صليت خلف النبي صلّى اللّه عليه و سلم و أبى بكر و عمر و عثمان، و كانوا يستفتحون بالحمد للّه رب العالمين لا يذكرون بسم اللّه الرحمن الرحيم فى أول قراءة و لا آخرها.

الإيضاح‏

(بسم) الاسم هو اللفظ الذي يدل على ذات كمحمد و إنسان، أو معنى كعلم و أدب.

و قد أمرنا اللّه بذكره و تسبيحه فى آيات فقال: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَ اذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) و قال: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) و قال:

(فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِكُمْ) .

و أمرنا بذكر اسمه و تسبيحه فى آيات أخرى فقال: (وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) و قال: (وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا) و قال: (وَ ما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) .

و من ذلك يعلم أن ذكر المسمى مطلوب بتذكر القلب إياه و نطق اللسان به لتذكر عظمته و جلاله و نعمه المتظاهرة على عباده، و ذكره باللسان هو ذكر أسمائه الحسنى و إسناد الحمد و الشكر إليه و طلب المعونة منه على إيجاد الأفعال و إحداثها.

و ذكر الاسم مشروع و مطلوب كذلك، فيعظم الاسم مقرونا بالحمد و الشكر و طلب المعونة فى كون الفعل معتدا به شرعا، فإنه ما لم يصدّر باسمه تعالى يكون بمنزلة المعدوم.

(اللَّهِ) علم مختص بالمعبود بالحق لم يطلق على غيره تعالى، و كان العربي فى الجاهلية إذا سئل من خلق السموات و الأرض؟ يقول اللّه: و إذا سئل هل خلقت اللات و العزّى شيئا من ذلك؟ يجيب (لا).

تفسير المراغى، ج‏1، ص: 28

و الإله اسم يقع على كل معبود بحق أو باطل، ثم غلب على المعبود بالحق.

(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) كلاهما مشتق من الرحمة و هى معنى يقوم بالقلب يبعث صاحبه على الإحسان إلى سواه، و يراد منها فى جانب المولى عزّ اسمه أثرها و هو الإحسان.

إلا أن لفظ (الرَّحْمنِ) يدل على من تصدر عنه آثار الرحمة و هى إسباغ النعم و الإحسان، و لفظ (الرَّحِيمِ) يدل على منشأ هذه الرحمة، و أنها من الصفات الثابتة اللازمة له، فإذا وصف اللّه جل ثناؤه بالرحمن استفيد منه لغة أنه المفيض للنعم، و لكن لا يفهم منه أن الرحمة من الصفات الواجبة له دائما. و إذا وصف بعد ذلك بالرحيم علم أن للّه صفة ثابتة دائمة هى الرحمة التي يكون أثرها الإحسان الدائم؛ و تلك الصفة على غير صفات المخلوقين، و إذا يكون ذكر الرحيم بعد الرحمن كالبرهان على أنه يفيض الرحمة على عباده دائما لثبوت تلك الصفة له على طريق الدوام و الاستمرار.

افتتح عزّ اسمه كتابه الكريم بالبسملة إرشادا لعباده أن يفتتحوا أعمالهم بها، و

قد ورد في الحديث‏ «كل أمر ذى بال لم يبدأ فيه باسم اللّه فهو أبتر»

(أي مقطوع الذنب ناقص).

و قد كان العرب قبل الإسلام يبدءون أعمالهم بأسماء آلهتهم فيقولون باسم اللات أو باسم العزى، و كذلك كان يفعل غيرهم من الأمم، فإذا أراد امرؤ منهم أن يفعل أمرا مرضاة لملك أو أمير يقول أعمله باسم فلان، أي إن ذلك العمل لا وجود له لولا ذلك الملك أو الأمير.

و إذا فمعنى أبتدئ عملى باسم اللّه الرحمن الرحيم أننى أعمله بأمر اللّه و للّه لا لحظ نفسى و شهواتها.

و يمكن أن يكون المراد- أن القدرة التي أنشأت بها العمل هى من اللّه و لو لا ما أعطانى من القدرة لم أفعل شيئا، فأنا أبرأ من أن يكون عملى باسمي، بل هو باسمه تعالى، لأننى أستمد القوة و العون منه، و لولا ذلك لم أقدر على عمله، و إذا فمعنى البسملة التي جاءت أول الكتاب الكريم، أن جميع ما جاء فى القرآن من الأحكام و الشرائع‏

تفسير المراغى، ج‏1، ص: 29

و الأخلاق و الآداب و المواعظ- هو للّه و من اللّه ليس لأحد غيره فيه شى‏ء، و كأنه قال اقرأ يا محمد هذه السورة بسم اللّه الرحمن الرحيم، أي اقرأها على أنها من اللّه لا منك، فإنه أنزلها عليك لتهديهم بها إلى ما فيه خيرهم و سعادتهم فى الدنيا و الآخرة، و كذلك كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يقصد من تلاوتها على أمته أنه يقرأ عليهم هذه السورة باسم اللّه لا باسمه أي أنها من اللّه لا منه، فإنما هو مبلّغ عنه تبارك و تعالى كما جاء فى قوله:

(وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ* ، وَ أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى‏ فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ‏ ، وَ مَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) .

[سورة الفاتحة (1): الآيات 2 الى 7]

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)

صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ (7)

الإيضاح‏

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) الحمد لغة هو المدح على فعل حسن صدر عن فاعله باختياره سواء أسداه إلى الحامد أو إلى غيره.

و المدح يعم هذا و غيره فيقال مدح المال، و مدح الجمال، و مدح الرياض.

