کتابخانه تفاسیر
تفسير المراغى
الجزء الأول
الجزء الرابع
الجزء الخامس
الجزء السابع
الجزء الثامن
الجزء التاسع
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
الجزء السابع عشر
الجزء الثامن عشر
الجزء التاسع عشر
الجزء العشرون
الجزء الحادي و العشرون
الجزء الثاني و العشرون
تتمة سورة الأحزاب
الجزء الثالث و العشرون
الجزء الرابع و العشرون
الجزء الخامس و العشرون
الجزء السادس و العشرون
الجزء السابع و العشرون
الجزء الثامن و العشرون
الجزء التاسع و العشرون
الجزء الثلاثون
تفسير المراغى، ج24، ص: 101
ثم بين أن ذلك لا يفيدهم شيئا فقد فات الأوان، فلا يفيد الندم و لا الاعتراف بالحق شيئا
ندم البغاة و لات ساعة مندم
و البغي مرتع مبتغيه وخيم
فقال سبحانه:
(فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) أي فلم يفدهم إيمانهم عند ما عاينوا عقابنا، و حين نزل بهم عذابنا، و مضى فيهم حكمنا، فمثل هذا الإيمان لا يفيد شيئا كما قال تعالى لفرعون حين الغرق و حين قال: «آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ» - «آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ؟» .
و بعدئذ ذكر سبحانه أن هذه سنته فيهم و في أمثالهم من المكذبين فقال:
(سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) أي و هكذا كانت سنة اللّه في الذين سلفوا إذا عاينوا عذابه ألا ينفعهم إيمانهم حينئذ، بعد أن جحدوا به و أنكروا وحدانيته، و عبدوا من دونه من الأصنام و الأوثان.
و قصارى ذلك- إن حكم اللّه في جميع من تاب حين معاينة العذاب ألا تقبل منه توبة، و
قد جاء في الحديث «إن اللّه يقبل توبة العبد ما لم يغرر»
أي فإذا غرغر و بلغت الروح الحلقوم فلا توبة، و لهذا قال: «وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ» .
اللهم اقبل توبتنا، و اغفر حوبتنا، و آمن روعتنا: و اجعلنا من الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه، و صلّى اللّه على سيدنا محمد و على آله.
مجمل ما حوته السورة الكريمة
(1) وصف الكتاب الكريم.
(2) الجدل بالباطل في آيات اللّه.
(3) وصف الملائكة الذين يحملون العرش و من حوله.
تفسير المراغى، ج24، ص: 102
(4) طلب أهل النار الخروج منها لشدة الهول ثم رفض هذا الطلب.
(5) إقامة الأدلة على وجود الإله القادر.
(6) إنذار المشركين بأهوال يوم القيامة.
(7) قصص موسى عليه السلام مع فرعون و ما دار من الحوار بين فرعون و قومه و الذي يكتم إيمانه.
(8) أمر الرسول صلّى اللّه عليه و سلم بالصبر على أذى قومه كما صبر أولو العزم من الرسل.
(9) تعداد نعم اللّه على عباده في البر و البحر.
سورة فصلت
هى مكية و آيها أربع و خمسون، نزلت بعد غافر.
أخرج ابن أبى سيبة و عبد بن حميد و أبو يعلى و الحاكم و صححه و ابن مردويه و أبو نعيم و البيهقي و ابن عساكر عن جابر بن عبد اللّه قال: «اجتمعت قريش يوما فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر و الكهانة و الشعر فليأت هذا الرجل الذي فرّق جماعتنا، و شتت أمرنا، و عاب ديننا، فليكلمه و لينظر بم يردّ عليه؟ فقالوا ما نعلم أحدا غير عتبة ابن ربيعة فقالوا ائته يا أبا الوليد، فأتاه فقال: يا محمد أنت خير أم عبد اللّه؟ أنت خير أم عبد المطلب؟، فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم. قال عتبة فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت، و إن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، أما و اللّه ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك، فرّقت جماعتنا، و شتت أمرنا، و عبت ديننا، و فضحتنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرا، و أن في قريش كاهنا، و اللّه ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى
تفسير المراغى، ج24، ص: 103
بعض بالسيوف، يا رجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا، و إن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشرا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: فرغت؟ قال: نعم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ» - حتى بلغ- «فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ» فقال عتبة: حسبك حسبك، ما عندك غير هذا؟ قال: لا، فرجع إلى قريش فقالوا: ما وراءك؟ قال ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه به إلا كلمته، قالوا فهل أجابك؟ قال و الذي نصبها بنية (يريد الكعبة) ما فهمت شيئا مما قال غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد و ثمود، قالوا و يلك يكلمك الرجل بالعربية و ما تدرى ما قال؟
قال لا و اللّه ما فهمت شيئا مما قال غير ذكر الصاعقة».