و الثناء يستعمل فى المدح و الذم على السواء، فيقال أثنى عليه شرا، كما يقال أثنى عليه خيرا.

و الشكر هو الاعتراف بالفضل إزاء نعمة صدرت من المشكور بالقلب أو باللسان أو باليد أو غيرها من الأعضاء كما قال شاعرهم:

أفادتكم النعماء منّى ثلاثة

يدى و لساني و الضّمير المحجّبا

يريد أن يدى و لسانى و قلبى لكم، فليس فى القلب إلا نصحكم و محبتكم، و لا فى اللسان لا الثناء عليكم و مدحكم، و لا فى اليد و سائر الجوارح و الأعضاء إلا مكافأتكم و خدمتكم.

تفسير المراغى، ج‏1، ص: 30

و

ورد فى الأثر - الحمد رأس الشكر، ما شكر اللّه عبد لم يحمده.

و قد جعله رأس الشكر، لأن ذكر النعمة باللسان و الثناء على من أسداها، يشهرها بين الناس و يجعل صاحبها القدوة المؤتسى به، أما الشكر بالقلب فهو خفى قلّ من يعرفه، و كذلك الشكر بالجوارح منهم لا يستبين لكثير من الناس.

(للّه) هو المعبود بحق لم يطلق على غيره تعالى.

(رب) هو السيد المربّى الذي يسوس من يربّيه و يدبّر شئونه.

و تربية اللّه للناس نوعان، تربية خلقية تكون بتنمية أجسامهم حتى تبلغ الأشد و تنمية قواهم النفسية و العقلية- و تربية دينية تهذيبية تكون بما يوحيه إلى أفراد منهم ليبلّغوا للناس ما به تكمل عقولهم و تصفو نفوسهم- و ليس لغيره أن يشرع للناس عبادة و لا أن يحلّ شيئا و يحرم آخر إلا بإذن منه.

و يطلق الرب على الناس فيقال رب الدار، و رب هذه الأنعام كما قال تعالى حكاية عن يوسف صلوات اللّه عليه فى مولاه عزيز مصر (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) و قال عبد المطلب يوم الفيل لأبرهة قائد النجاشي: أما الإبل فأنا ربّها، و أما البيت فإن له ربّا يحميه.

(العالمين) واحدهم عالم (بفتح اللام) و يراد به جميع الموجودات، و قد جرت عادتهم ألا يطلقوا هذا اللفظ إلا على كل جماعة متمايزة لأفرادها صفات تقربها من العقلاء إن لم تكن منهم، فيقولون عالم الإنسان، و عالم الحيوان و عالم النبات، و لا يقولون عالم الحجر، و لا عالم التراب، ذاك أن هذه العوالم هى التي يظهر فيها معنى التربية الذي يفيده لفظ (رب) إذ يظهر فيها الحياة و التغذية و التوالد.

و الخلاصة- إن كل ثناء جميل فهو للّه تعالى إذ هو مصدر جميع الكائنات.

و هو الذي يسوس العالمين و يربيهم من مبدئهم إلى نهايتهم و يلهمهم ما فيه خيرهم و صلاحهم، فله الحمد على ما أسدى، و الشكر على ما أولى:

(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قد سبق أن قلنا: إن معنى الرّحمن المفيض للنعم المحسن على عباده‏

تفسير المراغى، ج‏1، ص: 31

بلا حصر و لا نهاية، و هذا اللفظ خاص باللّه تعالى و لم يسمع عن العرب إطلاقه على غيره تعالى إلا فى شعر لبعض من فتن بمسيلمة الكذاب:

سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا

و أنت غيث الورى لازلت رحمانا

و الرّحيم هو الثابت له صفة الرحمة التي عنها يكون الإحسان.

و قد ذكر سبحانه هذين الوصفين ليبين لعباده أن ربوبيته ربوبية رحمة و إحسان، ليقبلوا على عمل ما يرضيه و هم مطمئنو النفوس منشر حو الصدور، لا ربوبية جبروت و قهر لهم.

و العقوبات التي شرعها اللّه لعباده فى الدنيا و العذاب الأليم فى الآخرة لمن تعدّى حدوده و انتهك حرماته- هى قهر فى الظاهر و رحمة فى الحقيقة، لأنها تربية للناس و زجر لهم حتى لا ينحرفوا عن الجادة التي شرعها لهم إذ في اتباعها سعادتهم و نعيمهم، و فى تجاوزها شقاؤهم و بلاؤهم، ألا ترى إلى الوالد الرءوف كيف يربّى أولاده بالترغيب في عمل ما ينفع و الإحسان إليهم إذا لزموا الجادّة، فإذا هم حادوا عن الصراط السوي لجأ إلى الترهيب بالعقوبة حين لا يجد منها محيصا، قال أبو تمام:

فقسا ليزدجروا و من يك حازما

فليقس أحيانا على من يرحم‏

(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قرأ بعض القرّاء مالك، و بعض آخر ملك، و الفارق بينهما أن المالك هو ذو الملك (بكسر الميم) و الملك هو ذو الملك (بضم الميم) و قد جاء فى الكتاب الكريم ما يعاضد كلّا من القراءتين، فيعاضد الأولى قوله: (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) و يعاضد الثانية قوله: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) .

قال الراغب: و القراءتان و إن رويتا عن جمع كثير من الصحابة، فالثانية يكنفها من الجلال و الرّوعة و إثارة الخشية ما لا يوجد مثله فى القراءة الأولى، فهى تدلّ على أنه سبحانه هو المتصرف فى شئون العقلاء بالأمر و النهى و الجزاء، و من ثمّ يقال ملك الناس و لا يقال ملك الأشياء:

صفحه بعد