و
أخرج أبو نعيم و البيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال: «لما قرأ النبي صلّى اللّه عليه و سلم على عتبة بن ربيعة حم أتى أصحابه فقال يا قوم: أطيعونى في هذا اليوم و اعصوني بعده، فو اللّه لقد سمعت من هذا الرجل كلاما ما سمعت أذنى قط كلاما مثله و ما دريت ما أرد عليه».
و في هذا الباب روايات كثيرة تدل على اجتماع قريش و إرسالهم عتبة بن ربيعة و تلاوته صلّى اللّه عليه و سلم أول هذه السورة عليه.
و مناسبتها ما قبلها:
(1) إنهما اشتركتا في تهديد قريش و تقريعهم، فقد توعدهم في السورة السابقة بقوله: «أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ» إلخ و هددهم هنا بقوله: «فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ» .
(2) إن كلتيهما بدئت بوصف الكتاب الكريم.
تفسير المراغى، ج24، ص: 104
[سورة فصلت (41): الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تفسير المفردات
لا يسمعون: أي لا يقبلون و لا يطيعون، من قولهم: تشفعت إلى فلان فلم يسمع قولى: أي لم يقبله و لم يعمل به فكأنه لم يسمعه، و الأكنة واحدها كنان كأغطية و غطاء: و هى خريطة السهام؛ و المراد أنها في أغطية متكاثفة، و الوقر: الثقل في السمع.
الإيضاح
(حم) تقدم الكلام في هذا في السورة قبلها.
(تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أي هذا القرآن منزل من اللّه الرّحمن الرّحيم على نبيه محمد صلّى اللّه عليه و سلم، و خص هذين الوصفين (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) بالذكر لأن الخلق في هذا العالم كالمرضى المحتاجين إلى الدواء، و القرآن مشتمل على كل ما يحتاج إليه المرضى من الأدوية، و على ما يحتاج إليه الأصحاء من الأغذية، فكان رحمة لهم و لطفا بهم كما قال: «وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ» .
و نحو الآية قوله: «وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ» .
(كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ) أي هو كتاب بينت آياته، و ميزت لفظا بفواصل و مقاطع،
تفسير المراغى، ج24، ص: 105
و مبادئ للسور و خواتم لها، و ميزت معنى بكونها وعدا و وعيدا، و مواعظ و نصائح و تهذيب أخلاق و رياضة نفس، و قصص الأولين، و تواريخ الماضين.
و نحو الآية قوله: «كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ، ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ» .
(قُرْآناً عَرَبِيًّا) أي أنزلناه بلغة العرب، ليسهل عليهم فهمه كما قال: «وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ» .
و في هذا امتنان من اللّه عليهم، ليسهل عليهم قراءته و فهمه.
(لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) معانيه، لكونه جاء بلسانهم، فهم أهل اللسان فيفهمونه بلا واسطة، و غيرهم لا يفهمه إلا بوساطتهم.
(بَشِيراً وَ نَذِيراً) أي بشيرا لأوليائه بالجنة و النعيم المقيم إن داوموا على العمل بما فيه من أوامر و نواه، و نذيرا لأعدائه بالعذاب الأليم إن هم أصروا على التكذيب به و الجدل فيه بالباطل و ترك أوامره و فعل نواهيه.
ثم بين حال المشركين حين أنزل إليهم فقال:
(فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) أي فاستكبر أكثر المشركين عن الإصغاء إليه، و لم يقبلوه و لم يطيعوا ما فيه من أوامر و نواه، إعراضا عن الحق.
ثم صرحوا بنفرتهم منه، و تباعدهم عنه، و ذكروا لذلك ثلاثة أسباب، تعللا و احتقارا لدعوته:
(1) (وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) أي إن قلوبنا في أغطية متكاثفة مما تدعونا إليه من الإيمان باللّه وحده و ترك ما ألفينا عليه آباءنا، فهى لا تفقه ما تقول من التوحيد، و لا يصل إليها قولك.
(2) (وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ) أي و في آذاننا صمم يمنعها من استماع قولك.
(3) (وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ) أي و من بيننا و بينك ستر يمنعنا عن إجابتك.
روى أن أبا جهل استغشى على رأسه ثوبا و قال: يا محمد بيننا و بينك حجاب استهزاء منه.
تفسير المراغى، ج24، ص: 106
و قصارى ما يقولون: إن قلوبهم نابية عن إدراك ما جئت به من الحق و تقبّله و اعتقاده، كأنها في غلف و أغطية تمنع من نفوذه فيها، و أسماعهم لا يدخل إليها شىء منه، كأن بها صمما، و لتباعد الدينين و تباعد الطريقين كان بينهم و بين رسول اللّه حجاب كثيف، و حاجز منيع.
ثم بارزوه بالخلاف و شن الغارات الجدلية بما لم يبق بعده مجال للوفاق فقالوا:
(فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) أي فاعمل في إبطال أمرنا جهد طاقتك، و نحن نعمل جاهدين في فض الناس من حولك و تشتيت شمل من آمن بك حتى تبطل دعوتك.
[سورة فصلت (41): الآيات 6 الى 8]
تفسير المفردات
فاستقيموا إليه: أي فأخلصوا له العبادة، ويل: أي هلاك، لا يؤتون الزكاة:
أي لا يتصدقون بجزء من مالهم للسائل و المحروم، ممنون: أي مقطوع من قولهم مننت الحبل إذا قطعته، و منه قول ذى الإصبع:
إنى لعمرك ما بابى بذي غلق
على الصديق و لا خيرى بممنون
المعنى الجملي
بعد أن ذكر المشركون الأسباب التي تحول بينهم و بين قبول دعوته- أمر رسوله أن يجيب عن كلامهم بأنه لا يقدر على جبرهم على الإيمان و حملهم عليه قسرا،
تفسير المراغى، ج24، ص: 107
فإنه بشر مثلهم و لا ميزة له عليهم إلا بأن اللّه أوحى إليه و لم يوح إليهم، ثم ذكر أن خلاصة الوحى علم و عمل، أما العلم فدعامته التوحيد، و أما العمل فأسه الاستغفار و التوبة مما فرط من الذنوب، ثم أردف ذلك التهديد لمن يشرك باللّه و لا يزكى نفسه من دنس الشح و البخل، و ينكر البعث و الجزاء و الحساب يوم القيامة، و ينصرف إلى الدنيا و لذاتها، و بعد أن ذكر وعيد الكفار أعقبه بوعد المؤمنين الذين يعملون الصالحات بأن لهم عند ربهم أجرا دائما غير مقطوع و لا ممنوع.
الإيضاح
(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَ اسْتَغْفِرُوهُ) أي قل أيها الرسول لقومك: ما أنا إلا بشر مثلكم في الجنس و الصورة و الهيئة، و لست بملك و لا جنّى لا يمكنكم التلقي منى، و لا أدعوكم إلى ما تنبو عنه العقول، بل أدعوكم إلى التوحيد الذي دلت عليه الدلائل الكونية، و أيده النقل عن الأنبياء جميعا، من آدم فمن بعده، فأخلصوا له العبادة، و سلوه العفو عن ذنوبكم التي سلفت منكم، بالتوبة من شرككم- يتب عليكم و يغفر لكم.
(وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) أي و خسارة و هلاك لمن أشرك بربه و لم يواس البائس الفقير بشىء من ماله، يدفع به عوزه، و يزيل خصاصته، و أنكر البعث و الحساب و الجزاء، و كان يقال: الزكاة قنطرة الإسلام، فمن قطعها نجا، و من تخلف عنها هلك.